أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسان الجودي - أحجية الأصوات














المزيد.....

أحجية الأصوات


حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)


الحوار المتمدن-العدد: 6815 - 2021 / 2 / 15 - 14:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ظلَّ الفتى خائفاً من الدخول إلى غرفة الجدِّ، وكان مصدر خوفه هو ذلك الكتاب الضخم العتيق الموضوع على طاولة خشبية قرب السرير.
كان الجد حريصاً على ذلك الكتاب ، وقد منع الجميع من لمسه أو تنظيفه. وكان يقوم بنفسه بإزالة الغبار عنه بواسطة فرشاة جميلة ثخينة مصنوعة من ريش النعام الأسود. ثم كان بعدها يستلقي في سريره ساعات وهو ينصت إلى أصوات غامضة قادمة من بطن الكتاب . كانت تلك الأصوات هي التي جعلت الفتى خائفاً من حمل الطعام أو الشراب لغرفة الجد. وقد ظن أنها لمجموعة من الجن تسكن في داخل الكتاب ، وهذا بالطبع كان رأياً خاصاً به، فلم يسمع أحد غيره تلك الأصوات.
مرض الجد ذات يوم مرضاً شديداً، فاضطر الفتى إلى حمل الطعام له كل يوم. شجعه ذلك على الإنصات باهتمام إلى أصوات الكتاب. وحين تخلّص من خوفه المقيم، غض النظر عن فرضية الجن ، وبدأ بوضع احتمالات أخرى تفسر ذلك. فكر أولاً أن هناك فأرة كبيرة تقرض كل يوم قسماً من الكتاب. ثم تخيل أن هناك في الداخل راديو صغيراً يعمل بين الحين والآخر.
لاحظ الفتى سعادة الجد البالغة حين كان ينصت إلى تلك الأصوات ، فازداد فضوله، وتجرأ ذات يوم، وأيقظ جده برفق، وطلب منه أن يفسر له أمر الأصوات الغامض. فرح الجد كثيراً بسؤال حفيده، وأدهشه أن الصغير يسمع مثله تلك الأصوات، أبدى الفتى حماسه واستعداده لتنظيف الكتاب كل يوم، ووعد جده بكتمان السر عن الجميع.
فارتاح الجد إلى ذلك، وأخبر الفتى أن ما يسمعه كل يوم هو صوت هدير بحر كبير وواسع كان موجوداً منذ آلاف السنين، وأن صوت ذلك الهدير يشعره بالغبطة الروحية، خاصة حين تأتي لحظة خارقة ، فينشق البحر إلى نصفين ، ويظهر هناك طريق عريض تعبره قافلة من الرجال.
لم يصدق الفتى مزاعم جده. وقرر أن يكتشف سر الأصوات بنفسه.
في صباح اليوم التالي، رافق والده الجدَّ إلى الطبيب ، فأسرع الفتى إلى غرفة الجد. اقترب الفتى من الكتاب ، واستطاع بيسر فتح غلافه، ثم بدأ بتقليب الأوراق بهدوء، فسمع صوت بحر قادم من بعيد. ازداد الصوت وضوحاً ، ثم صار جلياً حين وصل الفتى إلى منتصف الكتاب. وحينها شاهد الفتى بحراً ساجياً تتحرك أمواجه برفق وليونة مصدرة تلك الأصوات الفريدة التي اختلطت بأصوات كثير من الطيور البحرية التي كانت تحلق فوق هوامش الصفحة. واصل الفتى التقليب ، ثم لم يسمع شيئاً، ثم شاهد انشقاق البحر إلى نصفين ، وشاهد عبور قافلة من الرجال، وبدأت الأصوات تختلط في رأس الفتى. أصاب الفتى الاضطراب والخوف، أغلق الكتاب بقوة، فشعر بأصوات غاضبة كثيرة تخرج من الكتاب. زاد اضطراب الفتى فأزاح الكتاب عن الطاولة ، فسقط على أرض الغرفة الخشبية، ولاحظ الفتى كيف انسرب الماء الوفير من داخل الكتاب وغار في شقوق الخشب القديمة.
غادر الفتى خائفاً.، وهو يحمل الكتاب. ثم عاد بحذر بعد وصول الجد إلى المنزل. وجد الجد حزيناً ساهماً ، سأل حفيده عن سبب اختفاء الكتاب أنكر الفتى مغامرته ، ووعد الجد بالبحث عنه .
ظل الجد حزيناً لأيام طويلة، ثم مات بعدها. فشعر الفتى بحزن مقيم لم يجرؤ على الإفصاح به ، لأنه تسبب من غير قصد بحرمان جده من أجمل خيال ملأ روحه بسعادة نادرة .
تلك السعادة التي لم يشعر بمثلها الفتى فيما بعد، حتى حين استطاع فك الحرف، واكتشف أن أحجية الأصوات هي مجرد حكاية للقراءة . وأن آذان جدّه كانت مثل آذانه الصغيرة مصنوعة من الإيمان الخالص.



#حسان_الجودي (هاشتاغ)       Hassan_Al_Joudi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابن جلاّ
- يحمل فيلاً على رأسه!
- حقنة سواد شرجية
- اجهاض بانت سعاد
- المقدس والمدنس
- التاريخ الساذج
- سوق القصاصين
- كود لغوي
- السياق والخلاصة
- قصة تنبؤية
- ماري ومالك
- الصابون
- الكلمة
- من منكم؟
- صيّاد الشعراء
- الشيخ ترامب
- ريح موت
- ورق التوت
- من كتاب الحيوان
- مقامات


المزيد.....




- لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
- “هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ...
- “شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال ...
- قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
- بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
- السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
- مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول ...
- المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي ...
- المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
- بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسان الجودي - أحجية الأصوات