الماديّة الجدليّة : الفهم الدغمائيّ-التحريفيّ الخوجيّ مقابل الفهم الماركسيّ-اللينينيّ-الماويّ
ناظم الماوي
2020 / 11 / 27 - 11:39
- مقتطف 10 من " تعميقا لدحض أهمّ ترّهات حزب العمّال التونسي الخوجيّة الواردة في" الماوية معادية للشيوعية " - الجزء الثاني من الكتاب الأوّل من ثلاثيّة " حفريّات في الخطّ الإيديولوجي والسياسي التحريفي و الإصلاحي لحزب العمّال [ البرجوازي ] التونسي "
لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
و الروح الثوريّة للماوية المطوَّرة اليوم هي الخلاصة الجديدة للشيوعيّة – الشيوعيّة الجديدة
( عدد 38 - 39 / أفريل 2020 )
ناظم الماوي
ملاحظة : الثلاثيّة بأكملها متوفّرة للتنزيل بنسخة بى دى أف من مكتبة الحوار المتمدّن .
تعميقا لدحض أهمّ ترّهات حزب العمّال التونسي الخوجيّة الواردة في" الماوية معادية للشيوعية "
------------
(10)
الماديّة الجدليّة :
الفهم الدغمائيّ-التحريفيّ الخوجيّ مقابل الفهم الماركسيّ-اللينينيّ-الماويّ
" على الشيوعيّين أن يكونوا مستعدّين فى كلّ وقت للتمسّك بالحقيقة ، فالحقيقة ، أيّة حقيقة ، تتّفق مع مصلحة الشعب . و على الشيوعيّين أن يكونوا فى كلّ وقت على أهبة لإصلاح أخطائهم ، فالأخطاء كلّها ضد مصلحة الشعب . "
(ماو تسى تونغ ، " الحكومة الإئتلافية " ، 24 أبريل - نيسان 1945 ، المجلّد الثالث من " مؤلّفات ماوتسى تونغ المختارة " )
-------------------------------------------
مقدّمة :
كتابات أنور خوجا و تلميذه محمد الكيلاني صاحب كتيّب " الماوية معادية للشيوعية " تمكّننا من فقرات هامة تلخّص أسس إتّهاماتهم لماو تسى تونغ بأنّه لم يكن ماركسيا - لينينيا يدافع عن و المادية الجدلية يعتمدها منهجا في تفسير الواقع و تغييره فهو حسب رأيهم :
1- " يقر بالتطور فى شكل دائري ، دائري منغلق كسيرورة تموّجية تترجم بالمرور المتعاقب من التوازن إلى عدم التوازن ، من الحركة إلى السكون ، من الصعود إلى الإنحطاط ، من التقدم إلى التأخر إلخ" .
( أنور خوجا ، " الإمبيرالية و الثورة " ، الطبعة الفرنسيّة ، 1978؛ الصفحة 435)
2- " يرى المتناقضات بطريقة ميكانيكية كمظاهر خارجية و يرى تحولها كمجرد تبادل المظهرين ."
( المصدر السابق ، الصفحة 437 )
3- يجعل " من الوحدة القانون المطلق و إضطر لتبرير فكرته إلى تزوير لينين حين قال : " ...يمكن أن نعرف الجدلية كنظرية وحدة الأضداد " ليسهل عليه التخلص من قانون نفي النفي و يشكك فى إنقلس الذى عرفه بقانون التطور اللولبي " .
( محمّد الكيلاني ، " الماوية معادية للشيوعيّة "، الصفحة 16)
4- " و خلاصة القول فإن الجدلية الماوية يمكن تلخيصها فى الجمع الميكانيكي بين الأضداد و إضفاء النفعية على قانون الوحدة و الصراع الذى يحكم علاقتها "فإزدواج الواحد" يستعمله الماويون لقراءة ظواهر إجتماعية معينة منتقاة عن عمد لتبرير مواقف سياسية تتوافق و مصلحة هذا الفريق أو ذاك من الفرق التى تهيمن على السلطة . أما " جمع الإثنين فى واحد " فيستعملونه للجمع بين الخطوط فى الحزب الواحد أو للجمع بين البرجوازية و البروليتاريا فى المجتمع الإشتراكي ."
( المصدر السابق ، الصفحة 17)
أ- نهل من التحريفيين السوفيات ، أصحاب كتاب " نقد المفاهيم النظرية لماو تسى تونغ " :
مثل هذا الكلام لا فضل لا لخوجا و لا للكيلانى فى " إبداعه ". إنّه كلام سمعناه قبلا من لدن التحريفيّين السوفيات و الكيلاني ذاته دون أن يستحى من إعتباره لنفسه ماركسيا - لينينيا ، إستشهد أكثر من مرّة بمواقف - و أحيانا كلمات كما سنرى – التحريفيين السوفيات الواردة بالخصوص فى " نقد المفاهيم النظرية لماوتسى تونغ " المنشور بالعربية عن دار التقدّم فى 1974 أي قبل عقد ونصف العقد تقريبا من نشر" الماوية معادية للشيوعيّة ". ( أنظروا الإستشهادين :7، ص 14 و 14 ، ص18 )
وندعوكم إلى عقد مقارنة بين مفاهيم الخوجيّين و مفاهيم التحريفيين السوفيات ومن ثمّة عقد مقارنة بين مقولات الخوجيّين المفضوحين منهم و المتستّرين و إكتشاف الروابط الفكرية بينهم فقد ورد فى " نقد المفاهيم النظرية لماوتسى تونغ " :
1- الأضداد ماو " يعتبر إنتقالها المتبادل و تحوّلها المتبادل كمجرد تبديل الأماكن المتبادل ." (ص 46 )
2- " فوفقا لرأي ماو تسى تونغ ، تتبادل البروليتاريا الأماكن مع البرجوازية نتيجة لإنتصار الثورة الإشتراكية ". (ص47)
3- " و نتيجة لتفسير قانون وحدة و صراع الأضداد الذى يقدمه ماو تسى تونغ ، لا يفهم التطور كنفي الجديد للقديم، و إنما كتكرار بسيط لما تم ، و كحركة دائرية أو حتى كحركة ترجع إلى الوراء ." (ص48)
4- " ويتكون محتوى الفهم الماوى للتناقض من وضع الأضداد الخارجية الميكانيكي فى مواجهة بعضها البعض".
(ص48)
5- " و عموما فإن الجمع الميكانيكي البحت بين الأضداد الواضحة فى حد ذاتها لا يعنى على الإطلاق الجدلية العلمية ".(ص50)
6- " إن إحدى النقائص الجذرية " للجدلية " الماوية هي إنتقائيتها (التجميع الميكانيكي بين الآراء المختلفة ) و إنعدام الصلة المنطقية المتناسقة بين العناصر المختلفة . " (ص52)
7- " و تطبيق الموقف النفعي البراجماتي بالنسبة للجدلية يعنى تبرير أي أعمال سياسية عن طريقها . "(ص55)
8- " و يسعى ماو تسى تونغ بالإستناد إلى الفلسفة الماركسية - اللينينية أن يثبت التفسير الذاتي الذى لا علاقة له بالماركسية للتناقضات فى ظل الإشتراكية ". (ص60)
9- و لكي تبدو وجهة نظرهم ماركسية لجأ الماويون إلى إستخدام هيبة فلاديمير إيليتش لينين مفسرين بطريقتهم الفكرة اللينينية المعروفة عن " إزدواج الواحد ".
ب- وهو منهل للخوجيّين المتستّرين ( أصحاب"هل يمكن إعتبار ماو تسى تونغ ماركسيا – لينينيا ؟ " المهزلة )
و كتابات أنور خوجا و تلميذه محمّد الكيلاني حقيقة منهل للخوجيين المتستّرين في " بحثهم " المكتوب بعد فترة وجيزة من صدور كتيّب الكيلاني حيث كرّروا التهم عينها تقريبا :
1- " قول " وحدة الأضداد ، القانون الأساسي للديالكتيك " هو تحريف لقوانين المادية الجدلية " . (ص 10 من " هل يمكن ...؟ " ، النسخة الورقيّة )
2- إن فكرة التحول الذى ينفى خلاله أحد الضدين الآخر معدومة فى تنظيرات ماو و كذلك فكرة نفي النفي و التطور الحلزوني " .(ص 11)
3-" وهكذا يرى ماو أن التوجه الإنتهازي يمكن أن يكون طرفا ثانويا أو رئيسيا حسب الظروف ، مقابل الطرف النضالي ضمن الحزب الشيوعي و الطرفان يشكلان وحدة مادية يتصارعان ضمنها ، فيغلب الشق النضالي طورا و يتغلب الشق الإنتهازي طورا آخر. و هذا هو تغيير المواقع دون القضاء على الوجود المادي لأحد طرفي الظاهرة من منظور ماو تسى تونغ " . (ص12)
4- " على هذا الأساس، و حسب المفهوم الماوي للوحدة و الصراع ، فالزوجان المتناقضان فى صراع وحدوي :
مرّة "أ" حاكم و "ب" محكوم و مرة "أ" محكوم و "ب" حاكم و هكذا دواليك : حلقة مفرغة تصبح خلالها الوحدة هي القانون المطلق و الصراع هو العنصر الفرعي " .(ص13)
5- ماوتسى تونغ بدعوى أنّه يطبق " وحدة الأضداد " ، و من أجل تمرير مواقفه اليمينية حول الصراع الإيديولوجي داخل الحزب الشيوعي، يزعم أن لكل شيء طبيعة مزدوجة ، و يرى أن الإعتقاد بغير ذلك هو من باب التفكير الميتافيزيقي ".( ص 20)
6-" دعوة صريحة إلى التعايش الطبقي بين العناصر البروليتارية و العناصر الإنتهازية داخل حزب الطبقة العاملة." ( فقرة " النقد و النقد الذاتي أم التطهير إزاء العناصر الإنتهازية ؟ " )
-------------------------------------------------------------
عقب إثبات مصادر و منابع الآراء الدغمائيّة التحريفيّة الخوجيّة المشوّهة للماويّة ، ننكبّ على الردّ المقتضب قدر الإمكان على هكذا تشويهات و ترّهات خوجيّة .
1/ التطوّريّة و الجدليّة :
فى " فى التناقض " الذى خطّه ماو تسى تونغ سنة 1937 توضيحات ضافية و كافية تفضح إفتراءات التحريفيّين السوفيات منهم و الخوجيّين المفضوحين و المتستّرين :
" خلال تاريخ المعرفة البشرية كلّه كانت هناك وجهتا نظر حول قوانين تطوّر العالم ، هما وجهة النظر الميتافيزيقية و وجهة النظر الديالكتيكية اللتان تشكلان نظرتين متضادتين إلى العالم . و يقول لينين : " إن وجهتي النظر الأساسيتين ( أو الممكنتين ؟ أو المشاهدتين تاريخيا ؟ ) عن التطوّر (الإرتقاء ) هما : التطوّر كنقصان و إزدياد ، كتكرار، و التطوّر كوحدة الضدّين ( إنقسام الواحد إلى ضدّين متعارضين تربط بينهما علاقة متبادلة ) إنّ ما يعنيه لينين هنا هو هاتان النظرتان المختلفتان إلى العالم . "
( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 455)
ثم يسترسل ماو بعد بضعة أسطر و في الصفحة نفسها : " إن دعاة هذه النظرة [ الميتافيزيقية ] يعتبرون ...أنه إذا كانت هناك تبدّلات فإنّها لا تعنى سوى إزدياد أو نقصان فى الكمّية و تغيّر المكان ، و أن علّة هذا الإزدياد أو النقصان و ذلك التغيّر لا تقوم فى باطن الأشياء نفسها ، بل تقوم خارجها ، أي بفعل قوى خارجية ."
هذه ميزة من ميزات الميتافيزيقة التى سلّط عليها ماو تسى تونغ سياط نقده . و يسلّط ماو بعد ذلك سياط نقده على التطوّرية السوفياتيّة التى كان ديبورين يروّج لها فى ثلاثينات القرن العشرين و التى ناضل ستالين و الحزب الشيوعي السوفياتي ضدّها آنذاك :
" يبدو من المقالات التى نقدت فيها الأوساط الفلسفية فى الإتحاد السوفياتي مدرسة ديبورين أنّ هذه المدرسة تزعم أن التناقض لا يظهر منذ بداية عمليّة ما ، و إنّما يظهر عندما تكون العمليّة قد تطوّرت إلى مرحلة معيّنة . و بناء على ذلك فإنّ تطوّر العملية حتّى تلك اللحظة لا ينشأ عن الأسباب الباطنيّة ، بل عن الأسباب الخارجية . وهكذا يكون ديبورين قد عاد إلى نظرية الأسباب الخارجية، و نظرية الميكانيكية ، اللتين تنادى بهما الميتافيزيقا."
مهما علت أصوات التحريفيّين بالصياح بأنّ ماو تطوّريّ فلن تحجب حقيقة أنّ ما تسى تونغ إقتفى اثر لينين فى فهم التطوّرية و الميتافيزيقية و نقدهما من موقع مادي جدلي . و لا يفوتنا هنا أن نذكّر بأنّ هذا الكلام لماو تسى تونغ كتب سنة 1937 و وضع بين أيدي ستالين و الأممية الثالثة و نشر " فى التناقض" مثلا فى " كراسات الشيوعية " عدد7و8 ، آب 1952 ( جورج بوليتزار ، " أصول الفلسفة الماركسية " ، الصفحة 127 من المجلّد 1) . و الخوجيّون المفترون و المزوّرون للوقائع و الحقائق فى سبعينات القرن العشرين و ثمانيناته لم يتوصّلوا إلى مستوى فهم ماو المادي الجدلي فى ثلاثينات القرن الفائت !
2/ السبب الباطني و السبب الخارجي :
منذ الثلاثينات القرن الماضي و إلى آخر حياته ، نظريّا و عمليّا ، رفع ماو راية الفهم المادي الجدلي للسبب الباطني للتطوّر مناهضا الميتافيزيقية و التطوّرية . فقد أعلن بجلاء :
" العلّة الأساسيّة فى تطوّر الشيء إنّما تكمن فى باطنه لا خارجه ، فى تناقضه الباطني . و هذا التناقض الباطني موجود فى كلّ الأشياء وهو الذى يبعث فيها الحركة و التطوّر ".
( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 456)
و في الصفحة الموالية ، الصفحة 457 ، أكّد موقفا سليما للغاية هو " ينطبق نفس الشيء على المجتمع ، فإنّ تطوّره مشروط ، بصورة رئيسية ، بالأسباب الباطنيّة لا الخارجيّة ."
و " تغيّرات المجتمع ترجع فى الأساس إلى تطوّر التناقضات الباطنية فيه ، وهي التناقض بين القوى المنتجة و علاقات الإنتاج ، و التناقض بين الطبقات ، و التناقض بين القديم و الجديد ، و تطور هذه التناقضات هو الذى يدفع المجتمع إلى الأمام ، يدفع المجتمع الجديد لكي يقضي على المجتمع القديم ".
( المصدر نفسه ، الصفحة 457-458)
حسب الماديّة الديالكتيكيّة ، التغيّرات الطبيعيّة ترجع رئيسيا لتطوّر التناقضات الباطنيّة . و التغيّرات فى المجتمع الطبقي تعود هي الأخرى الى التناقضات الباطنيّة أي الطبقيّة . و الخط العام للتطوّر اللولبي رئيسيا يدفع المجتمع إلى الأمام غير أنّه ثانويا تحدث إنتكاسات و تراجعات ، و النموّ و التراجع وحدة أضداد من الممكن أن يتحوّل كلّ طرف فيها إلى نقيضه فى ظروف معيّنة . و ما شهده الإتّحاد السوفياتي بعد وفاة ستالين و ما شهدته الصين بعد وفاة ماو أمثلة على الجزر التاريخيّ بعد موجة المدّ الثوري التاريخيّة التى إفتتحتها ثورة أكتوبر المجيدة سنة 1917.
و إثر إقرار تلك المواقف الماديّة الجدليّة التي لا غبار عليها ، أثار ماو سؤال : " هل يستبعد الديالكتيك المادي الأسباب الخارجية ؟ كلاّ.
فالديالكتيك المادي يعتبر أن الأسباب الخارجيّة هي عامل التبدّل ، و الأسباب الباطنيّة هي أساس التبدّل ، و أن الأسباب الخارجية تفعل فعلها عن طريق الأسباب الباطنيّة . فالبيضة تتبدّل فى درجة حرارة ملائمة فتصير كتكوتا ، و لكن الحرارة لا تستطيع أن تحوّل حجرا إلى كتكوت ، لأنّ لكلّ منهما أساسا يختلف عمّا للآخر."
( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 358 )
" إن هذا التناقض الكامن فى باطن الأشياء هو العلّة الأساسيّة فى تطوّرها ، أمّا الصلة القائمة و التأثير المتبادل بين شيء و آخر فهي علّ ة ثانوية ".
(المصدر نفسه ، الصفحة 456)
هذا إذن ملخّص وجهات نظر ماو تسى تونغ حول السبب الباطني للتطوّر جدليّا . هو يقول بلا أدنى ظلّ للشكّ أن التناقضات الباطنيّة هي السبب الأساسي و الأسباب الخارجيّة عامل التطوّر غير أنّ الدغمائيّين التحريفيّين الخوجيّون الذين لا شغل لهم عدا النيل من الماويّة مهما كانت السبل ، مكرّرين كالببّغاء ما أخرجه التحريفيّون السوفيات من تشويه لماو تسى تونغ ، يزعقون بوقاحة من لا تهمّه الحقيقة في شيء و بلا خجل : " ماو تطوّري" !
وقائع التاريخ شاهدة على صحّة نظريّة و ممارسة ماو تسى تونغ و تزوير أعدائه للحقائق :
1- حملة نقد لين بياو و كنفيشيوس :
إنّ الفهم الماديّ الجدليّ الماويّ هو الذى قاد الشيوعيّين الصينيّين فى بداية سبعينات القرن العشرين إلى تنظيم تلك الحملة ول البلاد و عرضها و دحضهم لمقولة لين بياو " إصطناع التناقضات " و مقولات كنفيشيوس الذى كان يدافع عن أن إنحطاط العادات والموسيقى خلال ديناستى الزو ليس نتيجة الحركة الباطنيّة للنظام العبوديّ ذاته و إنّما سببه "رجال القلّة " ذوى الأخلاق غير السامية.
2- التعويل على الذات / الإعتماد على النفس :
و الفهم الماديّ الجدليّ ذاته حدى بماو لصياغة شعار " التعويل على الذات " إعتمادا على النظريّة القائلة بأنّ تطوّر الظواهر و الأشياء و السيرورات محدد ب"حركتها الذاتية " كما قال لينين فى " حول مسألة الديالكتيك " و أنّ السبب الباطني هو أساس التغيّر و قد شرح ذلك ماو مصرّحا : " نحن ندعو إلى الإعتماد على النفس . و نأمل فى العون الخارجي ، و لكن لا يجوز لنا التعويل عليه ، و إنّما نعوّل على جهودنا الخاصة ، على القوّة الخلاّقة فى الجيش كلّه و الشعب قاطبة ."
( "علينا أن نتعلم العمل الإقتصادي" - 10 يناير - كانون الثانى 1945 ، ( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة "، المجلّد االثالث / و الصفحة 206 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " )
و قد كانت هذه السياسة التى هاجمها الخوجيّون ، من قبل فى خمسينات القرن الماضي و ستّيناته و سبعيناته أحد أهمّ نقاط الجدال بين الماركسيين - اللينينيين من جهة و التحريفيّين السوفيات و من لّف لفّهم من جهة ثانية . فقد كان الثوريّون و على رأسهم ماو تسى تونغ ينشرون لدى كافة حركات التحرّر الوطني بالأساس شعار التعويل على الذات قبل كل شيء و كان التحريفيّون يعارضونهم داعين إلى فكرة أنّ حركات التحرّر لا يمكنها تحقيق مراميها إذا لم تعتمد على "إعانة " الإتّحاد السوفياتى و حلفائه .
3- ضد الخطّ الإنهزامي ّ:
و على قاعدة التمسّك بالماديّة الجدليّة الصحيحة ، صارع ماو تسى تونغ الخطّ الإنتهازي الذى ظهر داخل الحزب الشيوعي الصيني و خارجه إثر غزو اليابان للصين فى الثلاثينات . و قد تبيّن للصينيين من خلال الصراع أن " فلسفة العبوديّة تجاه الغرب " و " روح الإستعباد " التى تتنكّر للإطروحة الجوهريّة للديالكتيك المادي الذى يرى فى السبب الباطني أساس التغيير ، تبيّن لهم أنّها عماد خط سياسي إستسلامي يريد إخضاع الصين للهيمنة الإستعمارية اليابانية . و قد تمكّن الشيوعيّون الماويّون من إلحاق الهزيمة بهذا الخطّ الإستسلامي داخل الحزب و خارجه و واصلوا خوض حرب المقاومة ضد اليابان و التاريخ يشهد بأنّهم قادوا شعبهم للإنتصار على الإمبريالية اليابانية .
4- الصراع فى صفوف الحزب :
و تبعا للفهم العميق للمادية الجدلية و للسبب الباطني للحركة – التناقضات الباطنية المولّدة للتغيّر – و تطبيقا لشمولية التناقض و تلخيصا للتجارب السابقة للصراعات داخل الأحزاب الشيوعيّة ، أعرب ماو تسى تونغ عن :
" إنّ تضاد الأفكار المختلفة و الصراع بينها فى صفوف الحزب ينشأ على الدوام ، وهو إنعكاس داخل الحزب للتناقضات بين الطبقات و التناقضات بين القديم و الجديد فى المجتمع . و لا شكّ أن حياة الحزب ستتوقّف إذا خلا من التناقضات و من الصراع الإيديولوجي من أجل حلّ هذه التناقضات ."
( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 462 )
حياة الحزب و حركته الذاتيّة منبعها باطنيّ ، صراع الخطّين بما يعنيه من إمكانيّة تغيّر لون الحزب الشيوعي من حزب بروليتاري ثوري إلى نقيضه حزب برجوازي رجعيّ . و أفضل الأمثلة التى تحضرنا ما حدث للحزب الشيوعي السوفياتي بعد وفاة ستالين و ما حدث من صراعات خطّين عديدة قبل ذلك فى عهد لينين و ستالين و كذلك ما حدث فى الصين من تغيّر لطبيعة الحزب الشيوعي الصيني بعد عشر صراعات بين الخطّين ( أنظروا " عشر صراعات بين الخطّين " ) و إثر وفاة ماو حيث تحوّل الحزب البروليتاري الثوري إلى حزب برجوازي رجعي و كلّ ذلك بفعل صراعات الخطّين أي التناقضات الباطنيّة . و حتّى حزب العمل الألباني الذى أنكر السبب الباطني لتغيّر لون الحزب تحوّل إلى حزب برجوازي مفضوح أعاد تركيز الرأسمالية بفعل صراعات باطنيّة داخل الحزب و دون تدخّل ، غزو إمبريالي .
3 / التطوّر الحلزوني :
يُجلد ماو على أنّه : " يقرّ بالتطور فى شكل دائري ، دائري منغلق كسيرورة تموجية تترجم بالمرور المتعاقب من التوازن إلى عدم التوازن ، من الحركة إلى السكون ، من الصعود إلى الإنحطاط ، من التقدم إلى التأخر إلخ " حسب قول أنور خوجا في " الإمبرياليّة و الثورة " و الكيلاني يضيف إليه ( الصفحة 15 من " الماوية معادية للشيوعيّة ") أنّ ماو " ينكر التطوّر الحلزوني ". وبعد فترة قصيرة ، يأتي جماعة " هل يمكن إعتبار ماو تسى تونغ مركسيّا – لينينيّا ؟ " ليكرّروا على مسامعنا الفكرة عينها : " إن فكرة التحول الذى ينفى خلاله أحد الضدين الآخر معدومة فى تنظيرات ماو و كذلك فكرة نفي النفي و التطور الحلزوني " . ( الصفحة 11)
هنا لن ننطب فى التعمّق في الموضوع الذى عالجنا بالتفصيل فى بحوث آخر و إنّما سنقدّم نموذجا واحدا نظريّا يفنّد إدّعاءات الخوجيّين ، نستقيه من نهاية كرّاس لماو عنوانه " فى الممارسة العملية " المكتوب فى يوليو- تموز -1937 .
" إكتشاف الحقيقة عن طريق الممارسة العملية ، و إثبات و تطوير الحقيقة عن طريق الممارسة العملية مرّة ثانية . الإنطلاق من المعرفة الحسّية و تطويرها بصورة فعّالة إلى المعرفة العقليّة ، ثم الإنطلاق من المعرفة العقليّة لتوجيه الممارسة العمليّة الثوريّة بصورة فعّالة فى سبيل تغيير العالم الذاتي و العالم الموضوعي . الممارسة العمليّة ، ثم المعرفة ، و العودة إلى الممارسة العمليّة ثانية ، ثم المعرفة أيضا ، و هكذا تتكرّر إلى ما لا نهاية له ، و مع كل دورة يرتفع مضمون الممارسة العمليّة و المعرفة إلى مستوى أعلى . هذه هي كلّ النظرية المادية الديالكتيكية عن المعرفة ، وهذه هي النظرة المادية الديالكتيكية عن وحدة المعرفة و العمل . "
( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 451 )
" تطوير الحقيقة " و " تغيير العالم الذاتي و الموضوعي " و " و مع كلّ دورة يرتفع مضمون الممارسة العملية و المعرفة إلى مستوى أعلى" لا تفيد بتاتا تطوّر "دائري منغلق " إلاّ لدي الخوجيّين الميتافيزيقيّين المثاليّين الدغمائيّين التحريفيّين الذين لا يتورّعون عن قلب الحقائق رأسا على عقب و توزيع التهم جزافا.
4- " إزدواج الواحد " و " جمع الإثنين فى واحد " :
و يمرّ محمّد الكيلاني تلميذ أنور خوجا على هذين المفهومين مرّ اللئام ( لا الكرام ) ، فيذكرهما و يوبّخ ماو مثل معلّمه [ معلّم الكيلاني ] خوجا ، على أنّه يستغل المفهومين إستغلالا إنتهازيّا . نتوقّع منه تشريحهما و تفكيكهما و التفريق بينهما لكن و لبؤس الفكر القائد له لا ينبس ببنت شفة . غايته التعمية و تغييب جوهر المسائل كجزء من خدعة إنتهازيّة خوجيّة صارت معروفة عالميّا . و لئن لم يخطّ الإنتهازي موقفا فلا يعنى ذلك أنّه محايد حيث لا مكان للحياد . سنرى معا الموقف الخوجي جليّا في قادم الفقرات .
يعلّمنا لينين : " إنّ إزدواج ما هو واحد و معرفة جزئيه المتناقضين ( راجعوا "هيراقليت" ،لاسال ، رأي فيلون بهيراقليت ، فى مطلع القسم الثالث ، " فى المعرفة " ) يشكّلان جوهر الديالكتيك ( أحد "جواهره " ، إحدى خصائصه أو ميزاته الرئيسية ، إن لم تكن خاصته الرئيسية ). "
و " إنّ مفهومي ( أو المفهومين الممكنين ؟ أو المفهومين الذين يعطيهما التاريخ ؟ ) التطوّر الأساسيّين هما : التطوّر بوصفه نقصانا و زيادة ، بوصفه تكرارا ، و التطوّر بوصفه وحدة الأضداد ( إزدواج ما هو واحد ، الى ضدّين ينفى أحدهما الآخر ، و علاقات بين الضدين ). "
( " حول الديالكتيك " - المختارات فى 10 أجزاء ، المجلد الرابع ، الصفحة467 و 468 تباعا )
مقولة " إزدواج ماهو واحد " هي "جوهر الديالكتيك "و"خاصته الرئيسية " و" إزدواج ما هو واحد " هو " وحدة الأضداد " أي هو التناقض . و الخوجيّ لا يعيرها الإنتباه الذى تستحقّ شرحا و تلخيصا فضلا عن أنّه يسوّى بينها وبين " جمع الإثنين فى واحد " نقيضها كلّيا . هو يضع فى نفس السلّة ما هو جدليّ و ما هو ميتافيزيقي و يحرّف بالتالي اللينينيّة فى خضمّ حملته الشعواء ضد الماويّة .
الخط الأساسي للحزب طوال مرحلة دكتاتوريّة البروليتاريا :
" إزدواج الواحد " هو المبدأ النظري للخط ّالأساسي للحزب الشيوعي الصيني لمرحلة دكتاتورية البروليتاريا فى ظلّ قيادة الرئيس ماو . هذا المبدأ عند تحليل المجتمع الإشتراكي أوصل إلى إعتبار التناقض الرئيسي قائم بين البروليتاريا و البرجوازية . و حيث يوجد تناقض يوجد صراع و من ثمّة إمكانية تماثل الضدّين بمعنى تحوّل طرفي التناقض الواحد إلى الآخر ( البروليتاريا من طبقة مهيمنة 1956-1976إلى طبقة مهيمَن عليها من قبل البرجوازية الجديدة ، بعد إنقلاب 1976 بالصين ). و لذلك خاض الشيوعيّون الماويون صراعات مجيدة ضد خطر إعادة تركيز الرأسمالية النابع من التناقض الباطنيّ للمجتمع الإشتراكي ( تناقضات عمل يدوي /عمل فكرى – و ريف/ مدينة و- بروليتاريا / فلاحين و الحق البرجوازي ) و من التناقض الباطني للحزب الشيوعي : صراع الخطّين . و مكّنت قمّة تلك الصراعات الثورية ، الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى كوسيلة و طريقة لمواصلة الثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا ، مكّنت إضافة إلى إبقاء السلطة بين أيدى البروليتاريا لعشرية أخرى و تثوير المجتمع محقّقة " أشياء إشتراكية جديدة " ، من رفع الوعي الطبقي للشعب و تغيير نظرة عدد كبير للعالم من وجهة نظر البروليتاريا و كذلك من الإطاحة بزمرتين تحريفيّتين كانتا ماسكتين بجزء من السلطة فى دواليب الدولة و الحزب هما زمرة ليو تشاوشى و زمرة لين بياو .
و لأن هذا الخطّ الأساسي للحزب الشيوعي الصيني بقيادة الشيوعيّين الماويّين يتناقض كلّيا مع فهم و خطّ الخوجيّين للمجتمع الإشتراكي الزاعم لوجود صراع طبقي دون وجود للبرجوازية ، يتجاهل الخوجيّون الموضوع و يذرّون الغبار عليه نشرا منهم للجهل .
" جمع الإثنين فى واحد " مقولة معادية للماديّة الجدليّة :
" جمع الإثنين فى واحد " هو الأساس الفلسفي الذى إعتمده أتباع الطريق الرأسمالي الذين تمّت الإطاحة بهم . فى إطار الصراع المحتدم على الجبهة الفلسفيّة ، تقدّم أحد أتباع ليو تشاوشى رمز البرجوازية الجديدة داخل الحزب و الدولة و المسمى " خروتشوف الصين "، تقدّم يانغ سيانغهان ، فى 1962 ، لينعت " إزدواج الواحد " بأنّه فلسفة " معادية للإنسانية " و روّج للأطروحة الرجعية " جمع الإثنين فى واحد " .
فى الحقبة عينها كان لين بياو ينشر أفكارا فى الإتّجاه ذاته لكن تحت غطاء آخر حيث كان يبثّ أنّ " إزدواج الواحد " لا يتضمّن " مفهوم الوحدة " لذلك إنتهى طبعا إلى الدفاع عن " جمع الإثنين فى واحد " ( راجعوا بهذا المضمار الكتاب الصيني الماويّ " حول المادية الديالكتيكية " بالفرنسية 100E، باريس1975 )
و كان يانغ يؤكد على الملأ أنّ " كل الأشياء و كلّ الظواهر متّحدة بشكل غير قابل للإزدواج " و من ناحيته مرّر لين بياو خفية صياغات " يجب منع الأضداد من تجاوز حدودها " " من أن تتكسر الوحدة " .
و بالفعل إعتبرت الماديّة الجدليّة الصحيحة الماويّة و لا تزال أنّ الأشياء مترابطة و فى وحدة لكنّها أكّدت أن الروابط تنفصم و أنّ الوحدة تنكسر إذ هي نسبيّة و مؤقّتة . " إن إتّحاد الضدّين مشروط و مؤقّت ونسبيّ ، بينما الصراع بين ضدّين متعارضين هو مطلق " ( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 496) و ( في الصفحة التالية ، صفحة 497 ) : " إن الوحدة المشروطة النسبيّة تشكّل مع الصراع المطلق غير المشروط حركة التناقض فى جميع الأشياء ". و عليه الوحدة عابرة ، ظرفية و ليست مطلقة فلا وجود ل" ترابط غير قابل للإزدواج " . و إنكسار الوحدة القديمة وحلول الوحدة الجديدة يتمخّض عن الصراع المطلق منبع التحوّلات و التغيّرات .
"جمع الإثنين فى واحد " و المجتمع الإشتراكي :
تبعات تطبيقات الأطروحة التحريفية على المجتمع الإشتراكي هي أنّ العلاقات بين المستغِلين و المستغَلين لا يمكن أن تكون سوى " مرتبطة بصورة غير قابلة للإنفصام " و العلاقات بين الإمبريالية و الشعوب، و بين العمال و البرجوازية ... صلبة لا تنفصم عراها . و يغيب الصراع الذى عيّنه ماو تسى تونغ و عيّنته الماديّة الجدليّة الصحيحة على أنّه مطلق ، يغيب جملة و تفصيلا . إذا كانت الوحدة لا تقبل الكسر فكيف نفسّر التاريخ ؟ أليس التاريخ صراع طبقات ، كما قال ماركس و إنجلز فى " بيان الحزب الشيوعي" ، يولّد مجتمعات جديدة ؟
و فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا تفيد الأطروحة التحريفيّة إنكار الطبقات و التناقضات الطبقيّة و الصراع الطبقي فتمحى بجرّة قلم أن التناقض الرئيسي المحرّك لدكتاتورية البروليتاريا هو التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية الجديدة أساسا . و يعوّض التحريفيّون هذا التناقض الأخير بمبدأ تحريفي إقتصادوي :" التناقض الرئيسي بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج " كما حاول نشره خروتشوف الصين ، ليو تشاوشى . ونقد ماو لهذا التحريف نعثر عليه بالمجلد الخامس من " مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " الطبعة الفرنسية .
" جمع الإثنين فى واحد " والحزب الشيوعي :
و على مستوى الحزب يعنى " جمع الإثنين فى واحد " إنتفاء الصراعات بين الخطّين . يقدّس التحريفيّون الوحدة على أساس أنّ ذلك يتركهم بعيدا عن النقد و إن لزم الأمر طردهم من الحزب. إنّهم وراء ما عرضه ليو تشاوشى ضمن مؤلفه السيئ الصيت " كيف تكون شيوعيّا جيّدا " أين روّج لفكرة " وضع الحزب فوق كل شيء " أي الطاعة العمياء للكوادر الدنيا و الوسطى للكوادر العليا بغضّ النظر عن الخطّ الذى يكرّسون . وهذا يتناقض على طول الخطّ مع موقف الشيوعيّين الماويّين الذين يشدّدون على وضع السياسة فى دفّة القيادة و على " صحّة أو عدم صحّة الخط الإيديولوجي هي المحدّدة فى كلّ شيء " و على مبدأ " السير ضدّ التيّار" .
ماو تسى تونغ يدحض مقولة " جمع الإنين فى واحد " :
و فى إرتباط وثيق بذلك طرحت للنقاش علاقة التحليل و التأليف كعملية جدليّة للتناقض فعبّر يانغ ممثّل ليو تشاو شى فى حقل الفلسفة عن أنّ التحليل " إزدواج الواحد " بينما الخلاصة / التأليف هي " جمع الإثنين فى واحد " ( أنظروا " ثلاث صراعات كبرى فى الجبهة الفلسفية " ، ص49 ) . وجهة النظر هذه معناها أنّنا عند مقاربة تناقض ما علينا أن نرى إلى طرفي التناقض و حينما نودّ أن نجد حلاّ للتناقض – التأليف – نجمع الطرفين فى واحد هو النقطة المشتركة أو النقاط المشتركة . هذه النظرة التوفيقيّة مناهضة للماديّة الجدليّة .
ف" الفلسفة الماركسية تعلمنا أن التحليل و التأليف قانون موضوعي للأشياء و فى الآن ذاته طريقة ليفهم الشعب الأشياء . التحليل يبيّن كيف أنّ الوحدة تزدوج إلى جزئين مختلفين و كيف أنّها متشابكة فى صراع ، و الخلاصة تبيّن كيف أنّ ، عبر الصراع ، بين الطرفين المتناقضين ، يهيمن طرف و يهزم و يلغى الآخر و كيف أنّ تناقضا قديما يحلّ و تناقضا جديدا يظهر وكيف أنّ شيئا قديما يُلغى و شيئا جديدا ينتصر فى كلمة ، الخلاصة تعنى يبتلع طرف الطرف الآخر." ( المرجع السابق ، الصفحة 60-61)
لبّ المسألة هنا هو الصراع الطبقي فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا . ففى حين يعمل الثوريّون على معالجة التناقض بروليتاريا / برجوازية عبر الصراع فتبتلع البروليتاريا البرجوازية ليولد مجتمعا شيوعيّا خاليا من الطبقات ، يسعى التحريفيّون إلى جمع الطبقتين منتهين إلى إعلان "إنتهاء الصراع الطبقي" فى المرحلة الإشتراكية .
بطريقة مباشرة ، دقيقة و نافذة تحدّث ماو تسى تونغ عن فحوى التأليف/الخلاصة قائلا :
" لقد شاهدتم كلّكم كيف أنّ الضدّين الكومنتنغ و الحزب الشيوعي تمّ بينهما التأليف على أرض الواقع . التأليف حدث على النحو التالي : أتت جيوشه و إلتهمناها ، أكلناها قطعا ، لم يحصل جمع الإثنين فى واحد مثلما يعرض ذلك يانغ ، لم يحصل تأليف ضدّين يتعايشان سلميّا . بعد التحليل كيف نلخّص ؟ إذا أردتم الذهاب إلى مكان ما تذهبون مباشرة ، نحن نبتلع جيشكم لقمة ، لقمة ...هكذا تم التأليف ... شيء يبتلع الآخر ، السمك الكبير يأكل السمك الصغير ،هذا هو التأليف. لم يوضع هذا أبدا فى الكتب . لم أضع ذلك أبدا هكذا فى كتب أنا أيضا . من جهته ، يانغ يعتقد أنّ الإثنين يجمعان فى واحد وأن التأليف هو العلاقة العضويّة بين الضدّين . أي علاقات عضوية هنالك فى هذا العالم ؟ يمكن أن توجد علاقات لكن فى الأخير يجب أن تنفصم . ليس هنالك أي شيء لا يمكن أن ينفصم ".
(خطاب فى آب 1964، " حول مسائل الفلسفة " فى كتاب إستوارد شرام ، " ماو يتحدّث إلى الشعب " ، منشورات الصحافة الفرنسية )
و مع ذلك يلحّ الخوجيّون إلحاحا على الإدّعاء زورا و بهتانا بأنّ ماو حاول التوفيق بين البروليتاريا و البرجوازية و أنّه جعل من الوحدة الطرف المطلق فى التناقض و أنّه يرى التماثل تبادلا للمواقع لا غير . هذا الهذيان الخوجي المقيت المناهض لعلم الشيوعيّة يذكّرنا بهذيان مريض علت جدّا درجة حرارته !
5- الوحدة و الصراع بين طرفي التناقض :
" الوحدة ، الإتحاد ، التطابق ، التداخل ، التمازج ، الإعتماد المتبادل (أ و الإعتماد المتبادل فى البقاء ) ، الترابط أو التعاون – هذه العبارات المختلفة جميعا تعنى فكرة واحدة و تقصد هاتين النقطتين التاليتين : أوّلا ، أنّ كلّ طرف من طرفي التناقض فى عمليّة تطوّر شيء ما يستلزم وجود الطرف الآخر المتناقض معه ، كشرط مسبّق لوجوده هو ، و أنّ الطرفين يتواجدان فى كيان واحد ، ثانيا ، أنّ كل طرف من الطرفين المتناقضين يتحوّل ، تبعا لعوامل معيّنة ، إلى نقيضه . و هذا ما يقصد بالوحدة .
لقد قال لينين : " إن الديالكتيك هو النظرية التى تدرس كيف يمكن لضدين أن يكونا متّحدين ، و كيف يصيران متّحدين ( يتبدلان فيصيران متحدين) – فى أية ظروف يكونان متّحدين ، و يتحوّل أحدهما إلى نقيضه – و لماذا ينبغى للفكر الإنساني ألا ينظر إلى هذين الضدّين كشيئين ميّتين جامدين ، بل كشيئين حيّين مشروطين قابلين للتبدّل و لتحوّل أحدهما إلى نقيضه."
( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 489 )
و يحلّل ماو ذلك إنطلاقا من أمثلة من التاريخ و الواقع الملموس و عقب ذلك تطرّق إلى العلاقة بين الوحدة و الصراع بين طرفي التناقض :
" لقد قال لينين : " إنّ إتّحاد ( تطابق ، وحدة ، تواحد ) الضدين مشروط ، مؤقت ، عارض ، نسبي . أما صراع الضدّين المتعارضين فهو مطلق ، تماما كما أنّ التطوّر و الحركة مطلقان ." ( المصدر السابق ، الصفحة 495)
ثم بعد بضعة أسطر، في الصفحة الموالية ، ينتهى الى أن :
" إتّحاد الضدّين مشروط و مؤقت و نسبيّ ، بينما الصراع بين ضدّين متعارضين هو مطلق... و لما كانت وحدة الضدّين لا تتحقّق إلا بوجود عوامل معيّنة ، قلنا أنّ الوحدة مشروطة و نسبيّة . ثم أضفنا أنّ صراع الضدّين يسرى فى العمليّة من البداية حتّى النهاية و يسبّب تحوّل عمليّة إلى عمليّة أخرى ، و أنّ صراع الضدّين موجود فى كلّ شيء ، لذلك نقول إنّ صراع الضدّين غير مشروط و مطلق ."
هذه الفقرات الواضحة وضوح الشمس فى كبد السماء تغنينا عن التعليق و تجعل أكاذيب الخوجيّين القائلة بأنّ ماوتسى تونغ جعل من الوحدة شيئا مطلقا تتلاشى هباءا منثورا .
من وقائع الصراع الطبقي فى الصين :
قاد ماو تسى تونغ الشيوعيّين الماويّين فى تطبيق قانون وحدة الأضداد /التناقض فى الصراع الطبقي . فكان الصراع ، فى علاقة البروليتاريا بالبرجوازية الوطنية خلال الثورة الديمقراطية الجديدة ، هو المطلق و كانت الوحدة نسبيّة ، ظرفيّة . و حتّى حين تحالف الشيوعيّون مع الكومنتانغ لم يكفّوا عن خوض الصراع ضدّه و لم يتخلّوا عن إستقلاليّتهم الإيديولوجيّة و التنظيميّة ( للمزيد ، الرجاء الرجوع إلى " فى الإستقلالية و العمل الذاتي فى الجبهة الموحدة " -5 نوفمبر 1938 – و بصدد الصراع مع البرجوازية الوطنية أثناء فترة الديمقراطية الجديدة ، يوفر المجلّد الخامس من "مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " الطبعة الفرنسيّة ، المعلومات اللازمة و أما ممارسة دكتاتورية البروليتاريا و مواصلة الثورة من 1956إلى 1976 ف"تاريخ الثورة الثقافية البروليتارية فى الصين " لجون دوبيه ، دار الطليعة ، يفى بالغرض ).
وعلى عكس ستالين و ماو تسى تونغ يسوّق الخوجيّون لخطّ سياسي يعتمد على أنّه لا يمكن التحالف مع البرجوازية الوطنية فى الثورة الوطنية الديمقراطية وأنّه حالما يصل تحالف العمّال و الفلاّحين الفقراء (فقط) للسلطة يمرّون مباشرة إلى القضاء على الرأسماليّة و كأنها ثورة إشتراكية . و هذا بلا لفّ و دوران دمج تروتسكي لمرحلتين فى مرحلة واحدة .
و ينكر الخوجيّون الثورة و البناء الإشتراكي فى الصين و يمحوهما بجرّة قلم و بكلمتين يرتاح ضميرهم من التجربة الماويّة و الصراع الطبقي فى الصين . ولا يولون إهتماما للثورة الثقافية سوى ليقدحوا فيها معتبرينها " صراع قصر " فهم يفهمون التاريخ على أنّه تآمر وليس صراع طبقات !
و إن أشاروا إلى أسماء أتباع الطريق الرأسمالي فى الصين أدمجوهم بكلّ بساطة مع الماويّين فهم يرون الوحدة و لا يرون الصراع . لا يدرك الدغمائيّون التحريفيّون الجانب الثاني من وحدة الضدّين ألا وهو جانب تماثل الأضداد أي إمكانية تحول طرفي التناقض الواحد إلى الآخر ( إضافة إلى ترابطهما ) . لا يفهمون إمكانيّة تحوّل الطبقة العاملة من طبقة مهيمِنة على البرجوازية – وهو حالها فى الصين إلى حدود إنقلاب 1976 – إلى طبقة مهيمَن عليها فيتحوّل المجتمع من مجتمع إشتراكي إلى مجتمع رأسمالي .
إنّهم ينهون أمر الصين الماويّة بحلّ في غاية البساطة و المثاليّة الذاتيّة ألا وهو نكران الواقع صراعا طبقيّا و صراع خطّين . و هذه منهم مثالية و ميتافيزيقا تضربان فى الصميم الماديّة الجدليّة و علم الشيوعيّة و تقدّمان أجل الخدمات للبرجوازية الجديدة فى المجتمع الإشتراكي .
الحزب الشيوعي و التناقض فى صفوفه :
فى صفوف الحزب الشيوعي توجد تناقضات هي أصل و منبع حركته و مصدر حياته إذ كما يؤكّد إنجلز : " الحركة نفسها هي التناقض" و" إن الحياة تعنى بالتحديد و قبل كل شيء : أن الشيء الحي هو ، فى كلّ لحظة ، ذاته ، و لكنه فى نفس الوقت شيء آخر أيضا . فالحياة إذن هي أيضا تناقض قائم فى الأشياء و العمليّات ذاتها ، وهو ينشأ و يحلّ نفسه بإستمرار ، و حالما يتوقف هذا التناقض تتوقّف الحياة أيضا و يحلّ الموت ."
( إنجلز ، ذكره ماو ، " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 489)
أمّا الخوجيّون الذين يتحدّثون عن صراع الأفكار فقط فلا يقبلون بأن التناقض هو محرّك حياة الحزب و يعتبرون أن التناقضات لا تظهر سوى فى مرحلة معيّنة من تطوّره و بذلك يكشفون عن تطوّريتهم هم و إتّباعهم ديبورين فى تضارب مع ماو الذى أعرب عن أن التناقض موجود من بداية السيرورة إلى نهايتها : " ظهور صراع خطي فى صلب الحزب أمر وارد ، إذا لم يعرف كيف يعالج أخطاءه و نقائصه ، وإذا لم يقاوم الآراء و الأفكار الإنتهازية وهي فى المهد ، لكن هذا لا يعنى القبول بها كقانون موضوعي يحرك الحزب ." ( " الماوية معادية للشيوعيّة " ، الصفحة 25). فما قول الجماعة بمضمار ما حصل فى ألبانيا ما بعد أنور خوجا ؟ هل تخاذل الخوجيّون فى مقاومة الأفكار الإنتهازيّة أم لم يعرفوا كيف يعالجوا أخطاءهم و نواقصهم ؟ و متى تحوّل الصراع إلى صراع خطّين ؟ و كيف تم ّ ذلك ؟ الخ ما رأي الخوجيّين وقد أثبت التاريخ خطل تنظيراتهم ؟
و كثيرا ما يستعملون كلمة "الحزب وحدة صماء " فيغلّبون جانب الوحدة التى تصبح بهذه الصفة مطلقة – عكس الفهم المادي الجدلي اللينيني و الماوي – وذلك بإسم " النقاوة الإيديولوجية " و كأنّ المسألة إراديّة و ليست مسألة موضوعيّة ينطبق عليها " الحركة نفسها هي تناقض " ( إنجلز ) و " ليس ثمة شيء ليس به تناقض ، و لو لا التناقض لما وجد شيء ". (ماو ، " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 461) . و إن تمّ صراع فإنّه يتمّ عبر النقد و النقد الذاتي و ينسون أن النقد والنقد الذاتي طريقة و أسلوب من أساليب عمل الحزب و فى موضوع الحال أسلوب تصحيح الأخطاء بين الرفاق و ليس هو صراع الخطّين كتناقض موضوعي موجود من البداية إلى النهاية ، محرّك للحزب و السبب الباطني لحياته .
سبب التغيّرات فى طبيعة الحزب الشيوعي من شيوعي إلى برجوازي بالنسبة للخوجيّين هو أساسا خارجيّ أي إندساس عناصر برجوازيّة و غزو خارجي و لكن الأحداث التاريخيّة ، حتّى الألبانيّة منها ، كذّبت أطروحاتهم التحريفيّة .
خاتمة :
و نختم بالإجاب على سؤال في منتهى الأهمّية بعدما عرّينا مدى نهل الخوجيّة من أطروحات التحريفيّة السوفياتيّة : فيما يتّفق الدغمائيّون التحريفيّون الخوجيّون المفضوحون منهم والمتستّرون مع التحريفيّين الصينيّين في مل يتّصل بجوانب من الماديّة الجدليّة ؟
أهمّ نقاط الإلتقاء و التقاطع المكشوفة فى ما حلّلناه أعلاه نجملها كما يلى :
1- " لا وجود لتناقضات طبقيّة تناحريّة فى ظلّ الإشتراكية " ، مقولة يدافع عنها كلّ التحريفيّين و منهم التروتسكيّين و التحريفيّين السوفيات إضافة للصينيين و الخوجيّين المفضوحين منهم و المتستّرين . فى المجتمع الإشتراكي ، لا وجود سوى لطبقات صديقة و إن تميّز أنصار خوجا بالحديث عن الصراع الطبقي فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا فإنّ صراعهم الطبقي يجري دون طبقات متناحرة فالبرجوازية غير موجودة . ويتطوّر المجتمع الإشتراكي ، حسب رأيهم ، نتيجة تناقض قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج و التاريخ عندئذ ليس صراع طبقات . بهذه المقولة يخدع التحريفيّون الجماهير الشعبية وعلى رأسها البروليتاريا لكي لا تقاوم البرجوازية الجديدة داخل أجهزة الحزب و الدولة . و يجرى إبعاد الطبقة العاملة و الجماهير الكادحة عن حلبة الصراع الطبقي و يحدّد نشاطها فى العمل الإنتاجي و يسهّل إنتشار تأثير التحريفيّين العاملين على إعادة تركيز الرأسمالية و فى النهاية يتم لهم ما أرادوا . و هو ما حصل فى ألبانيا .
الشيوعيّون الماويّون ، على النقيض منهم ، يعيّنون ، بفضل فهم عميق للماديّة الجدليّة كما طوّرها لينين وماوتسى تونغ ، التناقض الرئيسي طوال المرحلة الإشتراكيّة كتناقض بين البروليتاريا و البرجوازيّة . و الصراع الطبقي موضوعيّ تخوضه البروليتاريا و حلفائها ضد البرجوازيّة القديمة و بخاصة ضد البرجوازيّة الجديدة داخل الحزب والدولة ذات البرنامج الهادف لإعادة تركيز الرأسماليّة و هذه البرجوازيّة الجديدة تنبع من تناقضات المجتمع الإشتراكي نفسه لا سيما الحقّ البرجوازي و التناقضات :عمل يدوي / عمل فكري و، بروليتاريا / فلاحين ، و ريف / مدينة . و بذل الشيوعيّون الماويّون جهدهم للنضال من أجل تثوير المجتمع بقوى إنتاجه و علاقاته الإنتاجيّة محاصرة للطريق الرأسمالي و تعميقا للطريق الإشتراكي و توسيعا للمشاركة الجماهير فى تسيير الدولة و فى العمل الفكري وصولا إلى حلّ التناقضات المولّدة للطبقات : تقسيم العمل يدوي/ فكري و عمال/ فلاحين و ريف/ مدينة و تجاوز الحقّ البرجوازي بحلول المجتمع الشيوعي .
2- لا وجود لصراع خطّين داخل الحزب رهانه مصير الحزب بمعنى لونه و طبيعته : أن يظلّ شيوعيّا ثوريّا أم يتحوّل إلى نقيضه فيمسي تحريفيا يخدم البرجوازية الجديدة منها و القديمة . وحدة الحزب وحدة صماء و الحزب النقي إيديولوجيا بإمكانه الحيلولة دون تحوّل الصراع الإيديولوجي إلى صراع خطّين بيقضته و مقاومته الإنتهازية منذ البداية . هكذا يفهم الخوجيّون حياة الحزب . بينما تعترف الماديّة الجدليّة الماوية بأنّ التناقض هو السبب الباطني للحركة الذاتيّة للحزب ، حياته و بدون تناقض لا وجود لأي شيء . فصراع الخطّين هو هذا التناقض الذى يجب دراسته و من ثمّة خوض الصراع بين الخطّين بوعي شيوعيّ صيانة للخطّ الثوريّ و تطويرا له خدمة للثورة البروليتارية العالمية و الهدف الأسمى ، الشيوعية على الصعيد العالمي .
3- كافة التحريفيّين ترعبهم وسيلة و طريقة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا : الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى . إنّها الوسيلة التى إستخلصت من الصراع الطبقي الذى خاضته البروليتاريا العالمية و بيّنت الممارسة العمليّة نجاعتها فى إسترجاع البروليتاريا للسلطة أو أجزاء السلطة التى إغتصبها التحريفيّن ممثّلو البرجوازية الجديدة فكرا و برنامجا و أطاحت بزمرتين تحريفيّتين و أبقت الصين على الطريق الإشتراكي لعقد آخر و كذلك رفعت وعي الجماهير و مشاركتها في تغيير العالم الموضوعي و الذاتي و ممارستها السلطة و دكتاتوريّتها على البرجوازية على كافة المستويات ؛ و غيّرت نظرة الكثيرين إلى العالم من وجهة نظر البروليتاريا ، دافعة المجتمع الصيني إلى الأمام صوب الشيوعيّة فكانت قمّة ما بلغته الإنسانيّة في سيرها نحن الشيوعيّة . هذه الوسيلة أربكتهم جميعا إذ هي طريقة لتعريتهم التحريفيّين و إسترجاع أجزاء السلطة المغتصبة من قبل البرجوازية الجديدة داخل الحزب و الدولة و من هناك الحيلولة دون إعادة تركيز الرّأسماليّة و المضيّ قدما صوب الشيوعيّة .
و كخاتمة للخاتمة نشدّد على حقيقة أنّه رغم ما أضافه لينين بنفاذ رؤيته للديالكتيك فى " دفاتر فلسفية " ، لم يفته أن يؤكّد على ضرورة تعميق النظر فى القانون الجوهري و الأساسي للديالكتيك ألا وهو قانون التناقض / وحدة الأضداد : " يمكن تلخيص الديالكتيك و تعريفه بأنّه نظرية وحدة الضدين . و بذلك نستطيع الإمساك بلبّ الديالكتيك ، غير أن هذا يتطلّب إيضاحا و تطويرا " .
( ذكره ماو ، " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 501 )
فما كان من ماو وقد أملت عليه ظروف الصراع الطبقي و تطوّر الحزب الشيوعي الصيني ممارسة و تنظيرا إلاّ أن تصدى للمهمّة بإقتدار ما سمح له بتحقيق قفزة نوعيّة و إضافات فى فهم القانون الجوهري للديالكتيك ، لا سيما التناقض و من ثمّة طوّر الماديّة الجدليّة و مرّة أخرى سيفسح هذا المستوى النظري الأرقي المجال لممارسات و تنظيرات أرقي فى تجربة الثورة الديمقراطية الجديدة و الثورة الإشتراكية فى الصين و عبر العالم .
مكّنت سيرورة الصراع الطبقي من تطوير الديالكتيك و الديالكتيك المستوعب بشكل أعمق عبّد و سيُعبّد الطريق لممارسة أرقى فى علم الشيوعيّة الذى ما إنفكّ يتطوّر مذّاك ليبلغ في يومنا هذا الشيوعيّة الجديدة أو الخلاصة الجديدة للشيوعيّة و مهندسها بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة .
------------------------------
" إنّ واجب الشيوعيّين بالضبط هو فضح فكرة الرجعيّة و الميتافيزيقا المغلوطة هذه ، و نشر الديالكتيك الكامن فى الأشياء ، و العمل على التعجيل بتحوّل الأشياء حتّى يحقّقوا أهداف الثورة ".
( ماوتسى تونغ ، " فى التناقض " ، " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 493)