أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أبي …. وعنصريةُ يدي اليسرى!














المزيد.....

أبي …. وعنصريةُ يدي اليسرى!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6648 - 2020 / 8 / 16 - 01:15
المحور: حقوق الانسان
    


13 أغسطس. يومٌ يحمل الألم، ويحملُ الدهشةَ. أما الألمُ فلأنه يوافقُ ذكرى رحيل أبي المتصوّف الجميل، عن هذا العالم. وأما الدهشةُ، فلأنه يوافقُ: "اليوم العالمي لمستخدمي اليد اليسرى"، أو ما نسميه بالدراجة المصرية (الأشول)، وما تسمّيه العربيةُ الفصحى: “الأعسر”.
وفي كلِّ عام في مثل هذا اليوم، أتحيَّرُ! هل أكتبُ عن الرجل العظيم الذي غرسَ في قلبي وعقلي قيمَ المحبة والعدل والجمال، وعلّمني ألا أكره مطلقًا، حتى مَن يكرهني؟ أمْ أكتبُ عن طائفةٍ تُمثّل 7٪ من البشرية، شاء الچينومُ البشريُّ أن أنتمي إليها؟! نتحيّرُ ونرتبكُ حين تتعدّدُ البدائلُ ونكون مجبرين على الخيار بين عزيزيْن. لكني سأختارُ “الموضوعية”، وأكتب عن فئة ال 7٪، بدلاً من “الذاتية” التي تدفعني للكتابة عن شخص واحد، حتى وإن كان بالنسبة لي يمثّلُ العالمَ بأسره.
في مثل هذا اليوم العام الماضي، كنتُ أتمشّى في أحد المولات، فاستوقفتني سيدةٌ أنيقةٌ وصافحتني بمودةٍ. ثم نادت على ابنتها الواقفة على مقربة مع رفيقاتها. وما أن شاهدتني الصَّبيّةُ حتى ركضت نحوي بلهفة وعانقتني بحبٍّ عظيم، وهي تهتفُ بفرح طفولي إنها تحبُّ مقالاتي وتحفظُ من قصائدي، وتحتفظُ ببعض كتبي في مكتبتها الصغيرة، وإنني مَثَلُها الأعلى وووو. ثم لمعت عيناها فجأةً وهتفت: (وكمان أنا فرحانة إني "شولة" زيك. الأول كنت متضايقة. بس لما عرفت إنك "شولة" بقيت فخورة إني باشبهك في حاجة!) سألتُها: (وليه كنتي زعلانة إنك شولة؟) قالت: (حاجات كتير مش متصممة علشانا. المقصّ، ساعة اليد، الحاجز الإلكتروني في المترو، الجيتار، البيانو، ماوس الكمبيوتر، القلم الحبر، شريط القياس، مقاعد المحاضرات، بندقية الرماية، فتّاحة المعلبات، فتيس السيارة، سوستة البنطلون، ووو. بينسونا لما بيخترعوا! كل حاجة معمولة للي بيستخدم إيده اليمين، وصعبة جدًّا للي بيتسخدم إيده الشمال! ومش فاهمة أصلا ليه احنا شول؟!) وعدتُ العسراءَ الجميلة "مروة" بالكتابة عن "العُسْر والعسراوات"،لأشرحَ السببَ العلميَّ الذي جعلها وجعلني وقليلين في العالم، نستخدم اليسرى، عكس معظم البشر.
يُطلقُ علينا الأمريكانُ في الدارجة العامية: SouthPaw، (مِخْلَب الجنوب). لأن ملاعبَ البيسبول تُصمَّم باتجاه الشرق، لكيلا تؤذي أشعةُ الغروب عيونَ اللاعبين. وبالتالي، فإن اللاعبَ الأعسر، يقذفُ الكرة نحو الجنوب. ويقول العِلمُ إن چين LRRTM1، هو المسؤول عن العَسَر، لأنه يُنشِّط فصَّ المخ الأيمن، المتحكّم في نصف الجسد الأيسر. وهذا الفصُّ المُبدع هو ماكينةُ الخيال واللغة والرياضيات والفنون. لهذا نجد كثيرين من العُسْر، رسّامين ونحّاتين وأدباء وفيزيائيين.
ولكي لا تشعر "مروة" بالعُزلة، أخبرُها أن رائعين مثل: “آينشتين، أرسطو، بيتهوڤن، نيتشه، نابليون، الإسكندر الأكبر، تشرشل، غاندي، نيوتن، ماري كوري، داڤنشي، مايكل-آنجلو، بيكاسو، كاسترو، مارادونا، ميسّي، الأمير وليم، توم كروز، آرم سترونج، بيل جيتس، ومعظم رؤساء أمريكا، وغيرهم، من العُسر. ولذلك لا عجبَ أن تُعلنَ منظمةُ Mensa، التي تضمُّ أذكياءَ العالم، أن معظمَ العُسر ذوو نسب ذكاء مرتفعة.
ومثلما في العربية اِشتُقَّتْ مفردةُ "أعسَر" من "العُسْر"، نقيض "اليُسْر"، نجدُ في الإنجليزية مترادفاتِ الأعسر left-handed، تحملُ دلالاتٍ سلبيةً. منها sinistral المشتقة من الجِذر sin (خطيئة)، كأنما الأشول خطّاءٌ! وفي العبرية، وبعض لغات السامية واللهجات القديمة لبلاد ما بين النهرين، كانت "اليدُ" ترمز للقوة والسيادة، وبالتالي ترمز "اليدُ اليسرى" للسلطة الغاشمة، وكذلك سوء الطالع والنحس، ومسٍّ من غضب الآلهة! كذلك في عديد اللغات الأوروبية، مثل الإنجليزية والهولندية والألمانية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية؛ نجد مفردة "يمين" Right تحملُ معنى: السَّواء والصَّلاح والصِّحة (عكس الخطأ)، وكذلك معنى "الحق والعدالة”. وتاريخيًّا، أنْ تكون: "أيمنَ"؛ فذلك يعني أنك ماهرٌ. لأن الجذر اللاتيني Dexter يعني "أيمن" ويعني "ماهر" في آن. وفي الأيرلندية Deas تعني "يمين" وتعني: "لطيف" أو "جميل". وفي المقابل كلمة Gauche بالفرنسية تعني "يسار" وتعني "أخرق"! وفي الهولندية والبرتغالية: (له يدان يُسراوان) يعني: (أبْلَه). وفي الإنجليزية: ( ذو قدمين يسراوين) يعني: فاشلٌ في الرقص. والحقُّ أنني وقعتُ على ما لا يُحصَى من تعبيرات لليد اليسرى، في لغات أوروبا وجنوب آسيا، تصبُّ جميعها في النهر السلبيّ!
وهكذا يا جميلتي "مروة"؛ مآساتُنا ليست فقط مع الأدوات "العنصرية" التي نعاني عند استخدامها، ولكن لدينا أزمة تاريخية مع المُحمّل المعرفيّ السيء لمستخدمي اليد اليسرى، فنحن بالفعل "غلابة"!
أما أنت يا أبي، يا رحِمَكَ اللهُ، فأقولُ لكَ إنني دفعتُ الثمنَ الباهظَ مقابلَ المبادئ التي علمتنيها في طفولتي. فأنْ تُحبَّ "جميعَ" الناس، يعني أنْ يحاربَكَ "معظمُ" الناس! ومع هذا "الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن”.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا تأخّر التنويرُ في بلادنا؟
- صاحبُ المقام… التجارةُ الحسنةُ مع الله
- بيروت الجميلة … سلاما
- محمد مشالي … شجرةٌ بمئة مليون ثمرة
- نورا … وأشهر إصفاقة باب في التاريخ
- إنه … الأستاذُ: عبد الرحمن أبو زهرة
- نورا التي رفضت أن تكون عروس حلاوة
- حوار مجلة أمارجي العراقية مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت
- انتحالُ صفة: (رجل)!!!
- التحرُّش… وصعوبةُ أن تسكنَ جسدَ امرأة!
- حينما تصيرُ المرأةُ: سيارةً ب قِفل!!!
- رجاء الجدّاوي … الجميلةُ التي غادرت
- كيف أشرق نورُ 30 يونيو؟
- مانديلا … محمود أمين العالم … وثقافة السُّموّ
- شريف منير …. وجدائلُ الجميلات
- درس شريف منير ... لكريماته
- عيدُ الأبِ …. الخجولُ
- اللّهُمَّ اشفِ مرضانا … ومرضى -العالمين-!!!
- الكمامة والقمامة ولغةٌ (قايلة) للسقوط
- احترام فيروس كورونا!


المزيد.....




- رئيس المجلس الرئاسي اليمني يبحث مستجدات الوضع الإنساني وجهود ...
- لجان مقاومة فلسطين: نتنياهو مجرم وخطابه بالأمم المتحدة أكاذي ...
- حماس: خطاب نتنياهو في الامم المتحدة مليء بالأكاذيب
- الخارجية الايرانية تعتبر اعتداء الاحتلال على الضاحية باسلحة ...
- -اللعنة والنعمة-.. قصة خارطتي نتانياهو في خطابه بالأمم المتح ...
- لافروف يلتقي بسام الصباغ على هامش الجمعية العامة للأمم المتح ...
- تصفيق وصيحات استهجان ومقاطعة.. شاهد كيف استقبل نتنياهو في قا ...
- -رش الملح على الجرح- أمطار غزة تفاقم معاناة النازحين وتُغرق ...
- نتنياهو يتمسك بالحرب ويهاجم الأمم المتحدة ووفود دبلوماسية تق ...
- ضمت دولًا مثل السعودية ومصر وإيران.. نتنياهو يعرض خرائط -الن ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أبي …. وعنصريةُ يدي اليسرى!