|
رحل اسحاق الشيخ ولم يرحل
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 6771 - 2020 / 12 / 26 - 11:25
المحور:
سيرة ذاتية
عندما نتحدث عن الراحل الكبير إسحاق الشيخ نتحدث عن مفكر اشتغل مبكرًا بالسياسة ولم يدر ظهره للحقيقة، فما أكثر وما أعمق ما تركه لنا من قيم راقية ستظل آثارها فينا.. نتحدث عن رؤية فكرية وسياسية تنويرية ترى كما ذكر في كتابه «هكذا تكلمت المعتزلة عقلاً»، العقل دهشة حركة دؤوبة الحركة في الدهشة حركة تنوع وتعدد وتبدل وتغير ظواهر الحياة في الطبيعة والفكر والمجتمع.. وهو حركة مادية وفكرية عاقلة في حركة مادية وفكرية عقل الحياة«.
كان محبًا للحياة ومدافعًا عظيمًا عن الحياة.. لم يترنح قط بين الشطح والمغامرة والأحكام المطلقة والانتهازية والنرجسية، وبهذا الوعي وقف في وجه الظلم والظلام، وجعل فكره وكتاباته التي تفيض بثقافة عميقة مسؤولة قلاعًا تدافع عن الطبقات العاملة المنتجة وعن قدرة الوعي البشري على التغيير وعن التحرر والتقدم والديمقراطية والاشتراكية.
عندما يدرس الباحث سيرته الذاتية يجد تجربة نضالية وإنسانية عميق ونتاجًا فكريًا وسياسيًا ينبض دائمًا بالتغيير والتدرج في المعارك من أجل الديمقراطية، ومن هنا كان حريصًا على دعم المشروع الاصلاحي في البحرين والسعودية وحريصًا ايضًا على نقد معوقاته.
وهب حياته من أجل الذين يعيشون الفقر ويرزحون تحت وطأة الحرمان من أبسط الحقوق ويعانون ظلمًا بسبب سوء توزيع الثروة!.
منذ أن تعرفت على الراحل»أبو سامر«في دمشق في بداية السبعينات وأنا أحمل له دائمًا الإكبار العميق والمحبة الغامرة وكنت أراه ومازال مثالاً يجمع بين البساطة والتواضع ونكران الذات والوفاء لفكره الماركسي والقيم الأممية، ولعل أبرز ما يميز هذا المفكر والمناضل الذي لم يتغلب عليه مرض حب الذات والغرور والاستعلاء وخطاب الاسلام السياسي الذي يوظف الشعارات الديمقراطية من أجل الوصول إلى السلطة الدينية، إنه لم يتوقف أبدًا عن الدفاع عن الحقوق عن العقل والحداثة وتبني العقلانية والعلمانية وفصل الدين عن السياسة والدولة وتجديد الخطاب الديني وبناء الدولة الديمقراطية.
كان أكثر وعيًا وإخلاصًا لفكره وأشد التصاقًا بالمهمشين في القطاع الاجتماعي، ورفاق دربه وأعمق توظيفًا للنظرية العلمية العلاقة الحميمية بين الفكر والواقع، وهو صاحب رؤية مستندة على الفلسفة الماركسية.
تنوعت كتاباته بين الأدب والسياسية وكأنه امتطى حصانين فامتلك زمامهما معًا، فأصبح كاتبًا له مذاقه الخاص المتميز، وقلما تجد مثل هذا التوافيق بين الوعي السياسي اليقظ، والحس الأدبي المرهف.
الاختلاف في الرأي أمر مشروع ومطلوب، والحق عندما تختلف معه حول قضية سياسية ما في البدء يعتريه شيء من الانفعال ولكن سرعان ما يتدارك.. كان يؤمن بثقافة الاختلاف حتى لا يتحول الاختلاف إلى تعصب لا يرى فيه أي طرف نفسه ويصبح النقاش عقيمًا.. وعندما يتحاور يتقبل الرأي الآخر دون التعدي على الحقوق والانتقاص.
في سيرته الذاتية إضاءات فكرية وسياسية ذكرها الكاتب حسين عويدات في (جريدة النور) السورية من بينها أن الأستاذ إسحاق الشيخ يعقوب وصل إلى درجة من الوعي الاستثنائي خاصة في الخمسينات من القرن الماضي الذي لم تكن البلاد العربية قد شهدت نهوض الحركات الديمقراطية وحركات التحرر، ولم تقم فيها الدول المعاصرة بمفاهيمها الحديثة ومعاييرها الحديثة يعني معايير الحرية والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.
وثاني الأمور أنه يتحلى بشجاعة وهو يدعو للحرية وحقوق الإنسان ومقاومة ثقافة القرون الوسطى.
أدرك إسحاق بحدسه في صغره، وبوعيه في شبابه وكهولته ما تلاقيه الشعوب من ظلم ولمس حال المعدمين والمحرومين فانخرط مبكرًا في الحركة العمالية وأخذ ينشط بشجاعة، في كتابه (المساءلة) تحدث عن الملاحقات في الدول العربية وكتابة الآخر (إني أشم رائحة مريم) بجزأيه يرصد سيرته الذاتية، وكم كان مؤثرًا وصفه حياة التقدميين في الدول العربية.
في مطلع ستينات القرن الماضي ذهب إلى ألمانيا الديمقراطية وحصل على دبلوم في شؤون الحركة النقابية وإجازة في الصحافة وأخرى في العلوم السياسية، ولنا أن نتصور الجلد والصبر والتواضع الذي اتصف بها خاصة إنه تجاوز الاربعين عامًا من عمره عندما بدأ دراسته الجامعية.
خلال تواجده في لبنان وسوريا كتب عشرات المقالات في الصحف السورية واللبنانية ورصد في مقالته الحال العربي وشؤون الحراك السياسي في البلدان العربية، وكان دائمًا واضح الرؤيا، يدرك الواقع السياسي والاجتماعي العربي رغم تعقيداته، ويرى مستقبله بوضوح، وقد وصفه أحد النقاد بقوله:»لديه موهبة تصويرية تميز بها وهو شعلة هادئة ذكية نقية أنيقة«، كما كان لديه قدرة هائلة على التقاط الواقع وتحليله وفهمه، وخاصة ما يتعلق منه بالمحرومين والمعدومين والفقراء والمناضلين وقضية المرأة التي ينظر إليها نظرة شاملة وفي أبعادها المتعددة ومن زاوية: تحررها كجنس ومن الاضطهاد الطبقي والقومي والاثني والنفسي والابوي وفي مستوى البنية الثقافية للمجتمع التي تكرس اضطهاد المرأة والتي هي نتاج قرون تحتاج إلى نضال ثقافي وفكري شاق، وهذا يعني أن قضية تحرير المرأة في ارتباط وثيق مع تحرر المجتمع من كل أشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والاثني والديني.
وبهذا النهج الحيوي يرى كما ورد في كتابه عن المعتزلة إن ضرورة تقدم مجتمعاتنا العربية على دروب الإنسانية الصاعدة وإلى مجد الحضارة هي ضرورة الانتقال من حاكمية النقل إلى حاكمية العقل وتحديد مفاهيم النقول وتشذيبها دون نفيها بحيث لا تتضارب مع تقدم الحياة وفق مفاهيم العقل الذي لا تتعارض مع المواثيق الإنسانية في الحقوق والواجبات على صعيد العالم، إن تكريس مفاهيم الدين في استيعاب حقوق الإنسان في الديمقراطية والعلمانية وتشريعها دستوريًا وثقافيًا في مجتمعاتنا العربية واقع يحد من مفاهيم الغلو والتطرف والعنف والارهاب الديني والمذهبي وذلك بالعمل على تجسيد المفاهيم الدينية والفقهية والشرعية بالمبادئ السامية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثائق الأخرى المتعلقة به.
من إصداراته نشر عام 1960 كتاب»مطارحات فكرية«وكتاب»المساءلة«عن أدب السجون و»إني أشم رائحة مريم«بجزأيه، ثم كتب»بصمات وجدانية«و»في الثقافة والنقد«و»العلمانية طريق التقدم«و»ما هي الليبرالية«و»وجوه في مصابيح الذاكرة»، رحل إسحاق الشيخ ولم يرحل.. وبذر البذور تترعرع وتزدهر وتثمر أخصب الثمار.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسة الخارجية التركية بين الفشل وافتعال الأزمات
-
وعود بايدن الاقتصادية!
-
الصين ومكافحة الفقر
-
العقل النقدي
-
«المرأة ميراث من القهر»
-
سامي الدروبي علامة فارقة في سيرة الترجمة إلى العربية
-
انحسار الأحادية القطبية
-
بحر الصين الجنوبي والصراع الأمريكي - الصيني
-
المفكر سمير أمين «مفكك الرأسمالية»
-
تركيا ونوازع أرمينيا وأذربيجان!
-
«كورونا» وتزايد فجوة الدخول!
-
الليبرالية والليبرالية الجديدة
-
السودان والعلمانية
-
حالة حقوق الإنسان في تركيا!
-
بريطانيا والإسلام السياسي!
-
رحيل المناضلة السودانية زينب بدر الدين
-
الأطماع التركية.. والموقف الأوروبي المتذبذب!
-
«الطير الهيمان» وداعًا
-
حديث عن البرلمانات العربية!
-
تقارير عن البطالة في زمن «الكورونا»
المزيد.....
-
جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال
...
-
الجولاني: نعمل على تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية.. وأمريكا
...
-
فلسطينيون اختفوا قسريا بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مناز
...
-
سوريا: البشير يتعهد احترام حقوق الجميع وحزب البعث يعلق نشاطه
...
-
مصادر عبرية: إصابة 4 إسرائيليين جراء إطلاق نار على حافلة بال
...
-
جيش بلا ردع.. إسرائيل تدمر ترسانة سوريا
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 57 مقذوفا خلال 24 ساعة
-
البنتاغون: نرحب بتصريحات زعيم المعارضة السورية بشأن الأسلحة
...
-
مارين لوبان تتصدر استطلاعا للرأي كأبرز مرشحة لرئاسة فرنسا
-
-الجولاني- يؤكد أنه سيحل قوات الأمن التابعة لنظام بشار الأسد
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|