|
كورونا ... والعراق
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6766 - 2020 / 12 / 20 - 16:36
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
كورونا .. والعراق
يُخيل إليَّ إن قادة العراق في واد والعالم كله في واد أخر ، فمنذ إجتياح العالم هذا الوباء لم أجد لدى زعامات العراقيين ذلك العزم وتلك الثقافة التي بها يتصدون وبها يحاولون التقليل من التبعات والآثار البغيضة لهذا الوباء اللعين .
إن الزعامات التي أبتلي بها العراق في هذا الزمن التعيس ليس في وارد حساباتهم ، تنبيه الشعب أو تثقيفه وإشراكه فيما يجب وفيما لا يجب ، بإعتبار إن هذا الوباء هو أخطر قضية تواجه الأمم والشعوب في أيامنا المعاصرة ، وعلى العكس من ذلك نرى قادة الدول المتحضرة مع شعوبها تحاول المرة تلو الأخرى في صنع ما يمكنه الدفاع والحماية من هذا الوباء اللعين .
صحيح إن جميع الإجراءات الوقائية والدوائية والعلاجية مكلفة مادياً ومعنوياً ، لكن ذلك لدى رعاة الشعوب المتحضرة دافعاً قوياً في خلق الأجواء التي من شأنها التقليل والحد ما أمكن من خطورة وتبعات ذلك ، لكن السادة المسؤوليين في بلادي الضائعة في وحل الطائفية والخرافة والظلال والدجل ، منهمكين جميعاً في الحديث عن الإنتخابات وعن التكتلات وعمن سيكون على رأس الحكومة .
متناسين عن عمد ما سيؤول إليه المصير في السنة المقبلة من تردي إقتصادي ومالي هائل وكبير ، والذي ستكون وطأته شديدة على الشعب وعلى الدولة ، بل أشد مما يتصور العبثيين والفاسدين وأهل المصالح الضيقة ، نعم ستكون النتائج كارثية في كل مناحي الحياة وسيترحم الناس على سنة 2020 لما ستكون عليه سنة 2021 ، وإذا كانت النذر بدأت مع قطع الرواتب عن الموظفين والعاملين ، وهاهي تتبعها بالزيادة المضطردة في سعر صرف الدولار في السوق العراقية ، ومن غير المبالغة إن هناك أشياءا وأشياء ستحدث و ستدمر ما بقي من الهياكل العظيمة للعراق الذي كان .
ولقد تحدث غير واحد من الخبراء الدوليين من خطورة الوضع وما يمكن ان يُصار إليه ، ولكننا لا نجد في العراق أذن تعي أو تسمع لذلك ، بل ما يصدر من هناك مجرد عبث وفوضى وتخريب ومماطلة وأستقواء بالغير ، ونكران للحقوق وتضييع للفرص ونهب لما تبقى من الميزانية التي ضربها إعصار الفتن من أهل الطوائف من المجرمين والإرهابيين والقتلة .
وهذا ليس من باب الحدس والتخمين والظن ، وإنما هي حقايق ومعطيات دلت عليها تقارير من هم أهل النظر والمعرفة ، وبأن العالم الذي كان سيتغير ولن تكون تلك الظروف التي كانت قبل 2020 حاضرة بعد اليوم ، وإذا كان العراق قد ربته السياسة الفاشلة على العيش الريعي ، ومن سوء حظه ذلك إنه يعتمد في لقمة عيشه على النفط كسلعة تجارية وإقتصادية في آن معاً ، فإن هذه السلعة سوف لن يكون لها ثمن في قادم السنيين والأيام ولن يكون لها طلب كذلك ، بعدما تغيرت موازين الطاقة وما يعتمد عليه في المستقبل ، وهناك إتجاه حثيث في دول العالم الكبرى على الإعتماد على الطاقة البديلة والتكنولوجيا الذكية ، والتي لم يعد معها النفط مصدر إلهام ، ولعل السنوات المقبلة القليلة ستشهد هذا التحول في ميدان الطاقة وما يعتمد عليه في الأسواق الدولية ، ولهذا تعكف حكومات ومعاهد ومختبرات ولجان عمل متخصصة لهذا التحول الإستراتيجي الهائل .
ومن هنا تبدو الحاجة ماسة للتذكير بذلك وتنبيه أهل المرؤة للتفكير والعمل والحث ، على بذل المزيد من الجهد لكي نتلافى الكثير من المخاطر التي قد تنهي وتدمر العراق للآخر ، فالعراق بحاجة لحسم مسألة الصراع على السلطة من خلال إيجاد آليات عمل ثوري في ذلك ، وعلى من يجد في نفسه الكفاءة فليتقدم لحسم ذلك الصراع قبل فوات الأوان ، ولتكن تجربة الرئيس عبدالفتاح السيسي مثالاً في ظل هذا الفلتان والفوضى والفساد وإنعدام الضمير والحلول وفشل الديمقراطية وضياع جهود المخلصين ، وفي ذلك نقول لا مصلحة من الإنتخابات ولا التحضير لها طالما ، إن تجربة الفشل ستعيد إنتاج نفسها بنفس الأشخاص والمسميات والطوائف والبرامج والخدع ، هذا كله وفي ظل التردي في الوضع الأمني والمعاشي والخدمي وهيمنة تجار المال والسلاح المنفلتين ، والخيار مطروح للشرفاء ومن يجد في نفسه الكفاءة والقدرة على المبادرة إلى ذلك ، وعدم تضييع الفرص فهناك من يؤيد ويرغب طالما كان ذلك من أجل المصلحة العامة .
وليس من السهل عندنا أن نوجه إلى ذلك أو ندعوا له ، ولكن مع إنعدام الحلول وعدم الشعور بالمسؤولية لدى من هم في مراكز السلطة والقرار ، كان لا بد لنا من التنبيه إلى هذا وحسم هذه الفوضى التي خلفت الكثير والكثير من الضيم والخنوع والذل .
ليس من السهل علينا أن ندعوا لإنهاء وهم الديمقراطية التي صنعت لنا جيلا من المفسدين والقتلة والمجرمين ، وحولت البلاد إلى مرتع لكل من هب ودب من أرجاس الأرض ، إن شعورنا بالواجب والمسؤولية الوطنية والإخلاقية هو الذي يحتم علينا الدعوة لذلك ، مع أمل ورجاء في ان يتغير الحال إلى أحسن منه ، خاصةً في ظل كل الممارسات الفاشلة التي أودت بحياة الوطن والمواطن .
إن الدعوة إلى التغيير المنتظر لا تتم إلاَّ من خلال الإيمان بالوحدة الوطنية والهوية والجامعة وحماية المؤسسات الوطنية والشعبية ، ولهذا نرى ان لا مصلحة حقيقية في هذه الإنتخابات ، وعلى المواطن الغيور ان لا يبادر إلى بطاقته الإنتخابية ، وليتعض بما حصل له جراء كل تلك السنيين الماضية ، وعليه وبدلاً عن ذلك المطالبة والإلحاح بتحقيق الأهداف والقيم التي راح ضحيتها و في سبيلها شهداء وجرحى ومفقودين ، ولا يجب إستحمار الشعب وإلهائه ببعض الشعارات والزيف والخداع والتضليل ، فليس ثمة هناك من به أو يرتجى منه خيرا .
وإذا كان الوباء يفتك بالعراقيين فإن ذلك بسبب هذه الفوضى واللانظام الذي لم يفرق بين ما هو واجب ومطلوب ، في لحظات الإختبار والتمايز إن تأثيرات كورونا ستطال كل بيت عراقي وستنهي آمال الكثير من الشباب والشابات ، طالما بقي الوضع على ما هو عليه ، وستظل هذه المعادلة خاسرة في ظل هذا الواقع التعيس ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرة محايدة لدعاء كميل
-
مصطفى الكاظمي في ميزان العقل
-
الدجال
-
نظرة في الأصولية
-
إنهيار الحُلم الأمريكي
-
الانتظار في زمن الكورونا
-
سجن الحوت في الناصرية
-
تحذير هام
-
في صراع الهوية
-
الثورة العراقية الكبرى
-
ماذا تعني ثورة العراقيين ؟
-
إنتفض
-
أدعياء الوطنية الزائفة
-
الحراك العراق اللبناني
-
الحروب السخيفة
-
عندما يثور الشرفاء
-
عاش العراق
-
قتل المتظاهرين العُزل
-
سفر روحاني إلى نيويورك
-
الحكومة السائبة
المزيد.....
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|