أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - كنت معها - قصة















المزيد.....

كنت معها - قصة


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 1605 - 2006 / 7 / 8 - 06:23
المحور: الادب والفن
    


ان يعيدك تلاقي نظرات غير متوقعة , الى ما كانت تظن انه محي من سيرتك وتاريخك , تلاشى من ذاكرتك واضمحل اثره في وجدانك , وان يحيي ذلك اللقاء الصامت , ما صار منسياً ثم الاندفاع بالنظرات للبحث في القسمات والتعابير بلهفة و عبر لقاء فجائي بين زوجين من العيون , فيعود المنسي ببريق متوهج ينجلي تماما بأبهى صوره , يكثف جوهره , يتجذر وكأنك تواصل ما كان بلا انقطاع , ويسيطر بلا مقدمات ... بدفقه السحري على ذهنك , ومن شدة مفاجأتك وارتعاشك تكاد تطفر دمعة , ليست دمعة فرح بعد لقاء . فلم يكن بينكما لقاء , وليست دمعة حزن على فراق , فما كنتما في لحظات فراق , كان لقاء لم تشارك فيه سوى نظراتكما , وانفاسكما , ومع ذلك تمنيت ان لا تؤول اللحظات الى انتهاء , ان لا تفنى الدقائق , ان يتوقف كل ما في العالم عن الحركة , ان يتجمد , تتشابه كل النساء في العالم في حياتك , الا هي , تشابهت كل الاختراقات وبقي اختراقها سراً مكتوماً . تشابهت كل القبل وبقي لقبلتها طعم النبيذ المعتق , تجلس ضامة شفتيها , بهدوء رخيم , ولا يتحرك فيها الا عيناها المتنقلتان بين عينيك وبين صحن الطعام . نفس النظرات ونفس الاناقة ونفس الجاذبية . هل عرفتك؟ نظراتها تقول نعم , وقسمات وجهها لا تقول شيء . ربما تقول ..؟؟
أيقنت ان الذكريات لا تعترف بالزمن , ولا تستسلم للانتهاء , فوجئت بارتعاش اطرافك ووجيب قلبك , وغبت مجبراً عما حولك . كنت موجوداً بجسدك وغائباً بذهنك , وها انت ترحل الى حلم بعيد تكتشف نفسك من جديد .
تفزعني كثافة حلمي . أهو حلم يعتريني , ام واقع غريب كالاحلام ؟ كالسحر ؟ هزتني المفاجأة ونقلتني من حال الى حال . كنت كمسافر اضنته الطريق واخذته بعيداً . أرهقته المسافات , وتاه طويلاً في المساحات , خطفه الحزن وتنازعته شتى الامنيات والرغبات , كرب وفوضى رغم الحقيقة الواضحة , متيبس في صحراء ... تائه , وفجأة ينطلق الرذاذ الرطب الى وجهي ... التقطت انفاسي طالباً المزيد , وما كانت من وسيلة للمزيد الا نظراتي , فيزداد حلقي تيبساً وتزداد شفتاي جفافاً , ازداد لهفة , ازداد لوعة.
من لي بقاهر الزمن , يمحي من ذاكرتي فراقها , ربما يعيدني اليها , يعيدها الي لأغير ما جرى , لنغير نبض أيامنا و نعطي لما بقي من عمرنا وعشقنا رونقه المقدر , نعيد أجمل ما في العمر ونواصله .. نجدد الوصال و نجدد العشق.
كنت اظن ان الزمان كفيل بطي ما كان . ينهي الرغبات ويبدد الأحلام . فاذا الزمان يخر صريعاً امام رحيق امرأة جعلت مني غير ما انا .
زرعت في أحاسيسي رعشات قبلاتها , وملأت الهواء حولي بخمرها , بعبقها , برحيقها , بطعم النبيذ الفاخر المعطر بفعل الزمن , يبعث بمجرد التفكير فيه تخديراً لذيذاً يجري في الشرايين , يتدفق مع دمي لكل أطرافي , ولا يتوقف...
لا أدري ما يراودني . أبحث عن استراحة ارتب فيها نفسي واوراقي ويقيني لأعود أتابع حلمي البعيد.
أهو حلم حقاً؟ ربما رغبات ضائعة ؟ وربما أوهام ؟ أو حقيقة لم تتم ؟ عدم تمامها يعذبك ؟ وهل تقدر الأحلام ان تحفظ رحيق امرأة ونشوة ابتعد بها الزمن؟! وهل الزمن وهم... تخيلات ؟ ام حقيقة موضوعية؟
انتهى كل شيء قبل عقدين ونصف العقد . من السهل قياس حياتنا بالزمن ومن المستحيل قياس ذكرياتنا بالزمن. الزمن معادلة قهرية , لا تستقيم مع الحب . ربما ما يعتريني يؤهلني لكتابة نظرية عشقية في مفاهيم الزمن والصبابة؟ ولكن رحيق المرأة لا يؤمن بالزمن , لا يؤمن بالمقاييس الثابتة... وكم اتمنى الاقتراب من ملتقى الرقبة بالكتف, لأستنشق خمرة أنوثتها بعمق وحرية . هل أنا في عالم ملموس ؟! ام في زمن خرافي ؟ هل يحد الزمن سحر امرأة ؟! هل يقضي على الاحساس بالنشوة التي كانت؟! وأقول لنفسي ان الصبابة لا تؤمن بالزمن. والعاشق لا يؤمن بالزمن , لكن لا شيء يوقفه , الزمن لا يتوقف . ربما انا بحاجة الى شيء من الادراك؟! هل في الجنون ادراك؟! وهل في هذا اللقاء ادراك؟
أحياناً تبدو الكتابة عن المحسوسات غير المادية مستحيلة عبثية , وان عالمنا المادي لا يعترف الا بالموضوعات المرئية والملموسة , وان خروجنا عن هذه القاعدة يرسلنا بعيداً نحو الغيبيات . لوهلة لم اثق انها هي . ترددت غير اني تأكدت من نفسي . هذه تفاصيلي التي أعرفها . تمتد يدي المعروفة لي تماماً نحو كأس النبيذ . أبيض يميل الى الاصفرار.
طعمه معروف لي ولساني يعتصر بتلذذ أخر ما تبقى من الرشفات .لا أشعر بقدمي , ولكني متأكد من ملكيتهما , وهذه يدي اليسرى تسند ذقني وأنا مسحور من المفاجأة , وعيناي ترفضان الأبتعاد والتعقل . لا ارادة لي في زجرهما , ولكن ذهني يتلقى وقائع اللقاء المرئية مما يثبت انهما عيناي حقاً . تحسست رأسي متقيناً ان موقعه لم يتغير . ربما انا بحالة هلوسة من فعل الخمر ؟ ولكن الخمر لم تغدر بي في السابق , ولم تتغير العلاقات المتوازنه بيننا . وها انا بالكاد تذوقتها , وما حان الوقت لتفصح عن نفسها ملوحة زاجرة . فأي خطوب تلم بي ؟! وأي طقس يعتريني , أهو طقس سكر ام طقس الحب ؟ أم السكر والحب بتعاون لا يعرف الخلاف ؟! هل لي بشفيع يخفف حيرتي ؟! يفرج كربي ؟! يرشدني؟! تكررت النظرات وتشعبت الذكريات , أحياناً تبدو الذكريات كلمحات لا يمكن الوصل بينها .. كتناقضات من المحال ان تشكل وحدة واحدة , غير ان يقيني التام ان الحب لم يهجر جوانحي ... والا ماذا تسمي الاحاسيس التي تدغدغني ؟!
غرقت في نفسي لاستجلاء انصع ما يكون من ترابط للذكريات التي تعصف بي . اوراق كثيرة تنتعف بوجهي , فألهث وراءها لاجمعها في نسق صحيح وارتبها بذهني , ضفيرة وراء ضفيرة . هل كنت أتمنى لقاء بلا ميعاد ؟! هل كان اللقاء ضمن توقعاتي ؟! خمس وعشرون عاماً تندفع في لحظة لا تقاس بمقاييس الزمن المتعارف عليها . تتوالد من الابعاد مشاعر ما كنت اظن انها ستعود لي . هل سأكتفي بها ؟! وهل تستعاد أيامنا من التاريخ ؟!أم نبقى رهائن للذكريات ؟! ما تبقى لي منها اطلال من الأحاسيس لا تغادرني. اخاف ان تغادرني . ربما توهمت اني نسيتها . ربما تناسيتها عجزاً من الوصول اليها ؟ تناسيتها لتخفي هزيمتك؟ وفجأة تكتشف ان ربع قرن يفصل بينكما , وامتار قليلة تبعدها عنك , قريبة وبعيدة المنال ... ربع قرن لم المحها ولم تلمحني . وها هي تجمعنا لحظة مجنونة كغرباء. لا يستطيع ان يقترب احدنا من الأخر ليتأكد بالملموس من صدق المحسوس ... وليتني اعانقها ولو للحظة , أكون قد حققت مرادي في الحياة , قلت لنفسي الحب لا يعرف الاستقرار . لا أذكر اني لمحتها منذ تباعدنا , انا متأكد من ذلك . وأنا واثق انها لم ترني منذ ودعتني بقبلة رطبتها دموعها . وهل تنسي تلك القبلة ؟! هل يتغلب الزمن على حرارتها وملوحتها ...؟ هل ينسى وجيف القلب؟!
لم يكن فراقنا تنافراً . انما كان قراراً وحيد الجانب . قالت انه ادراك للمسؤولية . رأيت به ادراكاً مشوهاً لحقيقة مشوهة , كان الأحرى بي التحدي . كنت مستعداً للتحدي.ولكنها أصرت على الابتعاد. فألتزمت برغبتها . وقلت لنفسي ان الانسان يحمل في داخله ضده.
كان التعارف بيننا سريعاً وغريباً وبلا مقدمات وبلا اجتهاد , بادرتني:
-انت تشدني.
كانت تتوهج بجمال فطري , اضافت اليه أناقتها البارزة , وحسن الاستعمال للاصباغ سحراً أخاذا.
لم افهم ما تعني "بتشدني" . ولكن بروز صفي اسنانها المرتبين بدقة و من وراء انفراج ابتسامتها , جعلني أفهم وأتغابى . اربكتني بجرأتها . لم اتوقع هجوماً بلا مقدمات . واعترف انها نجحت بارباكي كما لم يربكني احد من قبل . ارباك انقلب الى سعادة , ثم فراق ثم شقاء.
عرفتها في زيارة بيتيه لاحد اصدقائي. كانت تجلس في الصالون وتتبادل الحديث مع مجموعة من الصبايا في امور لا أذكرها , وربما لا أفهم منها شيئاً لو تذكرتها . بعضهن ارتبك لدخولنا فصمتن اما هي فواصلت حديثها بنفس الحيوية , بعد ان توقفت للحظة لرد التحية, مرفقة بأبتسامتها ... فراقبتها دون ارادة بطرف عيني . كان فيها شيئاً مميزاً لا تكتشفه بسهولة ولكنه يشدك . وجدت نفسي أغوص بما لا عهد لي به , لم أستطيع مبادلة صديقي حديثه, ولم يفهم ما يعتريني , ربما فهم وصمت , أخترقت احاديث الصبايا بلحظة مؤاتيه وبمهارة , قد تكون اثارت شكوك صديقي لتحولي المفاجيء من الملل بتبادل الحديث معه , الى الحماسة بالحديث اليها ... وللأخريات . بدأ الاستلطاف من حيث لا أدري . وحدث التعارف من حيث لم أتوقع . النظر اليها راحة , والرغبة بالازادة لا تعرف حدوداً . حين قامت لتذهب , اعطتني يدها ... أسلمت يدي بحماس ليدها . ضغطت بلطف وصعقتني "بانت تشدني" ... بصراحة وبلا مقدمات وبلا توضيح اضافي .
وقالت:
- سأتصل بك لنواصل حديثنا.
قرصني صديقي بخصري فجفلت . إنتبهت فابتسمت ولم تضف , انما استدارت لتخرج وراء صديقاتها , وعدت لمللي من مواصلة الحديث غارقا بتوقعات وتحليلات سحرية .
بعدها التقينا كثيراً . ربما قليلاً .. يتعلق بمفهومنا النسبي للكثير والقليل, ولكنها كانت لقاءات كافية لتوحد ما بيننا . كانت الفعل وكنت رد الفعل المشابه والمساوي له بالقوة . وتفاهمنا ان الاعجاب متبادل وبنفس القدر وان الاستلطاف تم واكتمل...فنعم ما حصل . قلت لنفسي ان كربي انفرج وأشرقت شمسي , وهذه بداية حقيقية للحياة . وقلت لنفسي هل تبيع اصلك الصعلوكي ومبادئك الملتهبة مقابل عشرتها؟! فقلت لنفسي ان الصبابة هي الخمر والمباديء هي الأمر . وهما مثل الليل والنهار , لا يحل الواحد مكان الأخر , انما يلتقيان في رقصة دائرية لا فكاك منها.
اندفعنا بعشقنا , غافلين عما تخبئه لنا الأيام , وكانت وقائع حياتنا تتجلى بين لقاء ولقاء . كان لقبلاتها طعم خاص لم أعهده في مغامراتي الأولى , حتى توتري وهيجاني مختلفان , اكتشفت نفسي من جديد . اكتشفت الحب من جديد. انتشيت, سحرني ما انا به وتمنيت دوام الشروق . تمنيت دوام الاستقرار وقلت لنفسي :
- ما انا به لم يراودني حتى في احلامي . وقلت : هذا منتهى احلامي ولن أطمع بامرأة غيرها .
كنت اريدها برغبة لا تعرف الحدود... قالت :
- اعرف ما تريد , وانا اريده كما تريده انت , ولكني لست بغجرية.
- الغجرية حارة حتى في الشتاء وحين ترقص تصبح مرغوبة أكثر.
- لا اعرف ما شدني اليك.ربما هذه حماقة حياتي الأولى.
- اضيفي اليها حماقة اخرى , لينزل على قلوبنا الأطمئنان والسلام وانا حاضر لأي ثمن تطلبينه.
قالت بشيء من الحدة والألم :
- هل انا بغي لتفاوضني على ثمن لحبي؟!
قلت مخففاً من زلتي :
- لا تفسري كلامي بغير معناه. انا اسير هواك...أصرخ مستغيثا ًللمزيد , فأحتملي نزوات لساني... لن اتجاوز ما ترفضينه . ولكن الرغبة مجنونة... ضمت راسي لمنحدر صدرها تحت الرقبة فتمنيت الا يؤول الزمن الى انتهاء , تفحصت بنظراتي معالم وجهها وامتداد الرقبة بين الذقن والكتفين محاولا المقارنة بالأصل الذي اعرفه. اجابتني بنظرة تقول اشياء ولا تقول شيئاً , أتستعيد هي ايضاً ذكريات ايامنا الملتهبة ؟ تحتفظ بطعم قبلاتي؟ بانسلال اصابعي بين خصلات شعرها ؟ بتفحصي مناطق صدرها المحظورة؟ كم تمنيت ان اكتشف بالرؤية ما ينتهي به انحدار الصدر, وصدتني بقوانين عشقها الصارمة المتزمته. كنت احاول ان استجلي بالعناق عن طريق ضغط صدرها الى صدري , ما لم استجله بالرؤية المثبتة , والقبض عليهما بالجرم المشهود . صبرت حبيبتي على جنوني فتماديت .. ولكنها وقفت بالمرصاد . قالت لي ان مبادئي الثورية هي تغطية ناجحه لعبثي . قلت وهل تنفي المباديء الثورية الحب؟! قالت ولكنك عابث. كان حكمها غير قابل للاستئناف.
حددت المسموحات واكدت الممنوعات . قلت بأني سأتقدم لطلب يدها.فصدتني. قلت :
- انت تدفعيني للجنون , ويستعصي علي فهمك ...هل هناك قيمة لحبنا الا بالزواج؟
- افضل من ان تدفعني للندم .. انت مغرور. انت طفل انت مستهتراً.. احياناً بلا تفكير؟
- ترفضين ما اؤمن به من افكار؟ الم تجمع افكارنا بيننا؟!
- ماذا تسوى بلا افكارك؟! ولكن ليت توازنك كأفكراك , ليت تفكيرك كأفكاري .
- أكرر اقتراحي... أريدك زوجة لي , الزواج يعيد الي توازني , يوصلنا للسعادة .
- انا خائفة ! احبك وخائفة . اقول لنفسي اني لن استطيع ان اكون لغيرك . وأقول لنفسي ان الحب سلطان كاذب , واقول لنفسي ان مصائرنا ليست بالضرورة ان تكون محكومة لرغبات نفوسنا. ربما ما بيننا هو طيشنا. هو لا وعينا . احبك واخاف. يهيأ لي اني ارتكب حماقة . أتألم واقع في حيرة. لا اعرف كيف اندفعت, ولا اعرف كيف اتوقف , اتمهل لاستعيد تفكيري . يجب الا نكذب على بعض . نحن مختلفان , اجتماعياً مختلفان. المسألة ليست بقدرتي على قبولك , ليس هذا ما يقلقني , ولكنك لن تقبل ذهنيتي الاجتماعية , لن تقبل اجواءنا , لن تقبل صياغاتنا و لن تقبل خصوصياتنا .
واجهشت بالبكاء , اخذتها بين ذراعي بقوة , لامست وجنتيها بشفتي . استلطفت ملوحة دموعها وحرارتها.
- ساتغير , سأتعلم ان احترم اسلوبكم ... المهم انت. يؤلمني عذابك!!
- ليس هذا ما ابحث عنه. انا لم اخلق لما نحن به , اكاد انكر نفسي .أرفضها.
بدأت افهم ما يعتري فكرها.بدأت المس خطأي في الاندفاع العابث المجنون .. واعترتني كآبة وتوجس . كان واضحاً اني رسبت في الامتحان .. فهمت ان ما شدنا الى بعض ليست رغباتنا . ربما اوهمتها بفلسفتي اموراً تبخرت. تلاشت مع العناق والقبلات , فلم يتبق الا الموضوع الصعلوكي , حتى في الحب قد اكون اندفعت باستهتار لأشباع رغبة مجنونة , فلم اميز بين الحب وبين المتعة العابرة . وها هي تستعيد توازنها . تبكي وتستعيد ادراكها. تحبني ولا تستطيع قبولي . استجديها فتبتعد اكثر . لأول مرة أتوجس ان تتركني امرأة , ان ابقى بدونها . كنت اركض من علاقة الى علاقة ومن رغبة الى رغبة , حتى وصلت اليها . حتى وصلت الي , فاتحدنا. كانت صريحة ومقنعة وساحرة في صراحتها . اقامت حدوداً جغرافية لا يجوز تجاوزها . وافقتها معتقداً ان قدرتي وفني كفيلان باختراق المستحيل . كنت مندفعاً مغروراً , وها أنا ادفع ثمن اندفاعي وغروري , رغم اني لم أحب امرأة كما احببتها , واعترف لا زلت احبها .. وهل يكفي الحب؟! نظراتها تلتقي نظراتي ولا تقول شيئاً . ربما تقول ما لا استطيع ادراكه. وبنظراتي اتفحص مشدوهاً المساحات التي اعرفها , واحاول ان اطابق بين الصور الباقية في ذهني والصورة المتجلية أمامي.
وعلى حين غرة , وانا غارق في توجسي من انتهاء ما بيننا , باحثا عما يزيل كربي ويثبت قربي اليها , التفتت الي , وقالت بحزم طاريء.
- انا احبك ..اعترف.. ولكن سعادتي وسعادتك بالافتراق. عرفت هذا منذ اليوم الاول, ولم اصدق حدسي ... لا تقل شيئا .. لا تزد حزني ... اريد ان اذكرك كما انت...
قبلتني قبلة طويلة حرارتها فوق العادة . نظرت بعيني , ثم طبعت قبلة فوق جبيني , وتركتني وانطلقت دون ان تنبس بحرف أخر . ولفني الصمت .
انتظرتها في المواعيد المتفق عليها , فلم تحضر , انتظرت بلا أمل ولم احاول الاتصال بها. وجررت نفسي بعيداً عن طريقها . اتجرع وحدتي وألمي . اضطرب توازني وثقتي بنفسي . عشت عذاب الفراق . زاهداً بما يحطيني , متحسراً على ما فقدت وحزيناً لانقضاء اجمل ما في حياتي . هل من وسيلة تستعيد فيها الذات ما تحب ؟! ما بدا حقيقة مجسمة تناثر بلحظة؟!
مضي ربع قرن , خمس وعشرون عاما بالتمام والكمال. لم يفارقني حبها . لم يفارقني عبقها.
اريجها عطرها حرارتها , ملوحة قبلتها الاخيرة ... ولكنه انزوى في حنايا الذاكرة . حبي لها اكتمل ولكن رغبتي لم تكتمل , وما كان لها ان تبلغ وتكتمل حتى لو وصلت لما اريد .... كنت اريدها ليس للحظة , اريدها لكل العمر , ولما بعد العمر لو تيسر ؟ علمت بزاوجها وهجرتها مع زوجها الأمريكي الجنسية, والقريب ... ربما هو السبب ؟! وها هي نظراتنا تلتقي , تقول اشياء ولا تقول شيئاً. تصمت ولا تصمت . كنت جالساً مع مجموعة اصدقاء في مطعم غير بعيد عن شواطيء البحر في عكا, ورائحة السمك المقلي الذكية تخدرني . فهو ملاذي بعد فقدانها, السمك والنبيذ الابيض المائل للأصفرار . ربما فقداني لها بطريقة لا تختلف عن تملص السمكة من يد صيادها , جعلني انتقم من الاسماك ... او احبها اكثر . رفعت كأسي المليئة بالنبيذ الأبيض , مستنشقاً عطره الاخاذ , حين التقت عيني بعينيها. كانت اكثر من صدفة . صدمة شعرت بعدها بارتعاش اطرافي وكأني أعود الى الماضي . وملأت الخمرة انفي بعبق انوثتها. ربع قرن وعبقها لا يفارقني شربت دون وعي ... اكلت دون وعي , وكنت مع اصدقائي وبعيداً عنهم , كنت معها وكانت معي ... وكان بيننا ربع قرن ... وأمتار قليلة!!



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى لا يدفع الابرياء ثمن الجنون السياسي !!
- ذباب على موائد الادب
- خلفية الاجتياح الاسرائيلي للقطاع
- دراسة علمية رصينة حول اليهودية بقلم مفكر وناقد عربي
- رسالة الى وزير الامن عمير بيرتس / سقوط امنون دانكنر
- هل يتحول المجتمع العربي الى مجتمع لا ثقافي ؟
- صحافة بلا تفكير وبلا تنوير لا مستقبل لها
- الفجر يولد من جديد
- على بساط البحث من يخاف من المراكز الثقافية في البلدات العربي ...
- ماذا تبقى من ثقافتنا المحلية
- من اجل صياغة برنامج فكري سياسي حديث
- الحداثة كجذور للحضارة الانسانية
- درس في النقد - 2
- شاعر أصيل
- درس في النقد
- تسالي
- المطار
- نحو التغيير والاصلاح
- الابداع الثقافي والثرثرة المدمرة
- غريب يدخل حارتنا


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - كنت معها - قصة