قراءة فكر ماركس بمنطق ماركس :مناوشة مع كريم مروة
محمد الخباشي
2006 / 7 / 25 - 12:05
لا أرى أي ضرورة للعودة إلى نقاش ما سمي بتجديد الفكر الماركسي مرة أخرى. فقد سبق أن قلت أن ما أنتجه هذا النقاش، في كثير من الأحيان، لم يكن سوى قراءات لفكر ماركس بمنطق غير ماركسي، وبالتالي فقد أنتج تصورات وأفكار ما قبل ماركس. وأغلب من حاول المغامرة من موقع الشيوعي المتشبع بفكر ماركس، بعد عقدة الذنب، سقط بلا وعي في مستنقعات الفكر البرجوازي. ومنهم من يعرف مسبقا انه في طريق سيار نحو مواقع الفكر البرجوازي ، ويصر على الذهاب عنوة. ومنهم من يرفض أن يعترف بتخليه عن "ماركسيته" رغم النتائج التي خلص إليها، بصياغة مشروع سياسي وفكري برجوازي لحزب شيوعي يسمونه جماهيريا. وقد قررت أن اطوي هذا الموضوع وألا ادخل في أي نقاش من هذا النوع. إلا أنني عدت إليه غير نادم، بعدما نطق أخيرا، واحد ممن دوخوا العالم العربي منذ البوادر الأولى لسقوط النظام السوفياتي في نسخة ما بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي. ولكي لا أطلق الكلام على عواهنه، دعونا نقرأ ما جادت به قريحة الأستاذ كريم مروة في هذا المضمار مرة أخرى، وبشكل واضح وفاضح هذه المرة.
اعترف كريم مروة أنه قرأ الماركسية بكثير من الدوغمائية. واعترف أنه شخصيا، كانت له أربع قراءات للماركسية: واحدة عند دخوله الحركة الشيوعية، وثانية في الخمسينات لاسيما بعد ذهابه إلى الاتحاد السوفياتي، وثالثة بعد الخلاف مع الاتحاد السوفياتي، ورابعة بعد انهياره. وهاهو الآن ينادي بقراءة خامسة في حياته. والمنطق يقول ان القراءة لفكر ماركس بمنطق ماركسي لا يمكن أن يتخذ أكثر من صورة واحدة. والواقع ايضا أن القراءات الأربع أو الخمس لا يمكن ان يتوفر فيها كلها الأساس المنطقي لقراءة صحيحة، أي قراءة ماركسية لفكر ماركس.
واختلاف وتعدد القراءات لدى الشخص الواحد يجسد ما عاشته الاحزاب الشيوعية العربية- وكريم مروة محق في هذا- حيث قرأت الفكر الماركسي، ليس من خلال فكر ماركس نفسه، أي من أساسه الفلسفي المادي الجدلي، وطبقته على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي السائد في البلدان العربية، من أجل بلورة نظرية شاملة للتغيير الاجتماعي، بل كانت القراءة من خلال التجارب المتحققة. وحين نقرأ فكر ماركس بمنطق "حزب لينين الذي لا يخطأ" فعلينا ان نتساءل : هل يكمن الخطأ في فكر ماركس ام في المنطق الذي قرأ به؟
وحين يقر كريم مروة أنه قرأ فكر ماركس اربع مرات، وطبعا لكل مرة نتائجها السياسية والايديولوجية، فإنه يقدم دليلا قاطعا على ان الاساس المتين لقراءة ماركسية لفكر ماركس لم يتوفر بعد، لأن هذه القراءات الأربع ارتبطت بمراحل تطور الاتحاد السوفياتي. وكأنه يريد ان يقول انه كان ستالينيا في الأربعينات، ثم انجرف منصاعا، كباقي الشيوعيين العرب في غالبيتهم، لوصايا الاب الروحي الاكبر نيكيتا خروتشوف، الذي اجهض العديد من الثورات تحت سقف حسابات علاقاته الدولية، لاسيما بعد المؤتمر العشرين "لحزب لينين". ولما انهار التحاد السوفياتي، بدا يمهد لصياغة فكر جديد، ومشروع بديل عن الماركسية، دون ان يعترف انه تخلى عن ماركسيته. وقد بدأ ذلك في مقالاته الثلاثة التي اطلقت العنان لهذا النقاش في العالم العربي، جمعت لاحقا في كتاب "حوارات".
والخلاصة التي يمكن استنتاجها هي ان كريم مروة، ومعه الكثير من الشيوعيين العرب، حاولوا ان، يقيسوا التجربة التاريخية على النظرية. وهذا نوع من الدوغمائية وتقديس النص، وهذا جوهر المنطق الديني المتزمت لا الماركسي. ومنهم ايضا من يقيس النظرية على التجربة، وتتغير القراءات كلما تغيرت ظروف تلك التجربة. لاحظوا معي ان كريم مروة فعل الشيء نفسه، في اعترافه بالقراءات الاربع، اذ قرأ الماركسية كنظرية على مقاس تطور الاتحاد السوفياتي، وليس انطلاقا من الاساس المادي الجدلي لفكر ماركس، وتحليل الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لبلاده ، او للوطن العربي، قصد بلورة نظرية شاملة للتغيير الاجتماعي. وقد انسحب هذا الوضع على الشيوعيين العرب الذين تحولوا بقدرة قادر الى مواقع فكرية برجوازية، مع فرق واضح بين امرين : قسم تحول باقتناع واعتراف، وقسم تحول الى مواقع الفكر البرجوازي ويصر على انه ماركسي!! وكريم مروة واحد من هؤلاء الرافضين الاعتراف بانتقاله، وسأكشف عن اعترافه هذه المرة بشكل أوضح.
يقول ".... وقد حولنا الماركسية وإن بنسب متفاوتة بين حزب وآخر، الى عقيدة جامدة اضرت نضالنا من اجل أهداف التحرر والتقدم والعدالة، التي هي أهداف اليوتوبيا الشيوعية". في الجانب الأول مما قال كريم مروة، فهو عكس بصورة جلية ما كان سائدا وسط الحركة الشيوعية العربية التي كانت تعتبر "معيار الوطنية هو صداقة الاتحاد السوفياتي". لكن في الجانب الثاني، حين اعتبر التحرر والتقدم والعدالة، يوتوبيا شيوعية، ففيه كثير من التجني على الشيوعية نفسها. اعتبارها يوتوبيا، يعني انها غير قابلة للتحقق اطلاقا. ولدحض هذه الخلاصة الخطيرة، يجب التخلي عن الجحود والنظر الى التجارب التاريخية، فسنجد ان تلك الأهداف تحققت في ظروف تاريخية معينة، ولازالت قائمة الى حد ما في بعض البلدان وفي تجارب خاصة، ولو مقارنة بما كانت عليه اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية بالخصوص فيما قبل. وبما انه تحققت، ولو بشكل نسبي، فهي ليست يوتوبيا. ومن الناحية النظرية، فإن الثورة الاجتماعية محكومة بقوانين علمية. وبعيدا عن الدوغمائية والجمود الذي قرأ به كريم مروة فكر ماركس، فإن ثورة تحققت في بلد ما، وبعده في بلد آخر، في ظروف مختلفة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وبأساليب اختلفت عن الأولى، فهذا تأكيد على قابلية هذه النظرية الماركسية ان تكون منطلقا لثورة اجتماعية في جميع البلدان. وبما انها تحققت واقعيا في بلد ما، فما المانع الا تتحقق في بلد آخر؟
ويضيف كريم مروة : " مشروع ماركس، كما أقرأه، كان واقعيا، وقد دعا الطبقة العاملة الى امتلاك زمام المبادرة من اجل تحقيقه. وفي قراءتنا لهذا المشروع، خلطنا في كثير من الأحيان، ما بين المشروع الممكن تحقيقه وبين اليوتوبيا الشيوعية" هذا قول يحتاج الى خلخلة وكشف.
عندما يعترف بأن ماركس كان واقعيا، فعليه ان يتذكر ايضا ان ماركس في كل ما نظر له وعمل من أجله، كان يهدف الى تحقيق المجتمع الشيوعي، بتحرر الطبقة العاملة من الاستغلال وتحقيق العدالة والتقدم....... وهذه اهداف سماها كريم مروة يوتوبيا شيوعية!!! ووفقا لمنطقه كان عليه ان يقول ان ماركس كان طوباويا. واذا تجاوزنا عنه هذه المسألة، واذا سلمنا أن تلك الاهداف طوباوية، فما هو الممكن الذي خلط كريم مروة بينه وبين اليوتوبيا الشيوعية؟ هذا الممكن، حسب منطقه،ليس هو التحرر والتقدم والعدالة لانها اهداف يوتوبيا شيوعية. ما هو هذا الممكن إذن؟ في هذا المنطق انتهازية واضحة يؤطرها الشعار المتخلف الذي يقول "ليس في الإمكان افضل مما كان" فأين يضع كريم مروة نفسه؟ وعمليا اجاب كريم مروة عن هذا السؤال، في اكثر من دراسة ومقال. اذكر انه في احدى الندوات التي حضرتها بالرباط، اقترح كريم مروة، بعد كثير من الهرطقة حول ما اسماه نمط الانتاج الاشتراكي، عرض تصوره للنهضة العربية من منظور شيوعي عربي، فوجدت فيه برنامجا لا يرقى حتى الى ما حققته "الثورة الناصرية". وكان في صورة جلية ممركسة ومعاصرة لساطع الحصري. وسأوضح ذلك لاحقا.
ففي ما يتعلق دائما بقراءته لفكر ماركس، يؤكد أن ماركس دعا الطبقة العاملة الى تسطير برامج قابلة للتحقق. وما دام التحرر والتقدم والعدالة يوتوبيا غير قابلة للتحقق،فعليها، بحسب منطق كريم مروة، ان تسطر برامج غير العدالة والتقدم والتحرر. وبشكل دوغمائي، حتى بادعائه لقراءة فكر ماركس بطريقة مخالفة لما كان سائدا، يقول: "كان ماركس يتوقع احتمال بناء الاشتراكية في بلدان رأسمالية متقدمة، وليس في بلدان متخلفة". وتتجلى الدوغمائية بصفة مطلقة في هذا المقطع. وهو دليل ضده وليس معه. حين يقول ان ماركس" يتوقع احتمال..."، فهذا يعني ان ماركس لم يكن متأكدا من انتصار الثورة في البلدان الرأسمالية المتقدمة. وهذا عكس الحقيقة تماما،لأن ماركس كان، بتقة تامة، وفقا لتحليله لتطور المجتمعات الراسمالية، يقول ان الثورة ستنتصر في البلدان الراسمالية.
وحتى اذا سايرنا كريم مروة في منطقه المبني على توقع ماركس احتمال بناء الاشتراكية في البلدان الرأسمالية، فإنه لا ينفي امكانية بنائها خارج المجتمعات الرأسمالية المتقدمة. هناك عيب اضافي في هذا المنطق. لماذا يضطر الى الرجوع الى المنطق الديني الذي يستند الى قول فلان وفلان.. ؟ انا شخصيا اعتبر ما انبنى على تحليل علمي من فكر ماركس ليس من الضروري ان نجعله نصا مقدسا نعود للاستدلال به في كل وقت وحين، اوعقيدة نؤمن بها. مما قال ماركس، ومن فكره، ما تجاوزه هو نفسه في حياته، والشأن نفسه بالنسبة للينين وغيرهما. وهاهو كريم مروة، بادعائه انه يريد تجاوز القراءة الدوغمائية لفكر ماركس، غير قادر على تجاوز هذا السقف.
وحتى لو قال ماركس ان الثورة ستنجح فقط في البلدان الراسمالة المتقدمة ووحدها فقط، فنجاح الثورة خارج اوروبا المتقدمة صناعيا، حتى اذا اعتبرنا ما قاله ماركس قانونا علميا، فهو متجاوز بنجاح الثورة في روسيا المتخلفة. لاحظوا معي ان كريم مروة قال عن ماركس انه " يتوقع احتمال" يعني لم يؤكد. وحتى لو أكد، فإن نجاح الثورة الروسية، قد اسقط هذا التنظير المبني على توقع الاحتمال. وحين يتشبت البعض بضرورة نجاح الثورة في البلدان الراسمالية المتقدمة بالضرورة، وعدم قابلية النجاح في البلدان المتخلفة، الا بتحقيقها للثورة البرجوازية، ففيه أمرين: اولا، هو منطق يستوجب تصور التاريخ يتطور في شكل تصاعدي، وهو فكر هيجيلي لم يرق الى نظرية ماركس بعد. وفيه ايضا تصور لبرنامج الثورة الاجتماعية في البلدان المتخلفة او الخاضعة للاستعمار، برنامج لا يتاسس على قاعدة التحرر والتقدم والعدالة. وهذا هو الامر الذي يسعى كريم مروة الى التأسيس النظري لهم، من منطلق يدعي انه قراءة لفكر ماركس بما يتطلبه العصر. !!!!
ويقول بوضوح فاضح : "لينين استعجل في السيطرة على السلطة السياسية في ثورة روسيا" وبهذا المنطق، كان على لينين ان يدافع عن برنامج ثورة برجوازية لتحقيق التقدم في روسيا، بقيادة البرجوازية الروسية. وبهذا تختار الطبقة العاملة موقع السند والتبعية للبرجوازية. وهذا الامر يتناقض مع ما ادعى كريم مروة انه مسند الى ماركس. ألم يقل ان ماركس "دعا الطبقة العاملة الى أخد زمام المبادرة من أجل تحقيقه"؟ ويقصد طبعا البرنامج القابل للتحقق، وليس اليوتوبيا الشيوعية. ما هو دور الطبقة العاملة حسب فكر ماركس؟ هل هو موقع القيادة الطليعية لانجاز" اهداف اليوتوبيا الشيوعية" أم موقع الطبقة السند للبرجوازية؟ قد يقول ان الموقع يختلف في العملية الثورية، في بلد متقدم عن موقعها في الثورة في بلد متخلف. كأنه يقول ان العملية الثورية- اذا كان يقر بها اصلا- في البلدان المتقدمة، تقودها الطبقة العاملة، اما في البلدان المتخلفة، فهي تتبوأ موقع الطبقة السند. اذا كان الامر كذلك فإن كريم مورة قد استقال من موقع الشيوعي ، ويستقيل الفكر الماركسي من مهمته ليحل محله فكر غيبي مثالي متخلف.
واذا تركنا النظرية جانبا، وتمعنا في التجارب العملية التي عرفتها حركة التغيير الاجتماعي، فإنها اكبر دليل يمكن الاستناد اليه لدحض طروحات كريم مروة. ففيما يتعلق باستعجال السيطرة على السلطة السياسية، لنقل ان لينين استعجل وانتهى كل شيء بعد سبعين عاما من نجاح الثورة، وبالتالي فإنه كان على خطإ. ما اسباب انهيار الاتحاد السوفياتي؟ استعجال لينين ام الاخطاء التي تلت وفاة لينين؟ لنترك الاتحاد السوفياتي جانبا. أوروبا الغربية تعج بالامثلة التي فاتت الفرصة على الاحزاب الشيوعية كي تسيطر على السلطة السياسية الى الأبد، بعد ما انزوت الى ما عرف لاحقا ب"الأوروكومنيزم" أي الشيوعية الأوروبية وأوهام الطريق البرلماني نهو الاشتراكية......الخ وفي واقعنا العربي ايضا، اكثر من دليل. لننظر الى تجربة العراق. حين وقف الشيوعي العراقي وراء عبد الكريم قاسم، من موقع السند التابع، رغم قوته الجماهيرية، ولم يستطع الظفر بالسلطة السياسية، الى ما انتهى الامر؟ انتهى طبعا الى اجهاض الثورة حيث تم التعويل على حصان اعرج جر وراءه الويلات لشعب العراق وللوطن العربي عموما. وفي مصر ايضا، تأرجح الشيوعي المصري بين خصم للناصرية ومساند لها. وبقيت الطبقة العاملة في شخص حزبها المفترض، في موقع مساند، انتهى الأمر الى ما هو معروف. واتمنى الا يقول كريم مروة ان الطبقة العاملة لا توجد في وطننا العربي. ولنسأل الجميع ممن عايشوا التجربة، لماذا بقيت الاحزاب الشيوعية العربية وراء البرجوازية الصغرى والمتوسطة او ما سمي بالانظمة الوطنية؟ الم يكن ذلك موقع السند الذي انتهى الى الويلات؟
خلاصة القول لكريم مروة ان الوقوف في موقع السند، وعدم القدرة على السيطرة على السلطة السياسية جر الويل على الثورة العربية ولم يقدمها، وهذا امر سبق ان حدث وليس امرا ننظر له الآن. وكريم مروة يحاول اعادة احياء فكر المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ووصايا الاب الأكبر نيكيتا خروتشوف الذي دمر الثورة في الاتحاد السوفياتي وأجهض الثورات خارج الاتحاد السوفياتي.
وحين حاول كريم مروة الاجابة عن ملامح المشروع الذي يراه تكييفا لفكر ماركس مع ما يتناسب مع الواقع الجديد، القى بنفسه الى التيه والى ما قبل سان سيمون. ولنقرأ هذا المقطع المطول حيث يقول : " في كتاباتي حول المهمات التي تنطوي عليها الصيغة التي افكر فيها للمشروع، قلت ان عملية تغيير عالمنا الحالي ينبغي مرحلتها. المرحلة الأولى تتمثل في تجميع كتلة عالمية من الاقطاب لمواجهة القطب الامريكي، وهذه الكتلة تضم اقطاب متعددة بما فيها اوروبا. فحين يصبح هناك اكثر من قطب يشارك امريكا في حياة العالم، تتوافر امكانية للحد من هيمنتها الطاغية بحكم تفوقها من كافة النواحي. وأعتقد ان من الممكن ان تلتقي حول هذا الهدف مصالح الطبقة العاملة وسواها من الكادحين والشعوب المستضعفة مع مصالح كتلة الاقطاب المتضررة من هيمنة امريكا واستئثارها واستهتارها بالقوى الاخرى. ولكن اساس مثل هذه الكتلة العالمية التاريخية ينبغي بناؤه داخل كل بلد وفق ظروفه الخاصة" انتهى كلام مروة.
هذا المقطع يحتوي، من التضليل، ما يكفي ليدوخ العالم العربي مرة اخرى. اولا في المسألة خلط بين التصور النظري للثورة الاجتماعية التي حاول صياغة اعادة قراءة فكر ماركس من اجل بلورته، وبين التحالفات السياسية الممكن نسجها من اجل تحقيق الثورة الاجتماعية. كان يتحدث عن التصور النظري واذا به ينجرف في سيل الآليات السياسية لتحقيق تلك الثورة التي لم يستكمل بعد منظوره لها. ثانيا، بدا كريم مروة اكثر رومانسية وهو يتكلم عن الفضاء غير القابل للتخيل. يسعى الى بناء كتلة عالمية وصف مكوناتها التي يوحدها هدف الحد من الهيمنة الامريكية. تتحالف فيه الطبقة العاملة وعموم الكادحين في العالم مع الاقطاب الراسمالية الاخرى التي تسعى الى الحد من الهيمنة الامريكية. جيد. وبناء هذه الكتلة التاريخية، يجب ان يبدأ من داخل كل بلد. جميل. ويعني هذا ان تتحالف الطبقة العاملة وعموم الكادحين مع البرجوازيات المحلية. وهاهو كريم مروة هنا يضع حدا نهائيا لمقولة الصراع الطبقي. هذه واحدة. والثانية، ماهي الاهداف التي يمكن ان تلتقي عليها البرجوازيات المحلية مع عموم الكادحين؟ ثالثة، وهي ان الكلام عن الطبقة العاملة وعموم الكادحين كتكتل هلامي هكذا، فهو مثالي نوعا ما. من يمثل هذه الكتلة الشعبية؟ وما اهداف هذا التكتل؟
لنكن اكثر وضوحا، من اجل الحد من الهيمنة الامريكية يجب، حسب منطق كريم مروة، نسج تحالف بين الشعوب في العالم مع اوروبا مثلا لتشكيل قطب موازي. يعني ذلك ان تتقوى الكتلة الاوروبية مثلا اقتصاديا وسياسيا. ونحن نعرف ان الشعوب حتى في اوروبا نفسها تضررت من السعي المتوحش لتقوية اوروبا الموحدة، لأن تقوية اوروبا الموحدة لا يمكن ان يتم من خلال تصور برجوازياتها، وذلك هو الواقع، الا على حساب المصالح المعيشية للشعوب. فهل يريد كريم مروة ان يقول ان الشعوب في العالم يجب ان تعمل على تقوية البرجوازيات المحلية لتشكيل قطب عالمي يواجه امريكا؟ لا يمت هذا بصلة لفكر ماركس ولا حتى سان سيمون.
اضافة الى هذا، فالبرجوازيات المحلية في آسيا وافريقيا وامريكا اللاثينية لا يمكن ان تستمر يوما في الحياة بعيدا عن الامبريالية العالمية التي لم يعد لها وطن واحد. البرجوازيات الاوروبية نفسها اشتبكت مصالحها باليانكي الامريكي، وبالتالي لا يمكن الحديث عن قطب معادي للهيمنة الامريكية الا اذا كان معاديا للهيمنة الامبريالية عموما، ومعاديا للاجهاز على القوت اليومي للشعوب. ومعناه ان يتشكل تحالف شعبي عالمي واسع لمناهضة الهيمنة الامبريالية، ولا يرتبط في شيء بالقطبية التي تعيشها العلاقات الدولية الرسمية الحالية. الكتلة التاريخية العالمية التي تحدث عنها، هي كتلة هلامية خيالية اشبه بالتبشير الديني بالجنة، لانها غير واقعية على المستوى المحلي، أي على صعيد كل دولة. من أين سنأتي لكريم مروة بالبرجوازيات التي ستتحالف مع الكادحين من اجل الحد من الهيمنة الامريكية؟ من لبنان؟ أم من الخليج العربي؟ ام من المريخ؟ تحدث كريم مروة عن التمرحل، وهذا نقاش عفى عنه الزمن، فوصف المرحلة الاولى كما ذكرت، لكنه قفز عن المراحل التالية ولم يذكر حتى ملامح المستقبل الذي ينذر به.
يسقط كريم مروة في نوع من الغموض او التناقض حين يتحدث عن لبنان. فيقول : ".....ان مصلحتنا، كطبقة عاملة وفقراء ومستضعفين، ان نتحالف مع بورجوازياتنا..... من اجل بناء دولة حديثة قائمة على مؤسسات ديمقراطية وقوانين" لا عيب في هذا الكلام. ولكن عليه ان يوضح ان هذا التحالف يمكن فعلا ان يقوم بين قطبين، قطب التحالف الشعبي بمختلف تنظيماته، وقطب البرجزاوية اللبنانية بمختلف تعبيراتها. وكان يقصد بالاسم رفيق الحريري. واذا سلمنا بامكانية قيام مثل هذا التحالف، هل بامكان البرجوازية اللبنانية ان تبني دولة حديثة كما وصفها كريم مروة؟ يعني هل يمكن ان تبنى الدولة الحديثة من طرف هذا التحالف في لبنان؟ هذا الامر يستوجب الخوض في طبيعة البرجوازية اللبنانية وهل بامكانها تحقيق ثورة برجوازية في لبنان. هناك سؤال آخر لكريم مروة. بأي برنامج يعمل ذاك التكتل الشعبي المكون من الطبقة العاملة وعموم الكادحين؟ هل سيتوقف ببناء الدولة الحديثة ام لا؟ بعبارة أخرى، اية استراتيجية لنضال هذا التكتل؟ ةفقا لما سبق، اتضح ان كريم مروة اقصى نهائيا بناء الاشتراكية، لأنها يوتوبيا، فهل ستقتصر استراتيجية الطبقة العاملة ببناء الدولة الحديثة؟
لكي لا ابدو عدميا، انا لست ضداي تحالف، حتى مع الاقل رجعية من البرجوازية في العالم العربي. لكن التحالف ينبني على اساس برنامج واضح بين اطراف معينة. والطبقة العاملة يمكن ان تنسج تحالفات ظرفية واستراتيجية حسب البرامج التي يستوجبها النضال السياسي في كل مرحلة، ولكن ضمن استراتيجية واضحة نحو تحقيق الثورة الاجتماعية. يعني ان الطبقة العاملة وعموم الكادحين، في سعيها الى بناء الاشتراكية، مطالبة بنسج تحالفات، حسب كل ظرفية، من اجل التقدم نحو هدفها النهائي، الذي هو بالضرورة، الانتقال الى المجتمع الشيوعي. وحين تعمل في تحافات ظرفية، دون استراتيجية واضحة، تكون في اقصى درجات الانتهازية التي تفضي الى الهزيمة. ويستدرك كريم مروة أن بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، يصطدم "مباشرة بمصالح حكام الأنظمة القائمة في البلدان النامية وهي انظمة ديكتاتورية" فعلى من يعول كريم مروة في التحالفات على الصعيد المحلي وعلى الصعيد الدولي من اجل بناء الدولة الحديثة محليا، والحد من الهيمنة الامريكية دوليا؟؟؟؟؟؟ اتفق مع كريم مروة ان الحد من الهيمنة الامريكية هو السبيل الى تغيير العالم اليوم. ولا يمكن ان يتحقق شيء من هذا الا بانتصار الطبقة العاملة على المستويات المحلية بتقويض اسس السيطرة الامبريالية محليا وتوفير سند دولي من تحالف شعبي واسع مناهض للامبريالية. انتصار الشعوب وبناء الاشتراكية لازال ممكنا الآن في عالمنا المعاصر. انظروا الى ما يحصل من تغييرات في امريكا اللاثينية. في ظل القطبية الاحادية، هناك شعوب استطاعت ان توجه اللطمات للامبريالية الامريكية ومصاصي الدماء في امريكا اللاثينية. وهناك تكتل جزئي بدأ يتشكل هناك مناهض للسيطرة الامريكية، مقابل ذلك يسعى الى بناء علاقات متكافئة بين دول المنطقة، المفروض ان يتم دعمه سياسيا واعلاميا.