|
مشروع التعريف بالروائيين العراقيين ومنجزهم الادبي - (11)..
عباس موسى الكعبي
الحوار المتمدن-العدد: 6897 - 2021 / 5 / 13 - 19:42
المحور:
الادب والفن
الحلقة (11): فؤاد التكرلي ( 1927 - 2008)
هو “فؤاد عبد الرحمن محمد سعيد التكرلي”، ولد في بغداد 1927 في محلة باب الشيخ.. وكان جده “محمد سعيد التكرلي” نقيباً لأشراف بغداد.. تخرج في كلية الحقوق عام 1949, وعمل بعد تخرجه كاتب تحقيق في محكمة “بداءة” بعقوبة، وبعدها محامياً، ثم قاضياً في محكمة “بداءة بغداد” عام 1964، ثم سافر إلى فرنسا للدراسة وبعد عودته عين خبيراً قانونياً في وزارة العدل العراقية, وتقاعد في 1985 وتفرغ للكتابة.. لكن عمله كقاض ساعده على التماسّ مع أولئك المتهمين بمختلف الجرائم . ولعل جرائم الشرف وما تحمله من امكانيات وقوع اعتداءات داخل عوائل الضحايا كسبب لها وراء اهتمام التكرلي بموضوع العلاقات المحرمة في قصصه القصيرة ورواياته... ولعل ذلك كان وراء لمسات فرويد الخفية في أعمال التكرلي بما يخص الكبت وتلبس الرغبة.. وعاش في تونس لسنوات بعد تقاعده.. نشر التكرلي أولى قصصه القصيرة في عام 1951 في مجلة الأديب اللبنانية، ولم ينقطع عن نشر قصصه في الصحف والمجلات العراقية والعربية، كما صدرت له في تونس عام 1991م مجموعة قصصية بعنوان (موعد النار). وفي عام 1995م صدرت له رواية (خاتم الرمل). وكتب روايته الأخيرة (اللاسؤال واللاجواب) عام 2007م. كانت له أيضا مؤلفات أخرى مثل خزين اللامرئيات .. لكن روايته "الرجع البعيد" قد أسست لخطاب روائي متميز وأرخت لحقبة تاريخية مهمة في الحياة العراقية وكانت مفعمة بالروح والأعراف الشعبية.. تميز أدب فؤاد التكرلي بفكرته ومناخه العام، و بجمالياته وتقنياته الأسلوبية.. وبجرأته الحكائية، تناول الكاتب الكبير قضايا الوطن، لا من خلال طروحات سياسية أو إيديولوجية مباشرة، بل من خلال الحياة العادية، وما يكتنفها من طغيان واستبداد وموت مجاني، وما أدى إليه كل هذا من تمزقات رهيبة تصيب روح الجماعة والفرد على حد سواء في وطن ممزق هو الآخر.. قلة الانتاج الأدبي خاصية أخرى ميزت التكرلي عن الكثير من ابناء جيله من المبدعين.. فبين أول قصة نشرها عام 1951 وحتى عام 1980 لم ينشر الراحل التكرلي سوى 14 قصة قصيرة. لكن الكثير كانت بمثابة مجوهرات حقيقية، رسخت للأجيال اللاحقة من القاصين العراقيين إطارا مفتوحا للكتابة القصصية. أما روايته "الرجع البعيد" فاستغرقت كتابتها 12 عاما. توفي بعد معاناة طويلة من مرض سرطان البروستاتا في عمان عن عمر ناهز الثمانين عاما في 11 شباط / فبراير 2008. وخلف منجزا إبداعيا غنيا يعد من ركائز الحداثة في القصة العراقية ويتسم بقربه من معاناة الإنسان العراقي من خلال تناول المشاكل السياسية والاجتماعية في بلاد الرافدين المنكوبة دوما.. صنف النقاد أدب “فؤاد التكرلي” بأنه يمثل التيار الواقعي التجديدي أو التحديثي في الأدب العراقي، وأنه حرص على عمل استقراء لتاريخ العراق المعاصر، وبشكل خاص في العقود الخمسة الأخيرة، وأن شخصيات أدبه كانت كلها من الواقع وكانت شخصيات تسعى إلى التحرر، لكن “التكرلي” لم يتقبل وصف أدبه بالواقعي لأن ذلك يحد من حرية الكتابة لديه كما يقول.. أما بالنسبة لصفة الحداثة والتجديد فكان متحمساً لها ونسبها إلى القصة القصيرة فقط دون الشعر، خاصة في العراق، مؤكداً على أن القصص كانت تؤسس، في فترة الخمسينيات، موجة حداثة غير مسبوقة في العالم العربي، وكان يشكو من أن قليل من النقاد التفتوا إليها لأن الثقافة العربية كانت تحتفي بالشعر. كان دوما يقول بأن خمسينيات القرن العشرين هي افضل ما عاشه العراق والعراقيين .. بيد انه يصّور مرحلة عقد الستينيات القلقة المضطربة في العراق بسبب ما شهدته من شروخ سياسية وانهيارات أخلاقية ، وأساليب متوحشة يصعب تحديد مساراتها بسبب فوضاها الطاغية. وفي «الرجع البعيد» ينجح التكرلي في بناء روائي فني متمكن، مع مقاربة حقيقية ملتصقة بالواقع باستخدامه العامية العراقية في بعض الحوارات.. اهم اعماله الادبية: (قصص): موعد النار (1991)- خزين اللامرئيات (2004(- )روايات): الوجه الآخر (1960)- الرجع البعيد (1980)- خاتم الرمل (1995)- المسرات والأوجاع (1998)- بصقة في وجه الحياة (2000) - اللاسؤال واللاجواب (2007)- حديث الاشجار (2007(..
رواية الرجع البعيد:
بدأ التكرلي كتابة هذه الرواية عندما كان في باريس عام 1966، وأتمها عام 1977، ولم تنشر إلا في عام 1980 في بيروت.. الرواية هي واحدة من أنجح الأمثلة العربية لما يسمى بالرواية متعددة الأصوات (البوليفونية Polyphony)، وتؤكد على مهارة التكرلي في السرد.. تدور أحداث الرواية خلال الأشهر الستة التي سبقت انقلاب 8 شباط 1963 في العراق، متوزعة بين مدينة بعقوبة وبغداد، وهي فترة حساسة أنتجها المخاض السياسي والتناقضات الاجتماعية والصراع الأيديولوجي الغارق بالعنف الدموي. ورغم أن الرواية تغوص في العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة وامتداداتها القرابية، إلا إن شخصياتها، وهي كلها من الطبقة الوسطى (البغدادية) المتعلمة الفقيرة، والجاهلة الميسورة، ترمز إلى انتماءات أيديولوجية كانت سائدة في تلك المرحلة.. بطلا الرواية هما الأخوان مدحت وكريم . ينجذب الاثنان نحو ابنة عمتهما المدرّسة (منيرة)، كل منهما حسب طريقته الخاصة، ويفشلان كلاهما في إنقاذها حين اغتُصبت في مدينة بعقوبة الريفية من ابن اختها عدنان الذي ينتمي إلى الحرس القومي. التجأت عقب اغتصابها إلى بيت خالها (ابي مدحت) في بغداد. فقدانها لعذريتها قبل الزواج وضعها في موضع صعب جدا، من الناحيتين النفسية والاجتماعية. لذلك قررت ان تبقي ذلك سرًا وتستمر في حياتها في عزلة فرضتها على نفسها. لكن هذا القرار تثبت استحالة تحققه وهي في بيت خالها، إذ انتهت إلى جذب الاخوين الاثنين مما أدى في النهاية إلى ان يتقدم مدحت للزواج منها... وينصدم مدحت عند اكتشافه في ليلة زفافه أن "منيرة" ليست عذراء، فيقرر ان يهجر منزله.. ركزت الفصول الأخيرة من الرواية على الصراع الداخلي المضني في عقل مدحت لإدراك معنى الذي حدث له، ويقرر في النهاية وسط الأحداث أن يعود إلى منيرة، لأنه يدرك أن حبه لها أهم من أي شيء آخر.. ومن ثم يُقتل في حي الأكراد برصاصة طائشة لا يعرف أحد مصدرها إن كانت من الانقلابيين أم الشيوعيين المدافعين عن الزعيم. وتنتهي الرواية بأن يعثر عدنان المنتمي الى الحرس القومي على جثة مدحت فيأخذه إلى بيته.. تدور أحداث الرواية في المرحلة البركانية من تاريخ العراق وبالتحديد الأشهر الستة التي سبقت 8 شباط 1963.. فشخصيات الرواية لم تنجُ من ذلك العطب العام. نكاد نتلمس إحباطها، مرضها وإرهاقها، غلظتها وساديتها، شخصيات بدون آفاق وبدون أحلام. اخيرا، قامت بترجمة الرواية إلى الفرنسية الكاتبة التونسية رشيدة التركي (زوجة التكرلي فيما بعد)، كما ترجمتها إلى الإنجليزية كاثرين كوبهام تحت عنوان The Long Way Back.
#عباس_موسى_الكعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشروع التعريف بالروائيين العراقيين ومنجزهم الادبي - (12)..
-
مشروع التعريف بالروائيين العراقيين ومنجزهم الادبي - (10)..
-
مشروع التعريف بالروائيين العراقيين ومنجزهم الادبي - (9)..
-
مشروع التعريف بالروائيين العراقيين ومنجزهم الادبي - (7)..
-
مشروع التعريف بالروائيين العراقيين ومنجزهم الادبي - (8)..
-
مشروع التعريف بالروائيين العراقيين ومنجزهم الادبي - (5)..
-
مشروع التعريف بالروائيين العراقيين ومنجزهم الادبي - (6)..
-
مشروع / التعريف بالروائيين العراقيين ومنجزهم الادبي - (3)..
-
مشروع التعريف بالروائيين العراقيين ومنجزهم الادبي - (4)..
-
زاوية الحانة
-
الانسان بين العدم وعبثية الحياة..
-
لماذا لم يصل بنا التطور الى الخلود؟
-
اهداء الى جميع الاحرار..
-
حوار بين عراقيين قبل 2003
-
سادة وعبيد
-
بهائم بشرية
-
بداية بلا نهاية...!؟
-
هلاوس كورونية.. (1)
-
هلاوس كورونية (2)
-
اعترافات عربي مغفل ..
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|