أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فراس ناجي - أنْ نقاطع أو لا نقاطع الانتخابات العراقية القادمة...!















المزيد.....

أنْ نقاطع أو لا نقاطع الانتخابات العراقية القادمة...!


فراس ناجي
باحث و ناشط مدني

(Firas Naji)


الحوار المتمدن-العدد: 6904 - 2021 / 5 / 20 - 16:18
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


إن مقاطعة العملية الانتخابية هي فكرة مألوفة خاصة في الديمقراطيات المشوهة للعالم النامي، حيث تنعدم الثقة بين القوى الحاكمة المتشبثة التي تتلاعب بإدارة الانتخابات وبين قوى المعارضة المُضطهَدة والمتأرجحة بين المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات. فالمشاركة في معركة انتخابية غير متوازنة يمكن أن تؤدي الى خسارة المعارضة، فتستمد القوى الحاكمة شرعية لنظامها الفاسد، بينما يمكن أن تؤدي مقاطعة الانتخابات الى تجديد القوى الحاكمة لسلطتها مع ما يمكن أن تتضمنه من فرصة لمدّها بشريان حياة إضافي ولو بشرعية ناقصة.

في البداية سأحاولُ تأسيس منطلق أو قاعدة يمكن أن نبني عليها مناقشتنا لقضية مقاطعة الانتخابات العراقية المقرر إجراءها في تشرين الأول القادم، والتي عبرت عنها قوى سياسية متعددة بعد اغتيال الناشط إيهاب الوزني، وذلك لتحديد مسار مساهمة هذه المقالة في محاولة تنضيج فكرة المقاطعة من عدمها في الحالة العراقية.

ولعل أهم جانب من هذا المنطلق هو التسليم بأن القوى الحاكمة الحالية – والتي تشمل مجموع القوى السياسية من مختلف القوميات والطوائف التي يتمحور صراعها السياسي على تعظيم إيراداتها من الاقطاعيات التي أسستها ضمن الدولة – لن تستسلم لتداول السلطة بصورة سلمية مع أي قوى سياسية تهدد وجودها واقطاعياتها سواء أكانت هذه القوى ناتجة عن ثورة تشرين أو غيرها. وأعتقد ان هذه النقطة قد وضحت بما لا يقبل الشك بعد الايغال في اختطاف الإرادة السياسية للدولة وتهميش مؤسساتها من خلال التحدي المسلح العلني، وإفشال أي محاولة لتحديد نفوذ اقطاعيات القوى الحاكمة، مع القمع والاضطهاد للمعارضة عبر اغتيالات الناشطين ومحاربتهم بأذرع السلطة وقوى اللادولة.

الجانب الثاني من منطلقنا لمناقشة قضية مقاطعة الانتخابات القادمة هو أن القوى المعارضة والتي تهدد فعلياً القوى الحاكمة، ويمكن أن تؤسس لنقلة حقيقية في المشهد العراقي نحو دولة المواطنة السيادية وانهاء نفوذ قوى اللادولة، هي قوى ناشئة غير متمرسة في العمل السياسي، تفتقر الى رؤية واضحة لمشروع وطني بديل، وتعتمد في شعبيتها على دورها في ثورة تشرين وتجاوب الجماهير مع شعارات الثورة حينها. وعلى الرغم من تأسيس بعض الأحزاب "التشرينية" السياسية مؤخراً، ووجود نوع من التنسيق بين بعضها، إلا أن المشهد السياسي لقوى ثورة تشرين يمكن تقييمه موضوعياً بأنه مشتت ومنقسم بين قوى تحالفت مع بعض أطراف القوى الحاكمة وأخرى تعارض العملية السياسية برمتها، بالإضافة الى الأحزاب التشرينية المنقسمة بدورها بين مُقاطع ومشارك في الانتخابات القادمة.

فإذا حللنا الوضع السياسي الحالي في العراق من هذا المنطلق لتقييم فكرة مقاطعة الانتخابات القادمة، نجد أن أدبيات علم السياسة والتجارب المشابهة السابقة في العالم، تشير أغلبها إلى أن تنفيذ هذه الفكرة لا يؤدي الى النتائج المرجوة، وأن المشاركة في العملية الانتخابية – على علاتها – كان يمكن أن يكون أكثر فائدة لأحزاب المعارضة ولعملية التغيير المرتقبة من المقاطعة. وهنا يمكن الإشارة إلى بعض هذه المحاولات مثل تجربة الربيع العربي في مصر والتي انتهت بإعادة انتاج نظام شمولي بعد 3 سنوات على إسقاط نظام حسني مبارك؛ وكذلك فشل مقاطعة أحزاب المعارضة لنظام شافيز في فنزويلا في 2005 الذي مرر ما كان يبغيه من قرارات عبر سيطرته على البرلمان بدون معارضة ما زاد من حدة الانقسام المجتمعي والأزمة السياسية هناك؛ وكذلك تجربة الاستفتاء حول استمرار حكم الديكتاتور التشيلي بينوشيت في 1988 والتي قاطعها الحزب الشيوعي التشيلي داعياً الى انتفاضة مسلحة بينما قررت باقي أحزاب المعارضة المشاركة فيها، وانتهت الى اقصاء بينوشيت واستعادة نظام الحكم الديمقراطي في تشيلي، بينما لم يسترجع الشيوعيون التشيليون تأثيرهم السابق في الحياة السياسية لحد اليوم. وعلى الرغم من الاختلاف في التفاصيل بين هذه التجارب والحالة العراقية، إلا أن السياق العام واضح بأن المقاطعة غير المدروسة غالباً ما تؤدي الى خسارة للقوى المعارضة تستفيد منها القوى الحاكمة لتدعيم سلطتها أو إعادة انتاج سلطتها واستمرار نفوذها في الدولة.

في المقابل يمكن أيضاً أن نشير الى تجربة أحزاب المعارضة للنظام الملكي العراقي في الخمسينيات والتي قررت المشاركة في انتخابات 1954 بجبهة وطنية على الرغم من عدم مصداقية العملية الديمقراطية للنظام الملكي حينها والتشكيك في مقدرة الحكومة في اجراء انتخابات نزيهة. فقد شاركت أحزاب المعارضة – وبضمنها الحزب الشيوعي والوطني الديمقراطي والاستقلال مع بعض المستقلين – في جبهة انتخابية واحدة، وفازت بحوالي عُشْر مقاعد البرلمان على الرغم من القمع الحكومي الذي تضمن منع التكتلات خلال الحملات الانتخابية وعدم استخدام السيارات في الدعاية الانتخابية وقمع القوى المعارضة من خلال فض الاجتماعات واعتقال الناشطين. وبالرغم من خسارة المعارضة لتلك الانتخابات والتزوير الذي شابها، لم تتقبل القوى الحاكمة الملكية وجود معارضة فاعلة في البرلمان، فضغطت على الملك لحل البرلمان في الجلسة الأولى، وتبعتها بحل الأحزاب وإعلان الاحكام العرفية واغلاق الصحافة المعارضة لتفوز في الانتخابات البديلة بالأغلبية الساحقة وبدون وجود لأي قوى معارضة. إن مغزى هذه التجربة ليس فقط أن قرار أحزاب المعارضة بالمشاركة بالانتخابات أحرجَ القوى الحاكمة، بل أيضاً المخاطر التي حاقت بانسداد أفق التغيير في العملية السياسية والذي أدى كما هو معروف الى ثورة 14 تموز وما صاحبها من قصور في بناء نظام سياسي ديمقراطي بديل أدى الى تجذر النظام الشمولي في العراق ونتائجه الكارثية.

إن هذا العرض لبعض التجارب السابقة حول مقاطعة المعارضة للانتخابات التي لا يمكن ضمان نزاهتها ليس الهدف منه معارضة المقاطعة والدعوة الى المشاركة في الانتخابات العراقية القادمة، وإنما توضيح أن السياق العام لخيار المقاطعة هو ذو نتائج سلبية، بينما يحتاج الحصول على نتائج إيجابية لهذا الخيار دراسة هذه القضية بروية وموضوعية بعيداً عن التسييس والعجالة. فمثلما لمطلب المشاركة في الانتخابات "شروطه واشتراطاته"، كذلك هو الحال بالنسبة الى مطلب مقاطعة الانتخابات لضمان عدم استفادة القوى الحاكمة من هذه المقاطعة وتضرر قوى ثورة تشرين الناشئة منها.

وكمثال من تجارب الشعوب على خيار ناجح للمقاطعة الانتخابية هو مقاطعة المعارضة في بيرو بقيادة اليخاندرو توليدو للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 2000 بعد التشكيك في حدوث تزوير في الجولة الأولى، ما أدى الى احتجاجات شعبية ضد الرئيس البرتو فوجيموري الذي أُجبر على ترك السلطة، فأعيدت الانتخابات في 2001 ليفوز فيها توليدو، وهذا يدعم طرحنا في ان مقاطعة الانتخابات تكون ناجحة عندما تكون جزء من ستراتيجية معارضة سياسية متكاملة.

وعند الاخذ بالاعتبار عدم تقبل القوى الحاكمة لأي تغيير سياسي حقيقي ولو بصورة متدرجة يضمن بقاءهم النسبي في السلطة عبر مرحلة انتقالية، يبدو إن السيناريو الأرجح للتغيير مع عدم وجود حلول لأسباب الأزمة السياسية، هو عبر احتجاجات شعبية حادة ربما أكثر راديكالية من ثورة تشرين من حيث العنف والمطالب. وهذا يتطلب ستراتيجية معارضة تتمحور حول وجود قيادة ناضجة لقوى سياسية معارضة منظمة بجبهة وطنية عريضة تستند على رؤية سياسية بديلة واضحة وبرنامج عمل واقعي يمكن أن يلتف حوله مجاميع العراقيين بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم. إن عدم وجود هكذا معارضة عند تصاعد الأحداث، واحتمال انهيار سلطة القوى الحاكمة، يمكن أن يؤدي الى ثورة مضادة أو فوضى مثلما حدث في أحداث الربيع العربي في 2011.

ولأنه من الواضح أن هكذا ستراتيجية للمعارضة العراقية لا يمكن تحقيقها خلال الفترة القليلة الباقية لحين موعد الانتخابات في تشرين الأول القادم، يكون من الواقعي أن تعمل هذه المعارضة على تنفيذ ستراتيجيتها المطلوبة نحو الانتخابات ما بعد القادمة، على أن تعمل جاهدة في بناء هيكلية جبهوية وطنية تضم الأحزاب والقوى التي يمكن أن تتفق على قاسم مشترك يمثل المشروع الوطني للتغيير، مع إنضاج قيادة سياسية لجبهة المعارضة هذه. لقد تطرقتُ في مقال سابق لي نشرته في جريدة المدى بعنوان "المشروع الوطني لثورة تشرين والانتخابات القادمة" الى أولويات البرنامج الوطني والذي يمكن عند تحقيقه بناء دولة المواطنة السيادية، والتي تستند إلى نظام لامركزي اتحادي وعملية ديمقراطية تمثل حالة التوازن المطلوبة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية الرقابية، من أجل تنفيذ برنامج حكومي وطني بعيد عن المحاصصة وتقاسم السلطة.

إن الانتخابات القادمة يمكن أن تمثل فرصتين متضادتين: واحدة عند المشاركة لانضاج الخبرة السياسية للمعارضة ودخول ممثلين عنها إلى البرلمان لإدارة عملية التغيير من الداخل عند تصاعد الاحتجاجات، ولقطع الطريق على القوى التي يمكن أن تختطف عملية التغيير، وأخرى عند المقاطعة في عدم إعطاء الشرعية للقوى الحاكمة وزيادة الضغط عليها من أجل انجاز عملية التغيير. إلا أن معسكر التغيير لا يحتاج بالضرورة أن يفاضل بين إحدى هاتين الفرصتين على الأخرى، بل يمكنه أن يستفيد من كليهما عبر تبادل الأدوار بين أطرافه، فيمكن لطرف يمثل "حمائم" جبهة المعارضة أن يتبنى التغيير من داخل العملية السياسية عبر الذهاب الى المشاركة في الانتخابات على الرغم من قصورها، بينما يقاطعها طرف آخر يمثل "صقور" جبهة المعارضة يتبنى موقف مقاطعة العملية السياسية واسقاط النظام السياسي للقوى الحاكمة عبر الحركات الاحتجاجية.
في النهاية، ربما يكون من العبث دخول قوى المعارضة السياسية الى الانتخابات القادمة بصورتها الحالية المنقسمة والمشتتة، غير أنه يكون اكثر عبثاً مقاطعة الانتخابات بدون ستراتيجية معارضة سياسية متكاملة.



#فراس_ناجي (هاشتاغ)       Firas_Naji#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السردية الوطنية لمئوية الدولة العراقية – العراق الملكي 1941 ...
- السردية الوطنية لمئوية الدولة العراقية – العراق العثماني وتأ ...
- المشروع الوطني لثورة تشرين والانتخابات القادمة
- التحولات السياسية والثقافية التي حققتها ثورة تشرين
- حياد العراق بين الافتراض والواقع
- العراق بين الانتظار العبثي وبناء جبهة وطنية فاعلة
- ثورة تشرين وإصلاح النظام السياسي العراقي
- ثورة تشرين تقيل حكومة المحاصصة...وماذا بعد؟
- ثورة تشرين و إعادة تأسيس الهوية الوطنية العراقية


المزيد.....




- عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و ...
- في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در ...
- حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
- تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا ...
- تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال ...
- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فراس ناجي - أنْ نقاطع أو لا نقاطع الانتخابات العراقية القادمة...!