برحيل ترومكا: الحركة النقابية تخسر مناضلًا عنيدًا كافح الرأسمالية في معقلها
جهاد عقل
2021 / 8 / 13 - 18:51
برحيل القائد والمناضل النقابي الأمريكي ريتشارد ترومكا إثر إصابته بنوبة قلبية في جيل 72 عامًا، يوم الخميس 5/8/2021، خسرت الحركة النقابية الأمريكية خاصة والعالمية عامة مناضلاً نقابيًا عرف عنه انحيازه غير المحدود وعناده لمصالح الطبقة العاملة والعمال في أمريكا خاصة، وفي العالم عامة كقائد نقابي للاتحاد الأمريكي للعمل ومؤتمر النقابات الصناعية وهو أكبر اتحاد نقابي أمريكي. هذا ما يؤكده خصومه أولاً في معقل الرأسمالية الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم مؤيدوه محليًا وعالميًا.
لمحة عن حياته
ولد النقابي ريتشارد ترومكا بتاريخ 24 تموز /يوليو 1949 في بلدة صغيره تدعى نيماكولين الواقعة جنوب غرب ولاية بنسلفانيا، وهي بلدة مشهوره بمناجم الفحم. وهو ابن لعائلة مهاجرة من أصل إيطالي. عملت عائلته في مناجم الفحم، وخلال دراسته كطالب في كلية الحقوق بجامعة فيلانوفا في بنسلفانيا، عمل ريتشارد ترومكا كعامل منجم للفحم وهو في سن التاسعة عشرة من عمره، كما فعل والده وجده. لذا كان هو من الجيل الثالث في هذه المهنة الشاقة والخطيرة. من هنا عرف ما يعانيه عمال المناجم من صعوبة في العمل والخطر على حياتهم وأن شروط عملهم وأجورهم لا تتناسب مع جهودهم هذه، خاصة وأن شركات مناجم الفحم تجني الأرباح الطائلة.
نقابي مناضل يحقق مكاسب غير مسبوقة
بعد تخرّجه وحصوله على شهادة المحاماة وهو في سن 33 عامًا، ترشّح في العام 1982 لرئاسة الاتحاد النقابي لعمال المناجم المدعو "منظمة عمال المناجم المتحدون" (UMWA)
United Mine Workers of America، وفاز بأكثرية الأصوات ليصبح أصغر قائد نقابي لهذا الاتحاد في تاريخه.
بعد توليه رئاسة الاتحاد، تعهّد بأنه سيعيد لعمال المناجم قوتهم من خلال وحدتهم، خاصة لأنه اتضح له عند انتخابه بأن وضعية اتحاد عمال المناجم كانت متضعضعة مما دفعه للإعلان بأن الإتحاد النقابي لعمال المناجم "سوف ينهض مرة أخرى".
ومن موقعه هذا، باشر بإعادة تنظيم عمال المناجم وزرع بذور الوحدة النضالية في صفوفهم، وأن قوتهم لا يمكن كسرها إذا واصلوا وحدتهم، مما سيؤدي إلى تحقيق مطالبهم. وبعدها خاض في عامي 1989 و 1990 بل قاد إضرابًا لهم، أي لعمال مناجم الفحم، ضد شركة تدعى شركة بيتستون للفحم في منطقة أبالاتشيان بولاية فرجينيا الأمريكي (Pittston Coal Group ) استمر 15 شهرًا، جرى اعتقال حوالي 4000 عامل خلال هذا الإضراب الكبير، الذي كان الحافز له قيام الشركة بتقليص بل إلغاء تأمين الرعاية الصحية وعدم تأمين حقوق التقاعد للعمال، بالرغم من استمرار الإضراب أكثر من عام، وهناك من اعتبره أطول إضراب نقابي في هذا المجال. الا أن النقابي ريتشارد ترومكا استطاع غرس الوحدة بين العمال التي لم تستطع إدارة الشركة ووسائل الإعلام الداعمة لها من تفسيخها، مما أدى الى انتصار عمال المناجم وقائدهم في هذه المعركة النضالية ورضوخ الشركة لمطالبهم العادلة بتأمين الرعاية الصحية وحقوق التقاعد لهم، واعتبر هذا النضال النقابي من المحطات النضالية الهامة في تاريخ الحركة النقابية الأمريكية خاصّة والعالمية أيضًا.
خاض ترومكا نضالات نقابية أخرى وهو في هذا المنصب. ومن ميزات هذا القائد النقابي أنه كان على علاقة مباشرة مع العمال ومع عائلاتهم، حيث حمل همومهم وناضل من أجل حقوقهم، وبعد وفاته نشر الكثير عن هذه الميزة من خلال تعليقات العمال في وسائل الإعلام.
لكن النصر الأكبر كان لهذا النضال قرار الكونغرس الأمريكي في عام 1992، بتشريع قانون يلزم شركات الفحم الأمريكية بمنح عمال المناجم حق التأمين التقاعدي والرعاية الصحية.
قيادة نقابية قطرية – فيدرالية
انتقل القائد النقابي ريتشارد (ريتش) ترومكا، بعد بروزه كمناضل عمالي قوي، ليشغل مهمة
أمين الصندوق في "الاتحاد الأمريكي للعمل وكونغرس المنظمات الصناعية" ال (AFL-CIO) وهو أكبر تجمع نقابي أمريكي يضم العديد من النقابات العمالية الامريكية في مختلف المهن، ويبلغ عدد أعضائه اليوم حوالي 12,5 مليون عضو، ويعتبر أمين الصندوق بمثابة المسؤول الثاني في الاتحاد، بل النائب التنفيذي للرئيس، الذي كان يومها النقابي جون سويني والذي استمرت قيادته للاتحاد من سنة 1995 وحتى سنة 2009 .
بعد انتهاء ولاية جون سويني في العام 2009 انتخب النقابي ريتشارد ترومكا لمنصب الأمين العام للاتحاد بتأييد واسع من أعضاء المؤتمر السنوي في 2009، وفي خطابه بعد انتهاء عملية الانتخاب وفوزه، تعهد بأنه سيعمل على توسيع العضوية للنقابات التي كانت متدنية يومها، وتعهد بجذب الجيل الشاب من العمال إلى الحركة العمالية – النقابية، الذين إما "لا يملكون المال للذهاب إلى الكلية أو يكادون يصبحون مفلسين بحلول وقت خروجهم منها".
وهذا ما قام به خلال 12 عامًا من رئاسته للاتحاد، بما في ذلك النضال من أجل تحقيق مكاسب للعمال على الصعيد الفيدرالي الأمريكي. وعرف في فترة رئاسة أوباما بمواقفه الضاغطة من أجل التأمين الصحي واتفاقيات العمل الجماعية ورفع أجر الحد الأدنى والمساواة الجندرية والعمل اللائق والصحة والسلامة المهنية ودعم العمال المهاجرين، وفي هذا المجال كان أول رئيس للاتحاد النقابي الأمريكي الذي يُنتخب فيه نائب له من العمال المهاجرين وهو النقابي تيفري جيبري من أصل أثيوبي، كما كان من الداعمين والمؤيدين لمساواة المرأة واهتم بأن تكون أمينة الصندوق (الخزانة) في الاتحاد امرأة شابه هي النقابية ليز شولر والتي من منصبها هذا تعتبر القائمة بأعمال الرئيس، التي من المتوقع أن تقود الاتحاد في الفترة الانتقالية حتّى عقد المؤتمر العام في سنة 2022، مع أن ممثلة عاملات مضيفات الطيران قد أعلنت عن نيتها ترشيح نفسها لمنصب الأمين العام.
فقدان أسطورة نقابية وتعازٍ من القيادات الرسمية والنقابية
في بيان الاتحاد الذي صدر بعد تعميم خبر وفاة النقابي ريتشارد ترومكا جاء: "فقدت الحركة العمالية و AFL-CIO والأمة أسطورة اليوم". كرس ريتش ترومكا حياته للعمال، منذ أيامه الأولى كرئيس لمنظمة عمال المناجم المتحدون في أمريكا إلى قيادته التي لا مثيل لها كصوت للحركة العمالية الأمريكية".
كما صدرت تعاز تعبر عن حجم الخسارة للعمال وعالم العمل في أمريكا عن كل من الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته كاملا هاريس وعن كل من وزير العمل مارتي والش والسناتور تشاك شومر ونانسي بيلوسي والرئيس باراك أوباما ونائب الرئيس السابق آل جور وغيرهم من الشخصيات الأمريكية بالإضافة للنقابيين من مختلف المهن.
لا ننسى أن نذكر في النهاية أن النقابي ترومكا كان يشغل حتى وفاته منصب رئيس الاتحاد الدولي للنقابات العمالية، مقره مدينة بروكسل، والذي أصدر بيان نعي وتعزية لفقدان رئيسه، كما نعته العديد من الاتحادات النقابية العالمية، معتبرة رحيله المبكر خسارة للحركة النقابية الأمريكية والعالمية. وبدورنا، كنا قد بعثنا برسالة تعزية أيضًا للزملاء في الاتحاد النقابي الامريكي الذي كان يرأسه الراحل ريتشارد ترومكا.