هل سينهي بايدين الأزمة السياسية المستمرة؟

الرابطة الأممية للعمال
2020 / 11 / 25 - 10:06     

بواسطة منظمة “صوت العمال”

فرع “الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة” في الولايات المتحدة الأميركية

نعلم أن سياسات الولايات المتحدة تغيرت جذريا منذ العام 2016. أزمة شرعية النظام الحزبي الثنائي، وحزبيه اللذين بدا في نهاية ولاية أوباما الثانية أنهما متشابهين للغاية، تم تجاوزها لحظيا ببروز بيرني ساندرز والحركة الاشتراكية الديمقراطية، (تجسدت بتنامي الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا والشعبية الجديدة لنسخة باهتة من “الاشتراكية”). إضافة إلى ذلك، تجسدت الأزمة في اليمين ببروز ترامب والترامبية، التي يمكن القول إنها شعبوية يمينية فتنت الفقراء البيض الذين يشعرون بإهمال النظام لهم. الفترة الأولى لولاية ترمب لم تحل هذه الأزمة، بل على العكس، تنامى الاستقطاب في الطبقة العاملة، وكذلك تنامى التحشيد، بتظاهرات جماهيرية تاريخية في مرحلة ما بعد الانتخابات. (المسيرة النسائية في 2017 وسجل الإضرابات الحافل في 2018، و2019، وتمرد أيار- حزيران الجماهيري الأعظم، الذي تبع مقتل جورج فلويد). انتخابات العام 2020 كانت تهدف إلى تجديد ثقة الشعب الأمريكي بالنظام المتهشم للديمقراطية الليبرالية والرأسمالية. هل نجح بايدن وهاريس في توجيه النضالات إلى النظام الانتخابي لاستعادة شرعية النظام الديمقراطي البرجوازي؟ جزئيا، ولكن ليس كليا، ومن الواضح أن الصراع الطبقي سيكون هو العامل الحاسم. ولا داعي للقول إنه كان هناك مشاركة قياسية في هذه الانتخابات. وسائل الإعلام تصر مرارا وتكرارا على أن هذا يعد “انتصارا للديمقراطية”. وبطريقة مشوهة، تظهر تطلعات لترجمة بعض النضالات الطبقية، خاصة حول التمرد من أجل العدالة العرقية عقب مقتل جورج فلويد، إلى الانتخابات، حيث تشير العديد من استطلاعات الرأي إلى أن العدالة العرقية كانت عاملاً محفزا للتصويت ضد ترامب. لكننا نتوقع عناصر متعددة تشير إلى أن هذه الأزمة قد تستمر. أولا، نحتاج إلى الإقرار بأنه لايزال هناك شريحة واسعة من العمال الذي لا يصوتون أو لا يستطيعون التصويت. ثانياً، نعلم أن الترامبية، وهي ظاهرة يمينية شعبوية، وجدت لتبقى على الأقل لبضع سنوات. وأخيرا، نعلم أن أزمة الرعاية الصحية والاقتصادية الحادة، إلى جانب الظلم العرقي، ستثير على الأرجح حراكات وانفجارات جديدة، وكذلك الأمر بالنسبة للاستياء والإحباط المتوقعين مع إدارة بايدين الجديدة.



الجانب الآخر لنسبة المشاركة القياسية في الانتخابات


نسبة المشاركة في انتخابات 2020 من المتوقع أن تبلغ 66.3%، وهي أعلى نسبة مشاركة في انتخابات الولايات المتحدة منذ العام 1900.[1] هذا الرقم، رغم ذلك، لايزال ضئيلا مقارنة بنسبة الاقتراع في عديد من البلدان حول العالم، بما فيها بلدان غربية غنية أخرى. في هذه الانتخابات سيشكل الذين لم يصوتوا أكثر من 30% من الناخبين، وهي نسبة ليست صغيرة. الدراسات وجدت أن غير الناخبين هم بدرجة كبيرة للغاية من الطبقة العاملة. إحدى الدراسات وجدت أن 44% من غير الناخبين يجنون دخلا أسريا بقدر 50000 دولار أو أقل (هذه أوسع فئة دخل بين أولئك الذين أجابوا على السؤال، حيث أن 17% لم يجيبوا أو أجابوا بأنهم لا يعرفون)[2]. من المرجح أن يشعر غير الناخبين بخيبة الأمل أكثر من الناخبين النشطين فيما يتعلق بكل من الأحزاب السياسية الرئيسية والنظام السياسي بشكل عام. هؤلاء الأشخاص عبّروا بأنهم لا يشعرون أن السياسيين في واشنطن يحدثون تغييرات جوهرية في حياتهم، وأن أصواتهم بالتالي ليس لها تأثير ذو معنى. لهذا السبب، فإن غير الناخبين هم أقل حزبية من الناخبين النشطين، وأقرب إلى القول بأنهم لا ينتمون لأي حزب سياسي.

كثير من الذين لم يصوّتوا أرادوا التصويت حقا، ولكنهم لم يقوموا بذلك بسبب العوائق التي تحول دون التصويت، كعدم القدرة على ترك العمل، والعقبات البيروقراطية في عملية تسجيل الناخبين، والافتقار إلى المعلومات، وعوائق أخرى تشكل مجتمعة نظاما أوسع لقمع الناخبين، والذي يؤثر على وجه التحديد على مجتمعات الطبقة العاملة من الملونين. والذين لا ينتخبون أيضا أقرب إلى كونهم من الشباب، ما يمثل بعدا ديمغرافيا هاما لاستمرار العمل السياسي. إنهم يعيشون في ولايات زرقاء بعمق، وولايات حمراء للغاية، وولايات متأرجحة. حقيقة أن هؤلاء الناخبين لا يشعرون بأن أصواتهم تعني شيء، وكذلك حقيقة أن كثيرا منهم يواجهون عوائق أمام تصويتهم، تُبيّنان معاً الطبيعة الجوهرية اللاديمقراطية لنظامنا الانتخابي.

وأخيرا، لنتذكر أن هناك حاليا 44.5 مليون مهاجر، ليسوا مواطنين، يعيشون ويعملون اليوم في الولايات المتحدة، والذين ليس لديهم حق التصويت، ويشكلون 13.7% من إجمالي عدد السكان. وعلينا أن نضيف لهذا وجود ما بين 6 و12 مليون مهاجر غير شرعي. كإشتراكيين نؤمن أنهم جميعا يستحقون التمتع بحق الانتخاب السياسي. أيضا، وفقا لمشروع العقوبات “اعتبارا من العام 2016 حظر على 1.6 مليون أميركي من التصويت تبعا للقوانين التي تحرم المواطنين المدانين بجرائم جنائية من حق التصويت”- وعدد غير متكافئ منهم سود أو لاتينيون. هنا، ولايتان فقط، ماين ماين وفيرمونت (Maine and Vermont)، لا تقيدان حقوق التصويت لأي شخص مدان بجناية، بما في ذلك الأشخاص المتواجدون في السجن.

الحزب الذي يكافح من أجل الطبقة العاملة يستطيع تنظيم كل من أولئك الذين يصوتون من منطلق اليأس رغم إحباطهم من نظام الحزبين، وكذلك الذين لا يصوتون بسبب خيبة أملهم في النظام، او قمع الناخبين، أو كلا السببين. نعلم أن الصراع الطبقي لم ينته. ويمكننا توقع استقطاب متزايد وتظاهرات حول شعار “حياة السود مهمة” كما رأينا في 2013- 2015 خلال إدارة أوباما، إضافة إلى النضالات في مواجهة الأزمة الاقتصادية والجائحة.



الترامبية هنا لتبقى


علاوة على ذلك، فإن الترامبية والشعبوية اليمينية لن تختفيان. ترامب عزز قاعدته الانتخابية، فحتى بعد 4 سنوات من الحكومة الكارثية حصل على أكثر من 70 مليون صوت (أكثر من المرة الماضية بـ 7 ملايين صوتا). هذه الأصوات لم يتم الإدلاء بها من قبل ناخبي الطبقية العاملة البيضاء فقط، بل أيضا قطاع من العمال اللاتينيين في فلوريدا. خاصة أولئك الذين أصولهم من أميركا الوسطى، وكوبا، وفنزويلا، نتيجة لتحريض ترامب من مخاطر الاشتراكية/ الشيوعية، وعلاقته الوثيقة بالمسيحية الإنجيلية من خلال بينس. وإثارة المخاوف بأن بايدين استسلم لـ “اليسار الراديكالي”. دراما ما بعد الانتخابات تسهم في ترسيخ فكرة اعتبار ترامب كممثل للطبقة العاملة وبايدين كمرشح لوول ستريت والشركات الكبرى. خطأنا كان أننا لم نر أو نؤكد حقيقة أن تعبئة “حياة السود مهمة” عززت أيضا قطاعا من الطبقة العاملة يؤمن بالقانون والنظام ويميل إلى تبني أفكار تفوق العرق الأبيض. كنا نناقش صعوبة إخراج بايدين للتصويت، وإعادة التواصل مع قاعدته الانتخابية. كنا نظن أن ترامب قد يخسر جزء من قاعدته الانتخابية، لكننا لم نتوقع أنها ستزداد بمقدار 7 ملايين!



الديمقراطيون لم يجدوا “روحهم” بعد


نعلم أن هذه الانتخابات كانت أيضا حركة للحزب الديمقراطي المنقسم من أجل العثور على إجابات واضحة لمسار البحث عن الأرواح المسجلة. لكن النتائج التي حصلوا عليها لن تساعد في حل أزمتهم الداخلية. بالكاد فازوا بالتذكرة الرئاسية، لكن المعارك داخل الحزب لم تنته بعد. في مقابلة مع “النيويورك تايمز” ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، الذي فاز إلى جانب الأعضاء الآخرين من ذوي الميل اليساري في “الفريق” في سباقهم إلى الكونغرس، نادى بعدم كفاءة الحزب الديمقراطي بسبب رفضه لمنصة “حياة السود مهمة”، والرعاية الصحية للجميع، وصفقة خضراء جديدة، ولامه على خسائر الكونغرس. “داخليا كان الوضع عدائيا للغاية لأي شيء تفوح منه رائحة التقدمية. حتى أنني لا أعلم ما إذا كنت أريد الانخراط في السياسة. كما تعلم، حقا، في الأشهر الستة الأولى لدورتي لم أكن حتى أدري ما إذا كنت سأترشح لإعادة انتخابي هذه السنة. إنه الافتقار إلى الدعم من قبل حزبك. حزبك الخاص بك يعتقد انك أنت العدو”[3].

الاستراتيجية الإصلاحية لـ “الفاصل القذر” التي دفع بها الاشتراكيون الديمقراطيون لأميركا ونشرتهم “اليعقوبيون”، وهي استراتيجية انتخابية للاشتراكيين استخدموا عبرها الحزب الديمقراطي للفوز بالمنصب، ومن ثم، في وقت غير محدد، الانفصال عنه لتشكيل بديل سياسي مستقل، تبدو مستبعدة أكثر فأكثر بخسارة بيرني ساندرز وانتصار بايدن. بدلا من استخدام حزب طبقة حاكمة يهيمن عليه الإمبرياليون، والعنصريون، والبيروقراطيون، والمصرفيون، للدفع بمشروع اشتراكي، قام الحزب الديمقراطي باستخدام اليسار ليتم انتخاب بايدين.

بايدين دعا إلى النظر لأنصار ترامب على أنهم زملاء أميركيون، “وليس أعداء”، ليمد غصن الزيتون إلى حزب جمهوري ملتزم تماما بأجندته اليمينية الخاصة وأجندة “تفوق العرق الأبيض”. بالسيطرة على مجلس الشيوخ، وأغلبية ديمقراطية ضئيلة نسبيا في مجلس النواب، يستعد الحزب الجمهوري لعرقلة بايدن وتحركات حكومته، التي لن يقدم الديمقراطيون أنفسهم على أية مقاومة ذات مغزى ضدها. الانتخابات النصفية والرئاسية المقبلة ستتأطّر على الأغلب من قبل اليمين كفرصة للتخفيف من كوارث الحزب الديمقراطي –بمعنى التصعيد فيما يتعلق بالصراع الطبقي وأزمة الربحية- عبر التصويت لسياسيي الحزب الجمهوري، الذين تعلموا عبر هذه الانتخابات أنه يمكن لبرنامج التفوق العرقي دون خجل أن يضع السلطة في أيدي حزبهم.



السؤال هو ما إذا كان يمين الحزب الديمقراطي سيكون قادرا على هزيمة وطرد التقدميين، الذين يلومونهم علانية على نتائجهم السيئة، أو ما إذا كان التقدميون، الذين تمّ تعزيزهم على نحو ما بعدة مقاعد جديدة فازوا بها إلى جانب إعادة انتخاب ديمقراطيين تقدميين آخرين، سيسودون وتستمر الأزمة والصراعات الداخلية. هذا من شأنه أن يفاقم الاستقطاب والصراع السياسي داخل الحزب الديمقراطي، الذي سيستمر في السعي إلى تحالفات مع الجناح النيوليبرالي للحزب الجمهوري –والذي قدم كثيرون منه الدعم لبايدين- من أجل تحصين أنفسهم ضد جناحهم اليساري.



الأزمة القادمة في الحزب الجمهوري


هناك أزمة مماثلة في الحزب الجمهوري أيضا. نعلم أن الحزب الجمهوري يمر بأزمة عميقة لأن هزيمة ترامب تأتي كذلك مع تناقضات. في حين دمّر ترامب الحزب، حيث قام بتهميش أي أصوات منتقدة وتصرف بأسلوب استبدادي، فقد حقق في نفس الوقت أفضل نتيجة انتخابية للحزب الجمهوري بأرقام أولية: 71 مليون صوتا.

إضافة إلى ذلك، فقد عزز قاعدته الانتخابية على أساس أجندة عنصرية وقومية علنية، والتي ستكون عقبة محتملة أمام الإبقاء على الناخبين غير البيض، الذين أصبحوا يشكلون أغلبية الناخبين.

ليس واضحا ما إذا كان بإمكان الحزب الجمهوري إبعاده، رغم خسارته وجره للرحيل- أيضا بسبب عدم وجود شخصية أو قيادة بديلة عنه في السنوات الأربع الماضية.

سيكون على الحزب الجمهوري أن يقرر ما إذا كان ترامب لايزال ذخرا مشاكسا يمكن التحكم به، أو ما إذا كان الحزب يحتاج للبدء في البحث عن بديل. ما هو واضح أنهم لا يستطيعون استبداله حالا، وسيكون عليهم التعايش معه -إن أمكن- إلى أن يعثرون على قيادة جديدة.



العامل المحدد سيكون الصراع الطبقي


كافة العوامل التي تم تحليلها أعلاه مهمة، لكننا نعلم أن مصير الوضع السياسي في الولايات المتحدة سيتحدد عبر نضالاتنا –أو غيابها. العمال في الولايات المتحدة يواجهون حالة طوارئ مركبة، صحية واقتصادية واجتماعية وبيئية، وكما قلنا خلال الحملة الانتخابية، لا يملك ترامب ولا بايدين حلا حقيقيا لها. طريقنا الوحيد إلى الأمام هو التنظيم والقتال من أجل بقائنا، وأن نبني في سياق نضالنا ادوات تحررنا الدائم: منظمات مستقلة وديمقراطية للطبقة العاملة (نحتاج إلى استعادة اتحاداتنا!)، وحزب سياسي مستقل متجذر في طبقتنا ونضالاتها، لديه خبرة في الفوز من أجلنا، ويمكنه طرح طريق مستقل للخروج، طريق اشتراكي.

_________



[1] الواشنطون بوست، 4 تشرين الثاني 2020، https://www.washingtonpost.com/graphics/2020/elections/voter-turnout/



[2] “100 مليون مشروع” https://knightfoundation.org/wp-content/uploads/2020/02/The-100-Million-Project_KF_Report_2020.pdf

[3] 7 تشرين الثاني 2020 https://www.nytimes.com/2020/11/07/us/politics/aoc-biden-progressives.html

ترجمة تامر خورما