حول الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى- مقتطف 1 من - تعميقا لدحض أهمّ ترّهات حزب العمّال التونسي الخوجيّة الواردة في- الماوية معادية للشيوعية - - الجزء الثاني من الكتاب الأوّل من ثلاثيّة - حفريّات في الخطّ الإيديولوجي والسياسي التحريفي و الإصلاحي لحزب العمّال [ البرجوازي ] التونسي -
ناظم الماوي
2020 / 8 / 29 - 02:15
لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
و الروح الثوريّة للماوية المطوَّرة اليوم هي الخلاصة الجديدة للشيوعيّة – الشيوعيّة الجديدة
( عدد 38 - 39 / أفريل 2020 )
ناظم الماوي
ملاحظة : الثلاثيّة بأكملها متوفّرة للتنزيل بنسخة بى دى أف من مكتبة الحوار المتمدّن .
تعميقا لدحض أهمّ ترّهات حزب العمّال التونسي الخوجيّة الواردة في" الماوية معادية للشيوعية "
------------
(1)
دحض ترهات حزب العماّل " الشيوعي " التونسي الخوجية
حول الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى
مقال من العدد الرابع – اوت 2011
لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية ! ترهات خوجية بصدد الثورة الثقافية
( فى الردّ على حزب العمّال و " الوطد " )
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
دحض ترهات حزب العماّل " الشيوعي " التونسي الخوجيّة حول الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى
---------------------------------------------------------------------------------
نحن لا نعتبر أبدا نظرية ماركس شيئا كاملا لا يجوز المساس به ، بل إننا مقتنعون ، على العكس ، بأنها لم تفعل غير أن وضعت حجر الزاوية لهذا العلم الذي يترتب على الإشتراكيين أن يدفعوه إلى الأبعد في جميع الإتجاهات إذا شاءوا ألا يتأخروا عن موكب الحياة.
( لينين ، " برنامجنا " )
--------------
ينبغى للمرء أن يكون قصير النظر حتى يعتبر الجدال بين الفرق و التحديد الدقيق للفروق الصغيرة أمرا فى غير أوانه أو لا لزوم له. فعلى توطد هذا "الفرق الصغير" أو ذاك قد يتوقف مستقبل الإشتراكية – الديمقراطية الروسية لسنوات طويلة ، طويلة جدا.
( لينين ، " ما العمل ؟ " )
----------------------------------------------------------------------------------------------------
إن الماركسية - اللينينية علم ، و العلم يعنى المعرفة الصادقة ، فلا مجال فيه لأية أحابيل فلنكن صادقين إذن !
(ماو تسى تونغ ، " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد 3، الصفحة 26 )
-----------------------
إن الجمود العقائدي و التحريفية كلاهما يتناقض مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدم ، و لا بد أن تتطور مع تطور التطبيق العملي و لا يمكنها أن تكف عن التقدم . فإذا توقفت عن التقدم و ظلت كما هي فى مكتنها جامدة لا تتطور فقدت حياتها ، إلا أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا ، و إن نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر إلى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقية و إعتبارها شيئا جامدا ،هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسية للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية .
( ماو تسى تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية "، 1957)
===============================================================
مثّلت ثورة أكتوبر البلشفية سنة 1917 أعظم حدث عرفه التاريخ خلال بدايات القرن العشرين و مثّل إنتصار الثورة الصينية سنة 1949 أعظم حدث أواسط القرن بينما مثلت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى أعظم أحداث نصفه الثاني و قمة ما بلغته تجارب دكتاتورية البروليتاريا عالميّا فى تقدّمها نحو الشيوعية .
لقد طبعت ثورة أكتوبر 1917 بطابعها عصرنا بأكمله و هزت العالم طبقاتا و شعوبا و أمما هزّ البراكين فإنقسم الناس إلى مساند لها و هم أنصار تغيير العالم و الثورات الإشتراكية و الثورات التحررية الوطنية و الديمقراطية الجديدة ، و معاد لها و هم حراس العالم القديم الذين يمارسون شتّى صنوف الإستغلال و القهر و الإضطهاد للحفاظ على سيادتهم . ومن ثمّة كان الموقف من الثورة البلشفية نقطة فصل بين القوى الثورية و القوى المعادية للثورة على مستوى العالم قاطبة. و ضمن حقل النضال البروليتاري الأممى ، بلغ خط القطيعة بين الماركسية – اللينينية من جهة و التحريفية من جهة ثانية درجة الذروة . و يصحّ الأمر نفسه بالنسبة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و إن بمعان قد تختلف قليلا أو كثيرا فهي لم تهزّ الصين فقط بعدد سكانها الضخم الذى يناهز ربع سكان العالم و إنّما هزّت كوكبنا بأسره ، و بالنظر إلى طابعها النوعي فقد مثّلت حدثا تاريخيا غير مسبوق ناصره الماركسيون – اللينينيون عبر العالم و إستلهموا منه دروسا فى معترك النضال و أتون الثورة بينما ناصبه الإمبرياليون و الإنتهازيون و التحريفيون العداء و كالوا له ما كالوا من الشتائم من كلّ لون.
و إذا كان من السهل على البروليتاريا و الشعوب و الأمم المناضلة إدراك الدواعي التى تجعل الإمبرياليين و أعوانهم يهاجمون الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فيقلبون الحقائق المتصلة بها رأسا على عقب مقدمين إياها فى أبشع صورة، فإنه من الصعب على الثوريين إدراك حملات الإفتراء وزرع البلبلة و التشكيك التى تجندت منذ عقود للقيام بها قوى كانت بالأمس القريب – و لاتزال تدعى أنها- تنتسب إلى الماركسية - اللينينية و ترفع رايتها و من بينها الدغمائية التحريفية الخوجية ممثلة عالميا بالأساس فى أنور خوجا ذاته الذى أعلن على مدى عشرات السنين مناصرته للثورة الصينية و الحزب الشيوعي الصيني و زعيمه الرئيس ماو و أشاد بالثورة الثقافية ثم إثر وفاة ماوتسى تونغ و إغتصاب التحريفيين الصينيين السلطة فى الصين التى تحولت بفعل ذلك الى إعادة تركيز الرأسمالية منذ 1976 ، أفاق ذات يوم و راح يحبر الكتب و المقالات ليتنصّل من كل مواقفه السابقة و يهاجم بكل ما أوتي من صفاقة التجربة الصينية و ماو تسي تونغ معلنا أن فكر هذا الأخير معاد للشيوعية و معتمدا فى ذلك على نقل أهم موضوعاته عن التحريفيين السوفيات .
----------------------------------------------
فى مقالات و كتب محلّية وعالمية تم الردّ على الكثير من الأفكار الدغمائيّة التحريفية الخوجيّة و هنا نواصل النضال الإيديولوجي و نذهب به الى نهايته فى محاولة للمساهمة فى تطبيق علم الثورة البروليتارية على الواقع المباشر وفى كشف الحقيقة التى هي وحدها الثورية ، حقيقة أنّه لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
و فى هذا المقال، سنتولى إستعمال سلاح النقد مع تلامذة خوجا المتمركسين فى تونس الذين إغتنموا الفرصة و تلقّفوا هذا السيف الدغمائيّ التحريفي و إنهالوا يضربون به بلا رحمة الشيوعيين الحقيقيين و يمرّغون فى الوحل التجربة الصينية و أرقى ما بلغته الثورة البروليتارية العالمية فى تقدّمها نحو الشيوعية. و من الخوجيين المفضوحين ، فضلا عن الخوجيين المتسترين أصحاب "هل يمكن أن نعتبر ماو تسى تونع ماركسيّا لينينيّا ؟ " الذين سنتناول رؤيتهم الخوجية فى المقال التالى، نجد محمد الكيلاني ( كرمز لحزب العمّال " الشيوعي" التونسي حين أصدر كتابه. وقد خرج عن الحزب ليكوّن حلقة الشيوعيين الديمقراطيين ثمّ الحزب الإشتراكي اليساري ما يعكس إنحداره للدرك الأسفل بعد تنكره للماوية وبالتالى للينينية – علما و أنّ حزب العمّال لا زال يتبنّى مضمون كتاب الكيلاني بما هو نسخ تقريبا لأفكار أنور خوجا و الحركة الخوجية العالمية التى إليها ينتمى هذا الحزب ) الذى يكرر فى كتابه " الماوية معادية للشيوعية " مواقف خوجا من الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و أحيانا بصورة حرفية تدعو للرثاء.
فى كتابه " الإمبريالية و الثورة " المؤلف سنة 1978 يقول خوجا " فى نظرنا بإعتبار أن هذه الثورة الثقافية لم تقع قيادتها من طرف الحزب و إنما كانت بمثابة إنفجار فوضوي ناتج عن نداء وجهه ماو تسى تونغ يسقط عنها طابعها الثوري . لقد مكن نفوذ ماو فى الصين من إثارة ملايين الشبان غير المنظمين من طلبة و تلاميذ إتجهوا نحو بيكين ، نحو لجان الحزب و السلطة و فقاموا بحلها ، و كان يقال إن هؤلاء الشبان يمثلون فى الصين " الايديولوجيا البروليتارية " و هم الذين يرسمون للحزب و البروليتاريا الطريق "الصحيح ". ( الطبعة باللغة الفرنسية ، الصفحة411 )
و يتابع قائلا بالصفحة الموالية : " لقد كانت هذه الوضعية الخطيرة نتيجة لمفاهيم ماو تسى تونغ القديمة المعادية للماركسية ، فهو كان يقلل من شأن الدور القيادي للبروليتاريا و يبالغ فى تقدير دورالشبيبة فى الثورة... و هكذا أبقيت الطبقة العاملة جانبا و فى العديد من الحالات وقفت ضد الحرس الأحمر بل وصلت إلى حد التصادم معهم . إن رفاقنا الذين كانوا وقتئذ فى الصين شاهدوا بأم عينهم عمال المصانع يحاربون ضد الشبان. لقد صار الحزب مفككا و تمت تصفيته. و لم يكن فى أي حال من الأحوال حزب الشيوعيين و لا البروليتاريا. لقد كانت هذه الوضعية خطيرة جدا ".
و ينتهى إلى القول : " لقد أكّد سير الأحداث أنّ الثورة الثقافية البروليتارية لم تكن ثورة و أنها لم تكن كبرى و لا ثقافية و بالخصوص لم تكن بروليتارية البتة إنها لم تكن سوى إنقلابا داخل القصر على المستوى الصيني من أجل تصفية حفنة من الرجعيين الذين كانوا قد إستولوا على السلطة. و بالطبع كانت الثورة مخادعة. إنها قضت فى نفس الوقت على الحزب الشيوعي الصيني و على التنظيمات الجماهيرية و أغرقت الصين فى فوضى جديدة. لقد قاد هذه الثورة عناصر غير ماركسية ( أو بالتحديد الأربعة ) الذين بدورهم سوف يقضى عليهم عن طريق إنقلاب عسكري من قبل عناصر أخرى معادية للماركسية و فاشية " . (ص413)
و عندما يتناول محمد الكيلانى فى كتابه المذكور أعلاه هذه المسألة الحيوية فى تاريخ الثورة البروليتارية العالمية و الحركة الشيوعية العالمية يحسم الأمر فى أقل من ثلاث صفحات مكرّرا أطروحات خوجا : " لقد كانت " الثورة الثقافية " صراعا بين كتلتين تحريفيتين فى السلطة ، كتلة ليو شاوشى – دنغ سياو بنغ و كتلة ماو- لين بياو " (ص82) مضيفا : " إنها لم تتم تحت قيادة الطبقة العاملة و الحزب بل إنطلقت و تطورت بمعزل عن تلك الطبقة و خارج الحزب و ضدّه . لقد حرك ماو ملايين الشباب التلمذى و الطلابي الذين كوّنوا " الحرس الأحمر " ضد خصومه. كانت حركتهم فوضى بأتم معنى الكلمة حتى أنهم تصادموا مع العمال و طالبوهم بالإئتمار بأوامرهم كما إستند ماو على الجيش الذى كان يقوده لين بياو و عظّم شأنه و قدمه على الحزب بل و دعا هذا الأخير لأخذ المثال عليه. كان الحزب " الشيوعي" الصيني غائبا بل كان هدفا " للثورة الثقافية " التى حلت هياكل الحزب و شلت نشاطها. و لم يتم الشروع فى إعادة تنظيمها إلا فى أوائل السبعينات مع عودة آلاف الكوادر من أنصار ليوشاوشى و دينغ سياو بينغ على إثر التخلص من" لين بياو". و كان الأمر مماثلا بالنسبة للمنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة و الشبيبة الشيوعية و منظمات النساء. هذه المنظمات التى وقع حلها و لم يبق إلا الجيش كقوة منظمة أساسية يلعب دورا قياديا فى ما دعي "باللجان الثورية ". (ص83)
و يسترسل بالصفحة ذاتها : " و بالفعل " الثورة الثقافية " لم تحقق الأهداف المعلن عنها أي ضرب التحريفية و نفوذ البرجوازية بل على العكس فإن الأمور تدهورت أكثر فى الصين و التحريفية تغلغلت و ثقلت على جهازي الحزب و الدولة. و فى الوقت الذى كان يعلن فيه عن " نجاح الثورة الثقافية " و " بلوغ أهدافها " نرى ماو يؤكد بنفسه فى أفريل 1969 : "على ما يبدو لى إذا لم نقم بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فإن الأمور لن تسير على أحسن ما يرام لأن قاعدتنا ليست صلبة . فما لاحظته و لا أقول هنا أن كل أو الأغلبية الساحقة من المعامل بل أقول أن أغلبيتها الهامة لا توجد قيادتها لا بين أيدى ماركسيين حقيقيين و لا بين أيدى الجماهير العمّالية " .
--------------------------------------------
لا تعدو الترهات الخوجيّة كونها تنقل جوهريا موضوعات تحريفية سوفياتية وردت فى " نقد المفاهيم النظرية لماو تسى تونغ " دار التقدم ، 1974 ، نلخّصها بإقتضاب على النحو التالي : " محاولة تثبيت نظام السلطة الفردية فى البلاد " (ص213) و" قام الماويون بهجوم حقيقي على الحزب الشيوعي الصيني فقضوا على كل الهيئات القيادية المنتخبة للحزب الشيوعي الصيني من أعلى إلى أسفل ، و حطم كل الهيكل التنظيمي للحزب " (ص221) و " فى سنوات ما يسمى بالثورة الثقافية أخذ ماوتسى تونغ و أعوانه يعتمدون على أقل جماهير الشباب نضجا من الناحية السياسية و أخذوا يعتمدون على الجيش بدرجة متزايدة . و وضع الجيش لا الحزب و لا منظمات الكادحين العامة المستقلة فوق جميع أجزاء البناء الفوقي السياسي الأخرى." (ص173-174) و " فالسلطة كلها تتركز فى أيدى العسكريين صنائع ماو ، و الذين يشرفون على ما يسمى باللجان الثورية " (ص217) و " لقد أدّت " الثورة الثقافية " الى تسلط العفوية و الفوضى و الى صدامات حدثت بين الجماعات المتعادية فيما بينها فى المصانع " (ص324-325) و" رغم أن " الثورة الثقافية " تسمّى" بالبروليتارية " و تجرى لصالح البروليتاريا على حدّ زعمهم إلاّ أنّ العمّال الصينيّين مبعدون فى الواقع عن الإشتراك فيها ".(ص 280) و " ليس من قبيل المصادفة أن الطبقة العاملة فى الصين بصفة عامة تنظر نظرة معادية الى " الثورة الثقافية ".(ص281)
---------------------------------------------------------
و فيما يلى نخوض فى أمّهات التهم الموجّهة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى لنستشّف أنّ الخوجيين الدغمائيين التحريفيين يطمسون عمدا حقائق جمّة منها حقيقة أنّ " دكتاتورية البروليتاريا هي نضال عنيد ، دام و غير دام ، عنيف و سلمي ، عسكري وإقتصادي ، تربوي و إداري ، ضد قوى المجتمع القديم و تقاليده ".
( لينين ذكره ستالين بالصفحة 168 من " أسس اللينينية وحول مسائل اللينينية " ، دار الينابيع، دمشق 1992 )
1/ لماذا سمّيت بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و هل كانت بالفعل ثورة ثقافيّة ؟
سمّيت هذه الثورة بالثورة الثقافية بالنظر إلى أنّ أولى الصراعات التى دارت رحاها بين التحريفيين من جهة و الماركسيين – اللينينيين و على رأسهم الرئيس ماو من جهة ثانية قد جرت فى الحقل الثقافي . فقد بدأت المعارك الأولى فى 10 تشرين الثاني ( نوفمبر) 1965 عندما نشرت جريدة " ون هوى باوى " اليومية الصادرة فى شنغاي بناء على طلب من ماو تسى تونغ نفسه مقالا ينقد بقسوة مسرحية "خلع هاي غوى" و الملاحظ هنا أنّ "ووهان "، مؤلف المسرحية المذكورة كان إلى حدود سنة 1964 ، نائبا لرئيس لجنة بيكين البلدية و مواليا لمواقف ليو شاوشى التحريفية ، كما كان يعارض ضمنيّا عزل التحريفي وزير الدفاع بيغ تيه هوه الذى حصل عام 1959.
بالإضافة إلى ذلك ، فإن محتوى المعارك الطبقية التى دارت خلال هذه الثورة قد إرتبطت بالتأثير على وعي الجماهير و أنماط سلوكها فبينما كان التحريفيون يستهدفون تركيز علاقات تضع الفرد ( الأنا ) قبل المجموعة و تكرس السلطة الفردية و تنشر الطريق الرأسمالي ( الموجود الى جانب الطريق الإشتراكي فى المجتمع الإشتراكي بإعتبارأن الإشتراكية مرحلة إنتقالية بين الرأسمالية و الشيوعية ( أنظر / أنظرى على سبيل المثال ماركس : " نقد برنامج غوتا " و لينين : " الدولة و الثورة " ). و من ناحية أخرى، كان الشيوعيون الماويون يستهدفون بناء إنسان شيوعي جديد و إقتلاع تأثير أنماط السلوك و العلاقات البرجوازيين، و قيادة الجماهير فى الإنخراط الواعي فى مقاومة أعدائها و الإطاحة بهم كلّما و حيثما تمكّنوا من سرقة أجزاء من سلطة دكتاتورية البروليتاريا بإتّجاه إعادة تركيز الرأسمالية كلّيا ، وفى توسيع الطريق الإشتراكي تعزيزه وفى رفع فهمها للصراع الطبقي فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و تغيير نظرتها للعالم .
مفيد للغاية للموضوع الذى نحن بصدده أن نطلع على الملاحظة التى أوردها جان دوبيه فى كتابه " تاريخ الثورة الثقافية البروليتارية فى الصين 1965- 1969 " ترجمة طلال الحسينى و النشر ببيروت لدار الطليعة ، الطبعة الأولى أفريل 1971 و قد عايش دوبيه أحداث هذه الثورة عن قرب من خلال إقامته فى الصين فى تلك الفترة . ورد ضمن ما كتب : " إن الترجمة الفرنسية السيئة لمصطلح " الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى" تأثرت بالمعنى الإنقليزي لكلمة culture
التى تشمل مفهوم درجة الحضارة التى بلغها شعب ما فى مرحلة معينة من تاريخه . و" ثورة الحضارة " أو " ثورة البنى الفوقية و الإدارية و التعليمية و السياسية و الأخلاقية " تعطى فكرة أصحّ عمّا يعنيه الصينيّون عندما يستعملون هذا المصطلح ".
إنّ " تاريخ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى هو تاريخ صراع له أوجه ثلاثة. أولها إيديولوجي : صراع الماركسية-اللينينية-فكر ماو تسى تونغ ضد التحريفية و الوجه الثانى إجتماعي و سياسي معا : التكوين الثوري للأجيال الصينية الشابة التى لم تعرف مآسي المجتمع القديم و الثالث هو نضال قام به ماو تسى تونغ و أنصاره من الماركسيين-اللينينيين الصينيين ضد مجموعة من قادة الحزب ممثلة بشكل رئيسي برموزها ليوتشاوشى ودنك سياو بينغ الذين كانوا يسمون بال " زوزى باي" و هذه الأحرف الثلاث هي إختصار للعبارة التى تترجم كما يلى : مسؤول حزبي سائر فى الطريق الرأسمالي و يقصد بذلك من يحتل مركزا قياديا فى منظمات الحزب و يستعمل طرقا قد تؤدى إلى إنحطاط النظام الإشتراكي و إعادة الرأسمالية و يعتبر ليوتشاوتشى زوزي باي واحد " .(ص18)
-------------
و هنا نفتح قوسين لنذكر بهدف الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى إختصار شديد كما حدّده أوّلا ماو و ثانيا وثيقة ال16 نقطة بما هي ميثاق هذه الثورة :
1- " الآن أودّ أن أطرح سؤالا : ما هو حسب رأيكم هدف الثورة الثقافية الكبرى ؟ ( أحدهم أجاب فورا : إنّه النضال ضد الماسكين بالسلطة داخل الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي .) النضال ضد الماسكين بالسلطة داخل الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي هو المهمّة الأساسيّة و ليس البتّة الهدف. فالهدف هو معالجة مشكلة النظرة إلى العالم، إنّه مسألة إقتلاع التحريفية من جذورها . "
( ماو تسى تونغ ،" خطاب أمام البعثة العسكرية الألبانية ، 1 ماي 1967 " )
2-" مرحلة جديدة فى الثورة الإشتراكية :
إنّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، الجارية ، هي ثورة كبرى تمس ما هو أكثر عمقا عند البشر . و تشكّل مرحلة جديدة فى تطوّر الثورة الإشتراكية فى بلدنا ، مرحلة أعظم إتّساعا و عمقا فى آن.
قال الرفيق ماو تسى تونغ فى الدورة العامة العاشرة للجنة المركزية الثامنة للحزب : لإسقاط سلطة سياسية ، ينبغى دائما و قبل كلّ شيء خلق الرأي العام ، و القيام بالعمل على الصعيد الإيديولوجي . يصح هذا بالنسبة للطبقة الثورية كما يصحّ بالنسبة للطبقة ضد الثورة . و قد أثبتت الممارسة أنّ هذه الموضوعة للرفيق ماو تسى تونغ صحيحة تماما .
على الرغم من أن البرجوازية قد أسقطت ، فإنها ما تزال تحاول إستخدام الأفكار و الثقافة و التقاليد و العادات القديمة للطبقات المستغلة بغية إفساد الجماهير و الإستيلاء على عقولها و محاولة القيام بالردة. و على البروليتاريا أن تصنع العكس تماما : يجب أن تجابه كل تحد من جانب البرجوازية على صعيد الإيديولوجيا مجابهة مقابلة و تستخدم الأفكار و الثقافة و العادات و التقاليد الجديدة للبروليتاريا لتغيير السيماء الروحية للمجتمع كله... و هدفنا فى الوقت الحاضر هو مكافحة و إسقاط أولئك الأشخاص ذوى السلطة الذين يسيرون فى الطريق الرأسمالي ، و نقد و إقصاء "الثقات" الأكاديميين البورجوازيين الرجعيين و إيديولوجيا البورجوازية و سائر الطبقات المستغلة ، و تحويل التربية و الأدب و الفن و سائر أجزاء البناء الفوقي التى لا توافق الأساس الإقتصادي الإشتراكي ، بحيث يسهل توطيد و تطور النظام الإشتراكي ."
نحن إذن إزاء ثورة فعلية أطاحت خلالها الجماهير بأعدائها وعملت على خلق إنسان جديد يتحلّى بثقافة شيوعية فى خضم صراع طبقي مرير . و بالفعل إنتهت المرحلة الجوهرية الأولى للثورة سنة 1969 و توّجت بالمؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني الذى سجّل الإنتصارات المحرزة و طرد ليوشاوتشى و جزءا كبيرا من أتباعه من أجهزة الحزب و الدولة وإستعاد الشيوعيون الماويون وإستعادت الجماهير الثورية السلطة التى إستولى عليها التحريفيون مع تحقيق خطوات هامة فى المضي الى الأمام بمواصلة الثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا و قيام فعلي ب " ثورة داخل الثورة " .
2/ الثورة الثقافية ثورة بروليتارية وليست حركة تحريفية :
لمعرفة طبيعة الثورة و لتبيّن مدى ثوريتها ، من الضروري الإحاطة بالأسس التى قام عليها صراع الخطين داخل الحزب ، والصراع بين الطريق الرأسمالي و الطريق الإشتراكي و الرهان لم يكن أقلّ من مستقبل الصين و بالتالى مستقبل الحزب الشيوعي و الدولة الإشتراكية ، دولة دكتاتورية البروليتاريا.
أ) تعزيز الديمقراطية الجديدة أم المضي قدما دفعا للثورة الإشتراكية :
خاض الشيوعيون الماويون الصينيون نضالا لا هوادة فيه ضد التحريفيين و على رأسهم ليوتشاوشى منذ بداية الخمسينات أي بعد سنوات قليلة من إنتصار الثورة الديمقراطية الجديدة و المجلد الخامس من " مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " يعكس ذلك بوضوح و فى أكثر من نص . فمثلا فى النص المعنون ب" التناقض بين الطبقة العاملة و البرجوازية هو التناقض الرئيسي فى الصين "(ص80) والمؤرخ فى جوان 1952، نقد للموقف التحريفي الذى كان يصف البرجوازية الوطنية بأنها طبقة وسطى و ينكر بالتالي حينها أن التناقض بين البرجوازية و البروليتاريا أمسى هو التناقض الرئيسي بعد الإطاحة بالإمبريالية و الإقطاعية. و التحريفيون أتباع الطريق الرأسمالي " لم يفهموا أن طابع الثورة تغير و يواصلون ممارسة " ديمقراطيتهم الجديدة " عوض الإعتناء بالتحويل الإشتراكي ". (ص97)
و تمخض ذلك الصراع عن إضطرار ليوتشاوشى إلى تقديم نقده الذاتي و الإلتحاق – على الأقلّ مؤقّتا و قولا- بالخط العام الثوري للرئيس ماو وتحويل ثورة الديمقراطية الجديدة إلى ثورة إشتراكية. بيد أن الصراع بين الطريق الرأسمالي و البرجوازيون الجدد من جهة و الطريق الإشتراكي و الشيوعيون الماويون من جهة أخرى يعود إلى السطح و بقوّة ليشهد مرحلتين الأولى منهما تمهيد للثانية .
ب ) صراعات فترة 58-65 :
على عكس ما يدّعى الخوجيون جميعهم زورا و بهتانا من أنّ الصين لم تكن أبدا بلدا إشتراكيّا ، تميزت سنوات 53-57 فى الصين بمرور إستغلال الأرض إلى الأشكال التعاونية حيث إنتقلت التعاونيات بصفة تدريجية و سريعة من الشكل الأدنى و الذى يعنى توزيع المنتوجات حسب مساهمة كل عضو فى الرأسمال و الأرض إلى التعاونيات الإشتراكية التى تعمل حسب مساهمة كل عضو فى العمل. و قد عمّمت التعاونيات الإشتراكية خصوصا بين سنة 1956 و 1957 فأحدثت تحوّلا كليّا فى شكل الإنتاج الفلاحي سنة 1957. و كانت سنة 1958 سنة القفزة الكبرى إلى الأمام و تشكيل الكمونات الشعبية . ففى أوت 1958 وافق المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني على بعث هذه الكمونات و على مدى عدة أشهر تم تجميع ال750 ألف تعاونية من النوع الأعلى فى 27 ألف كمونة ضمت 500 مليون فلاح . و قد قامت هذه الكمونات بأعمال شجاعة و جبارة منها خاصة بناء الصناعات الحديدية و الحرفية لغاية الترفيع فى إنتاج الصلب بأسرع نسق ممكن.
لقد حقّقت القفزة الكبرى إلى الأمام تقدما هاما فى الطريق الإشتراكي لكنها شهدت أيضا تقلبات زادت من صعوباتها الكوارث الطبيعية و سحب الخبراء السوفيات آنذاك فإنطلقت العناصر اليمينية داخل الحزب فى نقد الخط العام و وضعت موضع الشكّ السياسة المتبعة متهمة الشيوعيين الماويين بالذاتية و الإستعجال المبالغ فيه و حتى بالمثالية و الدغمائية. و قد برز على رأس اليمينيين مرة أخرى رئيس الجمهورية ليوتشاوشى و الأمين العام للجنة المركزية دنك سياو بينغ و محافظ بيكين بنغ تشنغ .
و قبل ذلك إصطدم الخطّ الثوري للرئيس ماو بمعارضة يمينية من قبل وزير الدفاع بنغ ته هيه إذ طرح فى سنة 1958 نقاشا حول إعادة تنظيم المليشيا الشعبية و حول السياسة العسكرية الجديدة فكان بنغ ته هيه يدعو الى بناء جيش صيني من نمط كلاسيكي تكون الأولوية فيه للتقنية و التسليح الذى يستدعى مساعدة الإتحاد السوفياتي و من هناك الخضوع لخروتشوف وإيجاد تسوية معه. و كانت هذه الآراء تتناقض كليا مع الخط السياسي و العسكري العام للحزب المعادي للتحريفية . و قد إنتهى هذا الصراع لفائدة إنتصار الخط الثوري فى 1959 بلوشان خلال إجتماع اللجنة المركزية بإقالة بنغ ته هيه الذى إستبدل بلين بياو.
و فى 1962 و مع تصاعد المد اليميني المعادي لسياسة الخط الثوري ، حاول بنغ ته هيه المطالبة بإعادة الإعتبار له فوجد مساندة من ليو تشاو شى الذى إغتنم الفرصة ليعيد نشر كتابه السيئ الصيت " كيف تكون شيوعيا جيّدا " تهجم فيه على اليساريين فى الحزب و دعا إلى السلم داخل صفوف الحزب ." كما تضمن تلميحات تستهدف ماوتسى تونغ يقال عنها الآن فى الصين أنها كانت تريد إعداد الرأي العام لعملية سياسية شبيهة بالتى قام بها خروشوف ضد ستالين".
( ص34 من " تاريخ الثورة الثقافية ..." لجان دوبيه )
هذا من جهة ومن جهة أخري ، أطلق المسؤول عن التربية لو تنغ – يي العنان لنقد الإجراءات الثورية فى الميدان التربوي و خاصة إنشاء مدارس العمل- الدراسة داعيا كذلك إلى تقليد النمط السوفياتي و مضيقا من مجال العمل اليدوي و السياسة فى البرامج المدرسية .
و مرّة أخري ينجح الخط الثوري للرئيس ماو فى الدورة العاشرة العامة للجنة المركزية سنة 1962 فى إدانة هؤلاء اليمينيين على أنهم قاموا بإنحراف يميني . و لتعزيز التوجه الإشتراكي ، دفع الخط الثوري الماوي نحو إطلاق حركة التربية الإشتراكية سنة 1963 راميا إلى محاصرة الفردية و التحريفية و توسيع مجال تأثير الفكر الشيوعي و تعميق وعي الكوادر و الشعب عامة بإلتحام المثقفين بالعمال و الفلاحين في عملهم و بإقامة شكل واسع من حلقات النقاش و بالتحذير من ثورة مضادة متوقعة في الحقل الأدبي و الفنى أولا. غير أن اليمين سعى إلى عرقلة ذلك العمل الثوري إذ خطط ليوتشاوشى و زوجته ( وانغ كوانغ مي) و أتباعهما للتأثير على قيادة حركة التربية الإشتراكية و تحويلها عن وجهتها . فمنعوا فلاحي الكمونات من المشاركة في النقاشات و التحقيقات .
و من جديد تدخل ماو تسى تونغ كقائد للخط الثوري فصاغ وثيقة من ثلاثة و عشرين بندا أعاد فيها التأكيد على الطبيعة الطبقية للصراع و على تعبئة الفلاحين و حدد الهدف : مجموعة قادة سائرين فى الطريق الرأسمالي أدينت بإعتبارها " يسارا فى الظاهر و يمينا فى الواقع ".
وهكذا بدا جليا تبلور خطين متناقضين متناحرين داخل الحزب : خط ثوري يقوده ماوتسى تونغ و خط تحريفي يتزعمه ليوتشاوشى و أضحى الصدام يعلن عن الإعصارات القادمة فى ثورة سميت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى كان من أهدافها الثورية الواضحة حسب ميثاقها : " إن ما تطلبه لجنة الحزب المركزية من اللجان الحزبية فى كل المستويات هو أن تثابر على إسداء القيادة الصحيحة و على إعطاء الأولوية للإقدام و تعبئة الحماهير بجرأة و تغيير وضع الوهن و العجز حيثما وجد و تشجيع أولئك الرفاق الذين إرتكبوا أخطاء لأنهم راغبون فى تصحيحها على أن يطرحوا عنهم أعباء أخطائهم و ينضووا للنضال و تعزل كل ذوى السلطة الذين يسيرون فى الطريق الرأسمالي من مناصبهم بحيث تستعاد القيادة للثوريين البروليتاريين ".
( ص290 من " تاريخ الثورة الثقافية ..." لجان دوبيه ، التسطير لنا. و بالمناسبة ما سطّرناه يمكن إعتماده حجّة من عديد الحجج الدامغة المفنّدة لخزعبلات " الوطد " فى " هل يمكن..." ).
3/ من المحاورالأولى لصراع الخطّين بين الخط الثوري الماوي و الخط التحريفي :
فى سيرورة تطوّرها ، شهدت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى عدة صراعات محتدمة بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي ، بين الخط الشيوعي الماوي و الخط التحريفي و كان محور تلك الصراعات فى نهاية المطاف هو السلطة السياسية و مستقبل الصين ولون الحزب و الدولة : بروليتاري أم برجوازي. و فى سيرورة تطورها ، تقدمت الثورة من الميدان الأدبي و الفنى إلى الميدان السياسي كما تقدمت من جهاز الحزب إلى الجامعات فالمصانع فالمجتمع الصيني برمته. و قد تمحورت الصراعات بالأساس حول النقاط التالية :
أ- الأدب و الفن :
كما سلف ذكره، يعتبر نقد مسرحية "خلع هاي غوي"(1965) إشارة إنطلاق الثورة فى ميدان الأدب و الفن. و فى حين كان الشيوعيون الماويون ينتقدونها بشدة بإعتبارها مضرة بالحزب و بالحركة الثورية عموما ، كان ووهان كاتبها و الذى كان عمله هذا يتضمن تعريضا قويا بعزل بنغ ته هيه ، يساند هذا الأخير الذى كان منذ 1962 يطالب بإعادة الإعتبار له. و كان ليوتشاوشى و آخرون يدافعون عن مطلبه. لقد إجتمعوا معا لمهاجمة إجتماع لوشان سنة 1959 و المقررات التى صدرت عنه.
و إتّسعت حركة نقد الأدب الحامل لأفكار البرجوازية الجديدة لتطال " أحاديث المساء " و" قرية الثلاثة " من إنتاج ووهان و تنغ تو و ليو موشا و هم ثلاثة أصدقاء لبنغ شنغ الذى نصب نفسه – وهو حليف ليوتشاوشى – مدافعا عنهم . لقد عمل بنغ شنغ على صد الحملة النقدية ضد الثلاثة الذين كانوا يشرفون منذ سنوات على تحرير" يومية بيكين " و مجلة "جبهة " محاولا إنهاءها في أسرع وقت ممكن و مؤكدا في تقريره الشهير آنذاك أن لا علاقة للمسرحية بالمشاكل السياسية و أن لا علاقة بين وو هان و بين بنغ ته-هيه.
لكنّه لم يفلح فى مسعاه إذ عاد الخط الثوري للهجوم و قد تجسد ذلك فى :
- وثيقة محضر الأحاديث الملخصة لنتائج تجمع أدباء و فناني القوات المسلحة. صاغت هذه الوثيقة الرفيقة تشيانغ- تشنغ ( زوجة ماو تسي تونغ ) و شددت فيها بالخصوص على أولوية العنصر السياسي على الأكاديمي مقابل ما كان يدافع عنه التحريفيون من إدارة نقاشات أكاديمية محضة.
- مقال ياوون- يوان ، " الطابع الرجعي" لأحاديث المساء فى نيشان " و لسلسلة " قرية الثلاثة " ( أنباء بيكين عدد 22 ،30 أيار 1966) . إضافة الى فضح المحتوى الرجعي لتلك الأعمال، أشار المقال كذلك إلى أهم المقولات التي كان يدافع عنها التحريفيون الثلاثة المذكورين أعلاه. ناشرين الأفكار المماثلة لأفكار التحريفية السوفياتية ، كانوا يدعون إلى " الرجوع عن الحركات الجماهيري فى عملية بناء الإشتراكية و- التخلى عن أولوية العنصر السياسي و- الإستناد إلى الإختصاصيين و التكنوقراطيين إلخ و أكثر من ذلك فقد دعوا بشكل واسع في وقت كان يتطور فيه الخلاف الإيديولوجي مع قيادة الحزب الشيوعي فى الإتحاد السوفياتي ، دعوا إلى عدم القطيعة مع هذا الأخير و حتى إلى الإقتداء به وذلك بالتحديد في مقال بعنوان " فن إجتلاب الأصدقاء و إستقبال الضيوف " (جان دوبيه، ص52) .
- مذكرة السادس عشرمن إيار. صاغتها اللجنة المركزية لنقد أولئك الذين أصبحوا يعرفون ب" العصابة السوداء " وقع فيها التعريض الشديد اللهجة بالتقرير الذي صاغه بنغ شنغ و بالخصوص بوقوفه ضد حركة نقد ووهان و تغليبه الجانب الأكاديمي في النقاش واضعا الجانب السياسي موضعا ثانويا و أيضا إستعماله لشعار" كلّ الناس سواسية أمام الحق " لحماية العناصر البرجوازية الجديدة و مهاجمة الشيوعيين الماويين .
و قد إنتهت تلك الصراعات إلى إسقاط " العصابة السوداء " ( وهي جزء فقط من أتباع ليوتشاوشى ) وطردها من الحزب و إلى إعادة تنظيم " بيكين المساء " و " يومية بيكين " و عزل هيئتي تحريرهما .
و إنطلاقا من أن الشيوعيين الماويين لا يهدمون فحسب بل يشيدون كذلك فقد أنجزوا أعمالا فنية و ثقافية فى منتهى الأهمية صارت نماذجا بروليتارية يحتذى بها . و أحد الأمثلة الساطعة مثال تثوير أوبيرا بيكين .
فى رسالة توجه بها إلى مسرح أوبيرا بيكين الذى قادت فيه تشانغ تشنغ ما يمكن إعتباره ثورة حث ماو العاملين فى المجال على المضي قدما على درب الثورة وقال : " إنّ الشعب هو الذى يصنع التاريخ ، ولكن الأوبيرا القديمة تماما مثل كل الآداب القديمة المنعزلة عن الشعب ، ليست سوى طين . إذ يسيطر فوق الركح الأسياد من نساء و فتيان و صبايا. والآن فقد صححتم هذه الرؤية للتاريخ وأعدتم الإعتبار للحقيقة التاريخية ..."
ب) التربية :
كنّا تعرضنا للو تنغ – يى المسؤول عن التربية و معارضته لإنشاء مدارس العمل- الدراسة. و كان ذلك وجها من أوجه التحريفية فى ميدان التربية التى لم تقف عند ذلك الحد بل حاولت خلال الثورة منع مزيد تعميق التوجه الثوري و إدخال تغييرات ثورية. فى حين سعى الخط الثوري إلى تعبئة الجماهير الطلابية و التلمذية و الأستاذية لنقاش أشكال و محتوى التعليم و كيفية تثويره ، عمل التحريفيون على عرقلة تلك التعبئة. فجاء " أوّل دازيباو ماركسي- لينيني وطنى" علق فى جامعة بيكين فى 25 أيار 1966 ليعلن بداية نقد عنيف لإثنين من المسؤولين فى بلدية بيكين عن الشؤون الجامعية و لعميد الجامعة و الثلاثة من كوادر الحزب العليا و معاونون لبنغ شنغ، بإعتبار أنهم يضيقون على الحركة الثورية فى الجامعة و ينزعون عنها طابعها السياسي لإعطائها طابعا أكاديميا محضا ...
و إتّسعت حملة النقد لتسود الجامعات كافة فإنطلق نقد التربية على أنه منقطع عن الواقع و غير متصل بحياة و مشاغل الشعب و الحياة السياسية و العلمية و الإنتاجية للبلاد و كانت كذلك الإنتقادات توجه لنظام التعليم على أنه يميز أبناء البرجوازية و يهمل أبناء العمال و الفلاحين، بإختصار على أنه لم يتجاوز الآثار البرجوازية فى هذا المضمار. وقد بلغ الأمر حدّ مطالبة التلاميذ من خلال رسالة إلى اللجنة المركزية نشرتها الصحف بتحويل هذا النظام الذي يعمق التناقض بين العمال و الفلاحين ، بين العمل اليدوي و العمل الفكري كما بين المدينة و الريف و يخلق كوادر متعلمة
و ليست كوادر فى خدمة الشعب.
و لكن التحريفية رفعت رأسها من جديد عبر رد فعل بيروقراطي و قمعي على إثر غياب ماو تسي تونغ عن بيكين خمسون يوما. وحدث فى ظل ذلك الغياب تولي ليوشاوتشى و دنك سياو بينغ قيادة " مجموعات العمل " وهي مجموعات من الحزب أرسلت لأماكن الإضطرابات لتنظيم الصراعات فيها فأعطيا توجها خاطئا لهذه المجموعات. لقد عملت مجموعات العمل على مهاجمة عدد كبير من الكوادر الوسطى و الدنيا و حتى مناضلين عاديين من القاعدة عوض توجيه النقد لأقلية من المسؤولين فى المستويات العليا فى الحزب فى حين أكد ماو فى مناسبات عديدة أن التحريفيين ليسوا سوى أقلية و أنه من الممكن توحيد 95 بالمائة من الجماهير و الكوادر ضدهم.
كما عملت على عرقلة التعبير عن الآراء عبر الملصقات الحائطية و حتى منع الإعلانات خارج الجامعة عما يقع داخلها و عملت أيضا هذه المجموعات على تغييب النقد الجماهيري للكوادر و عوضته بتقارير يتم سردها فى الإجتماعات المحاصرة. و هكذا طبق اليمين داخل الحزب ما صار شائعا فيما بعد من " مهاجمة أكبر عدد من الناس لحماية قبضة منهم ". إلّا أن هذه السياسة وجدت معارضة شيوعية ماوية شديدة داخل الجامعة و عندما إنعقدت الدورة العامة الحادية عشر للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني فى أفريل 1966 ، بعد عودة ماو ، وقعت إدانة نشاط مجموعات العمل وذلك ضمن قرار البنود الستة عشر الذى غدا معروفا بالميثاق الحقيقي للثورة الثقافية.
ورغم هذه الوقائع الدامغة يصرّ الخوجيّون المفضوحون والمتستّرون على نفي قيادة الحزب الشيوعي للثورة !
و لنقرأ معا على سبيل المثال ما ورد بالفقرات التالية من النقطة العاشرة من قرار ال16 نقطة لنفهم جانبا من سياسة الخط الثوري للرئيس ماو بصدد الثورة فى ميدان التعليم توطيدا للطريق الإشتراكي و محاصرة للطريق الرأسمالي قدر الإمكان حينذاك : " يجب أن نطبق تطبيقا ناجزا فى كل أنواع المدارس ، السياسة التى طرحها الرفيق ماو تسى تونغ حول خدمة التربية لسياسة البروليتاريا و إقتران التربية بالعمل المنتج ، بحيث يتاح للذين يتلقون التربية لأن يتطوروا أخلاقيا و عقليا و جسمانيا و يصبحوا عمالا حائزين الوعي الإشتراكي و الثقافة .
يجب إختصار مدة الإقامة فى المدرسة ، يجب إنقاص عدد الدروس و تحسين جودتها . يجب تحويل مواد التعليم تحويلا ناجزا ، على أن يبدأ فى بعض الأحوال بتبسيط المواد المعقدة . ومع أن مهمة الطلاب الأولى هي الدراسة ، فيجب أن يتعلموا أيضا العمل الصناعي و الزراعة و الشؤون العسكرية و يسهموا فى نضالات الثورة الثقافية لنقد البرجوازية عندما تحدث هذه النضالات ".
و ممّا هو بليغ فى مدلوله أن تكريس الطبقة العاملة لدكتاتوريتها على الأصعدة كافة ساعد فى تثوير التربية و التعليم بصفة عميقة إذ إلتحقت مجموعات من الطبقة العاملة بتوجيه من الحزب الشيوعي الصيني بالجامعة و إلتحمت بالجماهير الطلابية و أشرفت على تنظيم الثورة الثقافية فى صفوفها بما خوّل تحقيق إختراقات ثورية ديمقراطية بروليتارية فى التربية و التعليم ديمقراطية و شعبية سواء من ناحية الأهداف و المضامين أو من ناحية الأساليب و العلاقات بين المدرسين و الطلبة و ما إلى ذلك .
4/ دور الجماهير فى الثورة :
تنطلق الماويّة فى تناولها للخط الجماهيري فى علاقة الحزب بالجماهير من مقولتين ماركسيتين أساسيتين هما أولا " إنّ الشعب ، و الشعب وحده ، هو القوّ ة المحركة فى خلق تاريخ العالم ". ( ماو 1945 ، مجلّد 3 من المؤلفات المختارة -"الحكومة الإئتلافية " ) وهو مبدأ يفند ما لفق لماو من أن " الأبطال يصنعون التاريخ " ( ص18 من " الماوية معادية للشيوعية " ) و ثانيا ، " إذا كانت الجماعة القيادية تعمل وحدها بحماس دون أن تجمع بين حماسها و حماس الجماهير الغفيرة ، فإن حماسها سوف يتلاشى فى جهود عابثة تبذلها قلة من الناس . أما إذا كانت الجماهير الغفيرة متحمسة دون أن تجد جماعة قيادية قوية تنظم جهودها بصورة ملائمة ، فإن هذا الحماس لا يمكن أن يدوم و لا يمكن أن يتجه الإتجاه الصحيح أو يرتفع إلى مستوى أعلى.
(ماو ، يونيو 1943 ، مجلّد 3 ، " بعض المسائل الخاصة بأساليب القيادة " )
و دلّلت أحداث الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى أن هذه الثورة التى إمتدّت لعقد كانت أكبر الثورات فى العالم جماهيرية ووعيا طبقيا أثناءها صنعت الجماهير التى إستنهضها الحزب و قادها صنعت التاريخ المجيد لتثوير المجتمع الصيني فى إتجاهه أبعد ما يمكن صوب الشيوعية .
1/ تعبئة الجماهير:
" تتوقف نتيجة هذه الثورة الثقافية الكبرى على ما إذا كانت قيادة الحزب تقدم على تعبئة الحماهير دون تحفظ أم لا " هذه هي الجملة الأولى فى مطلع النقطة الثالثة من قرار البنود ال16 أو ميثاق الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، تحت عنوان " أعطوا الأولوية للإندفاع و عبئوا الجماهير دون تحفظ " . هذا هو المبدأ الذى كان يقود الخط العام للحزب الشيوعي الصيني آنذاك وهو الخط الجماهيري الذى واجه معارضة شديدة من قبل التحريفيين اليمينيين الذين عملوا قصارى جهدهم للحيلولة دون تكريسه فى الواقع و ليست العراقيل التى وضعها التحريفيون أمام إتساع نقد ووهان ثم بنغ شنغ و أتباعه و بعد ذلك أمام الطلبة الذين إصطدموا بمجموعات العمل التى نفذت المخططات التحريفية لليوتشاوشى و دنك سياو بينغ ، ليست سوى معارضة للخط العام للحزب .
إنّ مبدأ تعبئة الجماهير دون تحفظ هو تطبيق للخط الجماهيري الماركسي-اللينيني-الماوي المؤكد أن الشعب هو صانع التاريخ وهو مبدأ ديمقراطي / جماهيري طور و من موقع أرقى فى فهم الصراع الطبقي فى ظل دكتاتورية البروليتاريا ما قام به لينين فى العشرينات ، فى السنوات الأخيرة من حياته حيث نظم ما سمي ب" الحملات الإصلاحية " ضد البيروقراطية التى كانت تضجره كثيرا فكان يحث الجماهير و منهم بالخصوص الجماهير غير المنتمية للحزب على نقد و فضح أخطاء المسؤولين فى الحزب و الدولة و عزلهم إن تطلب الأمر ذلك و لينين فى هذا ربط مع الدروس التى خرج بها ماركس من كمونة باريس . لقد تأسست الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى على هذا المبدأ و لو أنها إمتازت بإتساعها و شمولها كل المدن و الأرياف الصينية.
و لو أن الخوجيين المفضوحين والمتسترين لم يكفوا عن نعت ذلك بالفوضى و القضاء على الحزب، فإن الهدف من تلك الحركة الجماهيرية الثورية حدد بكل وضوح و فى نفس النقطة الثالثة من وثيقة ال16 نقطة المذكورة سابقا (ص290):
" إنّ ما تطلبه لجنة الحزب المركزية من اللجان الحزبية فى كل المستويات هو أن تثابر على إسداء القيادة الصحيحة و على إعطاء الأولوية للإقدام و تعبئة الحماهير بجرأة و تغيير وضع الوهن و العجز حيثما وجد و تشجيع أولئك الرفاق الذين إرتكبوا أخطاء لأنهم راغبون فى تصحيحها على أن يطرحوا عنهم أعباء أخطائهم و ينضووا للنضال و تعزل كل ذوى السلطة الذين يسيرون فى الطريق الرأسمالي من مناصبهم بحيث تستعاد القيادة للثوريين البروليتاريين ".
فالحركة الثورية لم تتجه ضد الحزب كله بل كان الحزب يقودها ضد ذوى السلطة الذين يسيرون فى الطريق الرأسمالي لغاية عزلهم من مناصبهم القيادية لكي تعود القيادة للثوريين البروليتاريين فتتعزز دكتاتورية البروليتاريا .
أمّا أن يطلب الخوجيون جميعهم ، شأنهم فى ذلك شأن البرجوازية و الرجعية العالمية ، من الشيوعيين الماويين أن لا يناضلوا ضد السائرين على الطريق الرأسمالي حفاظا على "الوحدة الصماء للحزب " فمثالية و تحريفية تلتقى تماما مع مقولات ليو تشاوشى الذى كان ينادى ب" السلم " داخل الحزب فى كتابه " كيف تكون شيوعيا جيدا " وكان على الدوام يعرقل تطور تعبئة الجماهير .
ليس الحزب هو الذى يصنع التاريخ بل الجماهير بقيادة الحزب : " إن الشعب و الشعب وحده ، هو القوّة المحركة فى خلق تاريخ العالم " (ماو) . و يعد نسيان الجماهير أو تحييدها أو تعويض دورها تعميقا لتناقض عمل فكرى /عمل يدوى إذ يعنى ضمن ما يعنى عدم تطوير تجربتها كأهم مصدر للمعرفة و رفع الوعي الطبقي الشيوعي ويعد كذلك تعميقا لا حلا للتقسيم الإجتماعي للعمل وهو أساس إنقسام المجتمع الى طبقات و فى النهاية يقف ضد المضي قدما نحو المجتمع المنشود الخالي من الطبقات و يخدم إعادة تركيز الرأسمالية .
2/ الجماهير تصنع التاريخ و تمارس أرقى أنواع الديمقراطية البروليتارية :
من المسائل التى عالجتها الثورة الثقافية هي مسألة الديمقراطية من منظور بروليتاري و ما يتغافل عنه التحريفيون جميعا و يهابونه بصورة لا توصف هو كون الجماهير فى ظل القيادة الماوية لم تبدع أشكالا تنظيمية فقط ذكرتنا بالسوفياتات خلال الثورة البلشفية و إنما جسدت بالملموس أحد أهم المبادئ المستخلصة من كمونة باريس ألا وهو إنتخاب المسؤولين مباشرة من الجماهير مع إمكانية حقيقية لنقدهم و عزلهم كلما لمست الجماهير أن هؤلاء المسؤولين يحيدون عن خدمتها و بذلك كرست أرقى أنواع الديمقراطية البروليتارية المباشرة و خطت و مشت خطوات فى طريق تاريخي لترسيخ وسيلة من وسائل مكافحة التحريفية جماهيريا للمضي قدما فى حل التناقض قادة مقودين و بالتالي التقدم أكثر صوب الشيوعية .
بكلّ الوعي الثوري قاد الشيوعيون الماويون الجماهير فى هذا الدرب الثوري و منذ ميثاق الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى أناروا السبيل للجماهيرو شجعوا إبداعاتها فكتبوا :
" الجماعات و اللجان و المؤتمرات الثورية الثقافية :
بدأت أشياء جديدة كثيرة تظهر فى الثورة الثقافي البروليتارية الكبرى . فالجماعات و اللجان و الأشكال التنظيمية الأخرى للثورة الثقافية التى خلقتها الجماهير فى كثير من المدارس و الهيئات ، هي شيء جديد و ذو أهمية تاريخية كبرى .
هذه الجماعات و اللجان و المؤتمرات الثورية الثقافية هي أشكال تنظيمية جديدة ممتازة تربى الجماهير نفسها فيها بقيادة الحزب الشيوعي. إنها جسر ممتاز لإبقاء حزبنا على صلة وثيقة بالجماهير. إنها أجهزة سلطة للثورة الثقافية البروليتارية.
إنّ نضال البروليتاريا ضد الأفكار و الثقافة و التقاليد و العادات القديمة التى خلفتها الطبقات المستغلة كافة منذ آلاف السنين ، سوف يستغرق بالضرورة زمنا طويلا جدا ، و لذلك يجب ألا تكون الجماعات و اللجان و المؤتمرات الثورية الثقافية منظمات مؤقتة ، بل منظمات جماهيرية قائمة دائمة . إنها ملائمة ليس للمعاهد العالية و المدارس و المؤسسات الحكومية و غيرها و حسب، بل على نحو عام أيضا للمصانع و المناجم و سائر المشاريع و الأحياء المدنية و القرى.
ينبغى تأسيس نظام إنتخابات عامة ، شبيه بنظام الإنتخاب فى عامية باريس ، لإنتخاب أعضاء الجماعات و اللجان الثورية الثقافية و المندوبين إلى مؤتمرات الثورة الثقافية . أما قوائم المرشحين ، فيجب أن تضعها الجماهير الثورية بعد إجراء نقاشات مستفيضة ، و ينبغى أن تتم الإنتخابات بعد أن تكون الجماهير قد ناقشت القوائم مرارا و تكرارا . و للجماهير أن تنتقد فى كل وقت أعضاء الجماعات : اللجان الثورية الثقافية و المندوبين المنتخبين للمؤتمرات الثورية الثقافية . و إذا ثبتت عدم كفاءة هؤلاء الأعضاء أو المندوبين ، فيمكن إستبدالهم عن طريق الإنتخاب ، أو إقالتهم من قبل الجماهير بعد المناقشة .
يجب أن تتألف الجماعات و اللجان و المؤتمرات الثورية الثقافية فى المعاهد العالية و المدارس بصورة رئيسية من ممثلى الطلبة الثوريين . و فى الوقت ذاته ، يجب أن تضم عددا معينا من الممثلين الثوريين من الهيئات التدريسية و الإدارية و العمّال. "
( وثيقة ال16 نقطة ، " تاريخ الثورة الثقافية..." لجان دوبيه )
3/ حركة الجماهير و الإضطرابات :
إنّ نعت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى بكونها لم تكن سوى فوضى و إضطرابات هو ما درج على ترديده ليوتشاوشى و دنك سياو بينغ فى تناغم مع التحريفيين السوفيات آنذاك وهو ما أعاد ترديده الخوجيون جميعا. ( علاوة عن الجمل الخوجية المعروفة نقرا مثلا جملة لجماعة " هل يمكن إعتبار ماو تسى تونغ ماركسيا لينينيا ؟ " (ص33) : " فلقد حرك ماو و جماعته الشبيبة الطلابية و التلمذية بعد تكوين جهاز " الحرس الأحمر" فراحوا يقومون بما يعنّ لهم و يتصادمون حتى مع العمال و يدعونهم للإمتثال لأوامرهم دون إعتبار للقانون السائد " .
فى الصين الماوية وبعد فشل خروتشوف الصين ، ليوتشاوشى ، فى إعاقة تطور تعبئة الجماهير ، سلك سياسة يسراوية شكلا و يمينية مضمونا حيث شجع على الصدامات حتى المسلحة منها بين الجماهير مطبقا شعار "مهاجمة أكبر عدد من الناس لحماية قبضة منهم" و راميا إلى تحويل النضال الطبقي عن هدفه المرسوم . وهذا يتناقض كليا مع التصريح الواضح الوارد فى قرار ال16 نقطة و القائل : " الطريقة التى ينبغى إتباعها فى المناظرات هي عرض الوقائع و محاكمة الأمور بالمنطق و الإقناع من خلال المحاكمة العقلية و لا يجوز إستعمال الإكراه لإخضاع أقلية تحمل آراء مختلفة ، يجب حماية الأقلية لأن الحقيقة تكون أحيانا إلى جانبها " (نقطة 6) و ذلك بإعتبار أن النتيجة المرجوة فى نهاية المطاف هي وحدة أكثر من 95 بالمائة من الكوادر و أكثر من 95 بالمائة من الجماهير.
ورد فى ميثاق الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، وثيقة ال16 نقطة : " و لما كانت الثورة الثقافية ثورة ، فلا بد أن تلاقي مقاومة. و تصدر هذه المقاومة بصورة رئيسية عن ذوى السلطة الذين تسللوا إلى داخل الحزب و يسلكون الطريق الرأسمالي . و تصدر أيضا عن قوة العادات الآتية من المجتمع القديم ."
و تجسيدا لهذا الخط الماوي الثوري عمل الحزب الشيوعي الصيني يوميا و ميدانيا على توجيه الصراعات و السجالات و التحركات. وعلى عكس ما يدعيه الخوجيون من أنه سمح للحرس الأحمر أن يبث الفوضى ، فإنه أطره و رتب له إجراءات دقيقة تخول له و للعمال أيضا " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج " و للذكر لا للحصر إليكم مثال ما سجله جان دوبيه ضمن الفقرة المتعلقة ب " الثورة الثقافية تبلغ المصانع " :
" عندما إنتظمت المجموعات الأولى من العمال ، إنطلقت هي أيضا فى نشاطات نقدية و فى كتابة الدازيباو ، و قامت بإجتماعات مناقشة قلبت بعض الشيء من خطط العمل . و شهد حينذاك فى دعاية الحزب موضوعة ، ستتكرر غالبا : لا يجب أن تقود حرية الإجتماعات و التجمعات الجماهيرية إلى إهمال العمل . و قد تجسدت هذه الموضوعة فى شعار إستخلص من قرار البنود الستة عشر ، الذى كان قد توقع المشكلة : " لنقم بالثورة و لندفع بالإنتاج " . و قد تطرق إلى هذه المسألة شوآن لاي فى التجمع الثالث للحراس الحمر ، الحاصل فى الخامس عشر من أيلول 1966 [ أنظر " أنباء بيكين " العدد رقم 39 / 26 أيلول 1966] .
و منذ ذلك الحين ستروح السلطات القيادية فى الثورة الثقافية تقدم التوصيات إلى الحراس الحمر و إلى المجموعات العمالية الناشئة إن من أجل توجيه نشاطاتهم أو من أجل تنظيمهم .
كانت أولى التوصيات هي بإحترام التدابير التى كانت قد إتخذت وقت حركة " التصميمات الأربعة " و التى تشكل جزءا من حركة التربية الإشتراكية . و تستهدف تلك التدابير صيانة المعدات و تنظيم فرق الإنتاج و سيره كما الحفاظ على المستودعات و التموين و المبيعات .
أمّا الثانية فكانت بالقيام بالثورة فى مكان العمل . و ينتج عن هذا أنه كان على الحراس الحمر و العمال أن يقيموا إتصالاتهم السياسية خارج المصانع و خارج ساعات العمل .
و التوصية الثالثة ، و الناتجة عن السابقة ، كانت بعدم الإنتقال إلى وحدات إنتاجية أخرى ، و بالإنتظام تبعا للتقسيمات الإدارية المطبقة فى توزيع العمل . و بكلام آخر ، يقوم عمال المعمل بنقد كوادر معملهم و ليس معامل مجاورة لايعرفون مشاكلها جيدا. و بالمقابل ، يعود حق نقد الكوادر العليا ، على الصعيد الإداري إلى مجمل ..."
( الصفحة 85 من " تاريخ ..." )
ومنذ غرّة ماي 1967، قبل التهافت الخوجي بأكثر من ثلاثين سنة ، صرّح ماو تسى تونغ فى خطاب أمام بعثة اللجنة العسكرية الألبانية متناولا موضوع الإضطرابات :
" فى مجرى تلك التحولات الهائلة التى جرت خلال السنة الماضية ، حصلت إضطرابات ، غالبا . إن الإضطرابات التى تجرى من مكان إلى آخر ليست مترابطة . و من جهة أخرى ، إن الصراع ، حتى العنيف منه، هو أمر جيد . و ما أن تظهر التناقضات إلى العلن حتى تصبح معالجتها أكثر سهولة . إن هذه الثورة الكبرى تجرى بالحد الأدنى من الخسائر و الحد ّالأقصى من المكاسب ...
لا ينبغى أ ن نخشى الإضطرابات : كلما كثرت ، يكون ذلك أفضل . مع سبعة أو ثمانية إضطرابات لا يمكن للأمور أن تنعدم معالجتها جيدا و بفعالية . و مهما كانت طبيعة الإضطرابات ، لا ينبغى أن نخشاها ، لأنه كلما زادت خشيتنا زاد عددها . بيد أنه لا ينبغى إستخدام الأسلحة النارية ، إن هذا أمر سيئ دائما ...
و إذا تفحصنا عن كثب الأخبار المتعلقة بالصراع المسلح الواردة من مختلف الأماكن ، نتبين أنه ليس بالشيء الكثير . هناك صراعات مسلحة لكن بعض الأخبار غير مسنودة – إن الأمر يشبه تقريبا التقارير عن الكوارث الطبيعية التى يقصد بها الحصول على زيادة فى الحبوب . "
( " تاريخ ..." لجان دوبيه ، ص 301-302-303)
إذن لئن حصلت صدامات دامية فهي ثانوية للغاية و متفرقة ومرجعها أساسا التحريفيون و عمل عن وعي الماويون على محاصرتها بكل ما أوتوا من جهد علما و أن عدد الناشطين من الحرس الأحمر فقط يناهز ال30 مليون! و من أسطع الأمثلة المعلومة على سياسة محاصرة أعمال العنف الماوية مثال توجه العمال للجامعات لإيقاف تبادل العنف حين نشب بين فرق من الحرس الأحمر و لتنظيم الإجتماعات قصد معالجة المشاكل التى أدت لذلك العنف الذى يتنافى مع الخط الماوي لخوض الصراع خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى كما شرحنا أعلاه.
ثمّ إنّ الثورات فى علم الثورة البروليتارية العالمية ليست حفلا و لا هي ثورة بشكل ظريف ، رقيق و رزين و ثابت بل تقع فيها ثانويا حتى تجاوزات و أخطاء يجب محاصرتها لا سيما و أن الأمر يتعلق بصراع طبقي فى ظل دكتاتورية البروليتاريا و بإفتكاك سلطة سياسية تحدد مستقبل الحزب و الدولة – فى حال الصين 1966-1976 بحركة عشرات ملايين الشبان و العمال. و " دكتاتورية البروليتاريا هي نضال عنيد ، دام و غير دام ، عنيف و سلمي ، عسكري وإقتصادي ، تربوي و إداري ، ضد قوى المجتمع القديم و تقاليده " ( لينين ذكره ستالين بالصفحة 168 من " أسس اللينينية وحول مسائل اللينينية " ، دار الينابيع دمشق 1992).
فضلا عن ذلك ، قال لينين : " كلّ من ينتظر ثورة إجتماعي "صافية " سوف لن يعيش طويلا كي يراها . فهو ليس سوى ثوري بالكلام ، لا يفهم شيئا من الثورة الحقيقية ". (– تقييم لنقاش حول حق الأمم فى تقرير مصيرها ، الجزء 22 من الأعمال الكاملة ،ص382-383 )
و قال ماو تسى تونغ : " ليست الثورة مأدبة و لا كتابة مقال و لا رسم صورة و لا تطريز ثوب ، فلا يمكن أن تكون بمثل تلك اللباقة و الوداعة و الرقة ، أو ذلك الهدوء و اللطف و ألدب و التسامح و ضبط النفس , إن الثورة إنتفاضة و عمل عنف تلجأ إليه إحدى الطبقات للإطاحة بطبقة أخرى . "( " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص 12-13؛ و مجلد 1 ، " تقرير عن تحقيقات فى حركة الفلاحين فى خونان " ، مارس 1927 ) .
4/ المنظمات الجماهيرية :
يتباكي الخوجيون مدّعين أن الثورة الثقافية حلّت الحزب و منظماته الجماهيرية ليتمكنوا من نعتها بالفوضى و ينزعوا عنها طابعها الثوري البروليتاري . و بكل البساطة نشير هنا إلى أمرين إثنين أولهما هو أنهم لا يحددون طبيعة لجان الحزب و المنظمات الجماهيرية التى تم حلها و لا يحددون الخط الذى كانت تتبعه و ذلك للتعمية و التضليل . و فعلا قامت الثورة الثقافية البروليتارية بحل لجان حزبية كانت تتحكم فيها العناصر التحريفية و حين توفرت الظروف المناسبة أعيد تشكيلها ، قبل المؤتمر التاسع ،سنة 1969 على أساس شيوعي ماوي ثوري . و ثانى ما نشير إليه هو أن الخوجيين لا ينبسون ببنت شفة عن اللجان و المنظمات الجماهيرية الجديدة التى شيدتها الجماهير الحزبية و الجماهير الشعبية فى مجرى الصراع الطبقي فى ظل دكتاتورية البروليتاريا . و نتطرق فيما يلى لأهم منظمتين جماهيريتين عرفتهما الثورة الثقافية فى بداياتها .
أ- الحرس الأحمر :
من أكثر المنظمات الجماهيرية المعروفة خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى هي منظمة الحرس الأحمر التى كانت متكونة ( لا كما يزعم الخوجيون المفضوحون و المتسترون من أطفال بل ) من تلاميذ و طلاب و معلمين و أساتذة ( حوالي 30 مليون ناشط ! ) . و ترجع جذورها إلى بداية النضال فى الجامعة و المدارس . و قد عارضت فى أطوارها الأولى مجموعات العمل التى حاولت خنقها و بعد مساندة الحزب لها إثر تنديد الدورة العامة الحادية عشر للجنة المركزية بمجموعات العمل ، ظهرت إلى العيان قوية ، جماهيرية و مناضلة تعمل على مزيد تحريك المجتمع الصيني كافة فى إطار تحقيق أهداف الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى رسمها الحزب الشيوعي الصيني بقيادته الماركسية-اللينينية-الماوية .
و لم يكن عملها فوضى كما يدعى التحريفيون بل كان عملها يتم تحت قيادة الحزب الذى شجعها على التنقل فى أرجاء البلاد للقيام بالدعاية الشفوية و المكتوبة فى صفوف الشعب كما كانت تشارك العمال فى المصانع و الفلاحين فى الكمونات فى العمل اليدوى .
و لمزيد التوضيح نورد ما يلى ( " تاريخ الثورة..." لجان دوبيه ص 81) : " ...العاصمة عرفت خلال أربعة أشهر مليون ساكن إضافي كانوا يتجددون بإستمرار دون أن يعرقل وجودهم المواصلات و لا التموين و هذا هو عمل بطولي يندر وجوده " .
إنّه فعلا عمل بطولي منظم غير مسبوق فعن أيّة فوضى يتحدّث الخوجيّون ؟
و قد إستقبلت قيادة الحزب و ماو نفسه ممثلي هذه المنظمة ، ولكن التحريفيين داخل الحزب لم يرضهم ذلك خاصة و أن النقد بدأ يتجه بجلاء أوفر من جديد نحو مجموعات العمل و المسؤولين عنها الذين وقعت المطالبة بمحاكمتهم . و فى مواجهة تلك الحركة سعى التحريفيون إلى تقسيم المنظمة إلى مساندين لتوجيه النقد ضد ليوتشاوشى و دنك سياو بينغ و مناهضين لذلك النقد و قد نجحوا في ذلك فعطلوا تطور الحركة.
و كان على الشيوعيين الماويين أن يقوموا بهجوم جديد تجسد فى تكوين قيادة عامة ثالثة للحرس الأحمر تجاوزا للخمول الذي أصبح يعم القياديين السابقين و مرة أخرى وجدت هذه القيادة معارضة خاصة من لياندونغ وهي لجنة عمل حراس حمر متكونة أساسا من أبناء كوادر الحزب الذين كانوا يدرسون بمدارس خاصة مريحة حيث يخصص لهم أفضل الأساتذة. ووصلت معارضة لياندونغ للقيادة العامة الثالثة للحرس الأحمر إلى حد إستعمال العنف المحرم من قبل الحزب. عندئذ تدخلت لجنة المسؤولين المكلفين بالثورة الثقافية (م-م-ث-ث) و الهيئة التاسعة للجنة المركزية مقدمة دعمهما الرسمي للقيادة العامة الثالثة. "
ب منظمة المتمردون البروليتاريون :
لقد أدت الإتصالات المتتابعة للحرس الأحمر بالعمال الصناعيين إلى إندفاع هؤلاء الأخيرين أيضا إلى مسرح الثورة الثقافية و مزيد توسيعها و تعميقها و الحقائق التالية تبين بما لا يدع أي ظل للشك أن البروليتاريا لم تكن كما يدعى الخوجيون فى مؤخرة الصراع الطبقي و إنما فى طليعته بالذات.
فعلى غرار الحرس الأحمر شكل العمال منظماتهم الجماهيرية .
بيد أن تمايز فئات الطبقة العاملة فى أي بلد إشتراكي سيكون الأرضية التى سيستعملها ممثلو البرجوازية الجديدة فى محاولة لتحطيم وحدة الطبقة العاملة و ضرب القيادة العامة الثالثة للحرس الأحمر سيما و أن ليو تشاوشى فى الماضى عمل على تنظيم النقابات على النمط السوفياتي التحريفي و أن نصيره وزير الصناعة السابق بوو-ي-بوو أدخل نظام علاوات وحوافز مادية عمق التمايزات داخل العمال .
فى خريف 1966 ، فى شنغاي ، العاصمة الصناعية للصين، سعى أتباع الخط التحريفي و الطريق الرأسمالي بلجنة بلدية المدينة : تشن بزين و تزادتى-زيو إلى الضغط على العمال و الفلاحين وإضطهادهم كما سعوا إلى طمس إعادة نقد المسؤولين عن ممارسات " مجموعات العمل " و هم ضمنهم. غير أن الحرس الأحمر فضحهم بشدة فكان أن ساندت قيادة الثورة الثقافية و قيادة الحزب القيادة العامة للتمرد الثوري للعمال المنظمة التى ستقود نضال العمال هناك و ستدفع الثورة الثقافية إلى الأمام . و بما أن التحريفيين لم يكونوا ضعفاء أنشؤوا هم كذلك منظمة أسموها زورا كتيبة الدفاع الأحمر عن ماو تسى تونغ ، تطبيقا لشعارهم اليميني " خفق الراية الحمراء لإسقاطها ".
و دفع أتباع الطريق الرأسمالي بهذه المنظمة الأخيرة إلى مهاجمة لجنة القيادة العامة للتمرد الثوري للعمال التى أرسلت إلى بيكين لتقديم تقرير عن الوضع فى شنغاي . فذهب تشانغ تشن كياو الذى أرسلته (م-م-ث-ث) إلى شنغاي حاملا رسالة إدانة إلى المسؤولين البلديين و كان من ثمار ذلك تعزيز الخط الشيوعي الماوي الثوري و عزل التحريفيين تمهيدا لإقالتهم من مراكز سلطتهم بإعتبار أنهم خالفوا ما جاء فى قرار ال16 نقطة لا سيما النقطة الثالثة كما وردت سابقا .
هذه الوقائع جميعها لزم إزاءها الخوجيون صمت القبور و راحوا ينسجون قصصا خيالية لتشويه الماوية.
5) ثورة كانون الأوّل الماويّة و نقل السلطة :
عقب الهزيمة الجديدة التي أنزلت بالخط التحريفي وجد هذا الأخير نفسه فى تقهقر غير أنه لم يستسلم بل أعاد الكرة غايته تشتيت الطبقة العاملة الصينية بصيغة جديدة حينذاك و لكن ضاربة في القدم إعتمدتها كثيرا البرجوازية و الرجعية العالمية ألا وهي النزعة الإقتصادية و مفادها تحويل النضال العمالي عن أهدافه السياسية إلى مجال المطالب المادية المحضة ( " تاريخ ..."، ص125).
و فى محاولة يائسة أخيرة شن تشن بزين و تيساو تى زيو بإسم بلدية شانغاي- و لو أن الأغلبية لم تكن موافقة- إعتمادا على بعض مديري مصالح من التوجه ذاته ، شنّا حملة منح العلاوات و الإمتيازات فى إتجاه تنويع فئات الأجور و بالتالي تحطيم وحدة الطبقة العاملة وذلك بتعلة إمكانية قبول خسائر إقتصادية طالما أنها معوضة بمكاسب سياسية (شعار صحيح إستعمل للتعمية / كلمة حق يراد بها باطل ) فكان لذلك الأثر الذى إنتظره التحريفيون و أتباعهم حيث هبت قطاعات وراء أخرى للمطالبة بالإمتيازات التى نالتها قطاعات ما.
كلّ هذا الإضطراب حصل لأن نظام الأجور كان يستحق فعلا المراجعة من أجل تحسينه أي من أجل تقليص الفوارق أو محاصرة الحق البرجوازي وفق كلام ماركس فى " نقد برنامج غوتا ". غير أن مراجعته كان يتعين أن تكون على مستوى وطني لا محلي و ليس نحو توسيع الفوارق كما دفع إليه أتباع الطريق الرأسمالي .
إلى ذلك يتضارب دفع تلك الحركة المطلبية مع مقررات اللجنة المركزية للحزب التى كانت أكدت أن المسائل الإقتصادية ينبغى أن تسوى في المرحلة الأخيرة من الثورة و على مستوى وطني .
حيال المدّ اليمينى التحريفي وقف المتمردون البروليتاريون" العمال المجتمعون فى القيادة العامة للتمّرد " منظمين صفوفهم متبعين شعار وضع السياسة فى دفة القيادة ، موسعين قاعدة مساندتهم فى مرحلة أولى و عندما صارت عشر منظمات تساندهم ، إندفعوا فى الرد الصارم على النزعة الإقتصادية عبر صور حائطية و مقالات صحفية وجهت إلى أهالي شنغاي كافة. و من أهم هذه المقالات نذكر " رسالة إلى أهالي شنغاي كافة " نشرت فى ون هوى باو بداية 1967 و " بلاغ عاجل من عشر نقاط " مؤرخ فى 9 كانون الأول / ديسمبر 1967.
و بعد أن تأججت الصراعات ووصلت حد التناقضات التناحرية و بعد التعبئة التامة للجماهير و مساهمتها النشيطة فى صراع الخطين ، كان على السلط المركزية أن تحسم الموقف لصالح الثوريين وفى أواخر كانون الأول / ديسمبر ، وجهت اللجنة المركزية و الحكومة و اللجنة العسكرية للجنة المركزية و (م-م-ث-ث) رسالة إلى المنظمات الثورية فى شنغاي أيدت فيها موقف الثوريين.
فكان ذلك بمثابة سكب ماء بارد على التحريفيين و منظماتهم التى وجدت نفسها أمام خيارين إما أن تحل نفسها أو تقدّم نقدها الذاتي و قد شجعها الشيوعيون الماويون على الخيار الثاني .
و تكريسا لإنتصار الخط الثوري الماركسي-اللينيني-الماوي، تمّ نقل السلطة (سبب آخر لكونها ثورة ) فوقع تجريد المسؤولين السائرين فى الطريق الرأسمالي من وظائفهم و أخذت مكانهم عناصر من المتمردين البروليتاريين و يذكر المؤرخون أن تلك الأحداث سميت آنذاك بثورة كانون الأول . و تجدر الإشارة هنا إلى أن قادة هذه الثورة هم القادة الماويين تشانغ شوان كياو يو وان يوان و وانغ هن وان و ثلاثتهم إضافة لتشانغ تشنغ زوجة ماو ، يمثّلون نواة القيادة الماوية التى لن يغفر لها التحريفيون ما صنعته و التى سمّوها " عصابة الأربعة " إثر الإنقلاب سنة 1976 .
و مثل نقل السلطة فى شنغاي نموذجا نسجت على منواله العديد من المدن الصينية الأخري . و لم يتم ذلك دون عراقيل إذ كان على الثوريين مواجهة تيار عفوي يعزل الكوادر دون تفريق و دون التثبت من التهم (هي إذن ليست فوضى بقدر ما هي تجاوزات تحصل فى أي ثورة إلاّ أنّ الأهم هو أن العنصر الواعي قد حاصرها) و إتجاه يميني تحريفي حاول إستغلال دعوة الحزب لإعادة الإعتبار لبعض الكوادر التى عزلت ظلما حتى يعيد بعض التحريفيين الى مناصبهم . وإستدعت تلك العملية النضالية المعقدة و حيثيات أخرى تدخل كوادر جيش التحرير الشعبي لتنظيم النقاشات و الصراعات و للإنتهاء إلى تحقيق شعار تلك الفترة : الإتحاد المثلث و فيه تشكل السلطة الجديدة من ثلث من ممثلى الحزب الشيوعي و ثلث من الجيش و الميليشيا و ثلث آخر من المنظمات الجماهيرية وذلك تطبيقا لمبدأ توحيد 95 بالمائة من الجماهير و قد تحقق المراد بفضل وحدة الطبقة العاملة رغما عن سعي أتباع الطريق الرأسمالي داخل الحزب و جهاز الدولة لتغذية الإنعزالية و التكتلية.
أمّا عن الجيش فتؤكّد الوقائع و يؤكد التحليل الملموس للواقع الملموس أنه لم يكن ينهض ب " دور قيادي فى ما سمي بالقيادة العامة " ( و لينسج الخوجيّون ما يحلو لهم من الأباطيل ) . فى الحقيقة كان يمثّل الثلث لا غير فى الإتّحاد المثلّث الذى يذكرنا بالسوفياتات المتكوّنة من العمّال و الفلاحين و الجنود .
5/ قيادة الطبقة العاملة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى :
ماذا تعني هذه المشاركة المتصاعدة للبروليتاريا فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى؟
إجابة عن هذا السؤال نورد فقرة من الصفحة 116 من " تاريخ ..." :
" طيلة خريف 1966 ،كان يكبر الدور الذى تلعبه الطبقة العاملة الصينية فى الثورة الثقافية و يصبح حاسما. و من حينه ، مضى يتلاشى دور الطلاب ،الهام جدا فى البداية. و هذا يفسر أننا شهدنا فى نفس الوقت إنتقالا لمركز ثقل الحركة الثورية من بيكين ، العاصمة الثقافية و الإدارية الى مناطق هيلونغيكيانغ (منشوريا سابقا ) و شانغاي الصناعية . و شانغاي خاصة سوف تجد نفسها ،إبتداءا من تشرين الثاني 1966 فى طليعة الثورة الثقافية ".
هذه الفقرة تعكس حقيقة واقعية هي أنّ الطبقة العاملة غدت منذ خريف 1966 " فى طليعة الثورة الثقافية " بينما يمعن الخوجيّون المفضوحون منهم و المتستّرون فى التزوير مدعين أن الطبقة العاملة كانت تعارض الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى .
عندما يتحدث الخوجيون عن هذه الثورة يرون فيها صراع كتل و ليس صراعا طبقيا رهانه إفتكاك السلطة السياسية و لون الحزب و الدولة .و الدموع التى يذرفونها على " حل هياكل الحزب " و " حل المنظمات الجماهيرية " هي دموع تماسيح لا تبكى الإطاحة بالحزب بل بالسائرين فى الطريق الرأسمالي . إن إطلاق صيحات التنديد بحل منظمات أو هياكل عشش فيها التحريفيون ليعاد بناؤها على أسس الخط الثوري للرئيس ماو والحديث عن حل المنظمات الجماهيرية دون تحديد المحتوى الطبقي و الخط الذى يقود المنظمة أو الهيكل إنما هو تعمية متعمدة و دفاع مستميت عن الخط التحريفي للبرجوازية الجديدة و عن الطريق الرأسمالي . وعدم الحديث عن المنظمات و الهياكل الثورية الجديدة التى أفرزتها نضالات الجماهير الثورية هو ضرب لما حققته البروليتاريا الصينية و العالمية من مكاسب و وحدة جديدة إيديولوجية و سياسية و تنظيمية أرقى .
و يلتقى هذا الموقف الخوجي تماما مع نداء خروتشوف الصين ، ليوتشاوشى ، ل" السلم " داخل الحزب أو ما ترجمه الخوجيون بالوحدة الصماء للحزب و كأنه غير محكوم فى حياته و تطوره و حركته بالتناقضات (قانون التناقض قانون شامل للأشياء و الظواهر و السيرورات و المجتمع والحزب وحدة أضداد أيضا بمعنى إزدواج الواحد وليس بمعنى مزج إثنين فى واحد ) جاعلا من الوحدة مطلقة بينما الصراع نسبي عكس المفاهيم المادية الجدلية التى تؤكد أن الوحدة نسبية ، عابرة ، مؤقتة فى حين أن الصراع مطلق .
يقول لينين : " وحدة ( إتّفاق ، تماثل ، توازى ) الأضداد ظرفية ، مؤقتة ، عابرة ، نسبية ، صراع الأضداد التى تتنافى مطلق مثله مثل التطور مثل الحركة "
( لينين ،" ملخص علم المنطق لهيغل " )
-----------
و قد وضّحنا المضمون البروليتاري للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى الموجه ضد الخط التحريفي و أتباع الطريق الرأسمالي فى الحزب وأجهزة الدولة ، نسلط الضوء على دورالحزب و البروليتاريا فى هذه الثورة .
إنّ جميع الصراعات والمنظمات و المجموعات الثورية التى حللنا أعلاه كانت تسير حسب مخططات قيادة الخط الثوري الماوي و أغلبية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني و ظهور الحرس الأحمر بصفة علنية لم يكن سوى أحد نتائج الدورة العامة الحادية عشر للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بين 2 و 8 أفريل 1966 و التى أدانت نشاط " مجموعات العمل " و شجعت المجموعات الثورية المعارضة لها على تكوين الحرس الأحمر و حددت له دوره ووجهت عمله من خلال عديد اللقاءات بين قادته من جهة و قادة الحزب (ماو تسى تونغ ذاته إستقبلهم فى مناسبات عدّة ) و كذلك المجموعة المسؤولة عن الثورة الثقافية (م-م-ث-ث) من جهة ثانية . و يجب الإشارة أيضا إلى أن اللجنة المركزية للحزب كانت حاضرة لحسم الصراعات بعد أن تدعها تتطور كما وقع بيان ذلك من قبل ، وهي التى صاغت الخط العام للثورة الثقافية أو ما بات معروفا ب"ميثاق الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى" ، قرار ال16 نقطة ، وهي التى كانت تعطى إشارات الهجوم و التراجع عبر علاقاتها بتلك المنظمات الثورية و عبر صحافة الحزب و جهازه الإعلامي و التنظيمي .
على هذا النحو كان الخط الثوري الماوي المهيمن داخل الحزب و الذى يحدد طبيعته بأنه حزب بروليتاري شيوعي ثوري يقود الثورة الثقافية و يرسم لها مراحل تطورها و تكتيكاتها وفق موازين القوى و يدفع صوب مزيد تعميق التوجه الإشتراكي محاصرا " الزوزي باي " أتباع الطريق الرأسمالي .وهذا هو بالذات مفهوم قيادة الحزب للطبقة العاملة و الجماهير الكادحة لدى لينين فى " ما العمل؟ "و لدى ستالين فى " أسس اللينينية " . أما الخوجيون فإن فهمهم لقيادة الحزب للجماهير غريب عن علم الثورة البروليتارية العالمية بل و معاد له حيث يدعون إلى تثوير المجتمع و إلحاق الهزيمة بالتحريفية عبر قرارات فوقية. إن هذا الفهم التحريفي يضرب فى الصميم أولا دور الشعب فى التاريخ ( إن الشعب و الشعب وحده ، هو القوة المحركة فى تاريخ العالم " – ماو و " إنّ الحزب الذى يعد مئات الألوف من الأعضاء يقود، فى المدن و المقاطعات ، السوفياتات و تشعباتها التى تشمل عشرات الملايين من الناس الحزبيين و اللاحزبيين ، و لكنّه لا يستطيع و لا يجب عليه أن يقوم مقامها " و " عليه ، إذن ، ألاّ يعلم الجماهير و حسب ، بل و أن يتعلم منها أيضا "، ستالين – " حول مسائل اللينينية " ) ويضرب فى الصميم ثانيا نظرية المعرفة الماركسية القائلة بأن الممارسة هي منبع المعرفة و محك صحتها ( الرجوع الى ماو ، " فى الممارسة العملية " ) فلكي يرتقى وعي الجماهير ، عليها أن تشارك فى الحركات الثورية و يضرب فى الصميم ثالثا العمل الدؤوب و المستمر لحل التناقض بين العمل اليدوى و العمل الفكرى و بين القادة و المقودين فى الطريق صوب الشيوعية .و قد فهم ماو ذلك جيدا و علم الشيوعيين أنه " لكي يكون المرء ثوريّا عليه أن يشارك فى الثورة ".
و قد أدركت القيادة البروليتارية للثورة موضوع الحال الأمر من وجهة النظر الشيوعية فكتبت فى قرار ال16 نقطة " فلتربى الجماهير نفسها فى الحركة ". الجماهير هي التى يخشاها الخوجيون شأنهم فى ذلك شأن التحريفيين كافة و البرجوازية و الرجعية العالمية و يسمون حركتها و ثورتها بالفوضى و نضالها بالإضطرابات .
6/ دور الشباب فى الثورة :
إنّ حديث الخوجيّين بشكل فضفاض عن أن ماو جعل الشباب يقود الثورة و أنّه دفع بالشباب فى حركة ( فوضى يدعون) تثوير المجتمع دون تحديد طبقي لإنحدار فئات الشباب و دون تعيين الغاية من ذلك هو تعمية و مغالطة و قلب للوقائع فالخط الشيوعي الثوري للرئيس ماو عوّل مثلما بيننا سالفا على الشباب الطلابي والمثقفين فى بداية الثورة لإستنهاض الجماهير لا لقيادة الثورة واعيا كل الوعي أن العمال و الفلاحين هم أهم مكونات الشعب و أسياد العصر . و إتّخذت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني من الشباب الطلابي و المثقفين موقفا ثوريا مدافعة عنهم و عن منظماتهم و بالخصوص القيادة العامة الثالثة للحرس الأحمر ضد " لياندونغ " ،منظمة الشباب ذات التوجه التحريفي و المتكونة أساسا من أبناء كوادر الحزب الذين كانوا يدرسون بمدارس خاصة تنتدب أفضل الأساتذة . هذا من ناحية و من ناحية أخرى للجوء ماو تسى تونغ فى بداية الثورة لتعبئة المثقفين و الشباب المنحدر من العمال و الفلاحين له تبريراته العملية و النظرية.
عمليّا ، كانت حركة الثورة الثقافية فى البداية بطيئة و غير متكافئة لم تنخرط فيها بعد الطبقة العاملة و الفلاحون إنخراطا كليا فكان المطلوب إذن هو إبراز أن الصراع الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية الجديدة لا يزال قائما و بما أن الشباب المثقف بعدُ يتحلى بالإندفاع الثوري نظرا لأن الممارسات البيروقراطية البرجوازية لم تقتل فيه المبادرة ، كان الأكثر إستعدادا حينها للقيام بالتمرد و لم يكن من الخط الثوري الذى كان مدركا لمتطلبات الواقع إلا أن وظف تلك الجماهيرفى دفع عجلة الثورة ، مع تربيتها فى أتون الصراع الطبقي و قد نجح فى ذلك أيما نجاح فى جعل الشباب يحمل أعلام الثورة الى المجتمع الصيني بأكمله .
و ليست هذه الممارسة هي الأولى فى تاريخ الصراع الطبقي عالميّا. فعربيّا ، على سبيل المثال لا الحصر ، شقّت الإنتفاضة فى فلسطين المحتلّة فى ثمانينات القرن الماضى طريقها فى خطواته الأولى إنطلاقا من العطاء الزاخر للشباب الشيء الذي دفع الصهاينة إلى إغلاق الكليات و المدارس . و نشأت عن إلتحام الشباب بالجماهير أعتى الإنتفاضات الفلسطينية التى فرضت على لغات العالم كلمة إنتفاضة كما فرضت عليها مصطلح أطفال الحجارة و نعيدها أطفال الحجارة. و حقّا ندعو الخوجيّين إلى تطبيق منطقهم التحريفي الأخرق الى النهاية و ليعلنوا إدانتهم لشباب فلسطين و إلاّ سيتأكد أنّهم يستعملون تجاه الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و تجاه الماوية شعار : حقيقة هنا ، ظلال هناك.
و إلى ألبانيا ، مصدر الخوجيّة و تاريخ الصراع الطبقي هناك الذي سيسلّط مزيدا من الضوء على دور الشباب. نقرأ فى الصفحة 54 من " تاريخ حزب العمل الألباني " :
" أصبحت المعاهد الثانوية معقلا لحركة مشتعلة ضد الفاشية حتى قبل الإحتلال . برز الشباب المدرسي بأحاسيسه الوطنية و الديمقراطية متأثرا بالمجموعات الشيوعية و تحت قيادة هذه الأخيرة. كان الشباب يقاتل باستماتة النظام الزوكيست الظلامي و الفاشي . و بعد الإحتلال ، كان شباب المدارس من أوائل الذين عبروا بقوة كبيرة عن كرههم للمحتل الفاشي . كانوا يصدون و يعرقلون إنتشار الثقافة الفاشية ، وكانوا على رأس مظاهرات و حركات إحتجاج ضد الفاشية و كانوا ينشرون الأفكار الوطنية المناضلة و الشيوعية . هكذا كان الشباب المدرسي يمثل سندا صلبا للحركة الشيوعية و المناهضة للفاشية فى جملتها ."( التسطير منا )
و نقرأ فى الصفحة 81 : " كان الشباب ينطوى على طاقات ثورية لا تنضب . كان الحزب يرى فيهم ذخيرة كبيرة من القوى الثورية المعادية للفاشية و الأكثر نشاطا ". ( التسطير منا )
و لنذكّر هنا بكلمات للينين بصدد كمونة باريس عثرنا عليها فى " برنامج الثورة البروليتارية العسكري " :
" فى أيام الكومونة ، ناضلت نساء و ناضل أولاد فى الثالثة عشرة من العمر إلى جانب الرجال. و لا يمكن أن يكون الحال على غير ذلك فى المعارك المقبلة من أجل إسقاط البرجوازية ." ( ص34 من" لينين "حول كمونة باريس "، دار التقدم ، موسكو ).
هذا الكلام عكس حقائقا تاريخية ينكرها الخوجيّون ليمارسوا حقّا شعار : حقيقة هنا ، ظلال هناك.
فى بداية الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، كان للشباب دور إستنهاض الجماهير و لما نهضت الطبقة العاملة إنتقل مركز الثقل فتراجع دور الشباب و كبر دور العمال الذين و منذ خريف 1966 إلى 1976، سيتولون قيادة هذه الحركة الثورية الفريدة من نوعها و الأرقى كطريقة ووسيلة لمواصلة الصراع الطبقي فى ظل دكتاتورية البروليتاريا و فى تاريخ الحركة الشيوعية العالمية .و هذا ما سجله ماو ذاته أثناء تقييمه للثورة الثقافية ضمن الوثيقة الرابعة الملحقة ب " تاريخ ..." لجان دوبيه (ص 299) :
" كان المثقّفون الثوريّون والشباب الطلاب أوّل من حصل وعيه وهذا يطابق قوانين التطور الثوري و فى شباط (فيفري) من هذا العام (1967) تعبأ عمال شنغاي كما فعل عمال كل البلاد . إن تقدم الحركة أظهر أن العمال و الفلاحين فى الزي الموحد ، و عندما نتكلم عن الجنود فهم بشكل أساسي عمال و فلاحون . و لن تكنس كل الرداءة البرجوازية إلا عندما تنتصب الجماهير العمالية و الفلاحية بينما يعود المثقفون الثوريون و الشباب الطلاب إلى مركز ثانوي " .
و هاكم أيضا مقتطف ممّا أدلى به ماوتسي تونغ فى " خطاب أمام البعثة العسكرية الألبانيّة " التى زارت الصين سنة 1967 : " حركة الرابع من ماي دفع اليها المثقفون الشيء الذى يُبين بوضوح تنبأهم وقدرتهم على استشراف الأشياء. مع ذلك ، علينا أن نعتمد على سادة عصرنا نعنى العمال والفلاحين و الجنود كقوة رئيسية لمواصلة الثورة حتى انجازها ، ثورة من نمط البعثة إلى الشمال أو المسيرة الكبرى ... رغم أن المثقفين و الجماهير الواسعة للشباب الطالبي هم الذين دفعوا إلى نقد الخط البرجوازي الرجعي ، كان ، رغم ذلك ، على سادة العصر ، الجماهير العريضة من العمال و الفلاحين و الجنود أن يكونوا القوة الرئيسية فى مواصلة الثورة حتى تحقيقها ...كان دوما بمقدور المثقفين أن يغيروا بسرعة نظرتهم للأشياء لكن نظرا لحدود حدسهم و إلى أنه تنقصهم الشخصية الثورية تماما ، فإنهم يكونون أحيانا انتهازيين ".
و بهذه الصورة ندرك مدى مسك الماوية بقوانين التطوّر الثوري و حدود دور المثقّفين الذين لما لمسها – تراخي و بعض الإنتهازية - الشيوعيّون الماويون بعد فترة أطلق ماو نداءه " لتمارس الطبقة العاملة دكتاتوريتها على كافة الأصعدة " فإنطلق العمّال إلى الجامعات... مكرّسين بحيويّة الدور القيادي لسادة العصر، العمّال و الفلاّحين و البقيّة تاريخ . هذا من ناحية و من ناحية ثانية ، ندرك مدى اللخبطة والإنحطاط الفكريّين لدى الخوجيّين المفضوحين منهم و المتستّرين .
7) إنتصارات الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى :
" و بالفعل فإن " الثورة الثقافية " لم تحقّق الأهداف المعلن عنها أي ضرب التحريفية و نفوذ البرجوازية بل على العكس فإن الأمور تدهورت أكثر فى الصين و التحريفية تغلغلت و ثقلت على جهازي الحزب و الدولة. و فى الوقت الذى كان يعلن فيه عن " نجاح الثورة الثقافية " و " بلوغ أهدافها " نرى ماو يؤكد بنفسه فى أفريل 1969: " على ما يبدو لى اذا لم نقم بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فإن الأمور لن تسير على أحسن ما يرام لأن قلعتنا ليست صلبة. فما لاحظته و لا أقول هنا أن كل أو الأغلبية الساحقة من المعامل بل أقول أن أغلبيتها الهامة لا توجد قيادتها لا بين أيدى ماركسيين حقيقيين و لا بين أيدى الجماهير العمالية ".(ص83-84 من " الماويّة معادية للشيوعية " )
و يهمّنا قبل الولوج فى الردّ المفصّل على هذه الإفتراءات أن نعرض عليكم ما كتبه خوجا فى" تخمينات حول الصين" ( العنوان ترجمه البعض أيضا ب" ملاحظات حول الصين " ) فى بداية السبعينات و لكم مطلق حرّية الإستنتاج بصدد إنتصارات الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى :
- " كان التحريفيّون السوفيات يعلقون آمالا كبيرة على أصحابهم التحريفيين الصينيين و الآن و قد تلقى هؤلاء ضربة، يتّخذ السوفيات بشكل مفتوح الدفاع عنهم و ينادونهم إلى الانتفاض ضد ماو . هذا صراع حدّ الموت " .
( أنور خوجا ، " تخمينات حول الصين " جزء 1، صفحة 341 ، الطبعة باللغة الفرنسية ،تيرانا ، سنة 1979 ضمن نصّ " تواصل الثورة الثقافية " المكتوب بتاريخ 30 ديسمبر 1966 )
- و جاء بنصّ " إستنتاجات على أساس المعلومات المتوفّرة " ( بتاريخ 9 ديسمبر 1966):
" فى هذه المرحلة ، تكتيك الخروتشوفيّين الذين أطاحوا بخروتشوف و الذين يدّعون عدم مناقشتنا ، بهذه الخدع ، هو السعي بالتأكيد الى إعانة أصحابهم التحريفيين الصينيين للعمل بهدوء أكبر لتنظيم افتكاك السلطة فى الصين بغية القضاء على ماو أو تحييده و ذلك لأنّ فى وضع ثوري كان التحريفيون الصينيون سيفتضحون كما حصل بالفعل .
الآن و قد كشف ماوتسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني عندهم الخونة التحريفيّين و مؤامرتهم فإنّ التحريفيّين المعاصرين و على رأسهم السوفيات، مع حلفائهم الأوفياء الامبرياليون الأمريكان يقومون بحملة معادية للصين ، و معادية للماركسية و معادية للينينية لأن رفاقهم الصينيون وقع كشفهم و عزلهم فآمالهم فى افتكاك السلطة فى الصين ذهبت أدراج الرياح . فى مؤتمرهم ذهب التحريفيون السوفيات و المجريّون الخ حتّى إلى الدفاع العلني عن أمثالهم الذين سُحقوا فى بيكين. يجب إعتبار هذا انتصارا لا فحسب بالنسبة للصين ولكن أيضا بالنسبة لنا وبالنسبة إلى الحركة الشيوعية العالمية. " ( " تخمينات..."، ص 336-337 )
--------------------
إدّعاء الخوجيّين أنّ الإستشهاد بماو أعلاه يثبت بما لا يدع مجالا للشكّ بأنّ الثورة قد فشلت يحتاج منّا نقدا مفصّلا. بادئ ذى بدء، نطّلع على الكلام الحقيقي لماو تسي تونغ ، الذى عثرنا عليه بكتاب استوارد شرام ، " ماو يتحدث إلى الشعب..." (ص271، طبعة فرنسية ) و نفضّل تقديم المقتطف بالفرنسية ثم نعلّق.
فى خطابه فى الاجتماع الأوّل للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني فى 28 أفريل 1969 ، بُعيد المؤتمر التاسع للحزب و إنتصاراته ، صرّح ماو :
« Si nous parlons de victoire, alors nous devons nous assurer que sous la -dir-ection du prolétariat ? les larges masses du peuple sont unies pour remporter la victoire. Il faut encore poursuivre la révolution socialiste. Il ya encore des choses dans cette révolution qui n’ont pas été achevées et qui doivent étre poursuivies : par exemple la lutte –critique –transformation.
Ce qui se passe à l’occasion. Il parait essentiel de continuer nos efforts pour mener la grande révolution culturelle prolétarienne jusqu’au bout. Notre base n’a pas été consolidée. D’après mes propres observations je -dir-ais que , pas dans toutes ,ni dans l’immense majorité des usines mais dans la grande majorité des cas , la -dir-ection n’est pas aux mains d’authentiques Marxistes ni meme aux mains des masses ouvrières… »
مضطرّين و لا شكّ إلى مقارنة ما قال ماو فعلا بما نُسب إليه زورا و بهتانا. و في البداية ، نفحص بالأساس الفقرة الثانية منذ " يبدو " إلى" النهاية " و ترجمتها " يبدو أساسيا مواصلة مجهوداتنا للمضي بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى إلى النهاية " بينما يعرب ذلك مهاجموه ب"على ما يبدو أن لم نقم بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فإنّ الأمور لن تسير على أحسن ما يرام "و البون شاسع و لاريب بين المعنيين ففي حين يدعو ماو لمواصلة الثورة يفرض عليه الجماعة " إن لم نقم... فإنّ الأمور لن تسير على أحسن ما يرام " كلمات و أفكار لم يستعملها ماوتسي تونغ و ندعكم تعلّقون على هذا الأسلوب في السجال الإيديولوجي و مدى" شيوعية " الخوجيّين إذا أخذنا بعين النظر مقولة ماو تسى تونغ التالية :
" إن الماركسية- اللينينية علم ، و العلم يعنى المعرفة الصادقة ، فلا مجال فيه لأية أحابيل فلنكن صادقين إذن ! " (" مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد 3، الصفحة 26 )
و ينطوي تعريب الجملة الموالية و التى تليها تداخلات مفجعة .
Notre base n’a pas été consolidée.
تعرّب بصورة صحيحة ب" قاعدتنا لم تتصلب "و ليس " ليست صلبة " و ماو ما إنفكّ يسعى إثر تعزيز القيادة ، إلى تعزيز القاعدة الحزبية تعميقا للثورة و إنتصارات المؤتمر التاسع.
و حتى قبل هذا المؤتمر تمّ فى الدورة العامة الثانية عشر للجنة المركزية إعلان عزل ليوتشاوشى رمز التحريفية او خروتشوف الصين ( " تاريخ..." ، ص 13 ) و لأنّ ماو تسي تونغ مادى جدليّ فهو يرى إلى الواقع و إستمرار الصراع و لو هُزم الخط التحريفي فى معركة المؤتمر التاسع فإنّه يتعيّن إلحاق الهزيمة به عند القاعدة أيضا و مواصلة الصراع ضد التحريفية كيفما تمظهرت على طول المرحلة الإشتراكية بما هي مرحلة إنتقالية من الرأسماليّة إلى الشيوعيّة .
و الأدهى أنّ الجماعة رغم أنّ ماوتسي تونغ يقول :
Pas dans toutes, ni dans l’immense majorité
يحوّلون صيغة النفي بعصاهم السحرية إلى " كل أو الأغلبية الساحقة " كتحريف مقصود و متعمّد يلوى عنق الحقيقة ليدخلها الزجاجة التى أعدّوها لها سلفا .
من هنا يتبيّن أنّ ماو لم يعلن أي فشل للثورة بالعكس بالنسبة له انتصارات الدورة 12 للجنة المركزية للحزب و المؤتمر التاسع غير كافية و من اللازم تعزيزها عمقا و إتّساعا لتشمل القواعد حيث لم تنته الثورة وهو ما يشدّد عليه فى الصفحة الموالية للمقتطف السابق (ص273) " لقد وضعت هذا المثال [ المقصود مثال المعامل ] على الطاولة لغاية أن أبيّن أنّ الثورة لم تنته ..." و الهدف الذى اقترح للعمل المستقبلى هو " لنتّحد من أجل هذا الهدف : تعزيز دكتاتورية البروليتاريا. عليكم أن تسهروا على أن تتركز دكتاتورية البروليتاريا فى كلّ مصنع و كل قرية و كل مكتب و كل مدرسة ". ( التسطير منّا )
ها قد تداعت الركيزة الأولى لموقف الجماعة فلنمتحن مدى صلابة الركيزة الثانية : " بيّنت الأحداث " .
فى 1969 ، قام ماو بذلك التصريح محللا الواقع و راسما المهام لمزيد ممارسة دكتاتورية البروليتاريا على كافة الأصعدة و الجماعة يعيدون كلمات قرص مشروخ " فشلت الثورة " . الهدف الحقيقي للثورة حسب زعمهم طبعا هو تركيز عبادة شخصية ماو وهذه الثورة فشلت . فليجبنا الجماعة لماذا إذا بقي ماو ليس إلى حد تصريحه فى 1969 فقط بل إلى حد وفاته سنة 1976 فى القيادة ؟ لو فشل لأطاح به أعداؤه . أليس من الغرابة بمكان أن يفشل فى " تركيز عبادته " ثم يبقى فى القيادة العليا ؟ تفسيرات ثلاث ممكنة لمن يريد القيام برياضة ذهنية .
1) إمّا أنّ أعداء ماو اللدودين الذين إنتصروا بفشله سامحوه على خطيئته كرما منهم مع أنّه ظلّ يناصبهم العداء الطبقي و يقاتلهم إلى آخر أيّامه،
2) و إمّا أنّ ماو فوق الصراعات الطبقيّة كما تقدّم البرجوازيّة رؤساء الدول .
3) و إمّا أن عصى موسى أو قوّة ماورائية - مشيئة الإلاه - أبقته على رأس الحزب الشيوعي الصينى .
أحلى هذه التفسيرات التى يقود اليها لغو الجماعة و منطقهم اللاتاريخي مُرّ و فلسفيّا مثاليّ لا تستسيغه الماديّة التاريخية .
و ما قولكم وماو مُني بالفشل وفق الجماعة ، ليو تشاوشى ممثّل الخروتشوفيّين الصينيّين يُطرد من الحزب و الحزب فى مؤتمره التاسع 1969 و مؤتمره العاشر1973 يُعلى راية الماركسية -اللينينية-الماوية ( فكرماو آنذاك) و يستمر فى خطّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى إلى وفاة ماو 1976 و الإنقلاب التحريفي لطغمة دنك- هواو إثر ذلك ؟
أيضا ، إعلان الجماعة أن " التحريفية قد تغلغلت و دينغ سياو بينغ قد تمركز على رأس الحزب الشيوعي و عشّشت البرجوازية فى هياكله العليا و مسكت بقطاع اقتصاد الدولة و أجهزتها "( كلام " الماوية معادية للشيوعية " ، ص83 وهو ذات الكلام الذى سيكرّره أصحاب " هل يمكن..." ) إعلان يحمل ترّهات تصل – إسمحوا لنا بقول - حدّ الغباء !
ماو تحريفي حسب فكرهم المعادى للماديّة الجدليّة ، منذ بداياته و منذ إعتلائه قيادة الحزب الشيوعي الصيني أمسى هذا الحزب تحريفيّا. و ماذا نرى و نسمع بعد 1969 " تغلغلت التحريفيّة ! ما هذا اللغو! ؟ هذا معناه ليست لنا عقول بعبارة لأبى العلاء المعرى. " تغلغلت " مفادها أنّها لم تكن كذلك قبل أواخر الستّينات و أوائل السبعينات و قبلها حتّى لمّا وقع الإعداد للثورة الديمقراطية الجديدة بالصين / الثورة الوطنية الديمقراطية و خوض عقود من الحرب الأهلية لإنتصارها سنة 1949 و فيما بعد عند انجاز المهام الديمقراطية الجديدة ثمّ التحويل و الثورة الاشتراكية ، كان ماو فى القيادة ولم تتغلغل بعد التحريفية . اذا إمّا أن يكون ماو تحوّل بفعل عصى سحريّة إلى تحريفي هو التحريفي أصلا على حدّ رأي الجماعة لأنّ أعداءه تغلغلوا فى الحزب ! و إمّا أن يكون الحزب الشيوعي الصيني " التحريفي " منذ صعود ماو إلى دفّة القيادة سنة 1935 ، شهد بعد أكثر من 30 سنة " تحريفية " تغلغلا للتحريفية !!!
من التحليل الخوجي للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و الإستنتاجات المؤسّسة عليه تفوح رائحة مثالية مقيتة فالرئيس ماو المشهور بتكريسه لمقولته الشهيرة : " إنّ الشعب و الشعب وحده ، هو القوة المحركة فى خلق تاريخ العالم " يُصوّر كصانع وحيد أوحد للثورة وإذا كان خوجا يصرّح بأنّ ماو وحده هو الذى حرّك الملايين فإنّ الكيلانى و جماعته و أصحاب " هل يمكن..." يرفعون هم الآخرون عقيرتهم بالصياح لقد " حرّك ماو ملايين الشباب " . شخص واحد لا غير صنع هذا الحدث التاريخي – العالمي محرّكا مجتمعا تعداد سكانه ربع سكّان الأرض و مأثّرا على العالم كافة ! أيّة مثاليّة تلك التى تبيح للخوجيّة الوصول الى مثل هذه التأكيدات و الى السعي لإقناع المناضلات و المناضلات الشيوعيين و الشيوعيات ، زيادة على الجماهير الواسعة ، بأنّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى مجرّد مؤامرة خطّط لها و نفّذها شخص واحد و بذلك تروّج الخوجيّة لفهم التاريخ و الثورات على أنّه تاريخ مؤامرات و ليس تاريخ صراع طبقي كما تراه المادية التاريخية وبذلك يطعنون علم الثورة البروليتارية العالمية فى أرقى تجاربه و قمّة هرمه معتقدين بأنّ الحيلة يمكن أن تنطلي و لكن هيهات !
و لمّا يدعي الخوجيّون أنّ ماو نفسه أكّد إخفاق الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى أفريل 1969 ، فإنّهم يتصرّفون أيضا كمتحيّلين ليس أكثر فهم أوّلا لا يوردون أصلا المرجع الذى إعتمدوه و يشوّهون كلام ماو وهم ثانيا يوهمون القارئ و القارئة بأنّ الثورة موضوع الحال إمتدّت على ثلاث سنوات فقط (1969-1966) بينما تثبت الوقائع التاريخيّة الملموسة أنّها دامت عشر سنوات كاملة (1976-1966) و أطاحت بزمرة قيادتين فى الحزب من أتباع الطريق الرأسمالي ممثلي البرجوازية الجديدة فى الحزب و الدولة مواصلة للثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا : 1- زمرة ليوشاوشى و دنك سياو بينغ و توّج هذا الإنتصار بالمؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني فى غرّة أفريل 1969 ؛ و 2- زمرة لين بياو و توّج هذا الإنتصار بالمؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني فى أوت 1973.
و ندعوكم مع لينين : " فكّروا فعلا : عمّ يفصح انفصال التيارات التى شجبها الحزب و التى تعرب عن التأثير البرجوازي فى البروليتاريا ، أعن تفكّك الحزب ، عن انحلال الحزب ، أم عن توطيده و تطهيره ؟ "
( لينين ، " المغزي التاريخي للصراع الحزبي الداخلي فى روسيا " )
القيام بالثورة مع دفع الإنتاج :
هذا هو أحد أهمّ المبادئ التى طوّرها ماو تسى تونغ فى خضمّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و طبّق لعشرية لتثبت صحّته و يعطي أكله مكاسبا فى منتهى الأهمية حزبيا و شعبيا وعالميا. و مفاد هذا المبدأ الماوي هو وضع السياسة أي الصراع الطبقي فى المصاف الأول طوال المرحلة الإشتراكية للحفاظ على التوجه الإشتراكي للمجتمع ككل و لمقاومة التحريفية أينما و كلما رفعت رأسها و سعت للإستيلاء على أجزاء من السلطة أوعلى سلطة الدولة جميعها وهو(المبدأ) فى الوقت نفسه لا ينسى ضرورة دفع الإنتاج تلبية لحاجيات الشعب و مساهمة فى دعم الثورة البروليتارية على المستوى العالمي ماديا و معنويا .
و غدا بعدئذ ركيزة من ركائز النظريّة التى طوّرها ماو كأحد أهم إضافاته للماركسية – اللينينية وكركيزة من ركائز حجر الزاوية فى الماويّة و نقصد نظرية مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا .
فى تقرير المؤتمر التاسع المنعقد سنة 1969 ورد :
" إنّ السياسة هي التعبير المركّز عن الإقتصاد. إذا لم ننجح فى تحقيق الثورة فى البنية الفوقية و فى إستنهاض الجماهير الواسعة من العمّال و الفلاّحين ، إذا لم ننجح فى نقد الخطّ التحريفي و فى كشف المرتدّين و عملاء العدوّ و المعادين للثورة المتسلّلين إلى الدوائر القيادية ، إذا لم ننجح فى تعزيز دكتاتورية البروليتاريا ، كيف سنستطيع بالتالي أن نعزّز القاعدة الإقتصادية الإشتراكيّة ، ثمّ أن نطوّر قوى الإنتاج الإشتراكية ؟ " .
و الخوجيّون المفضوحون منهم و المتستّرون يصوّرون الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى كحركة فوضى على الأصعدة كافة و هم بذلك يفترون على الماويّة و يجانبون الحقيقة و ما سنعرضه عليكم من معطيات و أرقام من كتاب " 25 سنة من الصين الجديدة " الصادر عن منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1975 ، الطبعة الفرنسية ، تؤكّد زيف ما يبثّه الخوجيّون المفضوحون منهم و المتستّرون من سموم معادية للثورة و للشيوعية فالماويّة مع قيادتها لخوض الصراع الطبقي بلا هوادة و بفضل الوعي البروليتاري كدافع للتغيير الإجتماعي قادت كذلك عمليّة البناء الإشتراكي و تطوير علاقات الإنتاج و قوى الإنتاج و حقّقت أرقاما قياسيّة أحيانا فى التقدّم الإقتصادي .
من نصّ : لنتقدم على الطريق الواسع للإشتراكية !
-- ص3 : شدّد الرئيس ماو على أنّ " وحدها الإشتراكية يمكن أن تنقذ الصين " .
-- ص3-4 : قال الرئيس ماو : " لأجل أن نشيّد نظاما إجتماعيا جديدا عوض النظان القديم ، يجب أوّلا أن نزيح العوائق من الطريق . إنّ بقايا الإيديولوجيا القديمة التى تعكس النظام القديم تبقى بالضرورة و لمدّة طويلة فى أذهان الناس ،إنّها لا تمحى بسهولة ."
-- ص5 : ... و هذا بغاية خدمة الصراعات الطبقية القائمة و مقاومة التحريفية و التصدى لها و تعزيز دكتاتورية البروليتاريا. و أثناء المعارك ، ينبغى كذلك أن نحرص على تكوين عمّال مسلّحين بالنظرية الماركسية و على توسيع صفوفهم . علينا ، من خلال نقد لين بياو و كنفيشيوس أن نرفع أكثر من مستوى وعينا بشأن صراع الخطين و أن ندفع تقدم الصراع- النقد- التحويل على الجبهات كافة و أن نتمسك حتى بأكثر صلابة بالتوجه الإشتراكي .
-- ص5 : فتح النظام الإشتراكي حيث تكرس البروليتاريا دكتاتوريتها أفاقا واسعة لتطوير الإنتاج حسب مبدأ كمية ، سرعة ، نوعية و إقتصاد .
-- ص 6 : بقيادة الخط الثوري البروليتاري للرئيس ماو، يجب أن نوطد التضامن الثوري الكبير للحزب بأسره ، للجيش بأسره و لشعب البلاد بأسرها. يجب أن نتعلّم كيفيّة معالجة المشاكل بالطريقة الجدلية ل" إزدواج الواحد "، و أن نطبّق فعليّا مختلف الإجراءات السياسية البروليتارية التى حددها الرئيس ماو و أن نميز بصرامة بين النوعين من التناقضات ذوى الطبيعة المختلفة و أن نعالجهما بطريقة صحيحة و أن نوحد- أكثر من 95 بالمائة من الكوادر
و الجماهير ...
من نصّ : إقتصاد إشتراكي صلب :
-- ص12 : سجّلت الثماني سنوات الممتدّة بين 1965 و 1973 إنتاج حبوب ( بأرقام مطلقة ) أعلى من الإنتاج المتحصل عليه خلال الخمس عشرة سنة الممتدة من 1950 إلى 1965 . فى 1973 ، القيمة الجمليّة للإنتاج الصناعي تضاعفت و أكثر نسبة لإنتاج 1965 .
-- ص 15 : مقارنة ب1949 ، تضاعف و أكثر إنتاج الحبوب و شهد إنتاج الزراعات الموجهة للصناعة هو أيضا إرتفاعا معتبرا . وفر التطور الفلاحي المواد الأولية و مخرجا للفلاحة الخفيفة التى شهدت بدورها تطوّرا مناسبا : قيمة إنتاج الصناعة الخفيفة فى 1973 تضاعف لأكثر من عشر مرات نسبة ل1949 . و وفّر تطوّر الفلاحة
و الصناعة الخفيفة مخرجا للصناعة الثقيلة و الأموال الضروريّة لتطوّرها .
من نصّ : تطور طاقة إستغلال الموارد المنجمية :
ص 17 : فى السابق، كان للصين حوالي 200 تقني و 800 عامل يشتغلون فى التنقيب الجيولوجي . و اليوم تضاعف عددهم مئات المرات : للصين الآن عشرات الآلاف من التقنيين و مئات الآلاف من العمال مشكلين مئات الفرق الجهوية للبحوث الجيولوجية و التنقيب المنجمي و الإستكشاف الجيولوجي للبترول و النقيب الجيوفيزيائي و فرق الهدروجيولوجيين و المهندسين الجيولوجيين .
من نصّ : صناعة بترولية فى إزدهار :
-- ص 21 : منذ التحرير أرست الصين قواعد صناعة بترولية عصرية نسبيا كاملة وإنتاجها فى الوقت الراهن، قادر على تلبية حاجيات الإقتصاد الوطني المتزايدة بإطراد سواء من ناحية الكمية أو النوعية أو التنوع .
-- ص 23: لقد أنجزت مهام الصناعة البترولية التى حددها المخطط الخماسي الثالث (1965-1970 ) منذ 1968 ، أي قبل سنتين .
من نصّ : آلات و تجهيزات صنعت بالتعويل على القوى الذاتية :
-- ص 27 : فى 1973 ، إنتاج التجهيزات المعدنية و المنجمية إرتفع على التوالي ب4 و 4.5 مرات و إنتاج السيارات و الآلات – الأدوات و التجهيزات البترولية و التجهيزات المخصصة لمراكز توليد الكهرباء من 1.7 أو بأكثر بقليل من 6 مرات نسبة إلى 1965 .
-- ص 27 : فى 1973 ، إنتاج الآلات الرئيسية الفلاحية مثل الجرارات و الدارسات و محركات الري و تجفيف المستنقعات و الحاصدات و آلات معالجة المنتوجات الفلاحية و الثانوية ، كلها إرتفعت بدرجات ذات دلالة ( تضاعفت لعدة مرات أو لعشرات المرات ) نسبة ل1965 .
من نصّ : إزدهار صناعة السفن :
مركز صناعة السفن فى هوتانغ بشنغاي الذى كان فى الصين القديمة لا يفعل سوى إصلاح السفن البوخارية قادر اليوم على التخطيط و على صناعة سفن كبيرة حمولتها تصل إلى 25 ألف طن .
من نصّ : لماذا نطوّر مؤسسات صناعية صغيرة الحجم :
-- ص38 : عرفت الصناعات الحديد الصغيرة الحجم هي أيضا تطورا كبيرا . فى1973 ، تضاعف إنتاجها الفولاذ ثلاث مرات نسبة ل 1966 تضاعف إنتاج الحديد أربع مرات .
-- ص 41 : فى منطقة الحكم الذاتي بالتيبت ، أنشأت حوالي 200 مؤسسة صناعية .
من نصّ : من مدينة إستهلاكية أصبحت بيكين مركزا صناعيّا :
-- ص 43 : فى 1973 ، إرتفعت القيمة الجملية للإنتاج الصناعي ب110 مرة نسبة ل1949 متجاوزة القيمة الجملية المسجلة منذ 25 سنة للإنتاج الصناعي فى البلاد فى مجملها لسنة واحدة .
-- ص 47 : فى 1973 ، تضاعفت القيمة الجملية للإنتاج الصناعي للمدينة ثلاث مرات نسبة لسنة 1965 التى سبقت الثورة الثقافية .
من نصّ : تحويل الصناعة فى شنغاي و تطويرها :
-- ص 50 : منذ 25 سنة ، شهدت الصناعة تطورا سريعا . فى 1973 ، إرتفعت القيمة الجملية للإنتاج الصناعي ب 16 مرة نسبة إلى سنة 1949 سنة التحرير و تضاعفت نسبة لسنة 1965 . فى مجمل الصناعة ، حصة الصناعة الثقيلة مرت إلى أكثر من 54 بالمائة فى 1973 مقابل 13.6 بالمائة فى 1949.
-- ص 53 : خلال المخطط الخماسي الثالث لتطوير الإقتصاد الوطني من 1966 إلى 1970 إرتفعت القيمة الجملية لصناعة المدينة ب68 بالمائة نسبة للخمس سنوات السابقة على الثورة الثقافية ... و القيمة الجملية لإنتاج المدينة تضاعف فى 1973 نسبة ل1965.
من نصّ : نجاح المكننة الفلاحيّة :
-- ص 60 : منذ الثورة الثقافية الثقافية البروليتارية الكبرى ، يتطور بناء الآلات الفلاحية بسرعة مسرعا مكننة الفلاحة فى البلاد... نسبة إلى 1965 ،تضاعف الإنتاج فى 1973 ب5 مرات بالنسبة للجرارات و ب31 مرة بالنسبة للحاصدات.
-- ص 61 : فى 1973 ، تم إنتاج أكثر من 1500 نوع من الأجهزة و الآلات الموجهة للفلاحة و عدد كبير منها له إستعمالات مختلفة .
من نصّ : بناء القنوات المائيّة على نطاق واسع :
-- ص67 : فى ال25 سنة الأخيرة شهدت الصين إتساعا لمساحة أراضيها السقوية. اليوم ، فى عدد معين من المحافظات و الجهات ،لا سيما فى الجنوب ، تمثل الأراضي السقوية نصف المساحة الجملية للأراضي الزراعية. و تلك الموجودة فى ضواحي بيكين و شنغاي بلغت على التوالي 66 و 95 بالمائة . الآن ،كل محافظة و كل بلدية و كل جهة ذات حكم ذاتي أنشأت مساحات واسعة تضمن محصولا جيدا مهما كانت الظروف المناخية ...
و القدرة الجمليّة للتجهيزات المائية الكهربائية تجاوزت 30 مليون حصان وهو ما يمثل تقريبا أربعة أضعاف ما كانت عليه سنة 1965 ، السنة السابقة للثورة الثقافية .
-- ص 68 : فى 1973 تم حفر 330 ألف بئر جديدة و هو رقم قياسي.
من نصّ : الإكتفاء الذاتي فى الحبوب :
-- ص 74 : فى ربع قرن حل الشعب الصيني مشكلة النقص الغذائي التى كانت تتهدده على الدوام لآلاف السنين .
-- ص 80 : خلال ثماني سنوات ، من 1965 إلى 1973 ، تجاوز إنتاج الحبوب إنتاج ال15 سنة (1950-1965) السابقة على الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى .
من نصّ : لا تضخم مالي فى الصين :
-- ص 84 : فى الصين الدولة هي التى تحدد الأسعار .وهي التى تزود بإستمرار السوق بالبضائع بأسعار قارة ،مما سمح بتحقيق إنتاج و بناء مخططين و بضمان حياة مستقرة للشعب .منذ بضع و عشرين سنة ، المواد و المنتوجات ذات الضرورة الملحة و نقصد الحبوب و القطنيات و الملح و الفحم ظلت أسعارهم قارة . و أسعار عدد معين من السلع و منها الأدوية و الأدوات المكتبية و المدرسية تراجعت بصفة محسوسة .
من نصّ : الثورة فى مجال التعليم :
-- ص 88 : حوالي 90 بالمائة من الأطفال فى سن الدراسة يلتحقون بالمدرسة .
-- ص 89 : التعليم فى الصين لم يعد مسؤولية المدرسة فقط . فالعمال و الفلاحون و مقاتلو جيش التحرير و كوادر إدارات الدولة و موظفو التجارة و سكان الأحياء يثرون ثقافتهم و يدرسون النظرية الثورية أثناء أوقات فراغهم أو جزء من وقت العمل فى أشكال مختلفة من تنظيمات الدراسة و منها التربصات القصيرة المدى و المدارس الليلية التى توفر دروسا سياسية . كل المجتمع صار مدرسة واسعة .
و الثورة فى التعليم التى بدأت و تطورت فى مجرى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى تتواصل دوما على نطاق البلاد برمتها . و مهمتها الجوهرية هي إصلاح النظام التعليمي القديم وفق المبادئ و الطرق على ضوء التوجه الذى صاغه الرئيس ماو : " ينبغى أن يخدم التعليم السياسة البروليتارية و أن يتضافر مع العمل المنتج " و " يسمح لمن يتلقونه بالتكوين على المستوى الأخلاقي و الفكري و الجسدي ليصيروا عمالا مثقفين ذوى وعي إشتراكي " .
من نصّ : نظام طبيّ و صحّي من نوع جديد :
ص99-100 : وهكذا كرس عمليا خط خدمة جماهير العمال و الفلاحين و الجنود و حدثت تغييرات عميقة فى الأرياف مع ظهور " الأطباء ذوى الأقدام الحافية " و تركيز سريع و شامل لنظام صحي تعاوني .
هذا النظام الصحي الجديد المعتمد على تعاون الفلاحين و على تنظيم جديد للعيادة الطبية يشتغل كالآتى : يجب على كل منخرط أن يدفع سنويا مساهمة عموما يوان واحد ( ما يعادل 50 سنت دولار أمريكي ) ليتلقى علاجا مجانيا فى مستشفى فرقة الإنتاج . و إذا ما تم نقله إلى مستشفى أعلى من مستشفيات الكمونة فإن تكاليف العلاج يتولاها كليا أو جزئيا النظام التعاوني .
" الأطباء ذوى الأقدام الحافية " المنتشرين فى كل أنحاء القرى يعدون أكثر من مليون نفر. مختارين من ضمن أعضاء الكمونة الشعبية و المتحصلين على شهادات التعليم الثانوي ، لا يقطعون مع الأعمال الفلاحية و يعرفون إذن جيدا الأمراض التى يشكو منها عادة الفلاحون و الإجراءات التى ينبغى إتّخاذها للوقاية منها و لعلاجها . إليهم يضاف أكثر من 3 ملايين عامل صحي و قابلات مختصين فى الريف: قوة طبية أساسية فى العالم الريفي . "
-- ص 100 : منذ بداية الثورة الثقافية ، توجه جماعات كبيرة من الأطباء إلى الريف إما فلإقامة فيه أو لإجراء جولات . و إتخذت المعاهد الطبية توجها جديدا معطية الأولوية للريف فى ما يتصل بالإنتداب و توزيع المحرزين على شهائد و تحسين مردود العاملين بالمجال الطبي . أمّا البحث الطبيّ ، فشدد على معالجة الأمراض المنتشرة و النظريات الأساسية المتعلقة بها . فضلا على ذلك و لتعزيز البنية التحتية الريفية فى ما يتعلق بالصحة ، تقدم الدولة إعانات مادية و مالية ضخمة . و الأدوية و المنتوجات البيولوجية و الأجهزة الطبية تصنع بكميات كبيرة بغاية تزويد الريف و أسعارها تراجعت بدرجات معتبرة , فأسعار الأدوية مثلا ،صارت خمس ما كانت عليه غداة التحرير . "
-- ص 102 : إن الحملة الوطنية من أجل النظافة التى شنت بمبادرة من الرئيس ماو غدت مهمة مستمرة ليس للعمال فى الصحة و كوادر كافة القطاعات فحسب و إنما مهمة الشعب بأسره .
-- ص 103 : مزج الطب التقليدي و الطب الغربي يمثل فى الصين توجها يحتذى لتطوير العلم الطبي و الصيدلة الصينيين.
من نصّ : الأقليات القومية ، الأمس و اليوم :
-- ص 105 : تمارس الصين سياسة مساواة بين كافة القوميات. تعد الصين فى الجملة 55 قومية ( بما فيه الهان ) ، يعيشون مهما كانت أهميته العددية فى مساواة ووحدة و يتعاونون و يتعاضدون للتقدم المشترك ،واضعين هكذا حدا لماضى كانت فيه الشعوب جميع القوميات فريسة لإضطهاد لا محدود من قبل الإمبرياليين و رجعيى الكومنتنغ و الطبقات المهيمنة المحلية لنفس القومية .
-- ص 109 : فى السابق ، لم تكن لدي بعض القوميات لغة مكتوبة. و بعد التحرير ، ساعدتهم الدولة على إيجاد لغات مكتوبة .
-- ص 110 : فى الماضى ، كان رجعيو الكومنتنغ يمارسون سياسة تفرقة عنصرية تجاه الأقليات القومية ويستغلونها
بفظاعة فى تحالف مع الإمبرياليين وهو ما تسبب فى تخلف الأقليات القومية على كافة المستويات ، و إثر بناء الصين الجديدة ، إتخذت الحكومة الشعبية جملة من الإجراءات و قدمت لها مساعدة و إهتماما خاصين لتسمح لها بتطوير إقتصادها و ثقافتها بنسق أسرع من المناطق الداخلية التى يقطنها الهان : إستثمارات أكثر أهمية فى البناء و منح و تخفيضات فى الأداءات أو إعفاءات و تزويد متصاعد بالمواد و إنتاج مواد تتناسب مع إحتياجاتها الخاصة و بعث عمال مختصين و فلاحين محنكين و أطباء و مدرسين..."
من نصّ : موقع النساء و دورهن فى المجتمع اليوم :
-- ص 113: منذ نشأة الصين الجديدة ،بفضل التربية و حث الحزب الشيوعي و الحكومة الشعبية ، كبرت عديد الكوادرالنساء فى ظروف جيدة . لم تكن قط النساء القادرات و اللامعات على هذه الكثافة العددية على جبهات الثورة و البناء الإشتراكيين . عدد كبير من النساء النخبة إنخرطت فى الحزب وفى المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني المنعقد فى 1973 ، كانت النساء تمثل 20 بالمائة من العدد الجملي للمندوبين و 12 بالمائة من أعضاء و نواب أعضاء اللجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر العاشر للحزب .
و اليوم ، عديدة هي النساء اللاتى تضطلع بالمهام القيادية فى أجهزة القيادة المركزية للحزب و للحكومة ، و فى مختلف المستويات المحلّية و فى المصانع و الاكمونات الشعبيّة و المغازات و المصانع .
----------------------
الإنتقال من الرأسماليّة إلى الشيوعيّة يحتاج عدّة ثورات ثقافيّة بروليتاريّة كبرى لا ثورة واحدة :
إنطلاقا من الوعي البروليتاري التام بأن الصراع الطبقي أساسا بين البروليتاريا و البرجوازية فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، فى المجتمع الإشتراكي كمرحلة إنتقاليّة من الرأسماليّة إلى الشيوعيّة لن يتوقّف وأنّ إمكانيّة الردّة واردة جدّا طالما لم نبلغ الشيوعيّة عالميا ، ما إنفكّ ماو ينبه لليقظة المستمرة و الإستعداد لخوض الثورات الثقافيّة الموالية رغم الإنتصارات المحقّقة فى بعض المعارك فالحرب لم تضع أوزارها و العالم الخالي من الطبقات لم يولد عالميا بعدُ.
ففى أوج الثورة التى تهدف لتغيير العالم و نظرة الناس للعالم ، أعلن ماو أن :
" الثورة الثقافية الكبرى الحالية ليست سوى الأولى من نوعها و علينا فى المستقبل أن نخوض عديد الثورات الأخرى. فانتصار ثورة لا يمكن أن يتحدد الا بعد فترة تاريخية طويلة. و من المحتمل أن تتم إعادة تركيز الرأسمالية فى أي وقت إذا لم ننجز عملنا على أفضل وجه. على كافة عناصر الحزب و الشعب فى البلاد بأسرها ، ألا يعتقدوا أن ثلاث أو أربع ثورات ثقافية كبرى كافية لتوفير السلام للأمة . ينبغى عليكم أن تكونوا على الدوام حذرين و لا تخفضوا و لو للحظة من يقظتكم ".
و شدّد ماو منذ أكتوبر 1968 :
" لقد أحرزنا بعد انتصارات عظيمة. لكن الطبقة المهزومة ستظل تصارع . هؤلاء الناس ما زالوا هنا و هذه الطبقة كذلك. لذا ، لا يمكننا الحديث عن انتصار نهائي حتى بالنسبة للعشريات القادمة . لا ينبغى أن نخفض من يقظتنا. من منظور لينيني ، يتطلب الانتصار النهائي لبلد اشتراكي لا جهود البروليتاريا و الجماهير الشعبية الواسعة لهذا البلد فقط بل انه مرتهن كذلك بإنتصار الثورة العالمية و القضاء كونيا على نظام استغلال الانسان للانسان مما سينجر عنه تحرر الإنسانية جمعاء .و بالتالي فإن الحديث ببساطة عن الانتصار النهائي لثورتنا أمر خاطئ و مضاد للينينية و أكثر من ذلك ، لا يتطابق مع الواقع ".
و قد صرّح ماو سنة 1971 :
" إنّنا نغنى النشيد الأممى منذ خمسين عاما و قد وجد فى حزبنا أناس حاولوا عشر مرات زرع الانشقاق ، فى رأيى هذا يمكن أن يتكرر عشر مرات ، عشرين ، ثلاثين مرة أخرى .ألا تعتقدون ذلك؟ أنا أعتقد ذلك على كل حال .ألن توجد صراعات حين ندرك الشيوعية؟ أنا ببساطة لا أعتقد ذلك. إن الصراعات ستستمر حتى حينها، لكن فقط بين الجديد و القديم و بين الصحيح و الخاطئ."
----------------------
كبرى هي الثورة الثقافية لأكثر من سبب :
1- لأنّها ثورة إسترجعت بفضلها البروليتاريا أجزاء السلطة التى إغتصبها أتباع الطريقة الرأسمالي فمكّنت الصين من البقاء على الطريق الإشتراكي من 1966الى 1976 .
2- لأنّها بروليتاريّة بمعنى تثويرها لوعي البروليتاريا و بمعنى خدمتها لمصالح البروليتاريا الآنيّة و البعيدة و أهدافها الإشتراكية فى إرتباط بالهدف الأسمى : الشيوعية .
3- لأنّها قطعت أشواطا فى تغيير نظرة الناس للعالم وفق المنظور البروليتاري.
4- لأنّها عملت على محاصرة الحق البرجوازي وعلى حلّ التناقضات مدينة / ريف و عمل يدوى /عمل فكرى و عمال/ فلاحين.
5- لأنّها طوّرت البناء الإشتراكي فى الصين كقاعدة للثورة البروليتارية العالمية ( للإطلاع على الإختراقات التى حقّقتها فى الجانب الإقتصادي فقط : " الثورة الثقافية و التنظيم الصناعي" لشارل بتلهايم ، مسبيرو، الطبعة باللغة الفرنسية )
6- لأنّها أفرزت " الأشياء الإشتراكية الجديدة " و ركّزتها.
7- لأنّها كشفت الطريقة و الوسيلة لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا وهذا بعدها التاريخي- العالمي.
8- لأنّها سلّحت الثوريين بفهم عميق مكّنهم من إستيعاب الردّة التحريفية التى شهدتها الصين و من فضحها مقاومتها بوسائط متنوّعة منها الكفاح المسلّح وهو ما لم يحصل عند الإنقلاب التحريفي الخروتشوفي فى الإتّحاد السوفياتي سنة 1956 ، وهو كذلك ما مكّن الشيوعيين الماويين عالميّا من إعادة تشكيل قواهم بسرعة نسبيّا.
9- لأنّها مثّلت حجر الزاوية فى تطّور علم الثورة البروليتارية العالميّة من الماركسية – اللينينية إلى الماركسية-اللينينية- الماوية .
---------------------
ملحق : " الأشياء الإشتراكية الجديدة "
(هونجكى عدد 12سنة 1974/ بتصرّف )
تطلق تسمية " الأشياء الإشتراكية الجديدة " بالأساس على مكاسب الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى وهذه المكاسب هي :
- حركة دراسة الماركسية-اللينينية-فكر ماو تسى تونغ.
- اللجان الثورية.
- تعزيز القيادة المركزية و الحزب و طرد طغمة ليوتشاوتشى .
- إيجاد أوبيرا و أعمال فنّية أخرى ثوريّة و نشرها شعبيّا.
- تكوين فصائل من المنظّرين من صفوف جماهيرالعمّال – الفلاّحين – الجنود.
- دخول طلبة من العمّال-الفلاحين-الجنود الجامعات لقيادة التغييرات الثوريّة و الدراسة .
- إلتحاق الشباب المتعلّم بالريف.
- الأطبّاء ذوى الأقدام الحافية و نظام التعاون الطبيّ .
- دراسة العمّال و الفلّاحين للتاريخ.
- إتّحاد " ثلاثة فى واحد ".
- صعود كوادر من العمّال و الفلاّحين إلى المراكز القياديّة .
- المساهمة الحقيقية للكوادر فى العمل اليدوي .
- مدارس " 7 ماي " للكوادر حيث يساهمون من فترة إلى أخرى فى العمل الإنتاجي و يدرسون الماركسية - اللينينية.
- منظّمات جماهيريّة طليعيّة فى كافة المجالات.
- التحديثات و الإكتشافات التقنيّة و العلميّة.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
و نقترح على من يتطلّع إلى تعميق دراسة الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، الإطّلاع على كتاب من تأليف شادي الشماوي متوفّر منذ 2016 بمكتبة الحوار المتمدّن : " الصراع الطبقي و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا : الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة ".