نص حوار أسد نودينيان مع مؤيد احمد، في -قناة اللقاء-، حول تطورات الأحداث في العراق وإقليم كوردستان
مؤيد احمد
2021 / 4 / 13 - 03:38
أسد نودينيان: الاحتجاجات ومظاهرات الجماهير، في العراق وكوردستان، لا زالت مستمرة...وبين حين وآخر تعطي السلطة الوعود لحل هذه الأوضاع المتفاقمة، ولكن، وفي الوقت نفسه، لا تتخلى عن استخدام العنف ضد المتظاهرين وقمعهم. والان وفي خضم هذه الأوضاع، طرحت السلطة مشروع قانون بخصوص “المحكمة الاتحادية" في العراق والذي يهدف الى جعل “المرجعية " الدينية حكماً لحسم قرارات هذه المؤسسة. ما هو هذا المشروع؟ وما هي نتائجه؟ ولماذا الآن؟
مؤيد أحمد: إن غرض الإسلاميين من هذا المشروع هو تعيين هيئة "فقهية" في "المحكمة الاتحادية"، وهي محكمة قرارتها تغطي عموم العراق وبضمنه إقليم كوردستان، وذلك لضمان تطبيق الشريعة الإسلامية في هذه المحكمة. يهدف الإسلاميون كي تكون لهذه الهيئة حق الفيتو (النقض)، وأن تتكون الهيئة من ممثلين عن الطائفتين المذهبيتين الشيعية والسنية في العراق. تصر عدد من الكتل البرلمانية الإسلامية على هذا المشروع، ومن المتوقع أن يتم اتخاذ قرار بهذا الِشأن في البرلمان يوم الاثنين (15-3-2021)، ويدور، في الوقت نفسه، النقاش حول أن يكون لهذه الهيئة دوراً استشاريا أو أن تكون عضواً في المحكمة وتتمتع بحقها في النقض.
يبدو إن الذين طرحوا المشروع يعتزمون تطبيق القانون كما هو موجود في إيران تحت اسم "مجلس تشخيص مصلحة النظام". لاقى هذا المشروع اعتراضا واسعا من قبل الجماهير وعبرت عن ذلك، بالأخص في شبكات التواصل الاجتماعي. لو استطاع الإسلاميون فرض هذا المشروع، سيكون مكسبا وموقعا آخر للإسلام السياسي على مستوى الدولة وفي المحكمة من اجل تثبيت أنفسهم وتوجيه ضربة للحياة المدنية. المهم بهذا الخصوص، هو إن هذه المحاولات وجهود القوى الإسلامية تُبذل في مناخ يعاني الإسلاميون فيه أزمة كبرى أصلا، وهم الآن ليسوا أكثر استقراراً أو نجاحاً من ذي قبل، أي قبل طرح المشروع.
أحد أركان النظام السياسي البرجوازي، وتحديداً النظام السياسي البرجوازي الليبرالي، هو أن القانون والمحكمة مستقلان عن مؤسسات الدولة البرجوازية الأخرى. وعليه، إذا تمكن الإسلاميون إصدار هذا القانون في العراق، فإنهم سيوجهون ضربة أخرى، للاستقلال الصوري هذا، والذي تتشدق به البرجوازية العراقية نفسها، بين المحاكم ومؤسسات الدولة الأخرى، وتعتبر ضربة للطابع المدني للدولة البرجوازية بشكل عام في العراق، الأمر الذي ستتحمل عواقبه، في المطاف النهائي، الجماهير الكادحة وبالأخص النساء. ولهذا السبب فإن هذا العمل الإسلامي هو سياسة رجعية ومناهضة للحرية ومن الضروري أن يتخذ جميع التحررين موقفا حازما ضده.
ينص الدستور العراقي لعام 2005، على عدم سن أي قانون يخالف الشريعة الإسلامية، وهذا ما اعطى القوى الإسلامية الذريعة كي تحاول أن تكون لديها هيئة في المحكمة الفدرالية للدفاع عن تطبيق هذه الشريعة. لذلك، فإن الأمر يتطلب أٍساسا، النضال من اجل إزالة الشريعة الإسلامية من الدستور، وجعل هذا المطلب محور حملة جماهيرية واسعة للرد على هذا المشروع الرجعي المطروح من قبل تيارات وأحزاب الإسلام السياسي وإجبارهم على التراجع.
أسد نودينيان: السلطة التي جاءت بعد نظام صدام حسين، هي سلطة قومية وطائفية غير موحدة. ومن المعلوم إن الجمهورية الإسلامية في إيران جاءت عبر قمع الثورة ومن ثم أنشأت "مركز استراتيجية مصالح النظام الإسلامي" في إيران، وفرضت نفسها. ماهي الفرصة لدى السلطة في العراق، لتصبح هيكلاً ثابتاً ومستقراً مع وجود الصراعات الحالية؟
مؤيد أحمد: سلطة الإسلام السياسي في العراق ليست كإيران. وكما قلتم، كانت هناك ثورة في إيران تم قمعها من قبل قوى الثورة المضادة أي قوى الإسلام السياسي وأُقيمت على أثره النظام الإسلامي وفُرضت قوانينه، وبعبارة أخرى، أُنشأت فيها "الجمهورية الإسلامية". لكن وضع الإسلام السياسي في العراق كان مليئا، ولا يزال، بالتناقضات ومنذ اليوم الأول لوصوله إلى سدة الحكم. دخل الإسلام السياسي هذا الميدان والمسماة "العملية السياسية"، بالارتباط مع إعادة تأٍسيس الدولة في العراق من قبل أمريكا.
بعد سقوط النظام البعثي واحتلال العراق سنة ٢٠٠٣، بدأت أمريكا بعملية تأسيس دولة ونظام جديد في البلاد، ودخلت التيارات الإسلامية وأحزابها حلقة إدارة شؤون الدولة بالارتباط مع عملية "صناعة الدولة" هذه من قبل أمريكا، وتمكنت من كسب السلطة والاقتدار في الحكم. فكثير منها كانت سابقا مجرد قوات ميليشية وذات قاعدة اجتماعية هشة، و هي الآن كذلك، وإن أي حزب أو جهة أرادت الاقتراب من السلطة كان عليها أن تدخل في عملية بناء الدولة هذه والتي تسمى بـ "العملية السياسية".
ومع ذلك، فإن سلطة الإسلام السياسي في العراق لم تسفر عن صعود قوة اجتماعية متنامية تأخذ السلطة بأيديها، أو تدمر ثورة معينة ومن ثم تحكم، كما حدث في إيران. لقد عاشت هذه التيارات وقوى الإسلام السياسي دائماً في هذا التناقض؛ ثمة نظام سياسي برجوازي تم إنشاؤه بدعم من البرجوازية الإمبريالية والعالمية في العراق، من ناحية، ومن ناحية أخرى، فوجودها في السلطة كان بسبب هذه الدولة وبالإسناد عليها.
والواقع أن العملية التي يمكن للإسلام السياسي أن يغير فيها ميزان القوى في العراق لمصلحته الخاصة الى الحد الذي يمكنه أن يجعل النظام السياسي في البلاد نظاماً إسلامياً مستقراً تماماً، دخلت مع انتفاضة أكتوبر، في طور آخر، أي طور الأزمة وتفاقم تناقضات هذا النظام الإسلامي السياسي نفسه. ما يسعى إليه هؤلاء الإسلاميون الآن لفرض هذا المشروع وأسلمة المحكمة الاتحادية والاستفادة من المادة التي حددها الدستور، لن تنجيهم من الأزمة وعملية الانحدار التي يعيشونها. إن العملية برمتها وصراعات الجناحين الأساسيين والأجنحة المختلفة داخل النظام العراقي لن تتوضح لنا إذا لم ندرك هذه الأزمات وهذه الصراعات. وبصرف النظر عن الصراع بين أجنحة الإسلام السياسي الشيعي، يمكننا القول بإن هناك جناحين رئيسيين للنظام السياسي للبرجوازية القومية والإسلامية في العراق:
الأول هو القوى والأحزاب المدافعة عن الدولة البرجوازية القائمة في العراق وشكلها السياسي المتمثل بالنظام البرجوازي القومي والطائفي، والتي بنيت بدعم من أمريكا والبرجوازية الإمبريالية الغربية والبرجوازية الدولية، وسواء كانت لأمريكا قوات عسكرية في العراق أم لم تكن، لا يغير من هذا الأمر كثيرا. فهذا الجناح جزء أساسي للنظام السياسي البرجوازي الحاكم، ومرتبط بشكل أو بآخر باستراتيجية أمريكا والبرجوازية الإمبريالية الغربية.
أما الجزء والجناح الآخر للنظام، فهو تيارات الإسلام السياسي بجميع أطرافها، وهي نفسها منقسمة على عديد من الأجنحة، وحتى إن بعضها "موالية لإيران" مباشرة وترتبط بها وتعمل على تنفيذ سياسة واستراتيجية النظام الإسلامي الإيراني في العراق، بشكل فاضح.
أسد نودينيان: زار البابا العراق مؤخراً والتقى بـ علي السيستاني. من الواضح أن "المرجعية" في العراق لديها مشاكل وخلاف مع النظام الإسلامي في إيران ومع ولاية "الفقيه". كما وأعلن الكاظمي يوم 6 آذار/مارس، أي يوم اجتماع السيستاني والبابا، يوم عفوٍ عام. والظاهر أنه يريد أن يعطي بديلاً بهدف الاستجابة لهذا الوضع المتناقض والمتأزم. اذاً إلى أي مدى ستقع زيارة البابا هذه في سياق الصراعات الداخلية في العراق التي لها وجه الصراع الأمريكي -الإيراني؟
مؤيد أحمد: إن لقاء البابا والـ "السيستاني" هو رسالة إلى إيران، بأن البابا والبرجوازية الإمبريالية الغربية، قدر ما يتعلق الأمر بالعلاقة بـ “المذهب الشيعي"، ملتزمة بـ "مرجعية" السيستاني والنجف ومنسجمة معها. وهذا في حد ذاته إشارة إلى إيران، بان البابا والغرب يعترفون بـ "مرجعية النجف" و "السيستاني"، ممثلا لـ “الشيعة" في العالم وعلى المستوى المحلي في العراق. والحقيقة، فإن تأسيس "العملية السياسية" عام 2003 في البلاد بني على أساس كون الإسلام السياسي الشيعي المنتمي إلى هذه "المرجعية “متناغم ومتجانس مع النظام البرجوازي العالمي والغربي ومتفق مع تأسيس السلطة البرجوازية القومية والطائفية.
إذا تحدثنا عن القاعدة الاجتماعية المنتمية "للمذهب الشيعي"، فإنها، حتى وإن استطاعت أن تؤمن، الى حد ما، استقرار النظام وهي منتمية لـ "مرجعية النجف"، فإن كل هذا يشكل تناقضات وحواجز أمام النظام الإيراني فيما يتعلق بالنفوذ في العراق، ويمكنني القول بان جمهورية إيران الإسلامية لا تستطيع أن تفرض نظاما سياسيا إسلاميا في هذا البلد على غرار ما هو موجود في إيران.
ما يقوم به النظام الإسلامي الإيراني داخل العراق الآن، هو أساساً من خلال قوى وأحزاب وميليشيات الإسلام السياسي الشيعي، كحزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي، وبعض العصابات والميليشيات المأجورة، هذا عدا قوى أخرى خارج تيارات الإسلام السياسي الشيعي كالاتحاد الوطني الكردستاني الذي تربطه بإيران مصالح متبادلة ضمن دائرة النفوذ الجيوسياسي للنظام الإيراني. من الواضح أن جميع قوى الإسلام السياسي الشيعي مرتبطة بإيران وتجمعهم استراتيجية عامة، إلا أن هذه الأمور لن تصل إلى المستوى الذي يمكن أن تنشئ فيه إيران نظاماً إسلامياً في العراق يتبعها صرفا، فهذا لن يكون ممكناً ولن يتمكن النظام الإيراني على إنجازه.
من المعلوم، إن تدخل النظام الإيراني ونفوذه في العراق، من خلال أحزاب الإسلام السياسي وغيرها من الأحزاب والجهات، له دور كبير في التأثير على الحياة السياسية في البلاد ومساراتها، لكن هذا الأمر مليء بالتناقضات والتعقيدات، فحسم النظام السياسي في العراق بشكل يكون تماماً لصالح إيران، وكما ذكرت، أمر مستبعد ولن يتحقق. أعتقد أن العراق نقطة ضعف في استراتيجية إيران في المنطقة، وإن انتفاضة أكتوبر دمرت هذه العملية، وأصبحت مسارات الأمور في طور آخر بعد الانتفاضة. وإذا تقدمت الانتفاضة بشكل أكثر في العراق، فإنها ستغلق الباب أمام تنفيذ الاستراتيجية الإيرانية هذه.
أسد نودينيان: ...في قلب هذه الأوضاع، ثمة مشروع "الحوار الوطني" الذي من المقرر تنظيمه من قبل الكاظمي بعد انتهاء زيارة البابا، ومن المقرر دعوة جميع الأطراف للمشاركة في هذا الحوار. يأتي ذلك في وقت توجد فيه مشاكل بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية، وظهرت قضية المحكمة الاتحادية ومشاكل أخرى كثيرة... أين يقع هذا المشروع في إطار هذا الوضع؟
مؤيد أحمد: كما سبق وان ذكرت، فإن انتفاضة أكتوبر وجهت ضربة قوية ومؤثرة لهذا النظام، وتقول التقارير بإن نحو 60 منظمة وجماعة وحزب قد تشكلت، وادعت أنها تنتمي الى الانتفاضة بطريقة أو بأخرى، وإن الكاظمي يعتزم إنشاء علاقة بين الانتخابات والانتفاضة، كما ويريد أن تتحاور الأحزاب التي أنشأها هو وقوى السلطة الأخرى الدخيلة في الانتفاضة، من خلال أولئك الذين لهم موقع ومكانة فيها، وأن يكونوا هؤلاء طرفاً في هذا "الحوار الوطني". هذا عدا عن وجود شائعات حول مشاركة قسم من البعثيين السابقين في هذا الحوار. السيناريو بمجمله هو جزء من واقع الأزمة الذي تعيشه قوى السلطة وهشاشة نفوذها الاجتماعي. ولهذا السبب فإن استراتيجيتها هي الإجهاز على الانتفاضة من خلال القادة الإصلاحيين وأولئك الذين يريدون بيع قضيتها، لكن جميعهم سيفشلون لأن أزمتهم أكبر مما يمكن حلها بهذه الطريقة.
أسد نودينيان: ماذا ينبغي على اليساريين والشيوعيين أن يفعلوا تجاه الوضع الحالي، الذي كما نراه لم تقبل الاحتجاجات الجماهيرية هذه السيناريوهات والبدائل المطروحة من قبل السلطات؟ ما الذي على الشيوعيين أن يفعلوا كي تكون الجماهير قادرة على التحرر من الاختناق الموجود وأن يكون لديها مجتمعا حرا؟
مؤيد أحمد: أولا وقبل كل شيء، من الناحية السياسية، علينا الإصرار على كون انتفاضة أكتوبر أرادت إزالة النظام بأكمله، وعليه يجب الإصرار على نفس هذا المنوال، بان لا حل ولا إصلاح يستطيع أن يستجيب لمشاكل الجماهير دون أن تحقق هذه الانتفاضة أهدافها.
إن ما حدث هو حرب كبرى راح ضحيتها ما يقارب من ألف منتفضة ومنتفض، بالإضافة الى عشرات الآلاف من الجرحى وآلاف المعتقلين والمختطفين. إن انتفاضة أكتوبر 2019، التي لا تزال مستمرة، بشكل ما، هي حرب شاملة وحركة اجتماعية واسعة، ويجب أن نستمر في العمل على تعميق أزمة النظام، وعدم السماح له بإجهاض الحركة الثورية هذه من خلال الإصلاح والانتخابات والوعود الكاذبة. وهذه مسألة مبدئية وأساسية بالنسبة لنا كونها ببساطة مبدأ وهدف ثوري للانتفاضة نفسها.
ثانياً: لقد طرحت البرجوازية إجراء الانتخابات، ولكنها قوبلت بالرفض من قبل القوى الثورية في المجتمع وفي الانتفاضة. لذا، من الضروري أن ينظم العمال والفقراء والجماهير المعترضة التحررية والثورية صفوفها الطبقية المستقلة، على أي مستوى كان، خارج عملية الانتخابات والبرلمانتارية.
وعلى نفس هذا المنوال، من الضروري أن يغتنم العمال هذه الفرصة لإنشاء منظماتهم النضالية الجماهيرية المدافعة عن مصالحهم الطبقية. وان تقوم صفوف قوى الانتفاضة، ومعظمهم من العمال والكادحين والعمال الشباب والشابات المعطلين عن العمل، بتنظيم نضالاتهم حول مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية الطبقية المستقلة، وبأفق سياسي ثوري للتخلص من هذا النظام، كي يتمكنوا، في حالة الانتصار، من التحرك نحو إجراء برنامج تغير اقتصادي واجتماعي جذري شامل.
ثالثاً: قضية المرأة، هي قضية نصف المجتمع، وتشكل مسألة كبيرة في العراق. فالإسلام السياسي وسلطته هو العدو الشرس للمرأة وللحرية والمساواة، وهو في حرب حامية الوطيس مع نصف المجتمع.
نتيجة للتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الذي شهدناه في العقدين الماضيين، باتت المرأة تلعب دوراً أكبر في الصراع الطبقي والاجتماعي، ودخلت الساحة السياسية، لا سيما منذ انتفاضة أكتوبر.
لقد تغيرت التركيبة الاجتماعية للطبقة العاملة الآن، وازداد الدور الاجتماعي للمرأة العاملة والكادحة والمرأة المعطلة عن العمل والمضطهدة في المجتمع. كما وإن معظم خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس، شابات وشباب، بغض النظر عن منشئهم الطبقي البرجوازي الصغير، فإنهم التحقوا الآن بصفوف البروليتاريا وتضايقهم البطالة. وهكذا أصبحت معظم البروليتارية النسوية والفئة الشابة منها، قوة اجتماعية كبيرة في العراق. لذلك، لا ينبغي رفع راية هذه القوة البروليتارية في مجال النضال من أجل تحرر المرأة والدفاع عن منافعها الطبقية فحسب، بل ينبغي أيضاً أن تلعب المرأة البروليتارية دوراً رائداً في مجمل الحركة النسوية التحررية.
دفعت النساء العاملات والكادحات والمعطلات عن العمل أكبر ثمن، حيث إن معظم كوارث اضطهاد المرأة عموما في المجتمع، تقع على رؤوسهن. إن الطابع التحرري للحركة النسوية، بات الآن يُرتسم بمدى كون النضال والآفاق التحررية لهذه الفئة البروليتارية سائدة على هذه الحركة. ولهذا السبب، يتعين على البروليتاريا النسوية أن تلعب دوراً قيادياً في تنظيم نضالها اليومي كجزء من الحركة العمالية والاشتراكية، وكذلك، وبشكل متزامن، من أجل تطوير وتعزيز حركة تحرر المرأة.
إن الحركة النسوية التحررية في العراق متضامنة فعليا وعمليا مع جميع النضالات الاشتراكية الثورية للبروليتاريا وعملية التغيير الثوري والانتفاضة. من المعلوم، إن الهدف من مشاركة المرأة في الانتفاضة لا يقتصر على دعم الانتفاضة فحسب، بل هو، من حيث الأساس، ليلعب الدور المؤثر في تغيير الانتفاضة نحو تبني الأهداف الثورية والتحررية التي تشكل حرية المرأة والمساواة عنصرا أساسيا منها.
رابعاً: الشابات والشباب، ومعظمهم معطلون عن العمل، أو عمال يوميون أو كادحون أو خريجون من الجامعات، هم جميعهم يشكلون شرائح اجتماعية واسعة وجزء من تركيبة الطبقة العاملة المعاصرة، لكنهم لم ينظموا أنفسهم بعد لا في النقابات ولا في تنظيمات أخرى اجتماعية، لا بل وحتى لم يتمكنوا من تنظيم أنفسهم بشكل مستقل خلال انتفاضة أكتوبر، في مجموعات مناضلة على أساس طبقي بروليتاري خاص بهم.
كل ما سبق ذكره هي مهام فورية للشيوعيين للعمل وفقه، وإن أية خطوة وكسب أي خندق في هذه المجالات، ستقوي وتعزز الحركة الاشتراكية البروليتارية والعملية الثورية والانتفاضة. لذا، ينبغي استغلال الفترة الحالية، التي لم تتوسع فيها الانتفاضة بعد، لتنظيم وتقوية القوى التحررية والثورية حتى يمكنها السير بخطوات حاسمة الى الأمام مع الاندلاع المقبل لشعلة الانتفاضة.
أسد نودينيان: الأحزاب القومية في كوردستان تواجه الآن أزمة كبيرة واستياء واحتجاج الجماهير، تماماً كما يواجهها النظام المركزي في العراق، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لديها مشكلة مع السلطة المركزية، وقد تغير ميزان القوى السابق. ما هو موقع ودور كل هذا في المعادلات السياسية الحالية؟
مؤيد أحمد: قبل الإجابة على سؤالك، لو تسمح لي بالحديث عن موضوع يجري حاليا تداوله بشكل واسع وسط جماهير المستاءة في كوردستان، وهو أن "البارتي" (الحزب الديمقراطي الكردستاني) وعن طريق إخضاع القضاء، استطاع أن يضمن إصدار قرار من قبل محكمة أربيل ضد ستة من نشطاء الاحتجاجات الأخيرة في كوردستان والقاضي بالسجن لمدة ست سنوات لكل واحد منهم.
ممارسة البارتي هذه، ليست سوى إخضاع القانون والمحكمة لسيطرة الميليشيات والسلطة الاستبدادية والدكتاتورية. إنه لحدث خطير في كوردستان يجب الوقوف بوجهه وإفشاله بحيث يتم سد الطريق لتحويل القانون والمحكمة بالكامل الى أداة بأيدي الميليشيات والسلطة الاستبدادية. من المهم بالنسبة للعمال والكادحين والتحررين ألا يسمحوا للاستقلال الصوري الحالي الموجود للقضاء والقانون والذي تدعيه البرجوازية الحاكمة من أن يُزال وأن يتم استغلال المحكمة والقضاء لتعزيز السلطة الميليشية "للبارتي". واضح أن الخطوة الأولى في هذا المجال هي الضغط على "البارتي" لإطلاق سراح هؤلاء النشطاء المسجونين.
أما بالنسبة للإجابة على سؤالك، فالوضع في كردستان هو نفسه كما هو في العراق. فلو نظرنا إلى انتفاضة كانون الأول/ديسمبر 2020، التي حدثت قبل ثلاثة أشهر في محافظتي السليمانية وحلبجة، سنرى بأنها انتشرت بشكل واسع في هاتين المحافظتين، ولولا القمع والإرهاب في منطقة بادينان التي يسيطر عليها "البارتي"، لاندلعت هناك بنفس القوة و الوسعة. إن الاحتجاجات ضد السلطة في كردستان في كلتا المنطقتين قوية وشاملة، ولكن بسبب توازن القوى في المنطقة التي يسيطر عليها "البارتي" لم تتمكن الاحتجاجات الجماهيرية من البروز.
تقف سلطة البرجوازية القومية في كردستان على بركان أزمة كبرى، فمع انتفاضة اكتوبر في العراق التي وقفت كسد منيع أمام عملية إقامة نظام إسلامي في العراق كونها هزت القاعدة الاجتماعية للإسلام السياسي، كذلك في كردستان، وبشكل أخر، وصلت سلطة الحركة القومية الكردية، خلال عملية أخرى، إلى مراحلها النهائية وهي تعيش الآن مرحلة انتقالية متأزمة. إن عدم اكتساب القوى الاشتراكية والعمالية في كردستان القدرة الكافية على تغيير هذه الأزمة إلى أزمة ثورية وثورة وانتفاضة اجتماعية كبرى، لا يقلل من حقيقة كون عملية التغيير وأزمة السلطة البرجوازية القومية قد بدأت وأصبحت واقعاً تاريخياً.
تعيش السلطات في العراق وإقليم كردستان في أزمة، وعلامات هذه الأزمة باتت بينة في مفاوضاتهما ومحادثاتهما. طالما يدور حديثنا حول تبني سياسة شيوعية، من المهم جداً أن تتمكن، في هذه الفترة، حركة الاحتجاج الجماهيرية للعمال والكادحين والشبيبة الثورية من تطوير نفسها كحركة متراصة وموحدة على صعيد عموم العراق، وان يتمكن جميع الشيوعيين والاشتراكيين من جعل هذا التوجه والسياسة استراتيجية عملية يتم تبنيها من قبلهم. لقد حانت فرصة للشيوعية والحركة العمالية والثورية كي تعزز وتوحد هذه الحركة على صعيد عموم العراق كي توجه ضربتها النهائية للسلطات في كل من العراق وكوردستان.
طالما ظلت المسألة القومية قادرة على التأثير على الوعي السياسي للجماهير في كوردستان، بالرغم من كون تأثيرها قد خفت الآن نتيجة كون معظم الجماهير قد انفصلت، الى حد كبير، عن سلطة الحركة القومية الكردية، اذاً يجب علينا أن نحاول على الدوام سد الطريق أمام تنامي التعصب والصراع القومي.
أظهرت احتجاجات كوردستان بأن الجماهير هم مناهضون لجميع الأحزاب البرجوازية المشاركة في السلطة أو في المعارضة حيث إن المنتفضين أحرقوا مقارهم جميعا دون استثناء، ولو أتيحت لهم نفس الفرصة في بادينان وأربيل، لحدث ما حدث في محافظتي السليمانية وحلبجة، وهذا يبين بوضوح مدى الهوة الواسعة بين الجماهير وسلطة البرجوازية القومية الكردية كواقع ملموس في عموم كردستان. بالرغم من وجود هذه الهوة، على العمال والكادحين والشيوعيين والتحررين جميعا أن يكونوا يقظين وأن لا يدعوا التعصب القومي والطائفي، في العراق وفي كردستان، كي يكون عائقا أمام تطور هذه الحركة الاجتماعية والسياسية العظيمة. وأخيرا، أود أن أؤكد بأنه من الضروري أن يكون نضالنا مستمرا بحزم من أجل دفع هذه العملية التي تجري في عموم العراق الى الأمام وأن لا ندعها تتراجع لأي سبب كان، بما في ذلك سبب السم القومي والطائفي والمناطقي.
______________________________________
ملاحظة: بالرغم من مراعاة نقل محتوى ما جرى في الحوار، تطلبت ترجمته من اللغة الكردية وصياغته إجراء بعض التعديلات والإضافات كي يكون واضحا للقراء.