|
الخراف الضالة - رواية- القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد (7)
احمد جمعة
روائي
(A.juma)
الحوار المتمدن-العدد: 6875 - 2021 / 4 / 21 - 04:02
المحور:
الادب والفن
خلعت زهرة حجابها الخفيف الذي بالكاد يخفي تخوم شعرها الأسود من الأمام وأسدلت ستارة نافذة غرفتها المطلة على الطريق الضيق الفاصل بين ممرين ينعطفان على سلسلة من المنازل المرصوصة بداخل الحي القديم بسترة لتتجنب سماع الأصوات المفزوعة والمضطربة التي تتداخل مع أصوات الطلقات النارية وفرقعات مسيلات الدموع التي ظلت تتوالى طوال اليومين والليلتين الماضيتين، تسمرت أمام المرآة جاحظة العينين ساهمة النظرات يطبق عليها الوجوم وهي تتأمل شعرها المسدول، ينتابها حدس مخيف يوغل فيها رغبة جامحة بصبغ شعرها إلى اللون البرونزي كالذي تأملته قبل قليل في إحدى المجلات الأجنبية لتغطي بذلك على حالتها النفسية المضطربة، يخامرها شعور مبطن بأن اللون الجديد سينزع عنها حالة الكآبة الشديدة التي سببتها الأصوات المتداخلة للعربات والطلقات والصرخات المنبعثة مع ولوج القوة الأمنية القرية فيما تلألأت السماء من فوق سطح الدار بأضواء حادة كالشهب تتشابك مع الظلمة المنحدرة إثر انقطاع الكهرباء بعد اقتحام قوات الأمن الخاصة الشوارع والطرق بالقرية، كان الليل يبدأ مبكراً والضجيج ينزلق مع كل دقيقة تمر فيما تطل فوهات لبنادق يحملها رجال يجوبون الطرقات مع هدير أصوات العربات الأمنية، فتختفي على أثرها كل حركة في الطرق فيبدو المكان أشبه بغابة إسمنتية تتخللها روائح الغازات مختلطة بروائح الطبخ المنبعثة من نوافذ المنازل التي بدت بعضها شبه مهجورة من الحياة حيث غادرها البعض إلى مناطق أخرى وقيام البعض من الأهالي بإغلاق الأبواب والنوافذ عليهم مفعمين بالصمت المطبق بين بعضهم البعض، يجتاحهم ذهول لما يجري من حولهم. عالم زهرة ضاق إلى حجرة صغيرة مع تلفاز وجهاز لبتوب وهاتف من نوع بلاكبيري وحمم من مشاعر محتدمة تجرفها سيول من الحزن والذعر الداخلي المصحوب بكآبة فقدان الحب الذي ولد ومات بسرعة الريح التي بذرته في فضاء الدم والتيه، كانت مضطربة وهي تواجه ذاتها في غرفة منعزلة فوق سطح المنزل بعد أن ضاق بهم الطابق الأرضي هي وأخوتها وشقيقاتها المكدسون في فناء منزل صغير على أطراف القرية مقابل سلسلة المنازل المترامية الأطراف بالحي القديم، كانت صدمة نهاية الحلم بالثورة قد سفكت روحها بالتزامن افتراقها عن حمد في ذروة نشيج العاصفة التي اجتاحت البلد، من يومها دخلت في بيات ليلي مع أدوات الاتصال وفي نحيب داخلي مروع يقطعها إلى شظايا من ألم موجع بلا دموع، فقد ظلت الدموع محبوسة في مقلة عينيها، كانت تندس في الفراش وتغط في غيبوبة مستخدمة كل وسائل التنويم من أقراص وسوائل السعال المخدرة مستنجدة بالنوم للتغلب على أفكارها السلبية الموغلة في السوداوية تأخذها في خيالات جامحة، فترسم سيناريوهات قاتمة في عقلها الواعي ليتسلل إلى عقلها الباطن فتنبثق عن ذلك مشاعر موحشة أكثر سوداوية من الأفكار ذاتها التي أنتجت تلك الأحاسيس التي تشبه بفيضان عارم من الألم الناتج عن خيبة الأمل التي مرت بها مع المئات من جيلها ممن راودتهم الأفكار الثورية التي نسجتها وسائل الاتصال الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر وقد جنحت في بداية الأحداث بانفعال في الانخراط بالنشاطات الاجتماعية التي رافقت الحركة معتقدة أنها الثورة، فارتمت في قلب الطوفان وشاركت في الهتافات وبعثت الرسائل وقامت بتوزيع النشرات ورددت الشعارات ولم تكن تدرك مسار الأحداث، كانت روحها تتوهج ببهاء المشهد مقترنة بالعاطفة التي تكنها لحمد منذ ما قبل الأحداث، ثم صحت على الانفجار العاطفي الذي غرق فيه الناس من كلا الضفتين، فأيقظ ذلك شعور الفئات المختلفة من السكان بغضب ساد على أثره قلق. بدأ حسها ينعطف نحو الخوف والترقب مما تحمله الأحداث ولكنها ظلت منسجمة مع التيار وما حمله لها من تحرر منذ أيام الدوار عن قيود المنزل وأسئلة الأهل فظلت تغيب عن الدار بالساعات ثم بالأيام وتبيت خارج المنزل حتى تمكنت لأول مرة في حياتها من الشعور بالحرية في الخروج والسهر والغياب فانعطفت لديها المشاعر نحو تفكيك القيود الاجتماعية، كانت تنظر للأمر من زاوية الإفلات من أسر القيم التي عاشتها طوال سنين عمرها العشرين وأوشكت على ولوج الحرية المطلقة مع انفلات الوضع الأمني الكامل الذي تمثل في تحول الدوار إلى مأوى للنفوس التائهة والهائمة فاستباحت لنفسها فتح الأشرعة على مصارعيها وأرخت مشاعرها لتنطلق بضراوة فحلقت بمشاعرها إلى أن اصطدمت في الأيام الأخيرة مع اتساع رقعة الاحتجاجات وأعمال العنف واحتلال الشوارع والمرفأ المالي، فبدأ يتسلل إليها الشك ولكنها ظلت تساوم الظنون التي أخذت تتسلل إلى ذهنها المشوش وزاد من ذلك تقاطع هذه الأفكار مع عاطفتها تجاه حمد الذي كان بداية نقش عاطفي جارف، رأت فيه مرفأ لحياتها التي كانت منذ البداية مشوشة وبلا هدف إلا من حدس ينبئ عن سير العلاقة معه باتجاه النضوج مدفوعة بشرارة العاطفة إلى أن بدأت تدرك حينما كانت تضع رأسها على الوسادة بالأيام الأخيرة للأحداث، انحسار الشعور بالأمان مع ظهور الدبابات والعربات المسلحة وحشود القوات المدججة بالأسلحة تملأ الشوارع والطرقات التي كانت قبل فترة شبه خالية من هذه المظاهر. رأت في زهو الليل واجتراح العتمة على تخوم الحزن الدفين حين ينقطع السبيل إلى النوم وتتشبع روحها بلظى الوحدة وانحسار الأصوات والضجيج والحشود التي كانت تحيط بها وسط كثافة الأناشيد والنقاشات والجدل بين النفوس المنفلتة بلا حدود، فباتت الآن وحيدة يراوغها ليل ضاعت من حواشيه الغيوم الممطرة التي كانت تبلل ظفائرها عند تخوم الدوار فأيقنت من ضياع الحلم ومذاق نبيذ الحب الذي ابتلعه الطفح الطائفي فسدت الدروب في عقلها الصغير الذي استيقظ على مجدٍ فقد أيقونته المكسوة بالعاطفة الملتهبة، فبدأ لها الأمر وهي ترقد قاطنة اليأس المتسرب لها من كل الجهات كأنها اهتدت لسرب نجوم السماء التي لم تلاحظ خلال تواجدها بالدوار مساره فاجتاحتها ذكرى مجد الحب الذي كانت خلاله تخوض وحل الطين عند سفوح المرفأ القديم المحاذي للبحر وهي ممسكة بيد حمد وسط عتمة التخفي الليلي وعينها على كل ضوء متسلل من بعيد خشية انكشاف أمرها، فأيقنت أن لذة الخوف الذي كان ينتابها حينذاك كان أروع ما مر بها في حياتها. أصبح الليل والغرفة العلوية المعزولة عن بقية المنزل وسط سطوع أضواء الطائرات العمودية التي تحوم من فوقه وأصوات العربات والغبار الخانق المنبعث من الشارع ملاذاً يتقاطع مع مرارة فقدان الحب فأوغلت في الخيال المصطنع الذي نسجه عقلها الباطن وهو يلح عليها للغياب في خدر دائم شكل لها ملاذاً من الألم، فتماهت مع الأفكار التي ولدت وسط مشاعر خفية ساعدتها على الهروب من الواقع فراحت تتسلل إلى بداية العلاقة مع حمد واستعادت ضراوة النشوة وبدأ عقلها يشتغل على الهروب..
****
(فلاش باك)
"من نظرة ساخنة عابرة كالجمر ولدت رعشة هزتها من الومضة الأولى التي رأت فيها عينيه مسلطة عليها وهى تنفث دخان الشيشة بإحدى مقاهي الشيشة، شذبت خصلات شعرها بيدها من تحت الحجاب ومالت بطرف عينيها نحوه مرات متسللة من بين خيوط الدخان المتصاعد من أمامها، كانت تجلس بزاوية المقهى المطل على شارع قصر القضيبية وبرفقتها صديقة لها فيما جلس هو بركن مقابل من المكان وحوله عدد من رفاقه الذين تحلقوا حول الشيش وراحوا ينفثون الدخان بكثافة، راحت نظراته تحرث المكان متسللة بين فينة وأخرى نحوها تعقبها ابتسامات مقصودة تثير فيها رعشة، محدثة ارتباكاً كلما دنت النظرات أعمق منها تنضح بالشهوة فتنأى بنظراتها في زوايا المقهى وتندس خلسة من جديد نحوه فتصطدم به، كانت يومها فاتنة، ترتدي قميصاً أحمر وسروال جينز ضيق يكشف عن تضاريس فخذيها الممتلئين كلما نهضت وعدلت من جلستها، فيما بدا صدرها نافراً يكشف عن نهدين مكتنزين وبانت بشرتها بيضاء عند كتفيها المكشوفين فيما يميل لون وجهها إلى البرونزي، بعد تلك الليلة التي غادرت هي وصديقتها المكان قبله، اعتاد بعدها على زيارة المقهى بين وقت وآخر حتى اصطدم بها مرة أخرى وحينها أشهر في وجهها نظراته التي تكاد تلتهمها فزاد ذلك من احتدام الشعور لديها بالرغبة في الاسترسال معه وهكذا بدأت تحمى النظرات وتقدح الابتسامات المتبادلة مما أوحى لكل من أصدقائه بوجود ذبذبات تسري سراً في المكان. اختتمت الليلة تلك بتبادل أرقام الهواتف لتغزل خيوطاً من التواصل المتنامي نتج عنه نسيج مشاعر ظلت تتصاعد لأيام حتى انتهت بلقاء في سيارته بقرب الساحل البحري لمنطقة الجفير، كانت ليلتها السماء تعج بالنجوم والقمر يبعث ضوءه على المكان مما سبب لهما الضيق في بداية الوصول وما هي إلا دقائق حتى تسللت يده تلعب في يدها ليشعر بالتعرق ينبعث من يدها فكان ذلك أول تعليق له يتجاسر فيه على كسر الخجل والارتباك. - أحب الندى من يدك.. - آه .. أعرق بسرعة .. انهمر صوتها كغيمة تسري بخجل وسط تقاطعات سماء خريفية لا صدى فيها للأوراق الخضراء، تنعم بنسمات دافئة توقد من تدفق العواطف المشدودة بكبت ينزلق من شرنقته قبالة البحر الذي يطلان عليه من داخل السيارة الصغيرة الواقفة على طرف اليابسة، كان الشعور بينهما يعلو وينخفض بتدرج الحديث الهامس كحركة النجوم المندسة بين السحب تطل عليهما بين فينة وأخرى فترفع من حرارة الشعور بالوجل والرغبة المسعورة بداخل الرجل وهو يحاول أخفاء هذا الزغب العاطفي الذي ينضح بالشهوة كلما تأمل بشرة كتفيها وبروز نهديها مشدودين أمامه فيما يقطر فمها بطراوة أسالت لعابه وهو يتطلع لملامسة الشفتين المصبوغين بلون أحمر شفاه مائل للون الوردي الأرجواني، يتناسب مع فستان ارتدته بعد عناء في البحث عن فستان يليق بأول لقاء لها معه وقد ظلت لأكثر من ساعة تعبث بملابسها التي أخرجتها من دولابها ونثرتها على مدى الغرفة لتنتهي واقفة حائرة تتأملها جميعها وقد رأتها قديمة ورخيصة، فلم يكن أمامها سوى أن تستعير فستان من صديقتها مع علبة عطر ماركة "فلور بامب" وهو العطر الذي كانت تأمل باقتنائه ذات مرة ولم يحدث، كانت تتأمل القارورة بمحلات العطر في كل مرة تنوي اقتنائها ثم تنزوي نحو رف آخر إلى أن جاءت فرصة لقائها بحمد فتجرأت واستعارتها من الصديقة التي اضطرت للاعتراف لها بالموعد معه من دون أن تحدد لها الوقت والمكان. تكررت اللقاءات وانهمر الحديث بينهما فراحت تروي له مقاطع من سيرة حياتها التي بدأت بترك الجامعة عند منتصف السنة الثانية لعدم القدرة على المواصلة بسبب حالة العوز التي تعيشها وسط أسرة مكونة من أم تشكو من عدة أمراض وأب متوفى وشقيقان أحدهم يدرس والآخر يعمل وهو مصدر دخل الأسرة بالإضافة إلى ثلاث شقيقات يصغرنها، فاجأته بأنها كانت تعمل قبل عام بإحدى شركات المقاولات كسكرتيرة تم الاستغناء عنها لأنها لم تساير مسئولها بالعمل في التودد له وكان آخر أجر تقاضته قبل يوم عيد الفطر مما سبب لها حالة من كآبة بدأت من حينها تدخين الشيشة معتمدة في ذلك على مبلغ الثلاثين دينار التي يمنحها لها شقيقها كل شهر ودعوة صديقتها لها في بعض الأيام التي ترافقها معها للمقهى. أما هو فقد زخرف يومه بانفعالات متدفقة وتوتر ينم عن أفكار متلاحقة كشفت عن زهوه بالموعد الذي اكتظ بمشاعر مصاحبة كلما تذكر شفتيها واحتمال تقبيله لهما، راوغ الوقت الذي راح يتمدد ويحشره في بوتقة من القلق حول المكان الذي سوف يصحبها إليه والحديث الذي سيدور بينهما، والملابس التي يرتدي وهل يختار الثوب أم القميص وسروال الجينز، كان ينظر إليها ككنز هبط عليه من السماء بعدما فشلت كل محاولاته التي بذلها في الفوز بفتاة مثلها تحتوي على كل ما يتمناه في الفتاة من إثارة ومظهر وفتنة لم تستطع حالة الفقر التي كانت تبدو عليها من مظهر ملابسها ومن الانطباع الأول لرؤيتها من إخفاء جمالها، ظل طوال الوقت يداري زهوه وتوتره الذي كانت أفكاره السلبية تغزو مشاعره .. ماذا لو لم تأت إلى الموعد؟ عندما حلت الساعة التي اتفق معها فيها على اللقاء، ضرب لها موعداً بالقرب من إحدى السوبرماكات بمنطقة الجفير ومن هناك خلف المكان وقف ينتظرها حتى وصلت، فاستقلت سيارته واتجها نحو الساحل البحري خلف مجمع الفاتح بمحاذاة البحر قبالة مدينة المحرق، وطوال الطريق بادرها بالحديث المتعثر فيما كانت تقابله بابتسامة خجلة كان يعرف في سريرته أنها مصطنعة، فقد بدا عليها أنها ليست المرة الأولي التي تخرج فيها مع شاب، ظهر ذلك من خبرة في ترتيب الموعد وفي استجابتها السريعة ومن خلال أسلوبها في المجيء بالسيارة وطريقة إخفائها خلف السوبر ماركت الذي تواعدا على اللقاء عنده. لم يفقده هذا الشعور متعة اللقاء، فعلى العكس من ذلك حرك فيه هذا الإحساس دافع لبلوغ مرحلة المضاجعة بسرعة مع حيرته في كيفية معرفة إن كانت فتاة أو امرأة. - ماذا لو كانت عذراء؟ دار السؤال في رأسه منذ أن أمسك بيدها وشعر بحرارة جسدها كله تتجمع في راحة يده، فانتفض من رعشة جسدية اجتاحته وهم بسحب يده حتى لا يوحي لها من البداية بما يضمره في أعماقه وما قد تكشف عنه نيته المبيتة في الوصول معها إلى اللقاء الجسدي، إلا أن استسلام يدها في يده بطمأنينة وشعوره بحنان يدها وتعرق راحتها أدى ذلك إلى استمراره في احتضان يدها، ثم تجرأ على النظر في عينيها بعمق ذي مغزى ما زاد من تدفق الدم في عروق وجهها الذي تورد بلون برونزي داكن وسرت رعشه في كلتا ساقيها فأحس بهما ترتجفان فظن أنها باردة بسبب نسمات هواء البحر الباردة التي تهب مصحوبة برطوبة في الجو فعرض عليها تغيير المكان فردت .. - أين تقترح؟ فتح سؤالها الباب له ليقترب مما يدور في رأسه من أفكار تختبئ تحتها نيته في الانفراد بها بمكان منعزل والتقرب منها حتى لو كان فقط من أجل احتضانها كبداية. - بإمكاننا الانفراد في مكان بعيد عن عيون الناس ونتحرر من الحذر والخوف الذي أراه في وجهك يفيض كالنهر. حدقت فيه وهي شاردة الذهن فيما أحس بالعرق ينهمر من قاع يدها ولمح توق خفي لا ينم عن جواب فاكتفى بنظرة تحمل كيمياء الغموض تترك الأمور معلقة. لم يطل الوقت حتى حانت الفرصة بمجيء مناسبة احتفال نهاية السنة، ففاتحها قبل أيام برغبة عارمة تسمو فوق كل المشاعر التي يمكن أن يعبر عنها بقضاء ليلة السنة الجديدة معها ولم ينس أن يمزج طلبه بعذر لها لو لم تسمح ظروفها كدليل على تفهمه لها إن لم تستطع، وقد فوجئ بما لم يرد في خياله، بموافقتها من دون أن تشترط أو تقترح المكان، فجاءت تلك الموافقة لتصهر قلبه في عروق جسده وتضخ الدم في جهازه التناسلي الذي ظل من يومها منتصباً يتدفق الدم فيه، فجن جنونه منذ تلك اللحظة حتى ظل أيام قبل مجيء المناسبة يحدث نفسه وسط أفكار تتراوح بين الخيال والواقع ويرسم سيناريوهات رتب من خلالها المكان ونوع الهدية والكلام الذي سيقوله والحركات التي سيقوم بها بالتدريج، وفجأة اصطدمت كل تلك الأفكار والخطط بظلال الشك الذي راوده بشأن عذريتها وهو الموضوع الصعب الوحيد الذي لم يستطع التطرق إليه معها، عمت الشكوك رأسه وتقاذفته الظنون وانحسر الحماس من نفسه فأوعز إلى عقله الباطن باستنباط وسيلة توصله إلى معرفة السر الذي يخرجه من الفجيعة الحسية التي تستحوذ على ذهنه وهو يغرق في خيال جارف يستنبط حدسه فيما يضمره من رغبة حارقة بشهوة لا حدود لها جعلته يفيق من النوم ليلاً يبلله العرق مأخوذاً بجسدها كشوكة تغور في قلبه وتحرق عشبته الضالعة في غابة من الخيال ينثر من حوله شبق لا متناه، كانت الأيام وهي تقترب تحرق عروقه بنار الشوق لمعانقتها، فتحشره المشاعر الموغلة في التعرج فتتركه عند الصباح كرماد الليل البهيم الذي مر به وهو يتحفز الخيال أن يوصله لمرفأ يلج من خلاله نحو الغابة السحرية التي تنتظره ليلة السنة الجديدة. تجاسر على التقصي في عقله الباطن الذي طالما أسعفة في اللجوء إلى الحيل الشيطانية لبلوغ أهدافه مع خاله بوعلي ومع أصحابه وفي مجال عمله أن يدله على وسيلة يستكشف من خلالها خارطة المرأة التي سيخرج معها وتكون بمفردها معه تحت سقف واحد، فقد وافقت على الخلوة وقد قرأت في عينيه وحركة جسده وفي نبض عروقه نيته لها، فلابد من وسيلة لاستكشاف سر الغابة، ما إذا كانت عذراء لم تسفك قطرة من دم أم هي واقفة عند تخوم الشهوة، فتحت بقناديل الهوى من الدبر، مكنه عقله من استنباط مدخلاً بدا للوهلة الأولى بريئاً حينما لج الموضوع من زاوية المزاج الذي تكون فيه ليلتها مستغلاً عبارة قالتها له من قبل بأن ملكوت السماء تظلم في عينيها والألم يبلغ حد السيف عندما تجتاحها الدورة الدموية، فولج بالسؤال من هذا الباب وألقى به كرمح تغلب فيه على الوجل الذي يكتنفه، سألها في آخر حديث تجرأ فيه على إلقاء ورقة من أوراقه السرية التي تحتضن نيته المبيتة لغزو الجسد الطري وهو ينضح بالشهوة. - تسكنني خشية إلا تكوني بتلك الليلة تعانين من دورتك الشهرية فأنا أريد أن أراك بمزاج كالقمر الليلة. كان القمر المشع ليلتها بكامل رونقه، فمرت العبارة كنيزك انفلت سريعاً من لجام لسانه مترقباً بعدها رد فعلها الذي خفق قلبه وهو يتأمل تضاريس قسمات وجهها تنبثق منه العبارة المنتظرة التي عسى ألا تخيب ظنه، كانت اللحظة تنقش في قلبه سعير كدقات الطبول قبل الحرب .. - هل تخشى خيبة الأمل؟ مرت العبارة كشهاب في سماء قلبه الذي خفق حتى كاد ينكسر كلوح رقيق، وتعثرت نظرته فسقطت على الأرض، فلم يقوى على النظر في عينيها التي فاجأته بجرأة العازف على الوتر.. - أطمأن فسمائي غير ممطرة. مازال على الحياد بعد، اللغة غامضة والشهوة تزداد ضراوة والسماء غير ممطرة والغابة يملأها السخاء ولا يعرف بعد إن كانت هناك غيمة عند النهر امتلأ جسده بعنفوان لا يحتمله حتى ناسك، فكيف ستمضي الليلة التي ستكون خلوة العمر وقد لا تتكرر لو تمادى في الانصياع إلى رغبته في الارتماء في أحضان الجسد الملتهب الذي لا يحتمل تأمله وهو تحت الثياب فما بال لو تكشفت له بضعة تضاريس من هنا أو هناك من هذا الجسد الناري كإعصار؟ - ماذا سترتدين لي ليلتها؟ - كل ما نفسك فيه. عندما حانت ساعة اللقاء وتوقفت السيارة بمحاذاة السوبرماركت التي دأبا على الالتقاء عندها، صعدت معه السيارة، فوجئ بها وهي ترتدي طرحة سوداء غطت جسمها بالإضافة إلى حجابها الأسود، خفق قلبه وعلم بأن ليلته ستكون كئيبة كهيئتها التي لم يألفها منذ عرفها، فأحس بأنها تعمدت ارتداء عباءة تغطي بها جسدها كرمز لممانعتها على الولوج معه في مغامرة الجسد وكإشارة على الرفض المسبق للمغامرة التي قد تحين فرصتها ولا تحين، فطوال الأيام التي ولت كانت بمثابة بحر هائج بالشبق المكبوت، انفجر أول ما رأى هيئتها وهي تدلف السيارة إلى جانبه حتى تحولت النار بغتة إلى كتلة من الرماد وخرس لسانه حتى عن رد التحية التي بادرته بها.
****
- سلامتك حمودي.. عندما دلفا المكان الذي كان عبارة عن غرفة صغيرة على هيئة أستوديو، وقفت وسط حجرة مفروشة بسجاد عنابي مطابق للون المقعدين ولون الأبجورة المركونة بالزاوية، راحت تتأمل بقية المكان، كان هناك سرير فردي صغير بمقابل المقعدين وقد فرش بغطاء وردي زخرفت أطرافه بورود حمراء ونثر حوله على امتداد المقعدين شموع صغيرة أضاءت المكان الذي كان ضوئه خافتاً للغاية من جهة وحاداً في الجهة الأخرى، ولفت انتباهها وجود زجاجة شيشة مع معداتها فمالت عليه وابتسمت.. - كيف خطرت ببالك؟ كان توتره واضحاً وهو يتأمل رد فعلها على المكان الذي جلبها إليه، كان شيئاً في أعماقه يصرخ بها لأن تضع حداً لشكوكه وتمزقه، وود لو يعود بها من حيث جاء حتى لا تستمر اللحظة الصامتة على هذا المنوال وكأنها دهراً. - جميل المكان. كانت أول عبارة استرد معها توازنه فطلب على أثرها منها الجلوس وسألها أن يعد لها شيئاً مما أحضره، ولكنها بادرته بخلع عباءتها ليصعق لحظتها بمنظرها وهي ترتدي سروال جينز أسود ضيق وقصير مع قميص أزرق فاتح ضيق هو الآخر أظهر صدرها وكشف عن بثور طفيفة أضفت عليها إثارة عند منحى الرقبة وعند الوجه الوردي المائل للبرونزي الذي بدا نظراً، بدت صفحة وجهها طرية غاية في الفتنة وقد أضفى عليها الماكياج الخفيف الذي وضعته رونقاً اتسعت معه عيناها اللتان بدتا زرقاوين، فنفذت كسهم ناري فيه وهي تنظر إليه بإغراء كسرت الصمت بينهما حين بدت أكثر جرأة منه، كانت تجلس قبالته وظهر فخذيها مكتنزين وقد ضاق بهما السروال فأمسكته وهو يتأملهما وابتسمت فيما راح يخفض نظره إلى الأسفل وساد بينهما للحظة صمت تصاعدت معه أنفاسهما وسط الارتباك الذي بدا عليهما. كان الوقت مساءً ومضت الدقائق طويلة حتى قطعها بقوله.. - بدأت أتعلق بك زهور .. - للتو فقط بدأ تعلقك بي؟ - منذ التقت عيناي بعينيك أول مرة في المقهى.. تذكرين؟ أطبق فجأة صمت متوتر والتقت العيون متوحشة فكسرته بقولها .. - ارتحت معك منذ التقيتك أول مرة. من حيث لا يشعر امتدت يده وأطبقت على يدها المحاذية له بجانب المقعد الذي كانت تجلس عليه بجانبه، تدفق الدم في عروقه فجأة حينما شعر بيدها تضغط على يده بحركة لم يألفها من قبل وسرت في جسده فورة دفعته ليحدق في عينيها ويرى مغزى تلك الحركة من يدها، فرأى وميض سهم يشع غموضاً حاداً لا يزيده ألا عطشاً لمزيد من التجاسر رغم عدم معرفته حتى الآن بوضعها الجسدي، دارت الأسئلة في رأسه عما إذا كانت ستجاريه في كل هذا التجاسر لو لم تكن عذراء، وفي غضون ثوانٍ من تساؤلاته أحس بها تقترب منه وتتأمله مبتسمة.. - ماذا أردت مني؟ داهمته رائحة عطرها ونفذت فيه وهو يقترب منها أكثر، فلجأ إلى حيلة عشوائية انبثقت من عقله الباطن في لحظتها وهي الاصطدام بقدمها فمالت عليه وهي تهمس بصوت مرتعش.. - وحشتني حمودي.. من دون تخطيط مسبق، مدفوعين بشعور جسيم من الرغبة المنفلتة، وجدا نفسيهما متعانقين بوحشية، تلتها موجة من القبلات المتقدة، فشعر بجسدها ينساب بين ذراعيه كقطعة من حرير ساخن يصقله ويفلت منه زخات من العرق رغم شعوره بتعرقها هي الأخرى، كانت اللحظة مكتظة بالوجوم المباغت غير المتوقع الذي أوصلهما إلى هذه اللحظة، وحينما ابتعدا لالتقاط أنفاسهما فوجئ بقميصها وقد تحرر من أزرته العليا وظهر صدرها الذي كشف عن نهدين نافرين من خلف صدرية سوداء، ظهرت شعيرات من الزغب الأحمر بين فتحة النهدين فزاده ذلك اشتعالاً وعادت به سنوات للوراء حينما كان يتأمل ذلك الزغب من خلال متابعته للأفلام الزرقاء، فأمسك بخصرها وهمس في إذنها اليمنى. - تشيشين؟ ضئيلة المسافة التي تحتمل النشوة المرفرفة على وجهه وهو يدعوها للشيشة وردة فعلها المتباهية وهي تهز رأسها موافقة، كانت تلك علامة أخرى أسالت ماء الشهوة لديه، استنبط من زهو نظرتها إليه بالحدث المنتظر.. - مشتاق إليك.. - حلالك حمودي.."
#احمد_جمعة (هاشتاغ)
A.juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قطارنا ما يزال يسير على الفحم!
-
الخراف الضالة - رواية- القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد (6)
-
الخراف الضالة - رواية- القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد (5)
-
رواية عن مقال ممنوع...
-
حذار من انهيار الطبقة الوسطى!!
-
ميغان وأوبرا وينفري ثورة جديدة!
-
الخراف الضالة - رواية- القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد (4)
-
الديمقراطية الدكتاتورية!!
-
الغوغاء قادمون!
-
الخراف الضالة - رواية- القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد (3)
-
... هل الكاظمي فخ العراق؟!
-
هل تختفي الدول العربية قريبًا؟!!
-
عاصفة الديمقراطيين قادمة...استعدوا...
-
الخراف الضالة - رواية- القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد (2)
-
الخراف الضالة - رواية- القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد (1)
-
رصاصة وشمعة وسمك سلمون!!
-
الانهيار الأعظم...القادم!
-
تحت حذاء ماما أمريكا ...!!
-
شتاء المحرق 1940
-
الطعام قبل الإيمان...
المزيد.....
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
-
”أحـــداث شيقـــة وممتعـــة” متـــابعـــة مسلسل المؤسس عثمان
...
-
الشمبانزي يطور مثل البشر ثقافة تراكمية تنتقل عبر الأجيال
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|