|
هل يكفي قانون 55.19 لتحسين أداء الإدارة لصالح المرتفق؟
محمد بودهان
الحوار المتمدن-العدد: 6900 - 2021 / 5 / 16 - 19:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شك أن القانون 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، والذي شُرع في تطبيقه منذ نهاية مارس 2021، هو دليل على إرادة صادقة وجدّية للتخفيف من معاناة المواطنين من جحيم الإدارة التي كانت تطالبهم، مع ما يكلّف ذلك من وقت ومال وتنقّل وأعصاب، بالعديد من المستندات والوثائق غير الضرورية من أجل الحصول على شهادة عادية وبسيطة، لا تخص استثمارا ولا تجزئة عقار لبناء عمارات بعدة طوابق. ورغم بعض الصيغ والمصطلحات الواردة في هذا القانون، والتي تعبّر عن أمانٍ أكثر مما تعبّر عن إلزام قانوني، وتتضمّن حمولة وعظية أكثر مما هي قانونية مثل: «تقوم العلاقة بين الإدارة والمرتفق على المبادئ العامة التالية: 1ـ الثقة بين المرتفق والإدارة...» (الفقرة 1 من المادة 4)، «7 ـ الحرص على التحسين المستمر لجودة الخدمات المقدمة للمرتفقين» (الفقرة 7 من المادة 4)...، إلا أنه ذو مضمون متقدّم في حماية المرتفق من بطش الإدارة وقهرها. ولا يتعلق الأمر فقط بتبسيط الإجراءات والاستغناء عن مجموعة من الوثائق التي كانت تطلبها الإدارة سابقا من المرتفق، وإنما يُرسي هذا القانون تعاقدا واضحا بين الإدارة والمرتفق، حيث يفرض عليها هذا التعاقدُ مجموعة من الالتزامات تجاه المرتفق، كما يحدّدها الباب الثاني، وهو ما يجعل هذا المرتفق يعرف مسبّقا ما له وما عليه في علاقته بالإدارة التي لم تعد تتعامل معه وفق مزاجها المتقلّب حسب المتاح والأحوال، كما في الأجل الذي كان يستغرقه إنجاز القرار الإداري، إذ كان هذا الأجل قد يستغرق أسبوعا أو شهرا أو شهورا أو أكثر. وهو ما صحّحه القانون 55.19 الذي حدّد الأجل الأقصى لإنجاز القرارات التي يطلبها المرتفقون (الفقرة 4 من المادة 4 والفقرة 1 من المادة 16). كل هذا، كنص قانوني، جميل، وجميل جدا. لكن بالنسبة إلى المواطن العادي، ليس هناك أي تبسيط في المساطر والإجراءات الإدارية إذ كان عليه أن ينتظر، لإيداع طلب تجديد بطاقة تعريفه الوطنية، موعدا قد تصل مدته ثلاثة أشهر أو أكثر، تليها المدة التي يستغرقها إنجاز طلبه؛ وأن ينتظر شهرين أو أكثر لتجديد رخصة السياقة أو البطاقة الرمادية لسيارته؛ وأن ينتظر طويلا مع أفواج من المرتفقين داخل الوكالات البريدية ـ أو خارجها في الشارع العام كما فرضت ذلك تدابير مكافحة عدوى "كوفيد 19" ـ حتى يصل دوره من أجل تسجيل رسالة مضمونة أو تسلّمها... في المثال الخاص بتجديد بطاقة التعريف الوطنية، قد يبدو المشكل هو حجز الموعد لإيداع ملف طلب هذا التجديد. وهذا غير صحيح. بل إن هذا الحجز، إذا كانت قد فرضته جائحة "كوفيد 19"، فيجب أن يصبح إلزاميا تعمل به كل الإدارات كيفما كانت الظروف. وأين هو المشكل إذن؟ المشكل في المدة الطويلة للموعد عندما يتجاوز الشهرين أو أكثر. وما هو الحل للتقليص من طول المدة؟ الحل هو توفير الموارد البشرية الكافية. فالنقص في عدد الموظفين الذين يستقبلون طلبات إنجاز بطاقة التعريف الوطنية وتجديدها بالمراكز المخصصة لذلك كبير ومهول. وهذا ما يجعل، من جهة، هؤلاء الموظفين يعملون في ظروف منهكة وغير مريحة إذ يستقبلون أعدادا هائلة من الطلبات كل يوم، لا تترك لهم حتى فرصة الردّ على مكالمات واردة من أسرهم. ويجعل، من جهة ثانية، طالبي بطاقة التعريف الوطنية ينتظرون مدة أطول للحصول عليها، لأن مدة الموعد تنضاف إلى مدة الإنجاز. فبدون توفير الموارد البشرية بشكل كافٍ يتناسب مع تزايد طلبات المرتفقين، لا يلمس المواطن أي تبسيط في تعامل الإدارة مع طلباته. هذا النقص في الموارد البشرية هو ما يفسّر كذلك أن تجديد البطاقة الرمادية أو رخصة السياقة هو بمثابة قطعة حقيقية من عذاب حقيقي بالنسبة للمواطنين، إذ يعاني المرتفق بسببهما أضعاف ما يعانيه مع بطاقة التعريف الوطنية. من بين مظاهر هذا النقص ونتائجه أن تحيين المعطيات الخاصة بملف معيّن على موقع "نارسا" (الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية) يكون متأخرا عما هو مُنجز بمصالح المديريات الإقليمية للتجهيز والنقل. وهو ما يغلّط المتتبع لمراحل إنجاز طلبه الخاص بالبطاقة الرمادية أو رخصة السياقة على موقع "نارسا"، إذ قد تكون هذه البطاقة أو الرخصة جاهزة وعليه استصدار موعد لتسلّمها، لكن معطيات الموقع تخبره أنه «تم التوصل بالملف، وهو الآن في طور المعالجة»، كما حصل لصاحب هذه السطور الذي لا زال (نحن في 20 ماي 2021) موقع "نارسا" يضلّله بأن ملفه في طور الإنجاز في الوقت الذي توجد البطاقة الرمادية الجديدة موضوع ذلك الملف في جيبه. فمصدر مثل هذه المشاكل التي يعاني منها المرتفق هو النقص الفظيع في الموارد البشرية، كما قلت. فإذا كانت مصالح المديريات الإقليمية للتجهيز والنقل مكتظة دائما بالمرتفقين بشكل لا يستطيع العدد المحدود للموظفين تلبية طلباتهم في الوقت المناسب، فما بالك بعد أن انضاف إلى العدد العادي من الطلبات أزيد من تسعمائة ألف ملف جديد، حسب الأرقام التي أعلنت عنها وزارة التجهيز والنقل بعد أن أنهت مدونة السير عامها العاشر؟ فهل رفعت الوزارة من عدد الموظفين بما يتناسب مع هذا العدد الهائل من الملفات الجديدة للبطائق الرمادية ورخص السياقة؟ حتى إذا اعتبرنا البطاقة الوطنية للتعرف والبطاقة الرمادية ورخصة السياقة أنها وثائق لا تدخل ضمن مفهوم القرار الإداري رغم أنها «محرّر تسلّمه الإدارة للمرتفق بطلب منه وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل» حسب تعريف الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون 55.19 للقرار الإداري، فإن الاستشهاد بهذه الوثائق على حجم ما يقاسيه المواطنون للحصول عليها، هو من أجل تبيان أن ما يعاني منه المرتفق عند تقديم طلبه إلى الإدارة للحصول على وثيقة إدارية، ليس هو فقط مطالبته بتصحيح التوقيع وبنسخ مشهود على مطابقتها للأصل...، وهو ما ألغته المادة 7 من قانون 55.19 (وهو إجراء مقصور على المؤسسات العمومية ولا يسري على المعاملات بين الإفراد ولا بينهم وبين المؤسسات الخاصة كالأبناك ومختلف الشركات)، وإنما يعاني أكثر من طول الانتظار وكثرة الازدحام وبطء الإنجاز. وهي معاناة لا تكفي الإجراءاتُ الجديدة التي قرّرها قانون 55.19 للتخفيف منها لكون سببها هو نقص في الموارد البشرية، كما أوضحت. من جهة أخرى، المرافق التي يتردّد عليها المواطن أكثر فأكثر هي من هذا النوع، أي مثل مصالح وزارة التجهيز والنقل، ومصالح البطاقة الوطنية للتعريف، ومصالح الضريبة، ومصالح الحالة المدنية، والوكالات البريدية... وتحسين أداء مثل هذه المرافق العمومية لصالح المرتفق لا يحتاج فقط إلى تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، بل يحتاج أكثر إلى توفير الموارد البشرية الكافية، كما أشرت. ومن المعاناة الإضافية للمواطنين الذين يتردّدون على هذه المرافق، هو الانتظار بين أفواج من المرتفقين بدون ضبط للأولويات حسب السابق واللاحق، مما يتسبّب في تشاحن المرتفقين في ما بينهم حيث يتحجّج أحدهم بأنه الأسبق دون الآخر. فقد كان على قانون 55.19، رِفقا منه بالمرتفقين، أن يُلزم، كما يجري العمل بذلك في بعض الإدارات العمومية والخاصة، الإدارة بتوزيع أرقام ترتيبية على المرتفقين حسب أولوياتهم، أو التوفر على الجهاز الإلكتروني الخاص بمنح مثل هذه الأرقام الترتيبية لتلافي الفوضى والتشاحن بين المرتفقين... ولا ينفع حجزُ المواعد على موقع المرفق المعني لتلافي مثل هذه الفوضى والتشاحن، لأن مثل هذه المواعد، كما وقفت على ذلك، غالبا ما تحدّد للمرتفق وقت الحضور إلى الإدارة بالساعة وليس بالدقيقة. وعندما يحضر إلى الإدارة على الساعة المحدّدة يجد أن فوجا كاملا من المرتفقين حضروا في نفس الساعة التي هي موعدهم كذلك الذي حصلوا عليه من موقع الإدارة، حسب تقدير هذه الأخيرة لعدد المرتفقين الذين تستطيع المصلحة المعنية استقبالهم خلال ساعة كاملة. ومن هنا تبقى الحاجة ماسة إلى الأرقام الترتيبية التي تضبط الأولويات، ما لم يكن من الممكن منح مواعد بالدقيقة وليس فقط بالساعة. فعدم تدخّل الإدارة لتنظيم الأولويات بخصوص انتظار طوابير من المرتفقين، يعبّر عن استصغارها لشأن هذا المرتفق الذي تتركه يواجه لوحده الفوضى والتسيّب. وتدخّلها لضبط الأولويات دليل على احترامها للمواطن والمرتفق الذي يتردّد على مصالحها. ولهذا فإن قانون 55.19 هو مفيد جدا للمستثمرين ورجال الأعمال الذين يطلبون تراخيص للاستيراد والتصدير، أو لتجزئات سكنية، أو للنقل العمومي... أما المواطن الذي يكتوي من فوضى الانتظار بأبواب الإدارات لإيداع طلب أو تسلّم شهادة، فاستفادته من هذا القانون محدودة جدا لا تتعدى إعفاءه من المصادقة على التوقيع ومن نسخ للمستندات مطابقة لأصولها. ولن يلمس هذا المواطن أثرا للاستفادة من هذا القانون إلا إذا وفّرت الإدارة العدد الكافي من الموظفين لتسريع وتيرة إنجاز طلباته في وقت معقول.
#محمد_بودهان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوحدة في التنوّع أم التنوّع في الوحدة؟
-
خدعة مفهوم -المشترَك-
-
المخيال العروبي والأمازيغوفوبي
-
بين -تامازيغت- و-تامغرابيت-
-
ومتى التطبيع الكامل مع الأمازيغية؟
-
في ادعاء أن الأمازيغية غير نافعة
-
ماذا ستستفيد الأمازيغية من تطبيع المغرب مع إسرائيل؟
-
الوظيفة التعريبية لفلسطين بالمغرب
-
أحرضان، أحد آخر الرجال الأحرار
-
انتصار التطبيع على -التضبيع-
-
حزب بمرجعية أمازيغية أم دولة بنفس المرجعية؟
-
دعوى غياب العلمي وطغيان الإيديولوجي في الخطاب الأمازيغي
-
عندما كنت -رجعيا- وفخورا بـ-رجعيتي-
-
كيف يصنع الجهل المقدّس التطرّف الإسلامي
-
مناوأة الأمازيغية بين الفعل والامتناع عن الفعل
-
حول -الأُخُوّة- المزعومة بين الأمازيغ والعرب
-
هل هي بداية نهاية الاختلاق والتزوير؟
-
رواية -ضفائر في النافذة- وبصمة -همنجواي-
-
ضرورة الانخراط في -السياسة الصغرى- لخدمة الأمازيغية
-
هل التخلّي عن مخزنة الأمازيغية هو عودة إلى سياسة إقصائها؟
المزيد.....
-
تعود إلى عام 1532.. نسخة نادرة من كتاب لمكيافيلّي إلى المزاد
...
-
قهوة مجانية للزبائن رائجة على -تيك توك- لكن بشرط.. ما هو؟
-
وزيرة سويدية تعاني من -رهاب الموز-.. فوبيا غير مألوفة تشعل ا
...
-
مراسلنا: تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيرو
...
-
الرئيس الأمريكي: -أنا زوج جو بايدن.. وهذا المنصب الذي أفتخر
...
-
مسيرة إسرائيلية تستهدف صيادين على شاطئ صور اللبنانية
-
شاهد.. صاروخ -إسكندر- الروسي يدمر مقاتلة أوكرانية في مطارها
...
-
-نوفوستي-: سفير إيطاليا لدى دمشق يباشر أعماله بعد انقطاع دام
...
-
ميركل: زيلينسكي جعلني -كبش فداء-
-
الجيش السوداني يسيطر على مدينة سنجة الاستراتيجية في سنار
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|