|
عندما يصبح الإله صديقا
محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 7042 - 2021 / 10 / 9 - 23:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل فكرت يوما أن تصادق إلها أو أن تسامره في ليلة مقمرة ؟ هل خطر ببالك يوما أن ترى أو تصادق أربابا متنكرين وأرواحا قدسية سماوية ظهرت في جلود بشر ؟ وهل خطر ببالك أن الزهور في حديقة منزلك وعلى شباكك هي آلهة تمد يدها إليك مصافحة ؟ هل خطر ببالك أن تحب إلها وأن تقبل خدها وأن تتحاور معها ؟ هذه الأسئلة وغيرها مشروعة في الفلسفة الهندية وليست ضربا من ضروب الخيال . في الهند الآلهة تتنازل وتتقمص في أجساد البشر وتعمل بأيديهم وترى بعيونهم وتحب بقلوبهم وتفكر بعقولهم . فإذا تجسدت أمامك صورة من صور البطولة والفداء والكرامات في البشر والحجر والنبات فإياك أن تزدريه فقد تكون عينا الإله تطلان منها وترقبك وتحميك . في الفلسفة الهندية وآدابها هناك الكثير من الخيالات التي تفوق في غناها الفكر الاغريقي واليوناني القديم فالمهابهرتاوالراماينا هما بمنزلة الإلياذة والأوديسة في الأدب الإغريقي وهناك تشابه غريب لدرجة أنك تجد التماثل بين أبطال الملاحم الهندية وأبطال الملاحم الاغريقية وتجد أن " باندو" و "بيروبكشا " أندادا في المرتبة والقوة والحكمة لهرقل وثيسيوس وأوديب ، وعندما تستمر في القراءة بين السطور تصادفك لفحة الحزن والتشاؤم والألم والتطهر الروحي والأخلاق ونقاء الروح وسموها . هناك فرق واحد بين أبطال الملاحم الهندية وأبطال الفلسفة اليونانية . فالأبطال الهنود لا يصارعون القدر وإنما يؤثرون الاستسلام للقدر في حالة اتحاد نيرفاني غريب وزاهد في حالة سامية من الاندماج الروحي بالإله وأما الأبطال لدى الاغريق واليونان فيصارعون القدر إلى أخر رمق في حياتهم . فما التقمص وكيف يُنظر إليه في الدين والفلسفة ؟ التقمص عند الحكماء هو انتقال الروح أو النفس الإنسانية عند انفصالها عنالبدن من جسد إلى آخر، والتقمص يعني جعل الأجساد أقمصة للأرواح تنتقل من أحدها إلىآخر دوراً بعد دورٍ. يقال تقمص أي انتقلت روحه من جسده إلى جسد آخر، وفاعل الفعلهو الروح أو العقل الفعّال كما يقول أرسطووالتقمص عقيدة تقوم على أساس خلود الروحوأزليتها كجوهر، أما الجسد فهو قميصها الذي يبلى فتستبدل به عندئذ قميصاً آخرتنتقل إليه ومنه التناسخ. يعتقد المصريون أن في قدرة الإنسان العودة إلى الحياة بعد موته لأن الموت هو عبارة عن رقاد في القبر إلى أن تعود روح الميت فترتدي أو تتقمص جسدها الثاني من جديد والنفس تتقمص بالتتابع صور جميع الحيوانات التي تعيش على الأرض لتعود بعد ذلك إلى جسد إنسان لكي تبتدئ ثانية بسياحتها الأبدية (الولادة الثانية) وكان بعض المصريين يعتقدون أن الإله أوزوريسيتقمص جسد عجل، ومنه جاء العجل العبراني الذي تعرف به اليهودية. لاشك أن الكنعانيين والفينيقيين كانوا يؤمنون بالحياة الأخرى، فقد كانوا يدفنون الميت ومعه، أو بقربه، متاعه وماله وسلاحه. وقد وُجدت جرار كثيرة كانت تستعمل كتوابيت، توضع فيها الجثة مطوية على نفسها بشكل متجمع، وبجانبها إبريق وصحن وكأس للاستعمال في حياة ما بعد الموت. وكان العرب في الجاهلية يرون أن الناس يُحشرون ركباناً على البلايا، ومشاة إذا لم تُعكس مطاياهم عند قبورهم، أي إذا لم يُشدّ رأس الناقة أو الجمل إلى الخلف بعد عقر إحدى القوائم أو كلها إلى أن تنفق، وهو ما كان يعرف عندهم بعقيدة البليّة أو العقيرة. وقد وجدت في حوران نقوش تدل على أن البهائم كانت تساق إلى الأموات للأكل منها، وهذا يشبه اعتقادات قدماء المصريين. أما بموجب النظرة الأقدم إلى الكون، في بلاد مابين النهرين، عندما كانت الآلهة هي ظواهر الطبيعة، فكان باستطاعة الإنسان أن يصير إلهاً بتقمص شخصية القوى الكونية الكبرى باتحاده بهوية القوة وتلبسها، فيؤثرفيها بممارسة الفعل والحركة في كل المهرجانات المراسيمية والطقوس كمهرجان الموت والبعث، وقد استمر ذلك إلى قبيل الميلاد ببضعة قرون. ترى العقيدة الهندية التي تقوم على اعتبارالوجود إثماً يجب التخلص منه، أن روح الفرد تتقمص أجساداً عدة ومختلفة، إنسانيةوحيوانية ونباتية في أزمنة وأماكن متعددة، ويلاقي الفرد الثواب والعقاب في جميعمراحل تجدده، ويكمن الخلاص في انقطاع سلسلة تقمصه، وهنا يعيش في حالة يدعوهاالبوذي النيرفاناأي الغبطة الكاملة. وتؤمن البوذية على أساس أن كل ذي حسّ قد سبقله أن عاش في الماضي عدة حيوات، وأن أفعاله هي التيتحدد ما ستكونه حيواته المقبلة المتجددة التي تتخذ مستويات لا حصر لها، يشكلمجموعها ما يُسمى «عجلة الحياة والموت» الدائمة الدوران دون رحمة لأحد، فالكلمرتبط بها حتى الآلهة، إذ إنه ليس في البوذية فعل رباني خالق. وعلى هذا تؤمنالبوذية بأن النفس تنتقل من جسد إلى جسد أرضي كي تتطهر وتصل إلىدرجة النيرفانا،فتنتقل عندئذ إلى كوكب آخر، وهم حين يعتقدون بالولادة الثانية، يميزون بين انتقالالروح من جسد إلى جسد آخر في هذا العالم الأرضي وبين انتقالها إلى كوكب آخر، إذ إنالمتوفى يعطي الحياة أو القيامة للشخص الجديد، ويستثنى من التقمص إنسان واحد هوغوتاما بوذالأنه تحرر من عجلة المواليد أو دائرة الوجود. وتعترف الهندوسية والجاينية والبوذية، بعقائد الكارمالأنالعدالة والكمال الأخلاقي والروحي لا يتحقق في حياةواحدة، فالولادة ثانية تعطيالفرد فرصة للتقدم باتجاه الكمال. تنص شريعة مانوعلى أن الإنسان يحصل على النتائج السيئة أو الحسنة للفعل العقليفي عقله ونتائج فعل الكلام في كلامه ونتائج الفعل الجسدي في جسده،وكنتيجة للأفعالالخاطئة التي اقترفها الجسد، يصير الإنسان في الولادة الثانية شيئاً "غيرما كان عليه "ونتيجةللأخطاء التي ارتكبها بالكلام يصير طيراً أو حيواناً، ونتيجة للأخطاء العقلية يولدالإنسان في طبقة منحطة. لكن اللوكاياتا، التي تصنف مع البوذية والجاينية كاتجاهات لا أرثوذكسية،تقول إنهلا توجدحياة ثانية، وأن هذا العالم " لوكا " هو وحده الموجود، وإن الروح لا توجد منفصلة عن الجسد، وإن فرضياتالدين: الله، الحرية، الخلود، هي أوهام، وأن الطبيعة ليست خيّرة ولا شريرة لأنالخير والشر اصطلاحات اجتماعية، عندما يحرقون جثتنا لا نعود مرة أخرى للحياة . المهابهارتا ملحمة تروي حكاية قتال الإخوة الخمسة " الباندوا" مع الإخوة المئة " الكوروا" حيث تنتصر الكثرة على القوة ويطل دم الإخوة الخمسة الباندوا لينطلق في أقاليم الهند للمغامرة ويبدو أن أجمل مغامراتهم قتالهم لعفاريت الغابات المفسدين الذين يظهرون بمظاهر مختلفة على أشكال نبات أو أطيار وقد يكون قتال أحد الإخوة للعفريت ذو الذراعين الطويلتين والبطل الذئبي حيث يقوم بغواية بنات العفاريت بجماله الرائع والفوز بكل جوائزهم بعد حل كل الألغاز بطريقة درامية مشابهة لحل أوديب للغز التنين وتستمر المغامرات لهؤلاء الإخوة حتى يشعرون بالشيخوخة ودنو الأجل فيعتزلون العالم في جبال الهيمالايا حيث تفيض أرواحهم على الصخور العارية . يعتقد الناس في الهند أن الإله الأكبر " وشنو " قد تجسد في كل منهم كما تجسد الآلهة الآخرون في أعدائهم..... هذا ما يفكر به أبناء حضارة الطين .....فهل الآلهة تصطدم بالآلهة على هذه الأرض؟ ربما .
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفلسفة المعاصرة
-
العَقْدُ النّفسي و تسريع التغيير في المجتمع
-
أبانا الذي في فرساي
-
الحق أمام البيرنية خطأ وراءها
-
نحن و الغد
-
العيد اختراع إنساني
-
أخلاقنا وأنماط تفكيرنا
-
السياسة وفضائحها
-
روعة الفيزياء
-
الثقافة روح للمستقبل
-
محكومون بالأمل
-
هل ينجو الادب من السياسة؟
-
المرأة المتواضعة
-
المرأة الفاضلة
-
إذا كان هذا كل شيء
-
ذاكرة
-
الآخرة
-
التائب
-
صلاة الملحد
-
المرأة الواثقة من نفسها
المزيد.....
-
تعود إلى عام 1532.. نسخة نادرة من كتاب لمكيافيلّي إلى المزاد
...
-
قهوة مجانية للزبائن رائجة على -تيك توك- لكن بشرط.. ما هو؟
-
وزيرة سويدية تعاني من -رهاب الموز-.. فوبيا غير مألوفة تشعل ا
...
-
مراسلنا: تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيرو
...
-
الرئيس الأمريكي: -أنا زوج جو بايدن.. وهذا المنصب الذي أفتخر
...
-
مسيرة إسرائيلية تستهدف صيادين على شاطئ صور اللبنانية
-
شاهد.. صاروخ -إسكندر- الروسي يدمر مقاتلة أوكرانية في مطارها
...
-
-نوفوستي-: سفير إيطاليا لدى دمشق يباشر أعماله بعد انقطاع دام
...
-
ميركل: زيلينسكي جعلني -كبش فداء-
-
الجيش السوداني يسيطر على مدينة سنجة الاستراتيجية في سنار
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|