مصر: الاضطراب المزمن
محمد حسام
2020 / 10 / 15 - 22:01
حالة عامة من الخوف من هدم البيوت والفقر مع تراجع حالة الخوف من الوباء -مؤقتاً-، وكأنه كتب علينا أن نعيش مقهورين في جمهورية الخوف. أنباء عن محاصرة مناطق في الريف وأنباء أخرى عن وجود خطة لخصخصة مؤسسات عامة، انكماش ومعاناة اقتصادية، غير ما خلفه الوباء من آثار، انحطاط مجتمعي تمظهر في وجود حالات تحرش واغتصاب بالجملة تتقاطع في كثير من هذه الحوادث الهيمنة مع الطبقية والسلطة والنفوذ. صورة كاملة عن انحطاط نظام اجتماعي وسياسي، نظام أصبح مأزوم من شعر رأسه حتى أخمص قدميه.
النهب، ثم مزيد من النهب
النظام يعاني من أزمة مالية طاحنة، أعوام من الاقتراض أوصلت المديونية الخارجية والداخلية لمستويات غير مسبوقة، تدعيم السلطة وإضاعة المليارات على التسليح، مزيد من ريعية الاقتصاد لخدمة فئات الرأسمالية الحاكمة وكبار الجنرالات الذين يعتاشون على هذا الاقتصاد الريعي، حيث تمثل الصادرات النفطية 50% من مجمل الصادرات المصرية وسوق العقارات أصبح يمثل 16,4% من الناتج المحلى الإجمالي، الاقتصاد المصري وصل لمرحلة من الهشاشة جعلته لا يتحمل أكثر من ثلاثة أشهر من الإغلاق الجزئي. في النهاية الحكومة لجأت لسلسة قروض جديدة بقيمة تتعدى الثمانية مليارات دولار، لا يعلم أحد -حتى النظام أعتقد- كيف سترد تلك المبالغ وكيف سيمكننا الخروج من هذه الدائرة الجهنمية من الديون، مع نسبة ديون خارجية تصل إلى 34,9% من الناتج المحلى الإجمالي، وديون داخلية تصل إلى 62,3% من الناتج المحلى الإجمالي طبقاً لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أي إجمالي ديون تصل إلى 97,2% من الناتج المحلى الإجمالي. وعلى الأغلب قانون التصالح هذا هو جزء من ما في جعبة النظام من حلول لتوليد أموال في أسرع وقت.
النظام قرر حل أزمته المالية -أو هكذا هو يعتقد- على حساب ملايين الفقراء والمتوسطين الذين لم يوفر لهم مسكنا وجاء الآن ليحاسبهم. ملايين من البشر مهددين بالطرد وهدم منازلهم إن لم يسددوا عشرات الآلاف من الجنيهات باسم المصالحة مع الحكومة، هو في الحقيقة ليس إلا قانون جباية أشبه بقوانين المماليك في القرن السادس عشر التي كانوا يلجأون إليها لزيادة حصيلة الضرائب
كما بيّنا، النظام قرر حل أزمته على حساب الطبقة العاملة والطبقات الفقيرة، هذا في ظل انخفاض توقعات النمو هذا العام من 6% إلى 4%، نسمع مع هذا أنباء عن وجود خطة خصخصة مؤسسات مثل المترو في القاهرة لشركة فرنسية والقطار في الإسكندرية لشركة صينية وبداية خصخصة التأمين الصحي في بورسعيد. لذا فمن الواضح أن النظام رأى أن النهب والسرقة الفجة هو طريقه للخروج من الأزمة، والحق أنه لم يعد في يد الرأسمالية المصرية ودولتها كثير من الأدوات لاحتواء الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
الرأسمالية المصرية، التي ترتبط بخيوط كثيرة مع النظام الرأسمالي العالمي من موقع التابع، لا تجد اليوم، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي مازلنا في بدايتها، إلا أن تضع يدها في جيوب مواطنيها لسرقتهم بشكل فج ثم تضع السلاح في وجوههم من أجل ترهيبهم وقمعهم. النظام الرأسمالي خاصة بنمطه الريعي القائم في مصر هو نظام ينكمش ويتحطم أمام أي أزمة ولو طفيفة نظراً لعدم وجود صناعة وقاعدة انتاجية. بالتالي هذا يجعل احتمالية صمود النظام الرأسمالي المصري أمام هذه الأزمة احتمالية ضعيفة جداً تكاد تكون منعدمة، وما يعقد الأمر أكثر أن النظام الرأسمالي العالمي في أزمة مستعصية وبالتالي فإن إمكانية مساعدة الديكتاتورية العسكرية الحاكمة من الخارج تتضاءل.
قمع الوباء
قرر النظام منذ عدة أشهر أن لا سبيل إلا عودة الحياة لطبيعتها كما يقولون، أي عودة جميع الأنشطة الاقتصادية خاصة تلك المملوكة لكبار الرأسماليين والمؤسسة العسكرية.
النظام تعامل مع الوباء بطريقة لا هدف لها سوى الاستعراض ومحاولة إيهام الجماهير أنه فعل أقصى ما يمكن أن يُفعل وأن الأزمة في الشعب ووعيه، هذا مع قلة عدد التحليلات الكاشفة للفيروس، وأنباء كثيرة وأمثلة أصبحت في حياة كل منا عن حالات مصابة بالفيروس ترفض مستشفيات العزل استقبالها، وتعتيم كامل وحصار لمستشفيات العزل. كل هذا يفقد النظام المصداقية القليلة المتبقية له.
كل هذا يحدث ومازال لم ينتقل مركز تفشي الوباء إلى بلادنا ومنطقتنا. لنتخيل ما يمكن أن يحدث إن بدأت موجة انتشار ثانية للوباء في بلادنا في ظل قطاع صحي متهالك هو أضعف بكثير من مواجهة تحد كهذا، ووضع اقتصادي مزر، وحكومة عاجزة لا عمل لها سوى امتصاص دماء الجماهير العاملة لخدمة مصالحها ومصالح رجال الأعمال، ومجتمع منهك.
موجة تفشي ثانية للوباء ستكون آثارها مهلكة لا يستطيع أحد توقعها بدقة نتيجة اتساعها وفداحتها، والنظام الرأسمالي وممثلوه السياسيون يعلمون ذلك جيداً ويصلون ليل نهار لينتهي الوباء، لكن من سوء حظهم دعواتهم لا تلقي صدى. وكالعادة سندفع ثمن حقارة حكام وأثرياء هذا الوطن، سندفعه دما وفقرا وجوعا وبطالة ومرضا، ستصبح نكسة تضاف إلى سجل نكساتنا التي ستزيد حتماً ما دمنا لم نتخلص من هذا النظام الرأسمالي العفن الذي تعمل على حراسته الآن الديكتاتورية العسكرية وممثلها عبدالفتاح السيسي.
اضطراب سياسي مزمن
نتيجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي المزري والمستقبل شديد القتامة ينشأ دائماً وضع سياسي شديد التوتر. هذه القبضة الأمنية المتوحشة ودرجة القمع القصوى ما هي إلا نتيجة لما يمارسه النظام في الحقل الاقتصادي والاجتماعي. النظام وممثليه يعلمون أنهم ارتكبوا جرائم في حق الجماهير، وإن تم السماح للجماهير بالتعبير عن غضبها فستكون النتيجة المنطقية هي أنهم سيعلقون على المشانق واحداً واحداً.
كما قال لينين “السياسة هي التعبير المكثف عن الاقتصاد”، نظام اقتصادي مأزوم وطبقة حاكمة مفلسة تعتاش على النهب الفج واعتصار الجماهير حتى آخر قطرة ممكنة وإفقارهم وتجويعهم لإثراء أقلية ضئيلة في أعلى هرم المال والنفوذ والسلطة، وطبقة حاكمة مفلسة فكرياً وايديولوجياً تعكس انحطاطها على المجتمع وهي سبب صعود جميع القذارة الروحية والاخلاقية، كل هذا لابد أن ينتج واقعا سياسيا قمعيا، هذا النظام الرأسمالي بسماته تلك تلزمه قوة عسكرية تحميه ليستمر في العمل، فبدون تلك القبضة الحديدية لن يستمر في الوجود يوماً واحداً.
النظام يدرك ذلك جيداً وما يحدث هذه الأيام دليل على ذلك. الدوريات الأمنية المستمرة في كل الشوارع تقريباً، اغلاق المقاهي خوفاً من اندلاع مظاهرات، والتي حدثت يوم 14 سبتمبر. وتفتيش المواطنين وهواتفهم في الشوارع، كل هذا دليل على أن النظام يعلم أن هناك عوامل انفجار كثيرة في المجتمع، لكنه لا يملك إلا أن يستمر في النهب وبالتالي في القمع، فمزيد من الأكل يؤدي لتوسع الشهية دائماً. المظاهرات والاحتجاجات التي تتردد أصداؤها هذه الأيام وموجة الاعتقالات والتوتر الأمني في الشوارع، الذي أدى إلى مئات المعتقلين وعشرات المصابين وأكثر من 4 شهداء برصاص القوات النظامية، هو مثال حي على حالة من الاضطراب السياسي والمجتمعي أصبحت معممة وأصبحت هي الوضع الطبيعي الجديد.
خاتمة
هناك عوامل انفجار كثيرة في المجتمع، أزمة اقتصادية طاحنة تؤثر على حياة أغلبية الشعب، تزايد معدلات الفقر، تزايد معدل التضخم ليصل إلى 9,2%، وارتفعت معدلات البطالة من 7,9% إلى 9,6% حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وباء يحوم حول المجتمع كملك الموت، كل هذا ولا أمل يلوح في الأفق بالنسبة للجماهير، لا شيء لدى النظام الرأسمالي يمكن تقديمه للجماهير إلا الوعود الكاذبة على لسان الديكتاتور من ناحية والقمع والخوف من ناحية أخرى.
الجماهير تتعلم من التجربة أن لا سبيل أمامها سوى المقاومة، وما يحدث من مقاومة شعبية في القرى وأطراف المدن لقانون التصالح هو دليل على ذلك، فالجماهير تتعلم الآن في معمعان الصراع الطبقي أن مقاومة الدولة الرأسمالية لا مفر منها وأنهم يمكنهم ردعها وإجبارها على التراجع، مع بداية حديث حول تسهيلات في تطبيق قانون التصالح، كل هذا حدث بدون تدخل الطبقة العاملة وجماهير المدن في الصراع. الدولة تعمدت البدء في تطبيق قانون التصالح في القرى وأطراف المدن وأرادت أن تستغل طبيعة المجتمع الفلاحي البعيد عن وسائل الإنتاج وعدم وجود كتل سكانية كثيفة في القرى وأطراف المدن، ولعلمها بصعوبة تنفيذه في المدن وتفادياً لسيناريو أصعب مما حدث ويمكن أن يخرج عن سيطرتها بسهولة. إنه بالتأكيد تراجع جزئي لامتصاص الغضب الشعبي، لكنه لن يحل أي من المشاكل المتراكمة. وستحاول الدولة استرداد هيبتها وقبضتها في أسرع وقت وستعمل على سرقة الجماهير بطريقة مختلفة في أسرع وقت أيضاً وتحميلها ثمن الأزمة، لكن الأكيد هو أن ما يحدث لن يمحى من ذاكرة الجماهير.
تراكم الضغط سيؤدي حتما، عاجلا أو آجلا، إلى حدوث الانفجار. وليست التحركات الأخيرة التي تشهدها بعض المحافظات المصرية إلا حركة تسخينات لما سيحدث مستقبلا، هذا هو المنظور الذي علينا أن نستعد له. لكننا نحن، الماركسيون، لسنا ميكانيكيون، قد يأخذ هذا بعض الوقت، لتتعافى الجماهير من هزائم الماضي وتهب للنضال الاجتماعي، لكن الأكيد هو أن الطبقة العاملة لن تسمح بأن تعتصر بدون مقاومة، وكل ما يحدث لن يمر مرور الكرام بدون أثر على وعي الجماهير العاملة والفقيرة والشباب الثوري.
وبنظرة واسعة للأمور، ليس من السيء عدم حدوث انفجارات اجتماعية واسعة الآن، أي انتفاضة واسعة أو ثورة، هذا سيعطينا مزيدا من الوقت لتجهيز أنفسنا وتنظيم صفوفنا وبناء قوانا في حزب ثوري لقيادة الطبقة العاملة لحسم السلطة والقضاء على النظام الرأسمالي في الثورة القادمة الآتية لا محالة.
لكننا لسنا أوصياء على الحركة والجماهير ويمكنها أن تباغتنا في أي لحظة، الوقت ليس في صالحنا، يجب أن نسرع في بناء حزبنا الثوري الذي يهدف لإسقاط النظام الرأسمالي وبناء نظام اشتراكي ومجتمع إنساني غير قائم على التنافس والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج لزيادة الأرباح والثروات لأقلية ضئيلة في المجتمع، وإنما نظام قائم على التشارك والتعاون والملكية المجتمعية لوسائل الإنتاج لسد وتلبية احتياجات الجماهير على قاعدة الاقتصاد المخطط، مجتمع لا يُحكم بالسلاح والسجون والقمع والخوف، بل يُحكم بالديمقراطية العمالية التي تقوم على حق الانتخاب والعزل لكل المسؤولين، كل هذا بقوة الطبقة العاملة الثورية والمنظمة، الطبقة الوحيدة القادرة على هزيمة النظام الرأسمالي ورمي جهاز دولته الجمهوري في مزبلة التاريخ.
المجد للشهداء والحرية للمعتقلين والشفاء العاجل للجرحى
ابنوا الخلايا والتنظيمات الثورية في كل مكان
تسقط الديكتاتورية العسكرية الحاكمة
تسقط قوات قمع الشعوب (الشرطة والقضاء والجيش)
تسقط حكومات رجال الأعمال
لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بحكومة عمالية