|
فعل القراءة بين إدراك الجزء وإدراك الكل
أحمد عمر النائلي
الحوار المتمدن-العدد: 6812 - 2021 / 2 / 12 - 10:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
منذ أن توصل الإنسان الى أن البناء الرياضي وفق طرح مبرهنة عدم الاكتمال لكورت جودل. Gödel s incompleteness theorems لا يملك الحجاج الكامل لمنطقيته الصورية الكاملة ، فهو مجرد أنساق تعتمد على صحة مقدماتها الإكسيومية و التي بدورها لن تستطيع أن تتفق مع كل حقائق البناء النسقي الرياضي المنطلق من هذه المقدمات ، حيث ستصطدم بما يتعارض مع هذه المقدمات ، ففي كل نسق رياضي سنجد مايتقاطع مع صحة المقدمات الأكسيومية ، حيث لم يعد كل نسق رياضي معتمدا على ذاته ، لأنه لا يمكن أن يكون لانهائيا حتى يكون مكتفيا بذاته ، فهو يحتاج الى أنساق آكبر منه لا نهائية ، وهي المبرهنة التي حاول البعض أن يثبت من خلالها وجود الله ، باعتبار أن الكون نهائي محدود كما يرى علماء الفيزياء ، وهذا يعني أن هناك قوة لا نهائية تضم الكون النهائي وهي الله ، وهو مايذكرني بمفهوم المجموعة العادة والمعدودة ، واتضح ايضا من خلال أزمة الأسس وتحديدا نظرية المجموعات أن مسلمة أو بدهية الكل أكبر من الجزء ليست حقيقية ، كما أن ارسطو رأى ومن جانب آخر (وكما نسب إليه) أن الكل هو أكبر من مجموع الاجزاء وليس مساويا له ، فهل ماقاله أرسطو يمكن أن نجد له رابطا بطبيعة الادراك البشري ، أي أن إدراكنا الكلي للمعرفة ليس هو إدراكنا الجزئي لها . هذه التوطئة والتي تبدو رياضية خالصة نهدف من خلالها إلى : أولا : أن نقدم دفوعات تتعلق بتطور العلم المستمر ، وانتقاله من خطأ إلى آخر ، فهو حالة من عدم اليقين . ثانيا : السعي الى فهم أسبقية طبيعة الادراك هل هي جزئية أم كلية ،و ماهي طبيعة عمل العقل عند رغبتنا في قراءة موضوع ما ، وهل طبيعة القراءة الجزئية هي ليست ذاتها طبيعة القراءة الكلية . وهل قيام دور النشر والكتاب بوضع الفهرس وتقديم موجز كلي يلخص الكتاب يوضع في الجهة المقابلة للواجهة ، والانتقال المتدرج من العناوين العامة الى الخاصة ، ينطلق من تبني أهمية الادراك الكلي قبل الجزئي . وفي ذات الاطار و من خلال متابعة دروس تقنيات القراءة الحديثة لعراب الدرس السيميائي في ليبيا ومدير مختبر بنغازي للسيميائيات وتحليل الخطاب الاستاذ محمد عبد الحميد المالكي ، والتي صممها ومارسها عبر مختبر بنغازي للسيميائيات وتحليل الخطاب لعدة سنوات مختبرا إياها عبر الممارسة التطبيقية ، والتي تشرفت بحضور أحد وقائعها ، خاصة التي قدمها لطلبة كلية الاعلام بجامعة بنغازي ، والتي يسعى من خلالها الى تسهيل فعل القراءة وكيفية خلق استفادة مثلى منها ، يتضح لنا أن فعل القراءة لديه ينطلق من أن إدراك المعرفة ينطلق من كلياتها إلى جزئياتها ، فينطلق مثلا من ضرورة معرفة العنوان والفهرس والعناوين الجزئية ، ومن ثم الانطلاق ألى الادق والأكثر دقة ، فتكون بذلك طريقة الادراك لديه أكثر سرعة من حيث الفهم ، وهي تشبه حال الجالس على قمة جبل عال ، ثم ينزل بهدوء نحو تفاصيل الاماكن السفلى ليرى كل شئ أسفله بكل سهولة ، بخلاف أن يكون قابعا في الاسفل حيث لا يرى.إلا بعض المشهد فيكون ادراكه رهين هذه الرؤية الضيقة . وهذه الطريقة تنطلق من قاعدة : أن الامور تدرك بكلياتها قبل جزئياتها ، وهذا الطرح يعكس الفرق بين ماتطرحه معرفة الجزئيات من ادراك وبين ماتطرحه معرفة الكليات من ادراك ، وهو مايسميه الاستاذ المالكي بمعرفة الاستراتيجيات العامة دون الحاجة الى الدخول في التفاصيل ، لأن معرفة التفاصيل الصغيرة لا تغنيك عن المعرفة العامة ، بينما المعرفة العامة تغنيك عن معرفة التفاصيل ،لذلك نتجه وكما أسلفنا الى كتابة ملخصات الكتب والبحوث لامكانية سرعة الادراك ، فالمعرفة الجزئية هي استقراء ناقص imperfect induction لايمنح ضمان المعرفة الكلية كما يرى كارل بوبر ، الذي بدوره انحاز للمعرفة الكلية من خلال تبني فكرة.الاستنباط المنطلق من مقدمات عامة دون اللجوء الى.الاستقراء ، فعدم معرفتنا بالبعض لايمنح ضمان التعميم ، وفي هذا الاطار نرى الكثيرين يقعون تحت وطأة الادراك الجزئي المحدود ، الذي يحرمهم من الرؤية الاسترتيجية العامة والتي هي الهدف الرئيسي ، وهم يقعون في هذا الخطأ لانهم لا يتعاملون مع المعرفة العلمية ككل متشابك منطلقين من مبدأ تعدد التخصصات interdisciplinary ، فالكل ليس هو الجزء . وفي هذا الاتجاه الذي يرصد العلاقة بين الجزء والكل يرى ارسطو (وكما نسب اليه) ان "" الكل أكبر من مجموع أجزائه The whole is greater than the sum of its parts. """ أي أن الفرد كقيمة يختلف عن الفرد بعد انضمامه للمجموعة ، وهي تتعارض مع الحساب الرياضي ، الذي يرى أن الكل هو مجموع الاجزاء وليس أكبر منها . كما أن عالم الاجتماع إميل دوركايم David Émile Durkheim وظف هذا المعطى لتوضيح علاقة الفرد مع المجتمع عندما قال : إن المجتمع أكبر من مجموع أفراده Society more than the sum of its parts ، أي أن المجتمع شئ آخر ليس هو مجموع أفراده ، فهو حالة بنيوية أخرى مختلفة ، وتم توظيفه ايضا من قبل مدرسة الجشاطلت Gestalt الالمانية ، عندما رأت أن الإدراك الكلي أكثر من مجموع ادراكنا الجزئي ، وأن الادراك الجزئي لا يفضي إلى ادراك كلي محدد ، وهي في ذات الوقت رفضت أن يتجه علم النفس الى الاعتماد على ملاحظة السلوك الخارجي (ادراك جزئي ) فقط ، وإهمال عملية الادراك الذاتية للفرد (ادراك كلي)، وقدموا امثلة تتعلق بالادراك البصري مثل الصورة التي تشير الى صورتين في ذات الوقت ، حيث يمكن أن نراها وجهين متقابلين أو مزهرية . إن حالة الكل شئ آخر يختلف عن حالة الجزء ، كما أن ادراكنا ليس هو الواقع ، فالفرد عندما يكون وحيدا ليس هو الفرد المندمج مع جماعته ، وحالة إدراكنا للكل لا يرتبط بالضرورة بطبيعة أجزائه ، فالكل هو شئ آخر ،فالماء الذي يطفئ النار مكون من اكسجين الذي بدوره يشعلها . وإذا ذهبنا الى العالم تحت الذري لوجدناه يعمل وفق نظم ليست هي العالم مافوق الذري الذي يضمه ، أي أن للجزء قوانين ليست هي قوانين الكل . في الختام . نحن بدأنا نغادر افاقا تفكيرية تنصب العداء لكل فكر لايؤمن بالحقائق المتزامنة ، فالمجهول يزداد كل يوم والظاهرة أكبر من قدرة أدراكنا لها بشكل مطلق ، وسوف نخضع كل الافكار السائدة والراسخة للمساءلة ، وعندما نطرح قضية الادراك الكلي فنحن نهدف الى التسريع بعملية الادراك تجاه مايحيط بنا من ظواهر ، خاصة وأن طبيعة نقل المعرفة يحتاج الى الاختزال والتبسيط الكلي ، وأخيرا سيظل إرتهان المثقفين والاكاديميين أسرى لتخصصاتهم الضيقة دون الخروج منها للاطار الكلي للمعرفة سبيلا لحرمانهم من انجازات تجاه استكشاف الظواهر المحيطة بهم ؛ كان بإمكانهم القيام بها ، فمرحا بتداخل العلوم لفهم الوجود العام الذي هو مختلف البته عن تفاصيله ..
#أحمد_عمر_النائلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التطرف الديني : مقاربة سيميائية
-
سيميائية جسد المرأة
-
العالم بعد كورونا : قراءة في كتاب -ورقات من كورونا - لمؤلفه
...
-
النص الأدبي بين الإستقلال والتأثر وفق نظرية هارولد بلوم
-
عندما يكتب السجين روايته : إبراهيم الزليتني أنموذجاً
-
الفلاسفة يتدبّرون جائحة كورونا : الشيوعية العالمية بديلاً لل
...
-
قراءة في كتاب - دروس في الألسنية العامة
-
الذعر الأخضر
-
الإعلام وإمكانية صناعة القيم
المزيد.....
-
بعد ارتفاع أسهم تسلا عقب الانتخابات الأمريكية.. كم تبلغ ثروة
...
-
وزير الخارجية الفرنسي: لا خطوط حمراء فيما يتعلق بدعم أوكراني
...
-
سلسلة غارات عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت (فيديو)
-
هل تعود -صفقة القرن- إلى الواجهة مع رجوع دونالد ترامب إلى ال
...
-
المسيلة في -تيزي وزو-.. قرية أمازيغية تحصد لقب الأجمل والأنظ
...
-
اختفاء إسرائيلي من -حاباد- في الإمارات وأصابع الاتهام تتجه ن
...
-
أكسيوس: ترامب كان يعتقد أن معظم الرهائن الإسرائيليين في غزة
...
-
بوتين يوقع مرسوما يعفي المشاركين في العملية العسكرية الخاصة
...
-
-القسام- تعرض مشاهد استهدافها لمنزل تحصنت فيه قوة إسرائيلية
...
-
للمرة الأولى... روسيا تطلق صاروخ -أوريشنيك- فرط صوتي على أوك
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|