|
صابئة فلسطين والغنوصية المحدثة
أحمد راشد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 6801 - 2021 / 1 / 28 - 14:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من المعلوم لدينا ان فترة هيرودس الكبير مثلت ازدهارا اقتصاديا واستقرارا سياسيا، رافقه انفتاح اكبر نحو الثقافة الاغريقية، فحتى المؤسسة اليهودية هي الاخرى لم تكن بمنأى عن الأغرقة، وهذا ما اسهم في انكماش روح التعصب الديني في المجتمع، سمح بخروج المتهودين قسرا بعد سقوط الدولة الحشمونية من الديانة اليهودية، حتى باتت تلك الدعوات تمارس في العلن، كما رأينا ذلك في استخدام النبي يحيى نهر الأردن[7] لإعادة المجاميع المندائية المتهودة، والتي كانت بجموع غفيرة، لتتحول بذلك ضفاف نهر الاردن الى مدرسة حقيقية، يجمعها نهارا طقس الصباغة فيما الحوارات المعرفية ليلا. لتبلغ اوجها ما بين العام 36 ق.م الى العام 6 م والتي مثلت فترة رسالة النبي يحيى بحسب النصوص المندائية. الا ان ذلك الاستقرار لم يدم طويلا، وسرعان ما اخذ بالتفتت. فبعد موت هيرودس الكبير عام 4 ق.م تقاسم ورثته السلطات، ونتيجة لسوء الادارة السياسية لجأت روما الى التدخل المباشر، من خلال تنصيب ولاة رومان، فخضعت اليهودية والسامرة لسلطة المفوض السامي في سوريا، كما وخضعت رئاسة الكهنوت لممثلي روما، فيما شكل التعاقب السريع للولاة الرومان حالة من الفساد الاداري، فلم يفكروا بغير الثراء، مما ولد حالة من التذمر بين الطبقات الفقيرة بسبب ازدياد الضرائب والتي باتت تمثل عبئا ثقيلا على الفلاحين والكسبة، في الوقت الذي ازدادت فيه الطبقة الكهنوتية والتجار اليهود الموالين لروما ثراء، هذا الاستحداث وما نتج عنه من تحول اعداد كبيرة من المتهودين الى دياناتهم القديمة، اخذ يشكل هاجس رعب لدى المحافظين اليهود، ما دعاهم الى استغلال الظروف الاقتصادية من اجل التأجيج لثورة ذات طابع ديني، وبالفعل فقد تشكلت عام 4م، حركة متطرفة دعيت بالحركة الزيلية، وكنتيجة لتعاطف الطبقات الفقيرة من اليهود، يقودهم في ذلك حلم استعادة الامجاد اليهودية، التي تزخر بها اسفار الكتاب المقدس، فقد اخذت تلك الحركة بالاتساع، حتى باتت تشكل قوة مؤثرة بعد ربع قرن فقط من تشكلها. حاولت روما بادئ الامر مهادنة اليهود واستمالتهم، للحيلولة دون انفجار الأوضاع، والحادثة التي تنقلها لنا المصادر المسيحية حول تسليم يسوع للصلب، من قبل بيلاطس ارضاءً لليهود تتوافق وهذا الاتجاه، وعلى هذا النحو فقد تم في العام 41 م، تعيين هيرودس اغريباس حفيد هيرودس الكبير المقرب من الفريسيين ملكا على شمال شرق إسرائيل من قبل الامبراطور الروماني كاليجولا، ثم اضيفت اليه السامرة في عهد الامبراطور كلوديوس، وذلك لكسب ولاء العامة. استمرت فترة حكمه كملك ثلاث سنوات، جاهد خلالها في استمالة الفريسيين نحوه، وتذكر لنا نصوص اعمال الرسل 12 الى انه كان يضطهد المسيحيين ارضاءً للمحافظين اليهود:( وفي ذلك الوقت مد هيرودس الملك يديه ليسيء إلى أناس من الكنيسة 2 فقتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف 3 وإذ رأى أن ذلك يرضي اليهود، عاد فقبض على بطرس أيضا. وكانت أيام الفطير 4 ولما أمسكه وضعه في السجن، مسلما إياه إلى أربعة أرابع من العسكر ليحرسوه، ناويا أن يقدمه بعد الفصح إلى الشعب.) بعد موت هيرودس اغريباس عام 44 م وازاء ازدياد قوة المليشيا الزيلية، فقد دخلت المنطقة حالة من الانفلات الامني واعمال العنف، تخللها اضطهاد مضطرد للخارجين عن اليهودية. حالة الفوضى هذه استمرت لتبلغ ذروتها في العام 66 م، لتتحول الى حرب شاملة ليس على الرومان وحسب، وانما على كل ما هو غير يهودي، وتذكر لنا كل من النصوص المندائية والمسيحية تلك الاحداث بمرارة، النصوص المندائية من جانبها لم يقتصر ذكرها على الابادة الجماعية التي تعرض لها المندائيون وحسب، وانما اعطت صورة لمجريات الاحداث ابان صعود المتطرفين اليهود، وكذلك الفترة الفاصلة بين الثورة اليهودية الاولى والثانية، والتي يذكرها النص بستون عاما، وهذا ما يتوافق مع مجريات الاحداث التأريخية ، فالثورة الاولى استمرت من العام 66 م الى نهاية العام 70 م، اما الثورة الثانية فكانت ما بين العام 132م الى العام 135م بفاصل زمني قدره 62 عاما (70-132 =62 عاما) تقريبا .الامر الذي يتماشى مع ما ورد في مخطوطة مخابئ حران: ((وبعد مرور ستين سنة من عروج النبي يحيى حدث ان اليهود كعادتهم استرجعوا قدراتهم السابقة، واولوا ثقتهم للروها وادوناي ، فأصابهم الغرور والكبرياء الزائف والغطرسة ... وبعد ستين عاما على هذه الاحداث خططت الروها وادوناي، لإعلاء شأن البيت المتداع، فأسهموا بالحديث عن النبي موسى وعن الروها وعن بني اسرائيل واعلاء شأنهم، وقرروا بنيان البيت المتداع الذي كان قد بنوه قبل ردح من الزمن الغابر، وبعد ذلك بدأوا يلسنون بالأقاويل الباطلة عن مجموعة انش اثرا رئيس الدارة واباحوا قتل اتباعه وسفك دمائهم ، ولم يتبق احد من تلاميذ انش اثرا والناصورائيين.))
استمر العصيان اليهودي الاول حتى نهاية العام 70 م، استطاع خلالها اليهود المتطرفون من التحصن في اورشليم، الا ان الجيوش الرومانية بقيادة تيتوس تمكنت من فتح اورشليم، ومن ثم القضاء التام على اخر معاقل تلك المليشيات عام 70 م في منطقة مسعدة، ونتيجتا لذلك فقد دُمر الهيكل ولم يعد يُسمح بإقامة الطقوس اليهودية الا ما ندر، وبحسب يوسيفوس فان خسائر اليهود كانت مليون ومئة الف قتيل، وتسعين الف اسير، وبالرغم من ان الرقم هنا مبالغ فيه الى حد كبير كما يبدوا، الا انه يُظهِر بشكل عام حجم الدمار الذي تعرضت له المنطقة، الاحداث الرهيبة هذه وما رافقها من تدمير لبيت المقدس، وتهجير قسري لليهود، احدث ردة فعل كبيرة بين اليهود. فقد تحولت تلك النكسة الى هاجس لا شعوري لدى المتعصبين، أشعل من جديد لهيب اسطورة الماشيح المُخَلِص سليل سليمان وداود، تماما كما تصفه الاسفار اليهودية، قائدا محاربا، يقيم العدل بين اليهود، جبارا فاتكا بأعدائه، يعيد الامجاد اليهودية، ويبسط سلطانه على الأرض. وازاء تلك الاحلام وما قابلها من حزم صارم من قبل الرومان، من خلال اصدار مرسوم يمنع الختان، وكذلك الشروع في بناء هيكل روماني على أنقاض بيت المقدس، واستمرار فقدان المؤسسة اليهودية الكثير من الاتباع، سواء ممن عاد الى ديانته الأولى او تحول لأديان أخرى، من هنا فقد باتت الحاجة ملحة أكثر من اي وقت مضى لظهور الماشيح المخلص. وبالفعل فقد تزعم سيمون بن كوخبا عام 132م ثورة كبرى ضد الرومان، معلنا انه الماشيح المخلص. وكنتيجة للانتصارات المتلاحقة والسريعة التي تحققت تحت لوائه، فقد بايعه كبير الحاخامات اكيبا[8]، معتبرا اياه ذات الماشيح الذي تنبأ به سفر العدد، وبالفعل فقد حصلت على يد قواته جرائم وإبادة جماعية بحق كل ما هو غير يهودي، وفيها تمت ملاحقة اتباع يسوع، وكذلك المندائيين ممن لم يهاجر الى بلاد ما بين النهرين بعد احداث الثورة الاولى، مثلما ذُكِر ذلك في نص مخابئ حران في الصفحة السابقة. تمكن بر كوخبا من السيطرة على منطقة اليهودية، ليؤسس بذلك دولة اسرائيل المستقلة، كما وطبع عملة تحمل شعار الدولة الفتية. في عام 135 م تمكن الرومان من استعادة المدينة ودحر الثورة، وقد خلف ذلك اعداد هائلة بين قتيل وجريح من اليهود، وانهيار كامل للمؤسسة الدينية، وبحسب الروايات فان اعداد كبيرة من اليهود تم بيعهم كعبيد في الأسواق. الاضطرابات السياسية والاحداث الدموية هذه وما حصل خلالها من قتل وترويع ضد كل ما هو غير يهودي، جعل الكثير من اتباع تلك التيارات تفكر في البحث عن مواطن امنة، حاملتا معها عزاء البحث عن الخلاص. المصادر المندائية من جهتها تذكر لنا، ان المندائيون اتجهوا تحت حماية الملك الفرثي اردوان الى بلاد ما بين النهرين، منذ بداية القرن الميلادي الأول، الا ان قسما منهم بقي في فلسطين حتى قيام الثورة اليهودية الثانية، والتي تعرض خلالها من تبقى الى مجازر حقيقية، ومع ان النص لم يشير الى هجرة مماثلة باتجاه الإسكندرية، الا ان إشارة المصادر التأريخية لتيارات معرفية نشطت في الإسكندرية بعد منتصف القرن الميلادي الأول، وبداية القرن الميلادي الثاني، تلتقي مع المندائية في كثير من النواحي، خصوصا ما يتعلق بنظرتها السلبية للموروث الديني لليهود وكذلك ما يتعلق بالخلق والتكوين، وماهية الله، والنفس وعلاقتها بالجسد، وما الى ذلك من جهة، واختلافها في بعض النواحي الأخرى من جهة ثانية، يقود الى ان من بقي في فلسطين ولم يهاجر الى بلاد الرافدين اسوتا بالأغلبية، وكنتيجة للمتغيرات الفكرية والسياسية التي طرأت في فلسطين، خصوصا ما يتعلق باتساع حركة النبي عيسى، ومن ثم الثورة اليهودية الأولى، كل ذلك ساهم بشكل او بآخر في إعادة صياغة الافكار الدينية وبما ينسجم ومفاهيم المرحلة. وحينما انتقلت الى الإسكندرية كانت في طور التكوين، اسوتا بالتيارات المسيحية، الامر الذي سمح لها بالتفاعل مع التيارات الفلسفية التي كانت في اوج نشاطها في الإسكندرية، لما كانت تتمتع به الإسكندرية من استقرار سياسي، ناهيك عن كونها كانت تمثل مصدر اشعاع للعلوم والثقافة في ذلك الزمان، وتتقبل التنوع الديني والفكري من دون أي حساسية. الأفق المفتوح هذا ساهم هو الآخر مساهمة فاعلة في بلورة الأفكار، لتطرح نفسها بشكل جديد يتلاءم وتلك المفاهيم. واعتمادا على ما نقل عن تلك الطوائف فإن الأسماء التي كانت تحملها تُذَكِر بشكل او بآخر بما تستخدمه النصوص المندائية في الاشارة لاتباعها، كالمختارين، الكاملين، العارفين، الشيتيين، دون ان ننسى مسميات عديدة أخرى، قسما منها حمل أسماء مفكريها كالباسليديين او السيمونيين .. وبشكل عام فان الاسم الذي اطلق على تلك الطوائف بمختلف اتجاهاتها حمل اسم مندعيين، أي العارفين، والذي ترجم الى اليونانية باسم غنوسس (الغنوصيين )، وهو ما يتطابق والمعنى الذي يحمله اسم (مندائي)، وبشكل عام فان ما وصلنا من اخبار هذه الطوائف، خصوصا تلك التي عبرت عن نفسها بداية القرن الميلادي الأول والثاني، جاءت في اغلبها من خصومها، ناهيك عن ان الدراسات التي تناولت الغنوصية تمت على ايدي باحثين معادين لها، فكلا الدوائر المسيحية واليهودية ترى نفسها على نقيض من الأفكار الغنوصية، كونها تحمل أفكار ميتافيزيقية تناصب العداء لليهودية والمسيحية القانونية على حد سواء، وهنالك من يعتبرها نوع من أنواع معادات السامية. ومع ان توجها برز نهاية القرن الماضي في امريكا وألمانيا اخذ ينتهج كما يبدوا الحرفية في البحث، الا ان المصادر في هذا الشأن لا زالت قليلة، اذا ما استثنينا مخطوطة برلين المكتشفة عام 1896م ومخطوطات نجع حمادي والتي اكتشفت عام 1945م، سيما وان هذه المخطوطات وان اعتبرت من الكنوز الثمينة جدا، كونها اتاحت دراسة بعض المعتقدات الغنوصية بشكل مباشر، الا انها تبقى تعبر عن مرحلة ما بعد الكلاسيكية للغنوصية، أي انها تعبر عن الغنوصية المسيحية بشكل خاص، وان اعتبرت من قبل بعض العلماء على انها تنقيح متأخر للغنوصية الكلاسيكية. وفيما يخص نشأتها فهناك من يرى ان الغنوصية نشأة من أفكار ومعارف انبعثت من المجتمعات اليهودية في القرن الميلادي الأول والثاني، ومن اهم مؤيدي هذا الرأي عالم الغنوصيات كورت رودولف، سنده في ذلك وجود شخصيات يعظمها الغنوصيين لها وجود سابق في التوراة، كنوح وشيت وقابين. الا ان هذا الرأي لم يعد يلقى قبولا في الوقت الراهن، لما تحمله الكثير من الديانات القديمة من لاهوت قائم أساسا على فكر معرفي. ليس في المندائية وحسب، وانما في العديد من ديانات المنطقة القديمة، سواءً في الهند او فارس او بلاد ما بين النهرين او في بلاد الشام ومصر، ناهيك عن فلسفة افلاطون ذات المنابع الشرقية، خصوصا ما يتعلق بفلسفة المُثُلْ وفلسفة الجمال. وكذلك الحال مع الفيثاغورية والتي لا تقل عن نظيرتها في أصولها الشرقية. وبالتالي فان القول من ان اليهودية هي منبع المدارس الغنوصية، انما هو رأي مكبل بالعقائدية أكثر منه وجهة نظر علمية محايدة لمجموعة أسباب، أهمها ما قلناه سلفا من ان اغلب فرق الغنوصية التي ظهرت في الرقعة الجغرافية الممتدة من فلسطين والى الإسكندرية، مرورا ببلاد الشام وانطاكيا، غالبا ما كانت تنظر الى يهوه على اعتباره مصدر الشرور في العالم. ما يعني ان هنالك تقاطعا عقائديا يصل حد الخصومة بين الطرفين، فكيف تكون امتدادا لها؟ ناهيك عن ان اليهودية لا تمتلك أي موروث اصيل من شأنه ان يحفز او يكون منطلقا لمعتقدات معرفية. وما يقال عن كتابات فيلون الاسكندراني، فتلك الكتابات لم تنطلق من جذر توراتي اصيل، بقدر ما هي قراءة توفيقية، الهدف منها التعبير عن دلالة نصية تتماشى والفلسفة الابيقورية والافلاطونية التي كانت سائدة آنذاك. وهذه الأفكار لقيت معارضة شديدة من قبل احبار اليهود، معتبرين إياها تحريفا للتورات، ولم تعتمد الا من قبل المسيحية القانونية، تلك التي اتخذت من التوراة مرجعا دينيا لها، فكانت تتخذ أفكاره التأويلية للدفاع عن التوراة ضد الغنوصيين. اما الملامح الغنوصية في اليهودية فقد جاءت متأخرة، ولم تظهر الا في كتابات موسى ابن ميمون (1135م-1204م) في كتابه الزوهار، ومع ان اتباع مذهب الكابالا يرون ان تلك الأفكار كانت تنقل شفويا وإنها تعود في اصولها الى الحاخام شمعون بن يوحان الراشبي، الا ان الأخير هو الآخر جاء متأخرا، ويعود الى منتصف القرن الثاني الميلادي. اما بخصوص نشأة الغنوصية، فأرى ان هذا اللغز لن يُحل ما لم نضع المندائية كلاعب أساس في المعادلة، باعتبارها ديانة معرفية موغلة في القدم، سابقة للغنوصية المحدثة، وان الغنوصية المحدثة ومن ضمنها مندائية فلسطين المحدثة، التي ابتدأت مع ظهور كل من مرياي والنبي يحيى، كان هدفها العودة الى الأصول، وهذه العودة لا يمكن لها ان تتم من دون الانقلاب على المفاهيم اليهودية. ولربما سائل يسأل ما دواعي هذا الانقلاب؟ ولما كل هذا العداء اللاهوتي لليهود تحديدا! سيّما وان المنطقة تعج باتجاهات دينية مختلفة؟ يقول هيغل: لو ان التاريخ مجرد احداثا عشوائية تحدث بغفلة من الزمن فمن الاجدر بنا عدم الاهتمام به، لان لا فائدة مرجوة من قراءته، فالمراحل التأريخية من وجهة نظر هيغل هي نتاج منطقي لمراحل سابقة لها، وهذا تماما ما ينطبق على المسألة الغنوصية. فالعداء الذي يحمله الغنوصيون عموما ضد اليهودية لم يأت من فراغ، فسبق وان تحدثنا في أكثر من باب عن الدولة الحشمونية، وعن ممارستها للتهويد القسري ضد سكان فلسطين والمناطق المجاورة، وكيف أدى ذلك الى انتهاج قسما من أولئك السكان مبدأ التقية، حتى انهيار الدولة الحشمونية على يد الرومان، الامر الذي مهد لعودة الكثير ممن كان تحت الراية القسرية للديانة اليهودية الى ديانته الأولى. ولان العودة بحاجة لإعادة هيكلة، بسبب ما فقد من موروثات ومفاهيم دينية، سيما وان ثمانون عاما من الاضطهاد الديني ليست بالأمر الهين، ما يعني ان تلك المجتمعات كانت بحاجة ماسة لغربلة ما ورثته من أفكار دخيلة، وهذا الامر لا يستتب من دون التركيز على الجانب المعرفي، سبيلا في استنباط ما فقد من مفاهيم دينية، سيما وان الجانب المعرفي له جذور موغلة في القدم، خصوصا في الديانة المندائية. هذا الامر قاد كما يبدوا الى قراءة المفاهيم الدينية قراءة جديدة، لا تخلوا من تفاعل مع محيطها الجديد، حتى وان حاولت جاهدة التمسك بالأصول، فسيبقى التعبير عن الدلالة مرتبط بشكل او بآخر بقراءة مفاهيم المرحلة، فكان نتاج ذلك ظهور ثقافة دينية جديدة، اعتمدت نبذ وتحريم كل ما هو مقدس في اليهودية، معتبرين إياه ذا مصدر شيطاني، كردة فعل على ما لاقوه من اضطهاد. وهذا ما نراه جليا في المندائية، كالإشارة الى اورشليم بشكل سلبي، باعتبارها تابعة لملك الظلام اور، كذلك الحال مع أدوناي، معتبرين إياه إله شرير. ولم يقتصر الامر على ذلك، فحتى النصوص المتعلقة بطقس الصباغة(العماد) لم تكن بمنأى عن الإشارة السلبية لليهود، خصوصا ما يتعلق بالنصوص التي تشير الى مرياي، ناهيك عن طقس الوضوء، والذي يتكرر ثلاث مرات يوميا، والذي يسبق الصلاة. مع ضرورة الإشارة الى ان أي طقس ديني لا يستتب مالم يُثْبِت الشخص في طقس الوضوء من انه لم يكن قد ارتسم برسم اليهود (الختان)، والا فلن يحق له تكملة أي طقس من الطقوس المندائية الأخرى، صغيرة كانت ام كبيرة، وهذا الامر سنرى له صدا كذلك عند الطوائف الغنوصية في الإسكندرية، وهذا ما سنتطرق اليه بعد تناول موضوع الهجرة الى بلاد الرافدين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#أحمد_راشد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلاقة الجدلية بين النبي يحيى والنبي عيسى وفق المفهوم المند
...
-
العلاقة الجدلية بين النبي يحيى والنبي عيسى وفق المفهوم المند
...
-
الاسينيون خلافا لما هو سائد / سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ا
...
-
الاسينيون خلافا لما هو سائد / سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ا
...
-
الأسينيون خلافا لما هو سائد/ سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ال
...
-
الاسينيون خلافا لما هو سائد سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ال
...
-
الأسينيون خلافا لما هو سائد الجزء الثاني سلسلة صابئة فلسطي
...
-
الأسينيون خلافا لما هو سائد الجزء الاول من سلسلة صابئة فلسطي
...
-
تأريخ ميلاد النبي يحيى بحسب النصوص المندائية (من كتاب صابئة
...
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|