أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمود عباس - ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام- الجزء الثاني عشر















المزيد.....

ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام- الجزء الثاني عشر


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 6716 - 2020 / 10 / 27 - 12:11
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


غابت الحركة الأدبية لشعوب الحضارة الساسانية، والأدباء الذين كانوا يكتبون باللغة الفهلوية-الكوردية، قرابة ثلاثة قرون، بعد انهيار الإمبراطورية، ولم تظهر بوادر اليقظة، وعودتها إلى الحياة، إلا بعد صراعات عميقة بين الثقافة الأصلية والقادمة، وتم ذلك على يد الرواد الأوائل من الكورد الذين تعمقوا في اللغة والثقافة الدخيلة ومسالك الدين الإسلامي، الخلفية الروحانية التي أدت إلى تشكيك المؤرخين بانتمائهم للقومية الكوردية، كثيرون من الشعراء والأدباء سبقوا الشاعر الصوفي الكوردي المعروف (بابا طاهر الهمذاني 935-1011م) والذي كتب قسم واسع من أشعاره بالكوردية؛ اللهجة اللورية إلى جانب الفارسية والتي كانت لغة السلطة؛ ورغم ذلك لم يتم أثبات انتماءه لقوميته في البدايات، وكثيرا ما عرف بالشاعر الفارسي، وهو ما فعلته سلطاتها التي نهبت من التاريخ والثقافة الكوردية أضعاف ما فعلته السلطات الإسلامية العربية والعثمانية، علما أن لغة الهمذاني، وقسم واسع من شعره رغم أبعادها الصوفية لكنها نابعة من واقع قبيلته اللورية، مستخرا الثقافة الفهلوية الساسانية، دامجا روحانياتها مع الصوفية الإسلامية، أو بالمسميات القومية، مخلفات الديانات الكوردية، فظلت محصورة ضمن جغرافية اللهجات، والتي بدأت اللغة الكوردية تعيد تشكيلتها، ليس فقط كبعد جغرافي بل ديمغرافي ولغوي ومن ثم كتكوين قومي، مواز لمحاولات القوميات التي أعادت إحياء لغاتها قبل الكورد بقرابة قرن من الزمن.
رغم أن المسيرة الثقافية-الأدبية الساسانية ونتاج شعوبها، حرفت كثيرا على مر التاريخ مثلها مثل السياسية، خاصة بعد سيادة الحروف العربية، أي الحروف واللغة المنسوخة بها القرآن، حروف لغة السلطة، المفروضة لتستخدم بدون منافسة، مع الإهمال المتعمد للحروف الفهلوية، حروف لغة الكفار-العجم، والمؤدية إلى تأخرها عن ركب مسيرة الأدب والثقافة، بعد إزالة كل ما هو مكتوب بها وعلى مدى قرنين وأكثر من الزمن، إلى درجة أصبح إيجاد لوحة أو صفحات من كتاب ما تحفة أثرية لا تقرأ؛ بل تعرض في المتاحف، لكنها لم تمت، وظلت محافظة على نواتها، لأنها كانت لغة حضارة وإمبراطورية، ومراكزها العلمية والأدبية كانت تحتضن الألاف من الكتب، وهو ما كتبنا فيه سابقا وبإيجاز. وبالتالي هيمنة اللغة العربية بحروفها، والفارسية المتخلية عن الحروف الفهلوية في عهد ملوك السامانيين والغزنويين، أصبحتا مسيطرتان عن طريق سلطاتهما، وهو ما أدى إلى تراجع الأدب الكوردي وغياب اللغة الكوردية كلغة أدب، لكنهم لم يتمكنوا من القضاء عليها، رغم أنها ظلت تائهة بين الحروف ولغة الحضارة الساسانية الكوردية، ولغة الدين الجديد، لغة القرآن والسلطات الإسلامية لفترة غير قصيرة.
ففي المراحل المتأخرة من الخلافة العباسية، وبعد أنتشار الممالك والسلطات غير العربية الإسلامية، أنتبه البعض من رواد الأدب بين الشعب الكوردي، مثل غيرهم من الشعوب التي تخلت عن لغتها لصالح لغة النص، على أن السلطات الحاكمة ولغاتهم ليست فقط لا تمت إلى ثقافتهم، بل تكاد أن تقضي عليها، لذلك حاول البعص من الشعراء والأمراء الكورد، كتابة نتاجهم الأدبي بلغتهم الأم، من حس الانتماء الفكري لشعب لا ينتمي إلى تلك السلطات، والبيئة الثقافية التي عاشوها ونهضوا عليها، مستخدمين بشكل جزئي في البدايات، لغة شعبهم المتداول في الريف والمدن الكوردية، إلى جانب لغة السلطة، أو دمجهما معا في العديد من أشعارهم أو نصوصهم، رغم صعوبتها، لأنها من جهة:
1- تعتبر مواجهة للغة النص، لذلك حرصوا في الحفاظ على الحروف العربية.
2- ومن جهة أخرى معارضة لغة السلطة الإسلامية والتي كانت ترفض لغة أدبية أو ثقافة أخرى غير لغة القرآن، وبعض مثل هذه المحاولات من لدن شعوب الحضارة الساسانية أو خارجها اتهمت بالكفر، كابن المقفع، وجابر بن حيان، والكندي، وثابت بن قرة، والرازي، والفارابي، والمسعودي، والمجريطي، ومسكوية، وأبن سينا، وأبن رشد، وأبن الهيثم، وابن باجه، والطوسي وغيرهم، وهنا لا نتحدث عن فقهاء التصوف أمثال الحلاج ولا الذين نقدو الإسلام والوحي والنص أمثال ابن الرواندي وغيرهما. وفي فرض اللغة العربية كشرط من شروط معرفة الدين التي فرضتها السلطات، المؤدية إلى هدم لغات الشعوب الأخرى المعتنقة الإسلام، يقول أبن تيمية أن " اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب الأعيان ومنها ما هو واجب على الكفاية".
علماً أن العديد من المفكرين والعلماء الذين اعتنقوا الإسلام، استمروا في الكتابة بلغات شعوبهم، لكنهم كانوا تحت حماية سلطاتهم القومية، كمفكري مناطق إيران الشرقية وخوارزم، وخوزستان، وغيرها من مناطق الثغور، بين سلطة الخلافة والممالك شبه المستقلة.
إلى جانب ذلك فصعوبة أحياء اللغة الأدبية الكوردية، كتابة وقراءة، من جهة أخرى كانت:
1- تكمن في الخلفيات الناتجة من تراكم غبار القرون عليها، نتيجة الإهمال، وشبه النسيان في المجال الكتابي والتعليمي.
2- التحريفات التي تمت للكتب المترجمة، من الأدب، شعرا ونثر، والعلوم الاجتماعية والفكرية، بلغت درجة لم تعد تعرف على أنها مترجمة من مخلفات أدب الحضارة الساسانية، وهذه بحد ذاتها ذابت مع الزمن، لخلافها مع الثقافة القادمة، وما ظل فقد ملئت بالشوائب إلى درجة لم تعرف الأصل، بعد الترجمة التي تمت في عصر الخليفة المأمون وبعده.
1- فرغم ذلك، وعلى أثر ظهور الممالك والسلطات العرقية، بعد قرون ثلاث من هيمنة لغة النص الإلهي، ظهر أول الشعراء والأدباء والعلماء الكورد، واضعي الخطوات الأولى لبدايات نهضة الإبداعات باللغة الكوردية، والتي تعتبر ثورة مقارنة بأدباء الشعوب الأخرى الذين كانوا في حماية سلطاتهم، أمثال بابا طاهر الهمذاني، وعلى حريري، وملاي حسن باتي، وشعراء المرحلة الثانية: أمثال، فقه طيران، وسليم سليمان، وملا جزيري، واحمدي خاني، وباريكاري هكاري وغيرهم.
فإحياء اللغة التي حصرت ضمن البيوت، والتي كادت أن تزول من البعد الثقافي، بكل مجالاتها، إلى جانب انزياح العديد من علماء الكورد إلى الدين الإسلامي كروحانية، والغبار المتراكم على اللغة بسبب إهمال القرون أولا، ومحاولات القضاء عليه في العقود الماضية من قبل الأنظمة المعادية لكل ما هو ليس متعلق بلغة القرآن أي العربية، أي لغة الخلافة ولغة الممالك التابعة لها؛ لم تكن مجرد نهضة فكرية، أو طفرة، بل كانت إعادة لروح الحضارة المدمرة، روحيا وثقافة وأدباً، ولذلك وقفت في وجهها معظم السلطات حينها، إلى درجة أصبحت المنهجية العدائية للعديد من الفقهاء الكورد، مسنودا بسياسة وليس لفقه إسلامي، فمنهم من أتهموا بالكفر والزندقة وكانوا في الواقع أعمق إيمانا من قضاتهم، وللخلاف الثقافي ذاته، تمكن بعضهم من خلق مذاهب في الإسلام، بتأويلات للنص، تستند على ثقافتهم ومفهومهم للدين الإسلامي، مع ذلك توسع عداء السلطات وفقهاءهم، لتشمل اللغة الكوردية وثقافتهم، إلى أن أصبح خطا سياسيا أستمر إلى يومنا هذا، تتبناه جميع الأنظمة المحتلة لكوردستان.
ولربما لا يعتب على الشعوب غير الكردية، والتي لم تكن الفهلوية الشرقية لغتها الأصلية، هذا الإهمال، والضياع، والتأخر في العودة إلى مسرح الحياة الثقافية باللغة الأصلية، لأن معظم الأثار لم تكن نتاج لغاتهم، ولم تهمهم إحيائها، ونحن هنا لا نتحدث عن لغة الأراميين-السريان وأدبهم الحضاري، ومثلهم الكلدانيين، والأشوريين التي تكاد أن تزول كليا. بل عن مسيرة ضياع أثار الإمبراطورية السلوقية، والتي كانت اليونانية سائدة كلغة للإدارة والثقافة في المنطقة الإيرانية على مدى أكثر من عدة قرون، لهيمنة السلطات العربية الإسلامية عليها، في الوقت التي ظلت حية في الجغرافية اليونانية التي لم تطالها يد تكل السلطات، وبالتالي أصبحت منارة لثقافات شعوب العالم قاطبة.
لربما يستثنى هنا الفارسية والتي عادت إلى الحياة بعد هيمنة المملكة السامانية على الجغرافية الشرقية للخلافة العباسية وبعد قرنين من ظهور الإسلام. فلم تكتفي بتطويرها، بل حرفت تاريخ المنطقة والحضارات والإمبراطوريات السابقة، نسبت معظمها إلى العنصر الفارسي، الكلمة التي لم تظهر على مسرح التاريخ، بعد تدمير الإسكندر المقدوني للإمبراطورية الأخمينية، إلا بعد ظهور المملكة السامانية، وما نقرأه في الكتب عن الحضارة الفارسية والأدب الفارسي، ليس سوى تحريفا للحضارات الإيرانية، كتأويلهم الساسانية للفارسية، فجميع المصادر والآثار تبين العكس، وقد كان الدارج بين المؤرخين إضفاء الصفة الإيرانية على تلك الحضارات، كجامع للشعوب المساهمة في بناء الإمبراطوريات، والجنرال الفارسي، الذي نصب نفسه شاهنشاهاً، في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، بعد القضاء على الدولة القجارية، ألقى أسم إيران على المملكة الفارسية كخدعة سياسية حاول من خلالها تنصيب نفسه على كل الشعوب الإيرانية، وهكذا أستمر تسويق التاريخ بتحريفاته.

يتبع...

الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
1/5/2020م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكرد جزء من حطب الصراع الروسي التركي
- ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام -الجزء الحادي عشر
- العلاقة الجدلية بين الإدارة الذاتية والمعارضة السورية
- مواقف كرملين من القضية الكوردستانية
- المنطقة الكوردية بين رحى أردوغان والدول الكبرى
- الإسلام والتعريب
- قاعدة إنجرليك والسفارة الأمريكية في بغداد
- الاعتراف بجمهورية كوردستان الحمراء
- ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام- الجزء العاشر
- هل مسخت سوريا- الجزء الثاني
- هل مسخت سوريا كوطن
- الكورد في خضم الانتخابات الأمريكية
- نداء للبعض من الكتاب العرب في المنطقة الكوردية-سوريا
- عندما تنعدم القيم الوطنية؛ المعارضة السورية مثالا
- ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام- الجزء التاسع
- كيف نبني اللغة الكوردية الجامعة
- جدلية الأحزاب الكوردية أدوات بيد الأعداء
- ماذا حصل للأدب الكوردي بعد الإسلام- الجزء الثامن
- من فضائح المعارضة السورية
- نداء للوطنيين في سوريا


المزيد.....




- موزة ملصقة على حائط.. تُحقّق 6.24 مليون دولار في مزاد
- تقارير عن معارك عنيفة بجنوب لبنان.. ومصدر أمني ينفي وجود قاد ...
- قوات كييف تعترف بخسارة أكثر من 40% من الأراضي التي احتلتها ف ...
- إسرائيل تهاجم يوتيوبر مصري شهير وتوجه له اتهامات خطيرة.. وال ...
- بوليتيكو: الصين تتجاوز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في ...
- وسائل إعلام عبرية: اختفاء إسرائيلي في الإمارات والموساد يشار ...
- غرابة الزمن وتآكل الذاكرة في أعمال عبد الله السعدي
- فوائده كثيرة .. ابدأ يومك بشرب الماء الدافئ!
- الناطق باسم -القسام- أبو عبيدة يعلن مقتل إحدى الأسيرات الإسر ...
- -تحليق مسيرة ولحظة سقوط صواريخ-.. حزب الله يعرض مشاهد استهدا ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمود عباس - ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام- الجزء الثاني عشر