تونس: على ماذا يعارض معارضو الانقلاب على الفصل 20 من القانون الأساسي لاتحاد الشغل ؟
بشير الحامدي
2021 / 6 / 26 - 19:27
لن نظيف كثيرا لما قلناه سابقا حول طبيعة القيادة التي على رأس نقابة الاتحاد العام التونسي ولا حول طبيعة المنظمة نفسها وما أصبحت عليه. لقد فصلنا القول في ذلك كثيرا طيلة العشر سنوات الأخيرة وحتى قبل 17 ديسمبر 2010 بأعوام. ولكن ما هو جدير بالمناقشة اليوم هو موقف «المعارضة النقابية» إن صحت تسميتها بالمعارضة مما نشهده من انقلاب على الفصل 20 للنظام الداخلي للاتحاد الشغل(1) واستمرار المكتب البيروقراطي المركزي لهذه المنظمة في الانقلاب على هذا الفصل ودعوة الهيئة الإدارية لهذه المنظمة لانعقاد مؤتمر استثنائي غير انتخابي يوم 9 جويلية 2021 بموجبه يقع الدوس على هذا الفصل ومن هناك التمديد لبقاء أعضاء القيادة الحالية مدة نيابية أخرى أو حتى أكثر.
بداية عمل بيروقراطية الاتحاد على الانقلاب على الفصل 20 لم يكن وليد اليوم إنه يعود إلى سنوات 2017 بعد خروج حسين العباسي وتسلم نور الدين الطبوبي الأمانة العامة للمكتب التنفيذي لهذه المنظمة. إنه أيضا ردة فعل لدي بيروقراطية هذه المنظمة للانقلاب عن هذا القانون ظلت كامنة منذ إقرار قانون الدورتين بقيت تتصيد الظروف المناسبة لتنفيذها حتى حانت هذه الظروف فالتقطتها وبدأت الاشتغال عليها.
بدأت بيروقراطية الاتحاد تنفيذ الانقلاب على الفصل 20 بعد أن أسكتت كل الأصوات في المكتب البيروقراطي المركزي وفي الهيئة الإدارية التي يمكن أن تعارضها وبعد أن تأكدت من محدودية المعارضات النقابية الداخلية القاعدية أو القطاعية التي نشأت واندثرت أو التي يمكن أن تنشأ. وفي الحقيقة فإن كل المعارضات النقابية التي تشكلت من داخل الاتحاد العام التونسي للشغل بقيت مجرد معارضات انتخابية ركزت طيلة العشريتين الماضيتين على الصراع على المواقع في هياكل المنظمة وأغفلت كل ما له مساس بالسياسات النقابية ولم تتمكن هذه المعارضات من التطور والانغراس في الاتحاد كاتجاه مستقل عن البيروقراطية ولم ترق إلى التشكل كمعارضة من الداخل فاعلة ولم تبرز أثناء عديد المحطات كتوجه مستقل ولم تقدم أثناء مؤتمرات الاتحاد أو خارجها أي مشاريع مستقلة بديلة من أجل نقابة مستقلة وديمقراطية لا بل العكس هو الذي حصل حيث تحول قطاع عريض من هذه المعارضات إلى حليف معلن للبيروقراطية وحارسا من حراسها.
لقد استمرت كل المعارضات النقابية تعتبر الأزمة التي تنخر الاتحاد العام التونسي للشغل مجرد أزمة ناتجة عن انحرافات قيادات هذه المنظمة وتحدد الصراع داخل الاتحاد على هذا المستوى فقط وهو خطأ أدى بكل المجموعات النقابية أو الخطوط النقابية التي تبنته إلى الفشل حتى في مجرد الضغط على البيروقراطية ودفعها ولو للتنازل أو المساومة بالرهان على الموقع. ولعل تجربة ما يقارب العشريات الثلاث من فعل هذه المعارضات داخل الاتحاد العام التونسي للشغل وفشل رهان التغيير على هذه القاعدة لخير دليل على ما نقول.
إن قصر نظر هذه المجموعات المعارضة على تعدد مشاربها وتسمياتها هو الذي حال دون تَمَثُلِ كل أبعاد الأزمة التي تعيشها الحركة النقابية هذه الأزمة التي لم تتوقف عند انحرافات قياداتها بل تعدتها لتشمل كل مرتكزات العمل النقابي وكل أبعاده. وكما ينطبق الأمر على المعارضات السابقة التي نعرف ينطبق كذلك على المعارضة الحالية الناشطة في معاضة الانقلاب على الفصل 20.
إن مظاهر التبقرط والسياسات الفاسدة مظاهر نشأت مع نشأة الاتحاد العام التونسي للشغل. ولئن لم تمنع هذه التشوهات التي نشأت مع الولادة الحركة النقابية وفي بعض المحطات التاريخية وهي قليلة على كل حال من التعبير عن نزوعها إلى تجاوز هذه القيود [1978ـ 1985 ـ 2002 ـ 2010] إلا أن نزوعها هذا ولغياب مشروع نقابي عمالي مستقل وديمقراطي ولغياب القوى النقابية القادرة على النضال من أجل إرسائه لم يؤد إلا إلى إعادة ترميم نفس المشروع البيروقراطي المأزوم وإطالة حياة تشوهات الولادة و«عودة» البيروقراطية في كل مرة وبعد كل منعرج إلى الركح كقوة مهيمنة. [أنظر مؤتمر قفصة سنة 1981 ومؤتمر سوسة سنة 1989و مؤتمر جربة 2002 ومؤتمر طبرقة 2011] والذي كان النموذج الأكثر تعبيرا من بين المحطات السابقة للتسويق لمهزلة المشروع المأزوم وإعادة بعث الروح فيه برغم حدوثه زمنا قليلا بعد الانفجار الثوري لـ 17 ديسمبر 2010.
أن يستمر اليوم في 2021 معارضو بيروقراطية الاتحاد على نفس النهج لهو في تقديري الخطأ الكبير الذي وقع فيه هؤلاء النقابيون والذي سينتهي بهم إما إلى أحضان هؤلاء الذين يعارضونهم أو إلى الانسحاب من العمل النقابي وفي الحالتين سيكون ذلك بمثابة الهزيمة المدوية التي ليس بعدها من هزيمة.
إن اعتبار قاعدة معارضة القيادة البيروقراطية للاتحاد اليوم هو الإبقاء على الفصل 20 وحصر أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل في انحرافات قياداته البيروقراطية عن نهج قياداته التاريخية فقط بينما كل القرائن والتحاليل تدفع في اتجاه التأكيد على أن الأزمة هي أزمة مشروع نقابي استنفد تاريخيا كل إمكانياته ولا بد بالتالي إذا ما رمنا حقا تقديم معالجة سليمة لأزمة الحركة النقابية دون السقوط في إعادة إنتاج أخطاء الماضي من إعادة النظر بشكل جذري وشامل في معضلات الحركة النقابية للخروج بمشروع نقابي مستقل ديمقراطي ـ مشروع بديل يستجيب لطبيعة التحديات الراهنة ويقدم الإجابات الضرورية اليوم للشغالين للدفاع عن مصالحهم في وجه آلة الاستغلال والقمع الرأسمالي وفي وجه الهيمنة البيروقراطية لقياداته [ الإجابات نعني بها شكل التنظم النقابي والسياسة النقابية ].
إن الاتحاد العام التونسي لشغل اليوم سواء كشكل تنظيمي نقابي أو كسياسة نقابية تحول إلى منظمة فاقدة لهويتها الطبقية. منظمة لا صلة لها بالخدامة وبالعمل النقابي. منظمة بقوانين تمنع أي إمكانية لسيادة منتسبي هذه المنظمة على قرارهم وبيد بيروقراطية تلعب موضوعيا دور الكابح لكل إمكانية تغيير أو تجذر. إن أزمة الاتحاد اليوم ليست أزمة ظرفية أو عابرة إنها أزمة مشروع لم يعد يستجيب لا لشروط النضال ولا للسياسات النقابية المفروض أن تتبناها الحركة العمالية في مواجهة التحولات التي عرفها ويعرفها عالم العمل وفي ظل الهجوم الكاسح الذي يشنه رأس المال اليوم على القوى العاملة.
إن حصر الصراع مع البيروقراطية في الفصل 20 وحده دون التطرق إلى مسائل الخلاف الأخرى ذات العلاقة بمسألة الديمقراطية النقابية وكأّن الفصل 20 من النظام الداخلي هو السقف الذي لا يمكن أن نتجاوزه اليوم في عملية الدفاع عن الديمقراطية النقابية أو كأنه فصل مفصول عن أنظمة قانونية للاتحاد هي برمتها أنظمة منتهكة للديمقراطية. كذلك لابد من الإشارة أيضا إلى أن كل وجهات النظر وهنا أشير تحديدا إلى معارضي الانقلاب على الفصل 20 التي طالعتنا توقفت عند التشخيص ولم تتعداه لتقديم اقتراحات عملية ملموسة يمكن أن تنبثق عنها أشكال نضالية ميدانية تعمل على التصدي للبيروقراطية وتمنعها من المساس بهذا الفصل ولما لا تذهب بعيدا في النضال من أجل مشروع نقابي ديمقراطي فعلا.
في الحقيقة إن اعتبار التمسك بالفصل 20 كسقف للنضال ضد انتهاك البيروقراطية النقابية للديمقراطية والقفز على أن معارضة البيروقراطية اليوم تتطلب مشروعا نقابيا بديلا يقطع مع إخفاقات المعارضات النقابية السابقة ويؤدي إلى انبثاق أشكال نضالية ميدانية قاعدية والتسليم بأن أمر الحسم هو موكول للأطر التقليدية لهذه المنظمة [هيئة إدارية ـ مجلس وطني] أو القضاء مواقف لا يمكن لا أن تبني معاضة نقابية جذرية ولا أن تحقق منع تنظيم المؤتمر الانقلابي وبالتالي فسخ الفصل 20 نهائيا من قانون الاتحاد.
لذلك نقول إن مسألة الانقلاب على الفصل 20 قد فتحت أمام الحركة النقابية امكانية لخرق حالة الدوران في حلقة مفرغة، وهي الحالة التي وسمت نشاطات هذه المعارضة طيلة العشريات الفارطة، ومكنتها من مجال للنضال والصراع ضد البيروقراطية من أجل مشروع نقابي كفاحي يتجاوز الفصل العاشر في حدّ ذاته ليلامس المطروح اليوم على الحركة النقابية ويتقدم أشواطا في تجسيم الحل الحقيقي الضروري اليوم للحركة العمالية فلم يعد مجديا اليوم المراوحة في مساحات المعارضات على فصل أو على موقف بعينه وقد بينت التجربة أن المستفيد من هكذا معارضات لم يكن غير البيروقراطية وأن هكذا معارضات لم تنتج تاريخيا غير تأبيد المشروع البيروقراطي المأزوم. إن حاجة الحركة العمالية اليوم ماسة أكثر من أي وقت مضي لبديل نقابي في مستوى التحديات التي يواجهها الأجراء بديل ديمقراطي ومستقل وكفاحي يضمن للعمال والأجراء كشكل تنظيمي نقابي استقلالية قرارهم ويتيح لهم إمكانيات للنضال من أجل تحقيق مطالبهم ومواجهة هجوم رأس المال.
إن أي مشروع للإصلاح النقابي ديمقراطي فعلا يجب أن يتصدى للمسألة في شموليتها لا أن ينحصر في معارضة فصل من الفصول نعلم جيدا أن البيروقراطية قد رتبت للانقلاب عليه وتقدمت أشواطا في تنفيذه ولن يوقفها لا حكم قضائي ولا دعوات رطبة للتمسك بالقوانين المنظمة التي هي نفسها قوانين لاديمقراطية أو دعوات لمقاطعة المؤتمر مثلما أعلنت قيادة قطاع التعليم الثانوي.
إن المطلوب اليوم هو إنضاج مبادرة قاعدية واسعة تدعو لسيادة منتسبي القطعات عن قرارهم مبادرة تذهب بعيدا في تجاوز قوانين هذه المنظمة البيروقراطية وتكون صريحة في الدعوة لاستقلال القطاعات وفي إرساء اتحاد نقابات مستقلة على كل المستويات التنظيمية والمالية اتحاد نقابات يحدد سياساته منخرطوه في كل قطاع بقيادة تشكلها هذه النقابات حسب نسبة منخرطي كل قطاع مستقل اتحاد نقابات مستقلة وليس اتحاد المكتب البيروقراطي المركزي وهيئته الإدارية.
(1) الفصل العشرون
أـ يتركب المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل من خمسة عشر عضوا(15) على أن لا يتجاوز عدد المتقاعدين منهم أربعة أعضاء
ب ـ يتم انتخابهم من قبل المؤتمر العام بالاقتراع السري لمدة (5) خمس نوات قابلة للتجديد مرة واحدة
من القانون الأساسي الذي تم تنقيه في المؤتمر الثالث والعشرين بتاريخ 23 ـ 24 ـ 25 جانفي 2017 ص 13 و14
26 جوان 2021