طريق انتصار انتفاضة أكتوبر بعد عام من انطلاقها - القسم الثاني والاخير
مؤيد احمد
2020 / 11 / 2 - 15:28
طريق انتصار انتفاضة أكتوبر
بعد عام من انطلاقها
القسم الثاني والأخير
مؤيد احمد
مسألة سياسية محورية،
الانتفاضة وبديل النظام البرلماني
القسم الثاني والأخير
لو أمعنا النظر في خصائص التحديات والمعضلات السياسية التي وضعتها الانتفاضة أمام نفسها وأمام جميع الثوريين المناضلين من اجل إيجاد التغيير الجذري في حياة الملايين من السكان، لرأيناها مهاما في غاية الأهمية، والرد عليها سيكون بمثابة مفتاح حل العقد التي تواجه عملية التغيير الثوري بأكملها في العراق. رفعت الانتفاضة شعار الإطاحة بكل النظام وقواه وأحزابه، وناهضت قطاعات من المنتفضين الانتخابات المبكرة او غير المبكرة التي تنظمها هذه القوى الحاكمة، ورفضت المساومة مع قوى النظام، وبالتالي وضعت أمام نفسها مسالة حسم السلطة السياسية لصالح الجماهير المنتفضة. من الواضح بان إرساء سلطة من هذا النوع هي وحدها بإمكانها تحقيق مطالب الانتفاضة وأهدافها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العادلة التي انطلقت من أجلها.
ان هذه السياسة والإستراتيجية تجاه الأمر الأهم في قضية الانتفاضة، أي مسألة حسم السلطة السياسية، هي سياسة واستراتيجية ثورية ولكن بحاجة كي تكتمل بالعمل الجاد على إرساء السلطة السياسية للجماهير الكادحة البديلة على ارض الواقع. عدم ملء هذا الجزء الآخر، واقصد المبادرة بتنظيم السلطة البديلة، هو عقدة عدم تقدم الانتفاضة والبقاء في مكانها، وإن اية محاولة لتجديد قوى الانتفاضة بدون تبني رؤية سياسية واضحة في هذا المضمار والعمل الجاد لتحقيق هذا الجزء الآخر من الاستراتيجية، سوف تضعف الانتفاضة لا محال.
تجربة حكم البرجوازية القومية والإسلامية في العراق لعقود طويلة، وبالارتباط مع سياسة واستراتيجية الإمبريالية الغربية، بصدد إرساء نظام الحكم في هذا البلد، كجزء من نظامها السياسي والأمني المستقر للمنطقة، تبين لنا بوضوح بان الرجعية السياسية والعسكرتارية والاستبداد هي التي تشكل الأساس في إرساء هذا النظام وليس البرلمان والانتخابات و "لديمقراطية البرجوازية " بشكل عام.
الإمبريالية الغربية وأمريكا تحديدا كانت قد ساعدت على استلام سلطة الدولة من قبل التيارات القومية الشوفينية وأحزابها الفاشية مثل حزب البعث وممثلي هذه التيارات في الجيش، وتسليمها فيما بعد الى تيارات الإسلام السياسي الغارق في الرجعية والإجرام في عام 2003. ان النظام البرلماني والانتخابات البرلمانية وحرية الصحافة والتعبير التي صاحبت النظام السياسي ما بعد احتلال أمريكا للعراق، لم يغير من استراتيجية أمريكا بخصوص تأسيس النظام السياسي البرجوازي في العراق. على العكس من ذلك، فان إرساء النظام السياسي القومي والإسلامي الطائفي في العراق، كان تجسيدا لهذه الإستراتيجية الرجعية. لقد تم تسليم أجهزة الدولة القمعية والجيش الى الأحزاب الإسلامية والقومية الميليشية.
ان الإمبريالية العالمية ودول المنطقة والقوى الإسلامية والقومية المحلية لا يبحثون عن الحكم عن طريق الانتخابات، ولا تمثل الانتخابات و البرلمان وغيرها إلا أجزاء مكملة تجميلية لشيء آخر أكثر واقعية، والذي يعتمد عليه كل النظام ألا وهو أجهزة الدولة القمعية ومحتواها الطبقي البرجوازي. ان ممارسة السياسة البرجوازية في هذه الأجواء من صراع مصالح تياراتها المحلية والمساعي الدولية للتحكم بمصير العراق السياسي، ومنذ عقود، لم تكن غير استخدام العسكرتاريا والقوة القمعية والفاشية بمثابة السمة الأساسية لحكم البرجوازية السياسي في العراق. ان ترسيم الحياة السياسية في العرا ق ومنذ 2003 ولحد الآن لم تحسمها الانتخابات، إنما القوة العسكرية والميليشية والاقتدار المالي ونفوذ الدول والحروب بالوكالة والمصالح الجيو سياسية للدول الإقليمية وأمريكا.
إن المشاهد السياسية الدراماتيكية والتراجيدية في العراق، كانت الحروب الإرهابية الإجرامية لـ القاعدة وداعِش وغيرهم بحق السكان، حرب الميليشيات واغتيالاتهم وخنق الحريات، استخدام الجيش والقصف الجوي والمعارك الدموية لأمريكا وحلفائها، الحروب بالوكالة، الحرب الطائفية، الدمار، الاغتيالات والمجازر بالجملة وما رافق كل ذلك من دمار ونزوح وفقر لملايين من المواطنين. هذه الحروب والمجازر والاغتيالات لم تكن مجرد نتاجات عرضية للنظام السياسي البرلماني والصراعات الدائرة فيما بين مختلف قواه، إنما كانت أركان السياسة والاستراتيجية الإمبريالية، وأركان تثبيت سلطة البرجوازية الإسلامية والقومية، وهي بالأساس وسائل السياسة الرئيسية وأعمدتها الأساسية بالنسبة للدول الإمبريالية والإقليمية في العراق وفي مضمار بناء النظام السياسي البرجوازي فيه.
ان هذه الرجعية السياسية وهذه العسكرتارية والميليشية والقمع والاستبداد في العراق والتي تمارسها جميع القوى البرجوازية المتحكمة بأوضاعه، هي التي تدير البرلمان وتجعل منه البورصة السياسية لتقاسم اسهم السلطة فيما بين مختلف أجنحة النظام، و بالتالي هي التي دفعت بالبرلمانية والانتخابات الى حواشي الحياة السياسية وجردتها من أي معنى سياسي فعلي واي تأثير إيجابي على حياة الغالبية العظمى من السكان، وحولت البرلمان الى مسخرة هزيلة. ان البرلمان والانتخابات أصبحا مفضوحين وفاشلين وغير مؤثرين بفعل البرجوازية المحلية والدولية نفسها وقبل ان تدفع الانتفاضة بها الى حواشي التحولات والتغييرات الأساسية السياسية في البلاد.
إن الانتفاضة بشعارها إسقاط النظام والإطاحة بكل هذه العصابات الحاكمة، هي التي بإمكانها فتح الطريق لخلق مؤسسات سياسية فعالة تحقق إرادة الجماهير وتضمن الحرية السياسية والفردية وتعطي الفرصة للجماهير في ترسيم حياتها السياسية بحرية. ان البرجوازية بنظامها الحالي وبرلمانها وانتخاباتها قد سلبت هذا الحق الأساسي من الجماهير.
لذا، فإن تفعيل نظام الحكم بحيث يكون مبنيا على إرادة الجماهير، يتطلب التغيير في المعادلة الحالية.
لا يمكن تغيير البرلمان الحالي عن طريق المزيد من التعديلات على قانون الانتخابات او القيام بانتخابات مبكرة او المزيد من التغيير في هذه أو تلك من الوجوه، والمزيد من تكرار اللعبة البرلمانية الحالية. إنها طريقة عقيمة. ان انتخابات حقيقية وتحقيق إرادة الجماهير السياسية بات مرهونا بتفعيل عملية أخرى خارج النظام البرلماني والانتخابات المتبعة، أي بات مرهونا بقوة سياسية أخرى خارج القوى الحاكمة، وهي التي بإمكانها ان تنظمها، هذه القوة السياسية الأخرى وهذه السلطة الأخرى التي بإمكانها تحقيق انتخابات حرة ومباشرة ومتلاصقة بالجماهير وتعكس إراداتها هي الانتفاضة، وهي بالتالي إرادة الجماهير المنتفضة والجماهير العمالية والكادحة المنظمة في أداة حكمها المجالسية الثورية. ان الانتفاضة بسياستها المتمثلة بشعارها "الإطاحة بالنظام القائم "ووضعها هذا السؤال أمامها وأمام المجتمع، قد فتحت أبواب حلها على مصراعيها أيضا بالرغم من إنها وقفت في منتصف الطريق ولم تكمل المسيرة لإرساء السلطة البديلة.
إن إرساء سلطة العمال والكادحين والشبيبة الثورية والجماهير التحررية مكان السلطة القائمة هو عقدة العقد واهم معضلة من معضلات الانتفاضة والحراك الثوري، ليس في العراق فحسب، بل في كل المنطقة التي ترتقي الحركة الاحتجاجية فيها الى مرحلة طرح مسالة حسم السلطة السياسية. لقد أسقطت انتفاضة 2011 في مصر نظام الحكم ولكن لم تستطع أن تضع مكانها السلطة البديلة كي تحقق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية التي انطلقت من اجل تحقيقها هناك. وهذا السيناريو يتكرر، أي ان حسم السلطة السياسية يبقى مهمة تواجه الطبقة العاملة والقوى الثورية والاشتراكية والمنتفضين الثوريين في العراق كذلك. ان حل هذه المعضلة غير ممكن بدون الارتقاء بالاستعداد السياسي والتنظيمي والفكري للطبقة العاملة والفئات الكادحة والشبيبة الثورية والمنتفضين الثوريين.
هذا، وان تفعيل دور الجماهير وإرساء سلطتها الفعلية يبدأ حيث تنتهي الأوهام المطالبة بالانتخابات و"حصر السلاح بأيدي الدولة" البرجوازية القومية والإسلامية بدون الإشارة الى نوع الدولة التي يتحدثون عنها وغيرها من المطالب المخادعة، ان العملية تبدأ عندما تُقدم الانتفاضة وتتبنى مواجهة حكم الميليشيات وكامل بنيان سلطة الدولة البرجوازية وعسكرة السياسة والأساليب الفاشية في إدارة الدولة والنظام البرجوازي.
ان المسألة الجوهرية الأخرى والأهم هي المغزى الطبقي للسلطة البديلة والبرنامج الاقتصادي والاجتماعي التي تتبناه هذه السلطة، أي المغزى الطبقي للسلطة الجماهيرية التي ستحل محل السلطة الحالية ومدى تبنيها للقيام بالتحول الاشتراكي. ان الرأسمالية النيو ليبرالية السائدة في العراق والنهب والفساد الملازم لها قد سحبت البساط من تحت أقدام القوى البرجوازية الإصلاحية التي تريد إيهام الجماهير بإمكانية تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لصالح الكادحين والمحرومين. ان تعليق الآمال على تامين الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للجماهير في ظل النظام الحالي والسياسات العامة الاقتصادية للنظام، ليس سوى خداع مكشوف. ان المزيد من البطالة والفقر والتهميش بالنسبة للطبقة العاملة والكادحين وأكثرية المواطنين هو من السمات الأساسية للرأسمالية النيو ليبرالية المعاصرة والتي تحميها السلطة الحالية. ان البرجوازية الإسلامية والقومية الحاكمة لا يمكنها تحقيق ابسط التحسينات في حياة الجماهير المحرومة، لذا فان موضوع المحتوى الطبقي والاشتراكي للسلطة التي تريد ان تكون بديلة للنظام القائم الحالي يدخل بكامل قوته في هذا الصدد.
ان المسالة ليست أشكال الحكم وتنظيم العمال والكادحين في المجالس او اللجان او الأشكال الأخرى المنبثقة من أوساط الجماهير بشكل مباشر، بالرغم من إنها غاية في الأهمية، إنما الأساسي والجوهري هو المحتوى الاجتماعي والبرنامج الاقتصادي لهذه السلطة وطابعها الطبقي العمالي التحرري وما تريد أن تحققه عمليا. لا يمكن لسلطة جماهيرية منبثقة من قلب الانتفاضة ان تكون سلطة تمثل مصالح الجماهير وقابلة للحياة وتجسد إرادتها السياسية الحرة إذا لم تربط السياسة بالبرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي ستحققه. ليس فقط الإصلاحيين المخادعين الذين يطبلون لتحقيق الإصلاحات في ظل هذا النظام الفاسد محسوم أمرهم مسبقا بالفشل والانفضاح، بل حتى تلك القوى المخلصة للانتفاضة، والتي هي ثورية في ميدان تحقيق التحولات السياسية ولكن لا تعير الاهتمام بالمحتوى الاجتماعي والطبقي للانتفاضة، عرضة للابتعاد عن الجماهير اذا لم تربط مصير السلطة السياسية البديلة وانتفاضة منتصرة بتحقيق الأهداف و المطالب الاقتصادية و الاجتماعية للجماهير المحرومة في العرا ق.
ما تم الحديث عنه في بداية هذا المقال حول ضرورة تنظيم الطبقة العاملة لنقاباتها والفئات الكادحة الأخرى للاتحادات والجمعيات المستقلة التي تدافع عن حقوقها ومطالبها، هو جزء أساسي لتقوية الانتفاضة وتنوع روافدها الاجتماعية الاشتراكية. وهذا ينطبق على قضية المرأة والحركة التحررية النسوية وعلى الشبيبة الثورية والمعطلين والمعطلات عن العمل والخريجين والكادحين والفئات المسحوقة والمضطهدة في المجتمع. ان مصير السلطة البديلة الجماهيرية الثورية مرتبطة بتحقيق أهداف ومطالب هذه الطبقة والفئات الكادحة والجماهير التحررية.
تحديات ومهام تواجه الانتفاضة
الأسئلة المحورية التي تتطلب الأجوبة الواضحة والدقيقة من قبل الحركة الاشتراكية ومن قبل أي ماركسي ثوري وكل منتفض ومنتفضة مخلصة لقضية الانتفاضة، كثيرة ومتعددة، ولكن يمكن الإشارة الى قسم منها هنا:
- تنظيم صفوف قوى الانتفاضة وتوحيدها في حركة سياسية جماهيرية تحررية منظمة وموحدة، يتطلب تحديد الخطوات والآليات واتفاق المجاميع الشبابية والمنتفضين والمنتفضات على برنامج عمل وإستراتيجية وتكتيك سياسي ثوري واضح المعالم بحيث يؤمن تحقيق أهداف ومطالب الانتفاضة لصالح قواها الطبقية المحركة الرئيسية التي تمت الإشارة إليها.
- إن إيجاد التغير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي المنشود، في أوضاع العمال والكادحين والنساء والشبيبة والطلاب والطالبات وجميع الفئات الكادحة المشاركة في الانتفاضة، يحتاج الى تنظيم وتوحيد صفوف هذه القوى الطبقية في منظمات جماهيرية مستقلة تدافع عن حقوقها ومصالحها. لذا فانه من الضروري إيجاد السبل الكفيلة بالقضاء على تشتت قواها والعمل على تطوير الطاقات النضالية لهذه المنظمات وتوحيد الآراء والعمل المشترك في الدفاع عن الانتفاضة وتقدمها.
-ليس فقط انتصار العملية الثورية عموما في المجتمع، بل انتصار انتفاضة أكتوبر أيضا، مرهون بتقوية الحركة العمالية ودورها الفاعل والمؤثر فيهما. وهذا ما يضع مهام جسام أمام الناشطين والقادة العماليين والمنظمات العمالية الاشتراكية والنقابات والاتحادات والجمعيات العمالية المختلفة تجاه الانتفاضة من جهة، ويضع مهام ملحة أمام المنتفضين بحيث يجعلون أي خندق يستولون عليه من البرجوازية الحاكمة عتبة لتقوية الحركة العمالية وتقدمها من جهة أخرى.
- تقدم الانتفاضة يحتاج ضمن ما يحتاج الى قيام الناشطين العماليين والكادحين والشبيبة الثورية والطلبة الذين يتبنون الأفق والبديل الاشتراكي بتنظيم أنفسهم بشكل مستقل، والعمل على تقوية الخط الاشتراكي الثوري داخل الانتفاضة كي يكون بإمكان هذا الصف من المناضلين لعب دورهم القيادي في الحركة الثورية عموما وفي الانتفاضة بشكل أخص والعمل على إقناع الأخرين باتخاذ السبل الأكثر ضمانا لانتصار وتطور الانتفاضة.
- "لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية "، هذه المقولة المشهورة لـ لينين تنطبق على الانتفاضة في العراق كذلك. فإن أراد ناشطو الانتفاضة أن يكونوا مدافعين متماسكين عن قضية انتفاضة أكتوبر، التي رفعت راية "إسقاط النظام السياسي" بأكمله، وتحقيق أهداف ومطالب المحرومين، فإنهم يحتاجون الى التسلح بالنظرية الثورية التي تضع الانتفاضة على الطريق الذي يؤدي الى الانتصار. وهم يحتاجون الى تبني النظرية التي تساعدهم على الخلاص بطريقة ثورية من بأٍس الوضع القائم. ان تحرر الجماهير المنتفضة من نفوذ النظريات البرجوازية امر غاية في الأهمية لتطوير الانتفاضة، وهذا يعني ضمن ما يعني التحرر من مختلف تلاوين هذه النظريات والأفكار البرجوازية الدينية والقومية والليبرالية و"الوطنية" والإصلاحية والعبثية والـ "لا تنظيمية" والـ "لا سياسية" والنظريات والأفكار المناهضة لتحرر ومساواة المرأة والحقوق والحريات المدنية والفردية، والأفكار والمفاهيم التي تقدس الرجعية باسم خصوصية المجتمع والتراث والحفاظ على التقاليد السائدة والعشائرية.
من الواضح بان انتفاضة منتصرة ستكون صعبة المنال بدون تسلح قادة وناشطي الانتفاضة بنظرية ثورية تحلل وتنتقد، وبالتالي توضح طريق خلاص قوى العمود الفقري للانتفاضة من مجمل قيود الأوضاع والظروف التي تستعبدهم. ان المنتفضين يحتاجون الى نظرية ثورية تقوي ناشطي الحركة وقادة الانتفاضة كي يكونوا قادرين على قيادة وتنظيم وتوجيه انتفاضة جماهيرية واسعة في مختلف مراحل تطورها بنجاح. نظرية توضح وتظهر أهمية الانتفاضة بوصفها النضال الجماهيري السياسي الثوري للكادحين وتدافع عن موقعها في العملية الثورية عموما في البلاد وفي عملية تحرر الإنسان في العراق من قيود الاستغلال والدمار والمآسي التي فرضته عليه البرجوازية العالمية والإقليمية والمحلية على مر عقود من السنين. هذه النظرية ليست سوى نظرية ماركس الثورية لتحرر البروليتاريا والمحرومين والمضطهدين وتطبيقها الحي حيال اهم حدث سياسي واجتماعي في تاريخ العراق الحديث، أي الانتفاضة.
- إن تقوية مشاركة النساء في الانتفاضة وانخراط أوساط واسعة فيها تعتبر من المهام العاجلة والملحة بالنسبة لاي ثوري يريد الانتصار للانتفاضة ومن يريد ان تكون المرأة احدى دعائم الانتفاضة الأساسية، لا كملحق للانتفاضة، إنما بوصفها قوة اجتماعية مستقلة وحاملة لقضية تحررية فيها.
-إن انتشار الانتفاضة في المحلات والأحياء وفي الأرياف سيكون طفرة نوعية في مضاعفة اقتدار الانتفاضة، إن أية خطوة وأية تقدم في هذا الميدان سيكون بمثابة دفعة كبيرة للانتفاضة وتحولها الى ثورة جماهيرية عارمة. لذا، فإن التحريض والعمل السياسي الواعي الجاد في هذا المضمار، هو من مهام الناشطين المنتفضين وكل من يريد الانتصار للانتفاضة.
- مع اخذ كل ذلك بنظر الاعتبار، فان الانتفاضة بحاجة الى ان يلتحق بها الكادحون الموجودون في صفوف الجيش والشرطة وغيرها من القوى المسلحة، وبحاجة الى تبني التكتيك والخطوات العملية والقيام بالتحريض المناسب في هذا المضمار كمهمة لا غنى عنها للمنتفضين.
-ان التحدي الكبير هو إيجاد سبل واتخاذ خطوات ملموسة وبشكل عاجل لتوحيد قوى الانتفاضة بحيث تشكل مجالسها ولجانها الثورية الجماهيرية المنتخبة مباشرة في الاجتماعات العامة للمواطنين في كل محلة وحي وكل مؤسسة ومعمل ومحل عمل والمنشئات الخدمية كي تأخذ زمام الأمور بأيديها وتعمل بمثابة سلطة الجماهير المباشرة في حال اندلاع الانتفاضة المجدد.
- وأخيرا، فان إيجاد الطرق والآليات وسياسة عملية ينفذها المنتفضون، لمواجهة عمليات القتل والاغتيالات والاختطاف التي تقوم بها القوى الميليشية والأمنية، وصد هجمات قوى الثورة المضادة، جزء من مهام الانتفاضة. اتخاذ الخطوات وتامين آليات فعالة لنشر الوعي الثوري في صفوف المتظاهرين وفضح ومواجهة جميع القوى الثورة المضادة وعملاء هذه القوى داخل الجماهير المنتفضة، والسعي لإقناع المتوهمين منهم الالتحاق بصفوف الانتفاضة. هذه كلها مهام وتحديات يفرضها الواقع نفسه ويعدلها بهذا الشكل او ذاك. غير انه من الواضح بان عسكرة الانتفاضة، التي تريدها قوى النظام، ليست لصالحها، وإن أية مغامرات عسكرية تحرف مسار الانتفاضة وتمهد الأرضية لهذا النمط من العسكرة تضر بأمر الانتفاضة.
بالرغم من إن هذه المهام والتحديات وأخرى عديدة تواجهنا فان الهدف منها هو تقوية الانتفاضة وإيجاد الطريق المؤدي لانتصارها.
هناك كثيرون في أوساط الناشطين والتنظيمات اليسارية وقعوا في الأوهام، فيما يخص الانتفاضة ودورها في إيجاد التغيير، ووضعوا علامة استفهام عليها. هذا، وتخلى قسم آخر من الناشطين عن الانتفاضة وتركوها على حالها وهم يعيشون حالة الإحباط من عدم تقدم الانتفاضة، وهناك قسم استغلوا فرصة تشكيل حكومة الكاظمي للتطبيل لها والالتحاق بصفوف قوى الثورة المضادة وحكومة الكاظمي التي هي احدى هذه القوى. إن القسم الأكبر ممن يعتبرون أنفسهم أصدقاء الانتفاضة ولكن من غير صدق، وهم فعليا موالون لأمريكا ودول الخليج والبرجوازية القومية العربية المحلية الموالية لهذه الدول، هؤلاء في الحقيقة أعداء الانتفاضة ويريدون استثمارها لصالح أمريكا والجناح الموالي لها ولدول الخليج بوجه رقبائهم من إيران والأحزاب الإسلامية الحاكمة. ان احدى اهم مهام الانتفاضة والناشطين هي فصل الصفوف عن هؤلاء وفضح سياساتهم وسد الطريق أمامهم للتلاعب بمصير الانتفاضة.
شعار"كل السلطة للجماهير المنتفضة"
نحن في منظمة البديل الشيوعي في العراق رفعنا شعار "كل السلطة للجماهير المنتفضة" كي تنظم الجماهير نفسها وتبني وسائل سلطتها رافعة هذا الشعار.
لم تكن هناك مجالس جماهيرية منظمة او حركة مجالسية عفوية في المدن المنتفضة اثناء اندلاع انتفاضة أكتوبر كي تعلن عن نفسها كسلطة بديلة، ولكن هناك جماهير منتفضة متطلعة الى إسقاط النظام. لقد عكسنا طرفي المعادلة، اذ لم يكن من الممكن الانتظار لتشكيل المجالس ومن ثم رفع شعار كل السلطة للمجالس كما جرى في ثورة 1917 في روسيا، من شباط الى أكتوبر. لذا، فان شعار "كل السلطة للجماهير المنتفضة" سحب البساط من تحت كل من كان يريد إبقاء السلطة او جزء منها بأيدي النظام القائم من جهة، ومن جهة أخرى كان بمثابة دعوة الى تشكيل المجالس واللجان من قبل المنتفضين فورا وإرسائها كوسائل سلطتهم. وبالتالي، كي تأخذ مجالس العمال والكادحين ومختلف الفئات الشعبية والمرأة والشبيبة والطلبة وغيرهم زمام الأمور بأيديهم مباشرة وبحيث يكون المندوبون لهذه المجالس قابلين للعزل متى ما أراد المنتخبون. ان شعار "كل السلطة للجماهير المنتفضة" لم ير النور عمليا، ولكنه كان الشعار السياسي الذي يتطابق مع طموح المنتفضين السياسي وكان الشعار الأكثر ارتباطا بواقع ما يحدث آنذاك.
إن الرد على التحديات والمعضلات التي تواجهها هذه الانتفاضة وطرح التكتيك السياسي الدقيق والواضح والعملي لتقدمها وانتصارها، هو مفتاح الحل لمأزق المجتمع ومآسي الجماهير، وهو العمل وفق أسرار ما تمثله هذه الحركة الاجتماعية والسياسية وما يمثل انتصارها كذلك. ان طريق انتصار الانتفاضة هو تحولها الى ثورة سياسية واجتماعية ونضالا طبقيا مقتدرا للطبقة العاملة والمحرومين والشبيبة الثورية رافعا راية الاشتراكية والحرية.
28 أيلول 2020