تحية لذكرى تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني وانتفاضة 17 تشرين
موريس نهرا
2020 / 10 / 24 - 12:46
من حسن الصدف أن تكون ذكرى انتفاضة 17 تشرين الاوّل، متقاربة مع ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني في 24 تشرين أول نفسه، عام 1924، ما يتيح تناول هذين الحدثين التاريخيين في مقالة واحدة. وإذا ما كانت ولادتهما في "الخريف"، تحمل ما يفعله عصف الرياح الخريفية بأوراق الأشجار الذابلة، تمهيداً للتجدد في الربيع الآتي، فإن تقاربهما ينطوي على علاقة رحمية بينهما، تتمظهر أولاً، في انبثاقهما من صميم واقع بلدنا وظروف ومعاناة شعبنا وتدهور شروط معيشته. ثانياً، في اعتماد طريقة النضال الشعبي وسيلة للاحتجاج ورفضاً للحالة القائمة. ثالثاً، في الطابع النضالي العابر للطوائف والمناطق، لإسقاط النظام الطائفي ومنظومته الفاسدة. رابعاً في هدف إخراج بلدنا وشعبنا من حالة الانهيار، بتحقيق التغيير، لبناء وطن ودولة، يجسّد مطامح شعبنا وحقوقه الوطنية والاجتماعية والديمقراطية. فهذه الانتفاضة،
والشيوعيون في قلبها، شكلت نقطة تحوّل ومنعطفاً كبير الأهمية في مسيرة شعبنا النضالية، التي يخوضها عمّالنا وشبابنا وشاباتنا وطلابنا والفئات الشعبية والكادحين في المدينة والريف. وانّ الحزب الشيوعي الذي كان نشؤه استجابة لضرورات موضوعية تتعلق بالنضال من أجل الاستقلال الوطني وللدفاع عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة وجميع الفئات الشعبية وتحررها من الظلم الاجتماعي، إنه بدوره النضالي هو الوريث الحقيقي لتقاليد شعبنا المجيدة، من عاميتي انطلياس، 1820-1840، الى عامية لحفد 1821، والثورة الفلاحية بقيادة طانيوس شاهين1859، وإلى الفكر التحرري لرواد النهضة الأوائل، والمطامح الوطنية لشهداء 6 أيار 1916 ضدّ السلطنة العثمانية. كما كان لهذا الحزب الدور الريادي في إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وعمليات المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني التي شقّت طريق التحرير بدءاً من بيروت في شهر أيلول 1982. وهو يواصل اليوم نهجه النضالي الذي يترابط ويتلازم فيه وجهي العملية النضالية الوطني والاجتماعي، ويواصل عمله الهادف الى تطوير دور الانتفاضة وتحولها الى ثورة على قاعدة برنامج ومهام وقيادة تتشكّل من أوسع ائتلاف شعبي.
ويقف الحزب بثبات مؤكداً نهجه وموقفه الوطني ضد العدو الصهيوني ومطامعه بأرضنا ومياهنا وثروتنا البحرية الغازية. ومع قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني ومنها حق العودة، ومع نضال شعوبنا العربية وقواها التحررية والثورية في مقاومة الامبريالية والصهيونية وأنظمة التبعية والتخاذل والظلم الاجتماعي.
إنّ انتفاضة 17 تشرين هي مرحلة نوعية جديدة، فبدورها النضالي ضدّ نظام الفساد والتبعية والتحاصص، وانقساماته التي تنفُذ منها أصابع العدو الخارجي، وإنما يحمل بعداً مقاوماً للتدخلات والضغوط الخارجية، التي من أغراضها فرض تنازلات على لبنان في الموقف من العدو الإسرائيلي، بشأن ترسيم الحدود، وحيال مخططه للسيطرة على المنطقة وصفقة القرن، في ظل تطبيع بعض السلطات العربية، مع الكيان الصهيوني. وتظهر تناقضات الأطراف السلطوية حيال تشكيل حكومة، وتأجيل استشارات التكليف، وحيال تركيبة الوفد المفاوض. انّ هذه الأطراف لا تُعير أهمية للوقت، ولا تكترث بما حلّ بلبنان والشعب من كوارث. وليست قادرة على إدارة شؤون البلاد. مع ان تشكيل حكومة على النمط التحاصصي، وبرعاية فرنسية أو خارجية، لن يكون أكثر من جرعة أوكسجين للنظام وأهله. كما لن تكون محاولات جهات داخلية وخارجية، قادرة على حرف الانتفاضة عن هدفها في تحقيق التغيير، وتشكيل حكومة من خارج المنظومة السلطوية، وبصلاحيات استثنائية، لإخراج بلدنا وشعبنا من مستنقع الانهيار والكوارث، وبناء وطن ودولة وطنية. فهذه الانتفاضة لم تكن وليدة اللحظة التي انفجرت فيها وليست من خارج السياق النضالي العام لشعبنا. فتظاهرات اسقاط النظام الطائفي، والحشود الضخمة احتجاجاً على مشكلة النفايات، وعلى تقنين الكهرباء، والتحرك الكبير الذي قادته هيئة التنسيق النقابية، وغيرها من التحركات، كانت مقدمّات لانتفاضة 17 تشرين التي شكلت تتويجاً لهذا المسار. فهي الرد الشعبي على الانهيار والإفقار. وقد أسقطت بتحركاتها حكومتين، وخلقت مناخاً شعبياً جديداً ناقما على الطبقة السلطوية ونظامها، وأسهمت في نمو الوعي وانتشاره، وفي الجرأة على الرفض والنزول الى الشارع. ولم يعد بالإمكان تجاهل الدور الشعبي في أي شأن حكومي أو لبناني. ولم تنفع أساليب التضليل والوعود الكلامية، ولا القمع السلطوي، وإقحام ميليشيات الزعامات الطائفية، رغم تأثير جائحة كورونا. فالقمع والعنف ليس علاجاً للفقر والجوع. فكما كشفت كارثة المرفأ وحجم الضحايا والدمار الواسع في بيروت إهمال المسؤولين الفاضح، كذلك الأمر بالنسبة الى الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي المخيف. فما يشغل أطراف السلطة، هو مصالحهم الخاصة وحصصهم وحماية فسادهم. وها هم يستجيبون لضغوط الرئيس ترامب، بتنازل يكفي أن يتمثل بإطار “التفاوض مع إسرائيل"، أي الإقرار بها كدولة على أرض فلسطين المحتلة. وهل يصحّ بالأساس، أن يقدم لبنان على تفاوض، وهو في حالة ضعف فاضح وانهيار. ألا يستبطن دور "الوسيط" الأميركي الميل لمصلحة إسرائيل في قضم حدودنا البرية وثروتنا النفطية البحرية؟ لا ننسى أن تنازل الأطراف السلطوية لبعضهم في التسويات، كان نمطاً وعلى حساب مصالح الشعب والبلاد. والأهم ان تنازلهم الآن، هو بدافع تجنّب سيف العقوبات الأميركية، ولشهيَّتهم المفتوحة على استكمال السرقة من الثروة النفطية، وللهروب من إلحاحية استعادة المال المنهوب والمهرّب.
ويبقى أن المؤكد هو ان الاستمرار بسياسات الانهيار والإفقار الذي استولد الانتفاضة، سيؤدي حتماً الى مواصلتها وتطويرها حتى يتحقّق التغيير.
أخيراً، تحية لمؤسسي الحزب الشيوعي اللبناني وشهدائه في النضال الوطني والاجتماعي. وتحية لانطلاقة الانتفاضة التي جدّدت أمل شعبنا والى شهدائها.