عمال العراق بين الوعي الطبقي والوعي الزائف
صوت الانتفاضة
2021 / 8 / 9 - 14:38
((ان مفهوم الوعي الطبقي يلعب دورا هاديا وقياديا في الحركة والسياسة الاشتراكيتين، ذلك ان اكتساب الوعي الطبقي من قبل فئات السكان الرازحة تحت نير الاضطهاد هو الشرط الأول لكل تحويل ثوري للنظام الاجتماعي القائم)) ويلهلم رايش.
عندما نقرأ عن الطبقة العاملة في العراق تاريخيا، نجد انها وفي بعض من نضالاتها كانت تمتلك وعيا طبقيا عاليا، أي انها كانت تعرف دورها في عملية الإنتاج، في تراكم الثروة، تٌدرك أهمية موقعها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي السياسية، هذا الوعي جعلها تتخندق حول هوية واحدة "الطبقة" وليس لهويات تعريفية أخرى زائفة "دينية، طائفية، قومية، عشائرية"؛ فعندما يطالب العمال بتكوين نقابة او جمعية لهم، او يطالبون بأنشاء نادي عمالي، او يصدرون جريدة او منشور يتحدث عن نضالاتهم وحياتهم، او يلتحقون بقيادة عمالية يرون بها القوة والحزم امام سلطة رأس المال، او يساندون جميع الإضرابات والاعتصامات العمالية، او ينتمون لقوى سياسية محددة "شيوعية واشتراكية"، وكل هذا حصل في تاريخ الحركة العمالية في العراق، او جزء منه منذ بدايات التكون والتشكل، فهذا كله يدل على وجود وعي طبقي عمالي صميمي.
ان الإرث العمالي الكبير الذي تركته الاحتجاجات والاضرابات والتجمعات العمالية، والممتد لأكثر من قرن- يرى بعض الباحثين ان اول تحرك عمالي هو ما سجلته الصحافة التي تصدر في إسطنبول، عاصمة الدولة العثمانية، في 1876، عن إضراب عمال السدود في لواء المنتفك، الناصرية حاليا، وهو ما يجعلنا نقف امام أول إضراب عمالي، مرورا بتأسيس اول جمعية عمالية "جمعية أصحاب الصنائع في العراق" 1928، الى تأسيس صحافة عمالية "التعاون" 1930 الخاصة بجمعية "تعاون الحلاقين"، الى كتابة أنظمة داخلية لتلك الجمعيات- هذا الإرث الكبير يشير بشكل جلي وناصع الى قدرة الطبقة العاملة على التمسك بوعيها الطبقي العالي.
لكن الإرث العمالي هذا غير كاف لترسيخ وعيا طبقيا، فالقوى البورجوازية تعمل بشكل حثيث لتفريق الطبقة العاملة، بإثارة الهويات التعريفية الزائفة "الدينية والطائفية والقومية والعشائرية" وهي لا تألوا جهدا في ذلك، وقد يكون شكل السلطة "الطائفي، القومي، العشائري"، ما بعد 2003 قد أنتج وبشكل واضح جدا كل تلك التعريفات والهويات "وعي زائف"، والذي فتت كل شكل من اشكال النضال العمالي، وغرس بشكل غريب وعيا قذرا بين صفوف العمال، مما أصاب الحركة العمالية بالشلل، ولم تعد قادرة على التجمع او الاتحاد تحت أي شكل من اشكال التنظيم.
أيضا فأن الأحزاب اليسارية والنقابات والاتحادات "العمالية" الحالية لم تستطع ان تؤدي دورها المعتاد، بمحاولة إعادة ترميم صفوف الطبقة العاملة، وإزالة كل تلك التعريفات المزيفة؛ هذه القوى اليسارية والنقابات كانت السبب في تشدق بعضا من "المثقفين اللبراليين" الضيقي الأفق والمحتوى، والذين يبثون دعايتهم البورجوازية بعدم وجود طبقة عاملة في العراق او عدم وجود صراع طبقي، هذه الدعاية كانت قد ساهمت بشكل كبير في ابتعاد العمال عن وعيهم الطبقي، وساهمت أيضا في انتشار فكرة "اللاحزبية"، التي((كانت قد أحرزت انتصارات مؤقتة معينة، والتي أصبحت شعارا على الموضة،- الاضرابية اللاحزبية، الديموقراطية اللاحزبية، الثورية اللاحزبية)) كما يقول لينين بشكل رائع.
لقد انتشر بين أوساط العمال وعي ديني مقيت، خصوصا بعد احداث 2003 وتسلم القوى الإسلامية للسلطة، يعتمد على الغيبيات في مرة، وعلى الميليشيات في أخرى، فالكثير من العمال "يدعون الله والائمة ان يلين قلب هذا المدير او ذاك لصرف المستحقات او تمشية المعاملات التقاعدية" او ان قسما كبيرا منهم يلجأ الى الميليشيات، خصوصا أيام مظاهرات "حوافز عمال وزارة الصناعة، او توزيع قطع الأراضي"، وانتشرت اللغة الدينية اليائسة والمحبطة "الله كريم، انشاء الله، هاي قسمتنا، ولم يبقى غير الله نلتجأ اليه".
في أيام انتفاضة أكتوبر 2019 وبسبب من عدم وجود طبقة عاملة متجانسة، وبسبب غياب وعيها الطبقي، لم يستطع العمال ان يتجمهروا او يشكلوا كتلة داخل ساحات الاحتجاج، لم يكن لهم أي ملمح واضح، اسوة ببقية التجمعات الطلابية والتدريسية والنسوية، لقد غابوا تماما من مشهد الانتفاضة، بل ان المتظاهرين الغاضبين كانوا قد صبوا جام غضبهم على العمال والموظفين الذين كانوا يذهبون الى أماكن عملهم.
اليوم، والكثير من العمال، حتى ممن هم منضوين داخل قوى يسارية، وهم يحاولون دعم هذا المرشح او ذاك، للدخول في عملية سياسية بائسة، يقودهم وعي قبيح وقذر "طائفي، قومي وعشائري"، هذا الركض خلف قوى الإسلام السياسي والقوميين والعشائريين للكثير من العمال يحز في النفس، لكنه في جانب اخر هو درس للقوى اليسارية ان تلزم نفسها بتكثيف الدعاية المضادة لهذا الوعي المزيف، الذي لم يغادر وعي الطبقة العاملة بعد، وأيضا التزام الصرامة والحزم امام أي طرح بهذا الشكل.
لقد كتب محمد صالح القزاز في نهاية العشرينات من القرن الماضي، والذي يعد أحد رواد الحركة العمالية في العراق ورئيس جمعية "أصحاب الصنائع"، كتب معززا بشكل واضح الوعي الطبقي للعمال:
((اننا أصبحنا ضعفاء، وليس لنا من يطالب بحقوقنا ولا من يمثلنا امام الحكومة الموقرة والشركات للتفاهم معها فيما يهمنا، وهذا الضعف ناتج عن عدم اتحادنا.... وان هذا الاتحاد لا يكون ذا نتيجة محسوسة الا إذا انتظم تنظيما صحيحا، ولا سبيل لهذا التنظيم الا بطريق تأليف الجمعيات والنقابات)) بمثل كلمات كهذه، وعمل نقابي مدروس بني وعي طبقي عمالي حقيقي، وليس بعزل النقابات والاتحادات "العمالية" التي تقوم بترسيخ الفهم البورجوازي المبتذل "النقابات اللاحزبية".