|
الطاقة النووية طاقة المستقبل-(سلسلةالعلوم والمستقبل)
محسن عزالدين البكري
الحوار المتمدن-العدد: 6646 - 2020 / 8 / 14 - 21:40
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
طور فيلسوف العصور اليونانية القديمة "ديمقريطوس" نظرية معلمه "ليوكيبوس" حول الذرة فقال أنها غير قابلة للإنقسام أو التدمير، ولكن العالم بعدها ولفترة طويلة اتجه اتجاها آخر؛ بعيد كل البعد عن الحقيقة، - كماهو حال أغلب العقليات العربية حالياً-وبنى تصورات خاطئة عن ماهية المادة، فمن تصور الأقسام الأربعة للمادة (الماء، النار، التراب، الهواء) ثم اضيف إليها (الأثير)، وساد هذا الإعتقاد حتى فترة القرون الوسطى، بالإضافة إلى فكرة تحويل العناصر العادية الى ذهب،إلى الخيمياء والفلوجيستون وغيرها من الأفكار التي لا تتوافق مع الحقيقة، الى أن أعيدت فكرة الذرة من جديد. عندما اتبع المنهج العلمي السليم.
على مدى آلاف الأعوام تغير مفهومنا للذرة، لكن لم يكن لدى العلماء أدنى شك في أنها غير قابلة للانقسام، حتى أن العالم مندليف شك في إمكانية تحول بعض الذرات إلى ذرات أخرى، واعتقد رذرفورد أن البشرية لن تتمكن في المستقبل القريب من استخدام طاقة الذرة. لكن علماء آخرين ركزوا جهودهم على دراسة العناصر المشعة وعلى رأسهم العالمة "ماري كوري". حيث قامت بدراسة النشاط الإشعاعي، مع زوجها "بيير كوري" وحصلا على جائزة نوبل في الفيزياء عام ١٩٠٤م مشاركة مع "هنري بيكريل" أيضا لقيامه بالبحث في نفس المجال، وتوصلوا الى اكتشاف ودراسة النشاط الاشعاعي دراسة علمية منهجية سليمة. كما حصلت "ماري كوري" على جائزة نوبل سنة ١٩١١م ولكن هذه المرة في الكيمياء وبمفردها؛ لاكتشافها عناصر جديدة مشعة، وأكتشفت أن إشعاعات اليورانيوم تجعل الهواء المحيط بالعينة قابلاً لتوصيل الكهرباء، وعن طريق جهاز يسمى (الإلكترومتر) كان زوجها وأخوه قد ابتكراه قبل 15 سنة لقياس الشحنة الكهربية؛ استنبطت أول نتائج بحثها، وهي أن نشاط مركبات اليورانيوم يعتمد فقط على كمية اليورانيوم الموجودة بها، وقد أثبتت الفرضية القائلة بأن الإشعاع لا ينتج عن تفاعل ما يحدث بين الجزيئات، بل يأتي من الذرة نفسها. كانت تلك الفرضية خطوة هامة في دحض الإفتراض القديم بأن الذرات غير قابلة للإنقسام. ولا نزال مدينين لعائلة هذه العالمة العضيمة في المجال العلمي خاصة المجال النووي، ففي العام ١٩٣٥ حصلت ابنتها "ايرين كوري" مع زوجها "فردريك جوليو" على جائزة نوبل في الكيمياء؛ لاكمالهما مسيرة البحث في الاشعاع والطاقة النووية؛ واكتشاف عناصر جديدة. وقد توفيت ماري وابنتها بسبب التسمم الاشعاعي، لتعرضهما للإشعاع بكثرة وبدون معرفة مخاطر وأدوات السلامة في ذلك الحين، وكذلك بقية أحفادها ما بين عالم فيزياء أو "كيمياء" أو "أحياء" فما أروعها من عائلة برغم أن ماري كانت فقيرة جدا بداية حياتها واتفقت مع أختها برونيسلافا (وهي عالمة في مجال الطب) على أن تسافرا من بولندا الى فرنسا؛ وأن تعمل إحداهما فتنفق على الأخرى لمدة سنتين ثم يتبادلا الأدوار، وعلى يد هذه العالمة وعائلتها بدأت قصة الطاقة النووية. مرت الأعوام وبدأت البشرية بالتفكير في كيفية استخدام الطاقة النووية. لكن المؤسف أن الإستخدام الأول للطاقة النووية كان في مجال الأسلحة النووية . من ناحية أخرى، فقد بدأ التفكير في استخدام تلك الطاقة في المجالات السلمية ويعتبر العالم "إنريكو فيرمي" عالم في الفيزياء من إيطاليا والذي حاز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1938 وغادر إيطاليا بعد صعود الفاشية على سدة الحكم واستقر في نيويورك في الولايات المتحدة من أوائل من اقترحوا بناء مفاعل نووي حيث أشرف مع زميله "ليو زيلارد" من مواليد هنغاريا على بناء أول مفاعل نووي في العالم عام 1942 وكان الغرض الرئيسي من هذا المفاعل هو تصنيع الأسلحة النووية. وفي عام 1951 تم وللمرة الأولى إنتاج الطاقة الكهربائية من مفاعل أيداهو في الولايات المتحدة. وبظهور إستخدام الطاقة النووية، ظهرت أيضًا الفوبيا المرتبطة بالمفهوم الغامض للإشعاع. أصبح الناس يخافون من فكرة تشغيل محطات الطاقة النووية، بحجة تزايد الخلفية الإشعاعية الطبيعية، وتجاهلوا أن النشاط الإشعاعي ظهر بالتزامن مع بداية نشأة الكون، ورافقت تطور الحياة على كوكبنا. وعلاوة على ذلك، فمن المعروف أن الجسم ولأسباب طبيعية؛ ذو نشاط إشعاعي، وفي بعض الأماكن في باطن الأرض توجد مصادر مشعة تشكل المنتجعات بما في ذلك الينابيع التي توفر العلاجات الصحية المختلفة. بل إن جزء من الحرارة في الأرض ناتج عن التحلل الإشعاعي، وبواسطة هذا التحلل الإشعاعي يستطيع الباحثون في مجال الجيولوجيا؛ وكذلك الأحياء من معرفة عمر الصخور، وكذلك يستطيعون تحديد عمر الأحافير وبقايا الكائنات الحية، وترتيبها وفقا للعصور الزمنية من عمر الأرض
ومع ذلك؛ من غير الإنصاف القول بأن النظائر المشعة المتولدة في وقود محطات الطاقة النووية آمنة تمامًا. بالطبع الأمر ليس كذلك، لكن العلماء والمهندسين طوروا وسائل موثوقة وأنظمة أمان عالية؛ لأجل الإبقاء على هذه النويات المشعة حبيسة داخل الوقود النووي. بناء على ذلك؛ يمكن القول إن جوهر الطاقة النووية قائم على أساس آمن. إذ يَعتبر معظم الخبراء وبعض علماء البيئة أنه وفي الوقت الحاضر لا بديل آمن سوى الطاقة النووية، إذ أنها تقود إلى دور ريادي، مع الأخذ بعين الاعتبار قصور ومحدودية مصادر الطاقة الهيدروكربونية وغياب تطور الطاقة المتجددة.
على مدى الأعوام الخمسين المقبلة، ستستهلك البشرية طاقة أكثر مما استهلكت في التاريخ الماضي بأكمله، فمستوى الاستهلاك ينمو بوتيرة سريعة، وستحصل البشرية على مصادر جديدة للطاقة على نطاق صناعي وبأسعار تنافسية بحلول العام 2030، بالتزامن مع تزايد حدة مشكلة نقص موارد الوقود الأحفوري.
وكذلك فإن إمكانية بناء محطات توليد الطاقة الكهرومائية الجديدة محدودة جدًا. ولا ننسى أيضًا مكافحة تأثير الاحتباس الحراري وما يفرضه من قيود على حرق النفط والغاز والفحم في محطات الطاقة الحرارية.
(مزايا استخدام الطاقة النووية)
من أهم مزايا استخدام تقنية الطاقة النووية السلمية في العالم ؛ أن كمية الطاقة الضخمة التي نحصل عليها من التحلل لكيلوجرام واحد من اليورانيوم المستخدم في الوقود النووي، وبنسبة تخصيب تصل إلى 4%، تطلق طاقة تعادل حرق 100 طن من الفحم عالي الجودة أو 60 طنًا من النفط.
ولا تتحلل المواد الانشطارية (اليورانيوم 235) المستخدمة في الوقود النووي بشكل كامل ويمكن استخدامها مرة أخرى بعد تجديدها على عكس الرماد وبقايا الوقود العضوي. وعلى المدى الطويل يتم الانتقال إلى دورة الوقود المغلقة، ما يعني تقريبًا الغياب الكامل للنفايات النووية.
ويمكن اعتبار التنمية المكثفة للطاقة النووية إحدى الوسائل الكفيلة بمكافحة الاحتباس الحراري، فعلى سبيل المثال، تتجنب محطات الطاقة النووية في أوروبا سنويًا انبعاث 700 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. وتعمل محطات الطاقة النووية العاملة في روسيا سنويًا على منع إطلاق حوالي 210 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
ويوفر بناء محطات الطاقة النووية نموًا اقتصاديًا بالإضافة إلى خلق فرص عمل جديدة، إذ أن موقع العمل الأولي أثناء بناء محطة الطاقة النووية يخلق أكثر من 10 آلاف فرصة عمل في الصناعات ذات الصلة. ويسهم تطوير الطاقة النووية في نمو البحث العلمي وزيادة حجم صادرات المنتجات التقنية عالية المستوى. وهناك عديد من المزايا؛ مثل الاستخدام الطبي، وصناعة أجهزة التصوير الطبي المتطورة جدا، وتحلية ماء البحر. واكتشاف عناصر كيميائية جديدة بالإضافة إلى تصنيع نظائر متعددة للعناصر الطبيعية؛ وهذه غالبا ما تستخدم في الطب والتصوير الطبي لان بعضها له عمر نصف قصير جدا، قد يصل الى عدة ايام؛ أو ساعات معدودة أحيانا وبهذه الميزة تتحلل سريعا فيقل تأثيرها على الجسم. ومع مصادر الطاقة المتجددة؛ مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمياه والأمواج، فهي تمثل حصولنا على مصادر متنوعة؛ تقضي على مشاكل إستهلاك الطاقة الغير متجددة إلى الأبد. وحتى نضيف الى معلوماتكم؛ فكل ذرات العناصر تحتوي على طاقة نووية، ولكن من الصعب الحصول عليها حاليا إلا من العناصر المشعة غير المستقرة. ولكن دائما الإنسان قد يخشى ما يجهل ويخشى ما لا يدركه عقله، وما لا يستطيع تصوره، كما ان بيئة العنف والعقلية العنيفة والأستبدادية لا تفكر الا باستخدامها في الاسلحة وفي تدمير البشرية، لذلك يقع على عاتق المتخصصين في المجال النووي توضيح وتبسيط مفهوم وأهمية استخدام الطاقة النووية السلمية من أجل تحقيق النهضة الشاملة. إن الحوار العلمي المنطقي المبسط، يجب أن يكون بتسلسل منطقي واضح من أدنى الهرم المعرفي إلى أعلاه، ليصل إلى كل إنسان بغض النظر عن تخصصه ومجاله ودوره في الحياة.
ا/محسن عزالدين البكري
#محسن_عزالدين_البكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما أروع ثغرك
-
المعلم البلية
-
قصيدة: بين الزحام
-
مفارقات !!!!!!(المسوؤل في الدول المتقدمة والمسوؤل في الدول ا
...
-
كيف تسير العلوم، (سلسلة مقالات في العلوم الزائفة)
-
سلسلة قصص تاريخ العلوم (موضوع رقم [2])--قصة فاراداي
-
قصيدة: أحببتها
-
قصيدة:بيروت(نسخة معدلة)
-
سلسلة قصص تاريخ العلوم
-
قصيدة:بيروت
-
قصيدة:اللوحة الحسناء
-
حشيش فكري--(لاتحزن)
-
قصيدة :قبل أن تأتين أنتي
-
قصيدة:موسيقى غرامي
-
قصيدة: قبل أن تأتين أنتي
-
قصيدة:ابتسمي
-
سلسلة العلوم الزائفة :الماء الميت والطاقة الحيوية للماء
-
شعر: لقاء على المنحدر
-
أبيات شعرية :العيد
-
قصيدة:الهروب من ضوضاء الحياة
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|