|
محمد نفاع القصصي البارع
شاكر فريد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 6961 - 2021 / 7 / 17 - 02:46
المحور:
الادب والفن
برحيل محمد نفاع تفقد حياتنا الثقافية والأدبية والسياسية الفلسطينية، علمًا بارزًا ولامعًا من أعلام النضال والفكر والإبداع الوطني الملتزم. فمحمد نفاع شخصية وطنية وقامة أدبية سامقة ومثقف بامتياز، وهو من الرعيل الأول للكتاب السرديين في هذه الديار، ومن أبرز كتاب القصة القصيرة في المشهد الأدبي والثقافي الفلسطيني، وواضع أسس المدرسة التراثية في أدبنا الفلسطيني الحديث، من خلال طابع متميز ونكهة خاصة في الكتابة القصصية. انخرط محمد نفاع منذ شبابه المبكر في النضال مع أبناء شعبه، رافضًا الخدمة العسكرية القسرية المفروضة على الطائفة المعروفية، وقد بدأ خطواته الأولى عضوًا في الشبيبة الشيوعية، ومن ثم في صفوف الحزب الشيوعي، الذي أمضى فيه حياته حتى آخر نبض ورمق، واشغل أمينه العام، وكان بمثابة بوصلته السياسية. واتصف محمد نفاع بحسه الإنساني، وبصلابة المواقف الجذرية المبدئية، وبالرؤية بعيدة المدى، لكل ما يحيط بنا من أحداث ومتغيرات، وكان ذا بوصلة وطنية صادقة قائمة على أسس الفلسفة الماركسية اللينينية، وعلم الجمال الماركسي. ويعد نفاع كاتبًا أيديولوجيًا يساري النزعة، امتاز بالتصوير الواقعي، والتأليف السردي، جامعًا بين العامية المحكية والفصحى، وتوظيف الأمثال الشعبية والألفاظ المحلية والسخرية، وكتب قصصه بروح وضمير الجماعة. كتب محمد نفاع القصة، والقصة القصيرة، والرواية، والمقالة السياسية، ونشر كتاباته في أدبيات الحزب الشيوعي "الجديد، الغد، والاتحاد"، وترك لنا إرثًا أدبيًا جميلًا، ومن أعماله المطبوعة: "العودة إلى الأرض، الأصيلة، ودية، ريح الشمال، كوشان، الذئاب، مرج الغزلان، وادي اليمام، التفاحة النهرية، خفافيش على اللون الأبيض، أنفاس الجليل، وغبار الثلج". تحمل قصص محمد نفاع ابعادًا إنسانية ووطنية وطبقية واضحة، ينحاز من خلالها إلى جانب الناس البسطاء والعمال والكادحين والمسحوقين والمستضعفين، وكأنه " أبو ذر الغفاري". وفي قصصه يتناول الكثير من الموضوعات المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأرض، لدرجة عشقه الصوفي للأرض وترابها، ونجده يصف البيئة الشعبية والقرية العربية، مصورًا كرسام تشكيلي ماهر حياة الفلاحين والناس في القرية، ويبرع في وصف قريته "بيت جن" المتربعة كالعروس على جبل "الجرمق"، وتجسيد عادات أهلها وتقاليدهم المتوارثة والسائدة، ووصف كل ذرة تراب لدرجة يمكننا أنه ترابي، وقصصه تنتمي للأدب الريفي ( الايديليا). وما يسم لغة نفاع في قصصه أنها لغة شعبية قروية وفلاحية بسيطة، وفي كثير من الأحيان محلية بفطرتها وانسيابها وعفويتها، فهي لغة الناس اليومية القريبة إلى الذوق العام. وتعتبر مجموعته القصصية "التفاحة النهرية" بمثابة وثيقة ثقافية وتاريخية وتسجيلية للقرية والريف، وتتصف قصصها بالواقعية، فضلًا عن المزج بين الواقعين الاجتماعي والسياسي، وتتمحور حول عدة قضايا ومسائل أبرزها الدفاع عن الأرض والانتماء إليها، ودورها في تغيير المفاهيم والقيم الاجتماعية والحياتية. وفي مجمل قصصه يركز نفاع على حضور صورة المكان الفلسطيني، حيث يذكر أسماء القرى الفلسطينية، وبالذات المهجرة منها، وأكثر الأماكن استخدامًا وتوظيفًا في أعماله القصصية بلده "بيت جن" و"الجرمق" و"الكرمل" وغير ذلك، ويركز على أماكن تمت مصادرة أراضيها، أو تغيرت أسماؤها بعد النكبة. ويكثر من الاطناب في السرد من خلال تقنيات عديدة كالتداعيات والاستطرادات والوصف التصويري المفصّل، ناهيك عن الاكثار من الشعارات على لسان شخصياته، وهي شعارات نابعة من صميم قناعاته ومعتقداته الفكرية وآرائه السياسية. ومن خلال أعماله نلحظ التزامه بالموقف اليساري التقدمي، وبالرسالة الإنسانية الاجتماعية والأيديولوجية التي يريد ايصالها إلى شرائح مجتمعية واسعة، بالإضافة إلى هيمنة المكان كعنصر أساسي، وإعطائه لونًا جميلًا خاصًا يجذب القارئ ويعطيه فكرة ومغزى واضحًا، ينصب في التمسك والانزراع في الأرض والجذور، بكل ما تمثله الأرض من صمود وبقاء ووجود وهوية وانتماء وحياة. كتب الأديب الفلسطيني الراحل نواف عبد حسن، غداة صدور مجموعته القصصية "ودية"، قائلًا: "الحقيقة، فإنه فيما عدا قصص أحمد حسين ومحمد نفاع، فإنه من الصعب وبكل الموضوعية القول بأن هناك قصة محلية ناجحة، ومع أن البعض قد كتب بعض القصص التي تثير الانتباه، إلا أن في هذه القصص شيء مفقود يحرمها تلك العذوبة والطلاوة التي تشد القارئ إلى قصص كقصص محمد نفاع، وإذا كان لنا بعض المآخذ فهي هذا التفاوت بين الشكل والمضمون، والذي ينبغي لهما التساوق والتلاحم وبنفس المدى من الرصانة، وافتقاد الذروة أو العقدة في كثير من القصص، وبعض الفقرات المباشرة. والحقيقة أن قلائد مثل "جاء وقت الغوا" و"كيف أهدى" و"أنفاس الجليل" ستظل سلالًا على صدر التاريخ الفني للقصة المحلية". محمد نفاع السياسي والأديب والقصصي المتفرد، والفلاح الأصيل الذي أحب الأرض حتى درجة العشق، فأحبته سهولها وغاباتها وأشجارها وزهورها، كتب حكايته وترجل عن صهوة الأدب ورحل رحيله الأبدي معانقًا أرض الزابود وثرى الجرمق.
#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى محمد نفاع (أبو هشام) في حضرة الموت
-
المشهد السياسي الفلسطيني إلى أين؟!
-
سرقة أموال الفلسطينيين
-
قلوبنا مع خالدة جرار
-
حوار مع الشاعرة والناثرة نرمين سعيد
-
د. إيهاب بسيسو ضحية لحرية التعبير
-
على هامش رفض العليا لقانون القومية
-
العنف.. قضية مجتمعنا الأساسية
-
قصيدة لم تنشر من قبل للشاعر الراحل فاروق مواسي
-
نهوض مجتمعنا منوط بتغيير ثقافته السائدة
-
عودة الدكتور سلام فياض للمشهد السياسي الفلسطيني، فهل تتشكل ح
...
-
سقط قانون القومية لكنه لم ينتهِ..!
-
المأزق الفلسطيني الراهن
-
مقترح عيساوي فريج والتسوية البائسة
-
عن قانون لم الشمل مرة أخرى
-
في خطاب ونهج منصور عباس
-
قمة بغداد الثلاثية
-
لا طريق للتغيير الشامل سوى الانتخابات
-
سفارة لهندوراس في القدس
-
خطوة في الاتجاه الصحيح
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|