ازدواجية الثورة والإصلاح -الشيوعية الجديدة


آسو كمال
2021 / 4 / 22 - 14:35     

الفصل السادس-من الكتاب الشيوعية الجديدة

ازدواجية الثورة والإصلاح


من التغييرات الجذرية التي طرأت على الاشتراكيين الديمقراطيين بعد كومونة باريس موقف الإصلاح وموقفه من الحكومة في هذه الحركة. خلال ثورات منتصف القرن التاسع عشر وفي النضال الديمقراطي للبرجوازية ضد مُلاك الأرض وأصحاب الملكية الأرستقراطية، شارك العمال في هذه الثورة والنضال السياسي من أجل حريتهم وحقوقهم الاقتصادية. ولكن مع تأسيس السلطة البرلمانية للبرجوازية، وإقرار الامتيازات والقانون والضريبة وطريقة الإنتاج الرأسمالي وإلغاء امتيازات الاقطاعية، أصبحت البرجوازية السلطة الحاكمة وقمعت جميع نضالات العمال ضد النظام الرأسمالي.

أولاً، قمعت البرجوازية الناشئة حديثاً النضال العمالي بشكل مباشر، تماماً كما فرضت ألمانيا القانون المناهض للاشتراكية واستمرت في جميع البلدان الأخرى في مهاجمة النقابات العمالية والمنظمة الاشتراكية وشيوعيّ الطبقة العاملة.

لكن فيما بعد، وخاصة بعد كومونة باريس، اعترفت البرجوازية رغما عنها، بواقع الأمر، بدور الطبقة العاملة ومنظماتها، وتم العمل على النقابات العمالية والصحف الاشتراكية، وأزيلت العوائق أمام حق الاقتراع العام، وتمكّن الاشتراكيون الديمقراطيون من الترشح للبرلمان والفوز بمقاعد برلمانية.

انطلاقا من التغيرات السياسية والاقتصادية التي حدثت في المجتمع وظروف الصراع الطبقي بين العمال والبرجوازية، نتعامل مع التغيرات التي طرأت على الاشتراكيين الديمقراطيين تجاه العمال في تلك الفترات آنفة الذكر، التي تلت كومونة باريس حتى الحرب العالمية الأولى.



المراحل الثورية للأممية والكومونة



الاتحاد العضوي، الذي نشأ من النضال الاقتصادي والنضال السياسي للعمال في القرارات الدولية الأولى بشأن "أسس الاممية وحول الاتحادات العمالية"[1]، أعيدت تسميته فيما بعد إلى ثنائية الثورة والإصلاح.

تنص هذه النقاط الأربع من القرارين الاممية الأولى لعامي 1864 و 1872 على ما يلي:

1. الهدف النهائي للنضال السياسي للطبقة العاملة هو تحرير العمال اقتصاديا، ويجب أن يُنظر إلى كل حركة سياسية على أنها أداة.

2. على الحزب أن يوحد النضال الاقتصادي الذي يخوضه العمال أنفسهم، وفي نفس الوقت يقوي النضال ضد السلطة السياسية للرأسماليين و المُلاك العقاريين.

3. أهمية هذا الحزب هو ضمان نجاح الثورة الاجتماعية وهدفه النهائي الغاء الطبقات.[2]

4. بعد ذلك، جاء في نص قرار حول النقابة عامةً، للماضي والحاضر والمستقبل في عام 1866 ما يلي: " بصرف النظر عن هدفه الرئيسي، وهو توحيد طبقتهم، يجب أن يعمل هذا الاتحاد بنشاط باعتباره المنظمة المركزية للطبقة العاملة من أجل المنفعة الكاملة للطبقة بأكملها من أجل الخلاص الكامل. يجب أن يقنعوا جماهير الطبقة العاملة بأن كفاحهم بعيد كل البعد عن ضيق الأفق والانانية، وأن هدفه هو إنقاذ ملايين الأشخاص المستغَلين". [3]

كل جهود الأممية الأولى موجهة للطبقة العاملة، بمختلف مكوناتها الداخلية ووجهات نظرها، لتكون قادرة على تحرير نفسها من البرجوازية وأن يكون لديها منظمة سياسية يمكنها أن تناضل يوميا لتحسين حياة الطبقة العاملة والاستعداد للثورة الاجتماعية وإنهاء سلطة ونظام الرأسمال أيضا.

لطالما كان الارتباط الديالكتيكي بين النضال من أجل تحسين الوضع الاقتصادي و السياسي الحالي للطبقة العاملة و هدف التحرر الاقتصادي و الثورة ضد السلطة ونظام الإنتاج الرأسمالي مهمًا دائمًا لماركس ، وقد أدى ذلك إلى الكثير من الجدل مع مجموعة من العمال والاشتراكيين اللاسلطويين الذين لم تكن تهمهم هذه عملية التجربة السياسية و التنظيمية للعمال. رأى ماركس نضال الطبقة العاملة من أجل التحرر في عملية كانت هذه الطبقة مهيأة بالكامل، وكانت الأرضية المادية في المجتمع مهيأة للتغيير الثوري للمجتمع وإنشاء مجتمع تعاوني بدون طبقة واستغلال.

على نفس المنوال، أبلغ ماركس عمال باريس قبل بضعة أشهر من كومونة باريس أنهم ليسوا مستعدين لإسقاط الحكم البرجوازي. من وجهة نظر الاستعدادات الميدانية والضرورات الاجتماعية للثورة العمالية، اكد هو وانجلز اهمية بناء التنظيمات الجماهيرية والسياسية والمشاركة في النضال اليومي ومعالجة المشاكل السياسية التي تواجه الصراع الطبقي والمشاركة في البرلمان و استقطاب الجماهير العمال في مجال المنافسة السياسية.

لكنهم لم يلقوا باللوم على الشيوعيين والعمال الفرنسيين في ثورة الكومونة، بل على العكس من ذلك، في عملية الصراع الطبقي هذه، اهتموا أكثر من أي شيء آخر بالتجربة الثورية لكومونة العمال. على الرغم من عيوبها في النظرية العمالية لمستقبل المجتمع الشيوعي، فقد جعلت كومونة باريس عقودًا من الحركة العمالية أقرب إلى عملية؛ كيف يمكن لهذه الطبقة أن تضع أسس مجتمع إنساني جديد. إلغاء جهاز الدولة البرجوازي، كهيئة دائمة وبيروقراطية، وكذلك إنشاء الكوميونات والتسليح العام وانتخاب جميع المناصب والمسؤولين التنفيذيين ، إلخ ... هذه الخطوات غيرت موقف الطبقة العاملة من الدولة البرجوازية، وأرست الأساس لوجهة النظر الشيوعية للدولة وجهاز الحكم البرجوازي.

أرست كومونة باريس تاريخا اساسا هاماً بين الطبقة العاملة والشيوعية، حيث سلطت الضوء على ما يقرب من نصف قرن من النضال العمالي في إيصال مشروع المجتمع الاشتراكي المستقبلي.

كان تركيز الأممية الأولى على أن "خلاص الطبقة العاملة يجب أن يكون في أيدي الطبقة العاملة نفسها. وهدف العمال ليس الحصول على امتيازات طبقية ، بل القضاء على المجتمع الطبقي.

بينما يستخدم الرأسماليون السلطة السياسية لاستعباد العمال، فإن التغلب على هذه السلطة السياسية يصبح مهمة الطبقة العاملة. "الهدف النهائي للنضال السياسي للطبقة العاملة هو الخلاص الاقتصادي للعمال، ويجب أن يُنظر إلى جميع الحركات السياسية على أنها مجرد وسائل".[4]

قدمت الكومونة مثالا للدولة العمالية والسلطة السياسية العمالية، والتي تختلف اختلافا جوهريا عن الدولة البرجوازية والبرلمان وقوانينها. حكومة مؤقتة تعتمد على "ديمقراطية" أغلبية أعضاءها هم أيضًا يجمعون بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في نفس الوقت، وليس مجرد عضو في البرلمان، والسلطة التنفيذية في يمارسها آخرون. وهكذا كانت الكومونة العمالية نقيض البرلمانية البرجوازية.

لكن هزيمة الكومونة جلبت معها أيضًا جدلًا وترسيمًا. كانت القضيتان الرئيسيتان بعد الكومونة هما: مسألة ضرورة الحزب السياسي والموقف ضد الدولة البرجوازية والبرلمان. وافقت الأممية الأولى، بعد الكومونة، على تشكيل أحزاب سياسية للطبقة العاملة، وتشكلت أحزاب الأشتراكية الديمقراطية في معظم الدول الأوروبية. عن الدولة يقدم كل من ماركس، بتجربة الكومونة، وإنجلز "أساس الأسرة والملكية الخاصة والدولة" تصوراً شيوعيًا عن الدولة. ولكن يتم تطبيق هذه المبادئ في فترة ما بعد الكومونة في ظروف مختلفة عما كانت عليه في فترة ما قبل الكومونة، وتتشكل الخلافات والمشاكل على هذين المحورين.



ثنائية التطور



فترة ما بعد الكومونة هي فترة الازدواجية والتطور والتغيير في الحركة العمالية. من ناحية، كما ذكر أعلاه، هو نمو وتطور الاشتراكيين الديمقراطيين والنقابات و عالمية الصراع الطبقي. لكن هذا ليس سوى جانب واحد من الأحداث والظروف بعد كومونة باريس. ومن ناحية أخرى، فإنه يتضمن العديد من التغييرات المتناقضة والمعقدة.



شعرت برجوازية أوروبا والعالم، بخطر هذه الطبقة على النظام الاجتماعي الرأسمالي بعد مواجهة صدمة الكومونة، واعتبرتها خليفتها و "حفار القبور". من جهة ، كثفت الضغوط على جميع المنظمات التابعة ل"جمعية العمال الاممية"، ومن جهة أخرى، اتبعت سياسة أكثر ليونة تجاه النقابات من أجل التأثير عليها.



كان لليبرالية البرجوازية، كحركة سياسية واقتصادية، اليد العليا، واستناداً إلى التطور العالمي لرأس المال، فقد أثرت على الحركة العمالية وتمكنت من تضييق مستوى التوقعات وأساليب العمل النقابية في شكل إصلاح وبرلماني الحركة العمالية مثل الفابيين البريطانيين و "الإمكانيين" الفرنسية.

واجهت الطبقة العاملة سلسلة من المشاكل الجديدة خلال هذه الفترة، والتي كانت مختلفة عن مشاكل الفترة السابقة من القمع الحكومي والجوع الشديد. بينما تطورت فرصة التطور الرأسمالي لفترة، تشكلت طبقة من الأرستقراطية العمالية احتلت مناصب ومناصب عالية في النقابة.

في الوقت نفسه، نما الاشتراكيون الديمقراطيون والاشتراكيون والنقابات العمالية لدرجة أنهم تمكنوا من إزالة معظم ضغوط الحكومات البرجوازية من الشؤون السياسية والجماهيرية، والتي مهدت بدورها الطريق للعمل القانوني والبرلماني، و دخلت هذه الطبقة ساحة جديدة من النضال السياسي.

السؤال الذي ظهر خلال هذه الفترة كان ما هي الاستراتيجية للوصول إلى السلطة بعد النمو الأفقي الذي شهدته الحركة العمالية والاشتراكيين الديمقراطيين؟ كانت ردود الفعل داخل الحركة العمالية والاشتراكيين الديمقراطيين على هذا السؤال والوضع الجديد مختلفة، ولهذا السبب انتشرت المشاكل والاختلافات داخل الحركة نفسها. هذه هي مشكلة وازدواجية الإصلاح والثورة الاشتراكية الديمقراطية التي نشأت وغيرت مصير الحركة العمالية. هنا نعالج هذه المشاكل والتغييرات.



استراتيجية الأحزاب الجماهيرية العمالية



ستخدم ماركس وإنجلز استراتيجية الحركة العمالية لبناء أحزاب عمالية شعبية. وهكذا، وعلى الرغم من اختلافهم مع اللاسالين الألمان والامكانيين الفرنسيين والفابيين البريطانيين، فقد أكدوا على وحدة الحركة السياسية للطبقة العاملة. وعلى الرغم من هذه الاختلافات ، كتب ماركس في رسالة إلى براكه " "كل خطوة تتخذها الحركة العملية الحالية هي أكثر أهمية من دزينة البرنامج." [5]

دفع النمو الواسع للأحزاب الاشتراكية الجماهيرية ومشاركتها في البرلمان وحصولها على العديد من الأصوات والمقاعد إنجلز للقول في عام 1895 إن البرجوازية والحكومة الألمانية تخاف من "النضال القانوني لحزب العمال أكثر من أنشطة غير مشروعة و من انتصار حزب العمال أكثر من التمرد ".[6]

تحدث ماركس عن هذا من قبل ، كما فعل في الثورة الفرنسية والحرب الأهلية الأمريكية، حيث يأخذ النضال الثوري شكل حرب بين "حكومة شرعية وثورة مضادة متمردة". [7]كان هذا استمرارًا لنفس الحجة التي قدمها ماركس في سبعينيات القرن التاسع عشر بأنه في بعض البلدان لا توجد عقبة إلزامية أمام انتخاب حكومة اشتراكية. [8]

في المقدمة الإنجليزية لرأس المال، يقول إنجلز أيضًا أن ماركس توصل إلى استنتاج مفاده أن "بريطانيا هي البلد الوحيد الذي من المرجح أن تحدث فيه تلك الثورة الاجتماعية، التي لا بد أن تحدث، بوسائل سلمية وقانونية".[9]

يخاطب إنجلز الحزب الاشتراكي الديموقراطي ويطرح السؤال: "ما الذي يجب أن يكون الهدف من كل هذا؟ ألا ينبغي للحزب فجأة أن يعرف ماذا يفعل عند اتخاذ القرار؟" "إنهم غير متأكدين من النقاط التي لم يتم تناولها من قبل. " [10]

وهكذا كان هناك "غموض" فيما يتعلق باستراتيجية الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية للاستيلاء على السلطة وطبيعة الصراع الطبقي والعلاقات بين العمال والبرجوازية في الجمهورية الديمقراطية وتحقيق الحكم الاشتراكي من خلال الانتخابات البرلمانية.

ولكن اتضح فيما بعد أن المشكلة لم تكن مجرد "غموض" بشأن ما يجب أن يفعله الاشتراكيون الديمقراطيون، بل "اتضح أن تطور أحزاب الشعب الاشتراكي الديمقراطي لم تكن في شكل مواجهة مع النظام ولكن بطريقة ما "اندمجت مع النظام القائم (الرأسمالية) واتخذت شكلها". [11]

على الرغم من أن الخروج عن المبادئ الشيوعية داخل الحركة قد تم الشعور به وانتقاده من قبل ماركس وإنجلز، خاصة بعد عام 1890، عندما أصبحت الحركة الاشتراكية الديموقراطية جماهيرية، هناك اكثر خوف من أن تصبح الحركة العمالية جزءًا من النظام الرأسمالي. إن نقد موجه ل"إنجلز" لأنه لم يولِ اهتمامًا كبيرًا لهذا الخطر.

التغيير من حزب تم إنشاؤه من خلال إعداد العمال لتغيير النظام الرأسمالي إلى حزب يصبح جزءًا من النظام البرجوازي نفسه والحفاظ على النظام الرأسمالي هو تغيير جذري. هذه هي النقطة الأساسية في هذا الكتاب الذي يبحث في أسباب وعملية تغيير حزب العمال. صحيح هذه التغييرات التي غيرت الحركة العمالية فيما بعد صارت عليها زمن. لكن سياقها لم يتغير في عالم اليوم، لهذا السبب يجب أن ننتبه إليها اليوم.

إن ازدواجية الإصلاح والثورة نفسها هي علامة أخرى على الانحراف والتغيير الراديكالي عن استراتيجية وهدف الحركة الشيوعية والعمالية. هذه القضية وحدها لا يمكن تحليلها بالحديث عن الفرق بين النضال الاقتصادي والإصلاح والنضال السياسي والثورة. بل إنه يتطلب تحليل التغيرات الجوهرية، والاعتراف بأوجه القصور الفكرية والعملية، وتقييم التجارب التي أدت إلى ازدواجية الازدواجية.



في الفصل التالي ، نناقش عملية التغيير التي أحدثوها في الحركة العمالية.


[1] مارکس، 1864، الأممية الأولى

The International Workingmen’s Association 1864General Rules, October 1864

https://www.marxists.org/history/international/iwma/documents/1864/rules.htm

[2] نفس المصدر

[3] مارکس،، 1866

https://www.marxists.org/history/international/iwma/documents/1866/instructions.htm

[4] مارکس،،1872

https://www.marxists.org/archive/marx/iwma/documents/1872/hague-conference/index.htm



[5] ماركس - رسالة إلى براكه

https://www.marxists.org/archive/marx/works/1875/letters/75_05_05.htm



[6] https://marxists.architexturez.net/archive/marx/works/1895/03/06.htm



[7] https://www.marxists.org/archive/marx/iwma/documents/1872/hague-conference/index.htm

[8] نفس المصدر

[9] https://www.marxists.org/archive/marx/works/1867-c1/p6.htm



[10] http://www.asokamal.com/index/wp-content/uploads/2020/08/hob.pdf
كيفية تغيير العالم- ماركس و أنجلس و السياسة، ص 69، هوبسباوم

[11] http://www.asokamal.com/index/wp-content/uploads/2020/08/hob.pdf

نفس المصدر-ص68