|
متى تترسخ الحرية والتعددية بكل ثرائها في واقعنا الثقافي؟
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 6995 - 2021 / 8 / 21 - 08:46
المحور:
الادب والفن
نبيل عودة
*المنطق السليم يفترض ان يساند الأدباء بعضهم بعضًا للسير بالأدب ورفع مستواه الإبداعي* *الحرية والتعددية هي القاعدة التي جعلت ثقافة المهجر منارة ثقافية راسخة*
يدعي بعض المثقفين ومدعي الثقافة التفوق في كل ما يطرحونه، والويل لمن يعترض على رؤيتهم أو يطرح ما يعارض تفكيرهم. الموضوع يرتبط برغبة تصل لدرجة الهوس لفرض السيطرة على الآخرين وعلى مجمل الحياة الثقافية، من رؤيتهم النرجسية الواهمة لمكانتهم المميزة في مجتمعاتهم. يظنون أنهم هم أصحاب الرأي الذي لا رأي قبله ولا بعده، هم المشكلون للرأي الاجتماعي العام ولمسيرة الثقافة، هم الناطقون باسم مجموعاتهم السكانية والمعبرون بشكل عام عن تطلعات مجتمعاتهم المستقبلية بكل امتداداتها الإنسانية. المنطق السليم يفترض أن يساند الأدباء بعضهم بعضًا للسير بالأدب ورفع مستواه الإبداعي ليعبر عن تطلعاتنا في الحياة الحرة الكريمة، إن النظرة الدونية للآخرين نمت على قاعدة لا تختلف كثيرا عن الفكر القبلي، حتى لو سمي ذلك الفكر بتنظيم سياسي. التنظيمات السياسية في ثقافتنا مارست نهجا لا يمكن ربطه بالمفاهيم الإنسانية للثقافة. نمت لدى البعض الأوهام بالتميز وعمقتها، من رؤيتها أن ذلك يقوي مكانتها داخل مجتمعها ويعزز مكانتها في المنافسة على الأصوات الانتخابية. ربما في مرحلة ما كان يمكن تبرير هذا التصرف، لكن مع انتشار الثقافة والوعي وانتشار التعليم وإمكانيات النشر أضحى هذا النهج نهجا سلبيا مثيرا للسخرية، بتمسك البعض بأوهام التميز، وهم بكل تفكيرهم وإبداعهم ما دون المتوسط. هذه الظاهرة تجاهلت العديد من المبدعين، الأمر الذي يوجب إعادة تقييم مسيرتنا الثقافية بالتجرد من ربطها بالتنظيمات السياسية والترويج الإعلامي الذي مارسته. قال أحد القادة السياسيين (وهو بنفس الوقت أديب بارز) في محاضرة له أمام طلاب جامعة: أن الشعراء لدينا هم أربعة (من الواضح انه يعني أربعة شعراء المقاومة من أعضاء حزبه) لم يذكر غيرهم، وعندما سأله أحد الطلاب "ألا يوجد غيرهم؟" قال "بالنسبة لنا لا يوجد سوى هؤلاء الأربعة"!! المثقفون، الذين تباروا لكسب ود ذلك التنظيم حتى يجعلهم "أدباء مرموقين" (رغم أن بعضهم ما دون المتوسط) بما يوفره لهم من إعلام ووسائل نشر وتوزيع كانت لفترة طويلة مرجعا وحيدا للثقافة العربية داخل إسرائيل، تصرفوا بعقلية لا تختلف عن عقلية القائد السياسي إياه، الذي لا يرى إلا من كان تابعا لحزبه، ويشغل فكره حساب بسيط، مكانته الخاصة، ولتذهب القيم كلها إلى الجحيم. عشنا هذه المرحلة بكل ما تحمله من نرجسيات تركت لنا واقعا ثقافيا وسياسيا فاسدا. ادعوا أنهم أصحاب المعرفة الأبرز والإبداع الأرقى ويجب تقييم كل "خربشاتهم" بصفتها أفضل ما يمكن أن ينتجه المرء من ثقافة أو مواقف فكرية، وكل مثقف لا ينتمي لتيارهم، أو ينتقده، توجب مقاطعته وتجاهله وشطبه من الثقافة، هذا مع الأسف ساد ثقافتنا في مرحلة تاريخية مبكرة من تطورها وآثاره السلبية تشكل اليوم حالة شاذة يجب علاجها وشطبها من واقعنا الثقافي. ولا بد أن أشير أني كنت منضويا في نفس التنظيم، عندما كان منارة حقيقة بنيت ثقافتنا على قاعدتها، لكن التطور تجاوز منطقه العتيق، ولم يستوعب ذلك التنظيم التغييرات العميقة في المجال الإعلامي واتساع مساحة النشر،إلى جانب أن إعلامه لم يعد مميزا، بل يتخلف وراء الإعلام الالكتروني العاصف، وطبعا فقدانه السيطرة على الجيل الجديد من المثقفين الأكاديميين، الذين تجاوزوا فكره الذي بات عائقا أمام انفتاحه وتحرره من جموده العقائدي. لا اكتب ذلك كتقييم، إنما كمثقف عاش تلك المرحلة وكان ناشطا بإطار سياسي لعب دورا مركزيا بفرض رؤيته والترويج لمثقفيه والسيطرة على وسائل النشر والإبراز لأسماء دون غيرها، ليس على قاعدة ثقافية تنويرية، بل حسب مصالح تخدم في النهاية فكر وتنظيم سياسي، مع كل تقييمنا لدوره الايجابي في مرحلة تاريخية ما، إلا انه مع الوقت أضحى عاملا سلبيا مسيئا للواقع الثقافي وتطوره، طبعا التاريخ لا يتوقف عند رغبات البعض لذا بات من الضرورة إعادة تقييم واقعنا الثقافي بعقلانية. بالطبع هناك مجموعة من المثقفين غير دارجة اسمائهم للأسف الشديد بشكل بارز في ثقافتنا العربية. ربما نتيجة الواقع العربي وعلاقة المثقف مع سلطة تعدُّ عليه حتى أنفاسه. هناك مثقف مختلف نوعياً، وجوده نادر في مجتمعاتنا، يحدثنا عنه الفيلسوف الايطالي انطونيو غرامشي، انه "المثقف العضوي"، أي المرتبط، أو المنغمس بقضايا الجماهير التي كرس نفسه لخدمتها، وليس بإطار حزبي ضيق يحدد متطلباته من مثقفيه. كان لطرح غرامشي فهما حزبيا ضيقا. المثقف كما طرحه غرامشي على استعداد لدخول السجون، النفي، المعتقلات ولن يتراجع عن إخلاصه لقضية الجماهير التي كرس حياته بقناعة صلبة من أجل خدمتها. ما عدا فئة المثقفين التنويريين، الذين يحملون دمائهم على أكفهم لا نجد داخل ثقافتنا العربية التي عانت وما تزال تعاني نسبيا من حصار ثقافي، هنا وفي العالم العربي، إلا قلة من أمثالهم... واضح أن الكثير من المثقفين يضطرهم الزمن العربي الأسود للهجرة إلى الدول الغربية، حيث يمارسون نشاطهم الثقافي والفكري والنقدي بحرية لا تتوفر لهم في أوطانهم. إن وضع الحريات للمثقف العربي في تراجع منذ عهد الطهطاوي في منتصف القرن التاسع عشر... وما أحدثته الثورات العربية القومية، لا أجد له انعكاساً اليوم على الساحة الثقافية. بل أجد اختلالاً بالموازين القديمة وتراجعاً شاملاً على المستوى التنويري. من المؤكد أن إلغاء الحريات السياسية في الدول العربية قد أضر بالحالة الثقافية، وخلق مثقفين سلطويين تركوا آثارهم السلبية على مسيرة الثقافة والتنوير العربي. هل بالصدفة أن الثقافة العربية في المهجر أضحت في طليعة الثقافة العربية؟ وهل من ضرورة لنثبت أن مساحة الحرية والتعددية الثقافية والفكرية وحرية النشر هي القاعدة التي جعلت ثقافة المهجر منارة ثقافية راسخة نحلم أن تنعكس بكل ثرائها في واقعنا الثقافي؟ الأدب هو شكل من أشكال النشاط الجمالي والإبداعي للإنسان، والأهم انه شكل من أشكال الوعي الاجتماعي للواقع الذي يعيشه الإنسان بكل امتداده، معبرا عنه بالتخيل أو بالدمج بين الخيال والواقع. لا أدب خارج المجتمع البشري وخارج الواقع الاجتماعي. لا أدب بدون مجتمع بشري يعي حقوقه ويجعل أدبه جزءا من نضاله التحرري، أو لخدمة قضية صادقة وإنسانية. ولا بد من التأكيد أن للأدب دورا جماليا، فكريا، تربويا، فلسفيا وسياسيا بالغ الأهمية في حياة المجتمعات البشرية وصيرورتها. لذلك تجاهل أسماء مبدعين لا يخدم تطوير ثقافتنا، بل يدخلنا بصراعات مختلفة لا تخدم ثقافتنا، بل تنظيمات نفعية وبعض الانتهازيين!!
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يمكن اعتماد نظرية ماركس الاقتصادية للنظام الرأسمالي اليوم
...
-
يوميات نصراوي: تحرر الناصرة من التنظيمات الحزبية، فتح الطريق
...
-
هل تأليه ماركس يتطابق مع فكره؟
-
عودة الوعي، هو النهج السليم لادارة سلطاتنا المحلية
-
نحو رواية فلسطينية لمواجهة الرواية الصهيونية
-
الماركسية ين تيارين: الجمود العقائدي السوفييتي ورفض التعددية
...
-
يوميات نصراوي: اعياد الناصرة الشعبية التي لا تمحوها الذاكرة
-
النظرية الماركسية: الحركات الشيوعية امام مفرق طرق/ اما تجديد
...
-
التطور الرأسمالي هزم نظرية ماركس
-
هموم نقدية
-
يوميات نصراوي:اوراق من دفتري القديم /الحياة القادمة من درب ا
...
-
اشراقة إنسانية الانتفاضة في قصة -الزمن الجديد-: لنبيل عودة
-
-نهاية الزمن العاقر- لنبيل عودة تجديد روح الثورة والقيامة
-
العرب في إسرائيل: أبحاث تكشف التاريخ الأسود للمارسات الإسرائ
...
-
الشعر والشعراء والنقد في ثقافتنا
-
انتفاضة جديدة: نهاية الزمن العاقر
-
من اجل تجديد وانطلاقة لمشروعنا الثقافي!!
-
وثائق إسرائيلية أزيلت عنها السرية تكشف:
-
يوميات نصراوي: كيف نحتفل بالاستقلال وشراع الحق حطام؟
-
في انتظار جائزة نوبل
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|