خطة ويسكونسين بعد عشرة اشهر من ضمان الدخل الى العدم


اسماء اغبارية زحالقة
2006 / 6 / 30 - 15:04     

بعد عشرة اشهر من تطبيق خطة ويسكونسين اكثر من 5000 شخص لم يتقاضوا المخصصات، ومن غير الواضح كم منهم وجدوا عملا وفي اية ظروف؛ سابقة في محكمة العمل بالقدس تنص على وجود مشكلة وتعارض في المصالح لدى الشركات، التي تشتق ارباحها من حرمان العاطلين عن العمل من المخصصات.
اسماء اغبارية

5.053 مواطنا اختفوا فجأة من قائمة مستحقي مخصصات ضمان الدخل. هذا ما كشفه تقرير لمؤسسة التأمين الوطني حول خطة "مهاليف" (ويسكونسين) في 28/5. ما الذي حل بالخمسة آلاف مواطن، الى اين اختفوا؟ هذه المعلومات، تقول مؤسسة التأمين الوطني، لا تزال قيد الفحص، وسيتم اطلاعنا عليها في نهاية الفترة التجريبية لخطة ويسكونسين في تموز (يوليو) 2007.

هؤلاء ال5.053 عاطلا عن العمل يشكلون انخفاضا بنسبة 28% في عدد مستحقي ضمان الدخل. هذا ما حدده تقرير مؤسسة التأمين الوطني، الذي فحص نتائج الخطة في الفترة بين تموز 2005 (موعد بدء الخطة) وبين كانون ثان (يناير) 2006. الحكومة تعتبر الامر انجازا، ولكن كم من هؤلاء وجدوا مكان عمل حقيقي، الذي يعتبر الهدف المعلن لخطة ويسكونسين؟ هذا الامر يبقى غامضا.

قراءة دقيقة للتقرير تكشف ان الخطة ليست بهذا النجاح. المعلومات التي نقلتها شركات ويسكونسين للتأمين الوطني، تشير الى "تسجيل عمل" ل6.264 شخص. ولكن التأمين الوطني نفسه يكشف ان ثلث الذين لم يتقاضوا مخصصاتهم، حُرموا منها بحجة رفض العمل او عدم التعاون مع الخطة، والثلث الثاني انتقل لتقاضي مخصصات اخرى كالعجز او الشيخوخة، والثلث الاخير فقط وُجّه لمكان عمل، اي اقل من 1700 شخص.

ويشير التقرير ايضا الى ان "تسجيل العمل" الذي تتحدث عنه الشركات، لا يعني بالضرورة انه تم بالفعل توجيه الانسان للعمل. كما ان "المعطيات لا تشمل معلومات حول طبيعة العمل، حجمه (كامل ام جزئي)، مدته (ثابت ام مؤقت) الاجر عنه وظروف العمل". (http://www.btl.gov.il/idchunim/Wisconsin1.htm).

نموذج حي لما يعنيه مصطلح "تسجيل عمل"، توفره زهيرة م. من عرعرة. زهيرة في الثالثة والاربعين وُجّهت للعمل في النظافة بمستشفى تل هشومير قرب تل ابيب، من الساعة الخامسة صباحا. شركة "اجنس" التي تدير خطة ويسكونسين بالخضيرة، لم تسع لايجاد ترتيب لطفلتها ابنة الثالثة، مما اضطرها للوصول الى العمل مع ابنتها. المشغل رفض استقبالها، ولكن الشركة من جانبها سجلتها كمن وُجد لها مكان عمل، وبهذا ضمنت لنفسها الحوافز المالية من الحكومة. ولكن من جهة اخرى، هناك احتمال ان تنفذ الشركة تهديدها وتسجلها كمن رفضت العمل، وبذلك تحصل الشركة على منحة اضافية لانها تمكنت من ازالة اسم زهيرة من قائمة متقاضي ضمان الدخل. بذلك تكون الشركة قد ضربت عصفورين بحجر واحد.

مديرية "مهاليف" الحكومية المسؤولة عن خطة ويسكونسين، نشرت تقريرا مختلفا يشير الى ان الشركات نجحت حتى نيسان 2006، في تشغيل 3،337 عاطلا عن العمل. اي ليس 6000 كما تدعي الشركات. وحتى لو اعتبرنا الرقم الذي تأتي به مديرية "مهاليف" صحيحا، فاننا عمليا نتحدث عن 19% فقط من مجمل المشاركين في الخطة وعددهم 17.800. بحساب تقريبي يتبين ان كل واحدة من الشركات الاربع وجدت عملا ل72 عاطلا عن العمل في الشهر.

هل لأجل هذه "الانجازات" المتواضعة كنا بحاجة الى تدخل القوات الاجنبية؟ الانجليز في القدس (شركة امين)، الهولنديين في الناصرة والخضيرة (اجام مهاليف واجنس-يسرائيل)، والامريكان في اشكلون وسديروت (I.W.S)؟ هل هذه هي الانجازات التي قصدتها الدولة عندما خصصت 68 مليون شيكل لكل شركة من الشركات الاربع؟ فقط للمقارنة نشير الى انه في شهر آذار وحده، تمكنت جمعية معًا النقابية من ايجاد عمل ل65 عاملا وعاملة في البناء والزراعة، دون قرش واحد من الدولة.

الغموض حول نسبة الذين وجدوا عملا من خلال ويسكونسين من جهة، مقارنة بالوضوح الساطع في نسبة من لم يتقاضوا المخصصات (28%)، يكشف هدف الدولة الحقيقي: ليس مساعدة العاطلين عن العمل في ايجاد عمل، بل مساعدة نفسها في توفير مخصصاتهم. نجاح مشروع ويسكونسين لا يُقاس بنسبة من وجدوا العمل الملائم الذي رفع مستوى معيشتهم، بل بنسبة الذين حُرموا من المخصصات وتم توفيرها على ميزانية الدولة.

في هذا الشأن صدرت سابقة قانونية لقاضي محكمة العمل بالقدس، القاضي ايال ابراهامي. ينص القرار على "وجود تضارب واضح في المصالح لدى الشركات الخاصة التي تدير ويسكونسين. وذلك لان ارباح الشركات متعلقة بشكل مباشر بعدد مخصصات ضمان الدخل التي تتوقف الدولة عن دفعها للعاطلين عن العمل. المشكلة ان الدولة لا تفرّق بين المخصصات التي لم تدفع لان صاحبها رفض العمل وبين تلك التي لم تدفع لانه وجد عملا". موقع "معاريف" nrg ، 15/6

القاضي ابراهامي حدد انه يجب تفعيل مراقبة مشددة اكثر من تلك المفروضة على مكاتب العمل الحكومية، وذلك لان الشركات التي حصلت على صلاحية تسجيل "رفض عمل" للمشاركين في الخطة، لديها مصلحة واضحة في حرمانهم من المخصصات. وتعتبر هذه السابقة الاولى من نوعها في فرض المراقبة القانونية على خطة ويسكونسين في البلاد.



سوق العبودية

ليس سرا ان خطة ويسكونسين التي جرى تطبيقها في الولايات المتحدة في نهاية التسعينات، انتهت الى فشل. ولكن هناك على الاقل كان وضعا اقتصاديا سمح بتطبيق خطة من هذا النوع. الاقتصاد الامريكي مر بعملية نمو واحتاج الى اياد عاملة. وجاءت الخطة لاعادة الناس الى العمل، بعد طول اعتماد على المخصصات. اسرائيل عام 2006، ليست في نفس الوضع. سوق العمل لا يشهد نموا الا في الشرائح العليا جدا من المجتمع، ولا يتم خلق اماكن عمل جديدة. هذا الوضع يجعل خطة ويسكونسين غير قابلة للتطبيق. النتيجة الوحيدة المتوقعة اذن هي انتقال العاطلين عن العمل من ضمان الدخل الى العدم.

تقرير "معهد الديمقراطية" الذي نشر في 11/6 تمهيدا لمؤتمر قيسارية، يحدد ان اسرائيل هي الاولى في الفقر بين دول العالم المتطور. 18% من المجتمع الاسرائيلي هم فقراء، معظمهم عرب، متدينون يهود وعجزة. يربط التقرير بين الفقر وبين وضع البطالة والاجور المستمرة بالانخفاض بسبب طريقة التشغيل من خلال المقاولين وشركات القوى البشرية، استيراد العمال الاجانب، وعدم الاستثمار في البنى التحتية المحلية.

الدولة تتجه نحو الخصخصة، وليس نحو استثمار مواردها في تأهيل مواطنيها، تعليمهم وملاءمتهم للسوق الحديثة التكنولوجية. العمل المتوفر الوحيد الذي لا يحتاج الى احتراف خاص يتم مقابل الحد الادنى للاجور او اقل، دون ثبات ودون حقوق اجتماعية. هذا العمل لا يُخرج صاحبه من دائرة الفقر، ولذا لا يشكل حافزا للخروج الى العمل.

السوق الاسرائيلية التي تعمل كسوق سوداء، لا ترأف بعمالها فكم بالحري بالعاطلين عن العمل. 19 شيكلا للساعة هو الاجر الذي يتقاضاه العمال في كل مكان تقريبا. شركات القوى البشرية تلتهم كل شيء، وعلى الفتات ينقض المقاولون الصغار والمحتالون الذين يشغّلون العمال بظروف غير قانونية. سوق كهذه، مشبعة بالعمال والعبيد، المحليين والاجانب، ليست بحاجة الى العاطلين عن العمل من ويسكونسين. بعض هؤلاء طُردوا من سوق العمل بسبب عجزهم او اعاقات صحية اخرى، ومع هذا يدفعونهم دفعا الى هناك، ويعمّقون بذلك معاناتهم وفقرهم.

تزايد المعارضة للخطة، من جانب منظمات اهلية واحزاب سياسية تمثل الشرائح المتضررة منها الجبهة، التجمع، "يسرائيل بيتنا" و"شاس" (ايلي يشاي هو وزير الصناعة الجديد المسؤول عن الخطة)، يضعف امكانية تعميم الخطة، على الاقل ليس قبل انتهاء الفترة التجريبية.

خطة ويسكونسين امام مفترق طرق. توسيعها لمناطق اخرى سيحوّلها الى كارثة اجتماعية حقيقية. لا يزال هناك مجال للتراجع عن هذه المغامرة، كما تراجعت وزارة التعليم عن خطة "دوفرات" لخصخصة مجال التعليم. لا شك ان الاصلاح ضروري، ولكنه يجب ان يفرّق بين اولئك الذين يحتاجون للمخصصات وبين اولئك القادرين على العمل. على الحكومة اصلاح سوق العمل باحداث اماكن عمل اولا ثم توفير الحوافز لاعادة العاطلين عن العمل اليه. خصخصة جهاز الرفاه والعمل لا يخلق مجتمعا صحيا، بل يكرّس الفقر ويعمق الغضب الذي قد ينفجر بقوة ضد الحكومة وسياساتها.