|
أين يبدأ الوعي الإيماني وأين ينتهي؟.
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6610 - 2020 / 7 / 5 - 21:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الإيمان والوعي أو ما يسمى الوعي الإيماني من أين يبدأ والى أين ينتهي وما هي درجات الوعي الإيماني إن كان له بداية ونهاية؟ وهل من الضرورة للإيمان أن يكون الوعي به محدد أم أن الإيمان مجرد من الوعي فهو عملية وقر واعتقاد في اللاوعي؟ ثم هل يضر الإيمان إن يكون الوعي فيه وجوديا لا روحيا؟. كانت مسائل الوعي أول صدمة وجودية للإنسان ابتدأت معه من أول يوم وجد فيه كمخلوق ليس على الأرض بل وهو لازال مشروعا تكوينيا في عملية الخلق الأولى مرورا بالابتلاء الأول حتى نزوله من الجنة واستكشافه من إدراكه إن الأرض كانت الامتحان الذي لابد له من أن يخوضه مرغما لكي يفوز برضا الله. امتد الإشكال بالوعي عند الإنسان أول ما امتد إلى حقيقة وجوده، وماهية هذا الوجود؟ وضروراته ،امتد تساؤل الوعي عنده إلى الكيف والكم والآين إلى الزمان والمكان، إلى إدراك النهاية وفاجعتها عليه كما امتد هذه التساؤلات التي عنده حتى إلى ما بعد الفناء، كان كل ما يدور حوله يحفز الوعي الوجودي عنده عاقلا كان أم على قدر من الإحساس العقلي ولو كان بسيطا، حتى المجنون كان وعيه بحدود ضرورة البقاء والحاجة له تدفعه لكي يفتش عن ما يحميه أو يسد حاجة ما عنده. هكذا دار الوعي مع الوجود وجودا وعدما مره بالإرادة ومرة بالضرورة حتى صار الوعي مرادف للإنسان وكأنه سمة خالصة له مما يدفع الباحث دوما للتفتيش عن هذه العلاقة وهذه السمة المرتبطة مع الوجود، مصدرها، كيفية تكوينها، مدياتها، صورها وعلاقة الكل بالبعض ذاتيا وموضوعيا، كما بحث عن هذه العلاقة مع الإيمان، وهذا ما تبحثه بكل الجوانب التي يستحق البحث فيها بلا تردد . أول ما يمكن أن نبحثه هو معنى الوعي، من أين يبدأ وكيف يبدأ ومصادر الوعي الوجودي عند الإنسان؟،وهل يمكن تصور الوعي لغير الإنسان؟،وهل يمكن مثلا تصور إنسان بدون وعي؟، كل ذلك يبدأ من حيث بدأ السؤال الأول ما هو الوعي؟. عليه فالبداية من معرفة المعني ووعي الوعي على انه مفهوم محدد لابد له من خصائص ومحددات وعروض لها صفة التمثيل والفعل حتى يكون إدراك الوعي مبني على قيمة مجسدة يمكن تناولها وبعكس ذلك نكون أمام مبحث خيالي تصوري لا يمت للحقيقة العلمية برابط أو طريق واضح. ولذلك أعتقد أنه كلما كان الإنسان قريباً من تأملاته ومتداخلاً فيها وباحثاً عن جديد لحظاتها في الوقت نفسه، فأنه يكون أكثر قرباً من تلمس المعاني العميقة خلف الأشياء، ويكون أكثر استنطاقاً لجوهر الأفكار وقيمها المعرفية، وأعمق استجلاءً للمشاعر والرؤى، فالتأمل يحيل التفكير الإنساني إلى مستويات رفيعة من البحث والغور في الحقائق الكامنة في التصورات ووجودات الأشياء من حوله، ومدى توافقها مع سعيه المعرفي للكشف عن جماليات الحياة والكون والوجود، وليس صحيحاً أن كل بحث في التأملات يقع خارج نطاق الحقيقة الوجودية الشاملة للذات التي تميل بطريقة أو بأخرى لممارسة وجودها الفعلي الحقيقي في مجالات التصور والتجريب، فكل تأمل باحث عن الحقيقة هو تجسيد عميق لوجود الذات على قيد الممارسة الحقيقية الباعثة إلى موهبة الخلق في استنطاق عوالم الأفكار من حولها، ولذلك قد نكون بحاجة مستمرة لممارسة فعل الخلق التأملي الحر الذي لا يقف عند سطحية الأشياء، بل ينفذ إلى أعماقها ويتلمس دروبها الغائرة في مسعىً جمالي لاستيلاد مكامنها الجوهرية .. إن البحث سوف يبنى أولا على المعنى ونتفرع بالبحث حسب سير المعنى عرضا وطولا نتبين الدقائق والتفصيلات قبل الكليات والإجماليات ليكون البحث قادرا على أن يوصلنا إلى علة الوعي وأساسه الوجودي الشامل لا على أساس الملموس والمدرك فقط لان الجذور التكوينية هي التي تعطي للشيء وضوح المستنبت منها على وجه التفصيل. لا يهم في البحث العلمي ان نركن إلى المعرفة الإنسانية ومصادرها ومنابعها طالما تتصف بالعقلانية العلمية ويقبلها العقل بتوافق بينها وبين ما هو وجودي شامل يحيط بالموضوع من جوانبه دون ان نكون في مأزق الأحكام العامة والمسلمات القديمة التي لا تصمد أمام الحقيقة الشاملة ولا مع العلم الصادق المصدق، وحتى الفلسفة بتصوراتها الصارمة ووسائلها الرصينة لا يمكن أن تساهم بصنع الوعي المعرفي أذا اتخذت منحنى غير متعال عنه ولا متكبر على حقائق التكوين، لا على أساس ان ما لا تعرفه أو لا تستطيع ان تفسره عليك ان ترفضه أو بأقل الاحتمالات جره قسرا إلى معاني قد لا تليق أو تتفق مع الأشياء المبهمة أو الغائبة عن الإدراك الحالي المقصر بالوعي في تفسير الوجود بشمولية مطلقة، يقول وجيه قانصو عن ذلك (وفي مقاربة مماثلة، ولكنها مفعمة بروح صوفية، أعلن هنري برغسون ان مهمة الفيلسوف ليست في رصف الوقائع في اطر مسبقة، وليست أيضا في التعميم، فالمسألة العليا في الفلسفة هي الانتقال من المطلق الصوري إلى المطلق العيني الحي، من فكرة الله إلى الله، وهذا يتم من خلال الرؤية التي تتحصل بالتجربة الروحية والمشاركة الوجدانية ،والتي تتقدم دفعة واحدة نحو إدراك الأشياء دون وسيط، لتنفذ إلى باطن الموضوع لكي تعرفه من الداخل وتندمج مع ما في ذلك الموضوع من أصالة فريدة، وبالتالي مع ما ليس في الإمكان التعبير عنه أما هيدغر فقد جاء ليعيد فهم الموجود ككتلة إمكانات تتحقق باستمرار، وليضيف البعد الإنساني في أية معرفة، اي أنسنة المعرفة كل المعرفة، فالإنسان كما يقول هيدغر هو الحقيقة الأساسية التي استطيع إدراكها في العالم، لأنه يتصف بالحضور والقرب والامتلاء والحياة، وفي الإنسان وبه وحده يصبح كل ممكن واقعاً، وإهمال الوجود الإنساني أو تغافله معناه الغرق في العدم، ان أفضل ما تفعله الفلسفة هو ان تدع جانباً ادعاءاتها المجنونة لتفسير العالم تفسيراً معقولاً وان تركّز اهتماماتها على الإنسان فتصف الوجود الإنساني كما هو)*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .*(الأنا والآخر في الوعي الديني وجيه قانصو، مقالة منشورة في التنوير)
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كونية المستقبل من خلال الأجتماعية التاريخية الجدلية
-
فرض السلام بداية تأسيس عالم كوني جديد
-
حكاية مع جدتي
-
حين أمسكت شيئا على قارعة الطريق.... قصة تشبه حدوته
-
دين الفقراء
-
في معنى العلم وماهيته كنطاق معرفي؟ ح1
-
في معنى العلم وماهيته كنطاق معرفي؟ ح2
-
الخلود وسقوط فكرة الزمن
-
محاولات فهم الخلود بين الفلسفة والدين
-
حتمية الموت وعلاقته بالاستحقاق الحتمي
-
نظرية الأنا والأخر _ بحث في معنى التفريق والتميز
-
المدنية وضمان الممارسة الديمقراطية
-
المدنية والإسلام السياسي
-
يوم كنا واحد.....
-
العقل في الإنساني بين التعرية أو السؤال
-
مفهوم التداولية الفكرية
-
موقفنا من الفلسفة بعين الزمن
-
كنت أخدع القدر
-
في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح7
-
في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح5
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|