الديمقراطيات الغربية، هل تؤمنون بالديمقراطية ؟
عبدالله محمد ابو شحاتة
2021 / 8 / 16 - 19:44
الديمقراطية من أكثر المصطلحات ذات الإيحاء الإيجابي في السياسة وعلم الاجتماع، هذا التقديس الواسع الذي اكتسبه المصطلح حديثاً جعل من الصعب على كثير من السياسيين و النخب نقده أو إبداء تشككهم فيه حتى وإن دلت أفعالهم على ذلك. فمن في وقتنا الحاضر يستطيع أن يشكك في مقدرة الشعب على الاختيار وتقرير المصير، ومن بإمكانه أن يطالب حتى بديمقراطية نخبوية بديلاً عن ديمقراطية شعبية.
وبالرغم لحداثة القوة الكبيرة التي اكتسبها المصطلح، إلا أن التقليد الديمقراطي ضارب في القدم كما نعلم جميعاً، فمن اليونان القديم إلى روما القديمة إلى انهيار النظام بفعل تمدد الإمبراطوريات التي خلقت عقبات إيدلوجية وتنظيمه جعلت من المستحيل تطبيقه. ففي تلك النقطة يبين روسو في العقد الاجتماعي شروطاً للدولة الديمقراطية، من أهمها هو صغر حجم الدولة؛ فمع وجود امبراطورية ممتدة سيستحيل تنظيم عمليات ديمقراطية بما هو متوفر من أساليب بدائية، سواء أكانت ديمقراطية مباشرة أو حتى نيابية.
فما عرفه العالم القديم من أشكال الديمقراطية سواء الديمقراطية المباشرة، وأحياناً مزيجاً بين المباشرة والنيابية، ساعد عليه وخاصة الديمقراطية المباشرة ظروف معينة كصغر حجم السكان وتوفر وقت فراغ كبير بالنسبة للمواطنين والناتج في أساسه عن توفر العبيد بكثرة؛ فالعبد يعمل بينما المواطن يحكم. ومن جهة أخرى فصحيح أن ديمقراطيتهم كانت في الكثير من الأحيان نخبوية لاستبعادها النساء وأحياناً بعض الطبقات، إلا أن منطق استبعاد بعض عناصر المجتمع من حق التصويت بقى قائماً حتى منتصف القرن العشرين في عمليات الديمقراطية النيابية؛ فحتى عام ١٩١٤ ظلت النساء محرومات من حق التصويت في جميع الدول الليبرالية الغربية، وقد استمر هذا الوضع في بعض الدول ذات التقليد البرلماني مثل سويسرا حتى ستينات القرن العشرين.
لقد ظهرت الديمقراطية النيابية كبديل منطقي عن الديمقراطية المباشرة لأسباب نعلمها جميعا وقد أشرت لها سابقاً، وهي في معظمها أسباب تنظيمية متعلقة باستحالة تنظيم ملايين الجماهير داخل اقتراعات وجلسات، مع استحالت توفير الوقت الكافي لذلك. فلم تملك الدول القومية في القرنين الماضيين عدد سكان لا يتجاوز الآلاف كما كان الوضع في اليونان وروما القديمة، ولم تمتلك كذلك عبيداً يوفرون لها الوقت ، فيعملون تاركين لهم الوقت اللازم للعمل السياسي. ولكننا الآن نمتلك الآلات الحديثة التي بإمكانها اختصار وقت العمل أكثر وأكثر، ونمتلك وسائل تكنولوجية تستطيع أن تجمع ملايين المواطنين في ذات الوقت دون أن يغادر أحداً منهم عتبة منزلة. تلك التغيرات التي بالتأكيد لم يكن حتى ليتخيلها روسو حين تحدث عن الحجم الأمثل للدولة الديمقراطية.
ويبقى السؤال الذي يطرحه توفر متطلبات الديمقراطية المباشرة، وهو متى يحكم الشعب ويتنحى نواب الشعب !؟ متى يستعيد الشعب سلطاته التي فوض بها مضطراً إلى بضعة مئات من الأشخاص يختارهم بفعل حملات دعائية رأسمالية مشابهة لتلك التي تروج لعبوة شامبو أو طلاء سحري جديد يعالج خدوش السيارات.
فإذا كانت العوائق التنظيمية و التقنية قد أصبحت شيئاً من الماضي، فما هي يا ترى العقبات الحقيقية التي تجعل من النظام الديموقراطي المباشر أمراً غير مطروح بالمرة على طاولة الليبرالية الغربية !؟ أيكون الجواب هو غياب الإيمان بقدرة الشعوب على الحكم واتخاذ القرار وتقرير المصير، إنهم يكفيهم فقط وعلى مضض أن يختاروا من باقة المرشحين التي قدمناها لهم مسبقاً، ثم يضعوا أيديهم على خدهم لخمس أو ست سنوات انتظاراً لموعد الانتخابات القادمة.
إن قلنا أن الديمقراطية هي حكم الشعب، فإن كل ما سيحقق تلك الجملة بشكل أكثر فاعلية فمن المفترض أن يكون هو الخيار الديمقراطي الصحيح. فدولة تكنوقراط ستكون أكثر استبداداً من ديمقراطية نخبوية أو ديمقراطية الحزب الواحد، ولكن هذا الشكل الأخير هو صورة استبدادية طالما أمكننا نظرياً تحقيق ديمقراطية نيابية تعددية؛ فإن قلت أنا أؤمن بالديمقراطية والتي هي حكم شعب فعليك أن تؤيد كل نظام يحققها بشكلها الأمثل.
أن هذا التقرير يضع الليبرالية الغربية أمام سؤالاً يجب أن تجيب عليه بشكل واضح. هل تؤمنون بالديمقراطية أم تؤمنون بالنيابة ؟ هل تؤمنون بحكم الشعب أم بحكم أوصياء الشعب !؟
فإن كنتم تؤمنون بحكم الشعب، فمتى تتركون الحكم للشعب ؟