أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد السعد - شاعرية اللغة في مجموعة ( غصن يزقزق في رماد ) للشاعر ثامر سعيد















المزيد.....

شاعرية اللغة في مجموعة ( غصن يزقزق في رماد ) للشاعر ثامر سعيد


أحمد السعد

الحوار المتمدن-العدد: 6591 - 2020 / 6 / 12 - 01:14
المحور: الادب والفن
    


الشعر العربي الحديث – كما يقول نزار قباني – "هو هذا التصميم غير المألوف الذي ضحك منه الجمهور العربي في الاربعينات.. وأصبح الآن يرتديه ليلاً ونهاراً دون أن يشعر بعقدة الذنب" . الشعر حصان يمتطيه الشعراء ليسابقوا به التاريخ والزمن ، لم يكتب شاعر ما قصيدة ما دون ان يعتريه هاجس ان هناك من سيمتعض عند قراءتها ومن سيلعن ويشتم وهو يعتقد ان ذلك دفاع عن المألوف والسائد والمتواضع عليه والجاري على العادة . فالشعر اقتحام للحدود وكسر للقيود فالأبداع حر طليق بجناحين لاتقاومهما رياح وهما يحلقان في فضاءات أوسع من ان تحتويهما سماء وأطئة والشاعر دائما سابق لعصره ، كاسرا ومحطما زجاج القوانين المزخرف بنقوش القدامى ومواضعات مكبلي حرية الفكر . أن الذائقة العامه مسألة تتحكم بها عوامل الزمان والمكان والمزاج والأجواء والتيارات الفكرية وأحتدام التعاكسات والتضادات بين ماهو قديم وما هو جديد فلا جديد من الفراغ والجديد هو الأبن الشرعي للقديم ، خرج من رحمه ولكنه لايشبهه ولايتطابق معه وهذا ديدن الحياة فلاشيء يستمر ولاشيء يدوم وماهومقبول ومعقول اليوم قد لايكون كذلك بعد عام .
* مايلفت الأنتباه الى شعر ثامر سعيد هو هذا الأنتقاء الراقي للمفرده والأستخدام الواسع للأستعارات وتركيبها ليخلق منها مفردات جديده من ابتكاره فهو مبتكر ولغته فعلا مبتكره وجديده وهو يستغل حريته للسباحه الحرة في خضم اللغة الواسع ليخلق لغته الخاصه التي تتمتع بطراوة ونكهة المجتهد فهذه التركيبات اللغويه والتمازج بين التوصيفات وألاستعارات تعطي لغته الشعريه تميزا وخفة ورشاقه وأعتقد جازما بأن الشاعر قد بذل جهدا في مصاهرة هذه الأزواج من المفردات موائما الصفات مع الأسماء ليستسيغها القارئ حيث يجدها ممتعة ومريحة وملهمه وذكية . ثامر سعيد المولع بالأستعارات يستخدمها لتعطي لغته الشعريه ثراءا من نوع خاص وموسيقى من نوع خاص ونكهة من نوع خاص ولعلها نكهة خالصه لثامر سعيد وليست لغيره ، انها علامته المميزه فانت تميز شعر ثامر سعيد من لغته وأستعاراته وخفة ورشاقة تعابيره ومايتراءى لك من عوالم وأجواء تخلقها القصيده لديك وأنت تقرأها مأخوذا بتفاصيل ودقائق لغتها البتكره لاحظ العبارات :
(تعوي الحديقة – خلعت كل المجرات رشدها – غابات من المواويل – تطعن دمك – تهيء سلالك للتغريد – تمتطي قصيدة – تعض بكفيك على غصن – تدغدغ الحروف – رطبا يهطل – ثلج الكلام – صحراء محنطه – لم تبق نجمة في الوضوح – موشحة بالذبول – تمسك بأعنة الوقت – البوصلات رهن جهاتي – اقاصي النحيب – جملة شعثاء – لم امشط جنونها – حديقة المعنى – فخاخ الصحو – قش الشرود – طلاسم الماء – نجمة الكلام – صياد الزهور في غابة المعاني – يغسل بابتسامته تجاعيد التراب – تتوضأ الأنهار- بلادة العوسج – موجة عاقله ) هذا هو البعض القليل مما تجده في قصائد ثامر سعيد اللاعب المحترف بالعبارات والجمل ، يطوعها ويجعلها طوع يديه وهي تستجيب له وتنقاد فيصوغ منها ما يشاء من تراكيب ومزاوجات وموائمات وأستعارات ومجازات تكون في مجموعها معجم ثامر سعيد اللغوي الفريد .
الشعر مجموعة من المستويات الفنيه التي تتراكب عضويا لتنتج الصورة النهائيه له . فالمستوى المعجمي يعد هو الأساس الذي ينبني عليه النص فالحقول الدلالية عادة ما تتطلب معاجم لغوية مناسبة لتصبح هوية لهذا العمل او ذاك ويستند ذلك الى العلاقة الدلالية القائمة بين اللفظ/ المعجم وبين الحقل الدلالي الذي اختير ذلك اللفظ ليشغل وظيفة فيه وهكذا تتنوع الحقول الدلالية ومعها تتنوع المعاجم والأستعمالات اللغوية . فالشعر اكثر تمردا وتملصا من طبيعة الكلام المعتادة عند اي امة من الأمم ولغة الشعر تصنع منطقها الخاص بها وتخلق وجودا متميزا لها . اللغة الشعريه عند ثامر سعيد لغة متأججة ، مثيره ، تلهبك بوقعها وتتسلط عليك وتوقعك في شباكها فتسحبك الى الولوج الى عالمها مستعذبا دفقاتها ومنتشيا برونقها ، تشعر بروحها تنساب الى وجدانك بيسر ونعومه ، انها لغة غنيه ، جديده على مسامعك لكنها تطربك وتجعلك تواصل الرحلة معها لتوصلك الى تخوم المعنى فتدرك جماليتها وسلاستها فتتفاهم معها وتسلم لها فتمنحك الرفقة والطراوة والمتعة معا .
" انا سلطان الورد في كتب العاشقين
والحمائم التي تغني
رغم فجائع الهواء،مليك جهات الدمع والأرق...
تاجي : غيمة الشط
بهلالين ازرقين ، من رموش افروديت
سرقتهما الملائكه .
قائد الفراشات ، الفاتح المهزوم
في ميادين رقص الغجر
بلا اوتار وسيقان ،
همومي زنج في ليل جمعة
وضياعُ خرائطي الى شفتيك ..
رسول الينابيع انا
كلما فاضت حنينا
باءت بالعطش
ولأن عطرك باطش وعنيد كلما توجهت ، على صحراء القلب
اميرا ،
كتب وصيته
وانتحر
لم ابك يوما في معبد
وما صليت للعشق في محراب
لكن
من دمي ولحمي
شيدت لعينيك محاريب ...ومعابد
علمني الشوق اناقة الألم
ورائحة الخبز بين اجنحة اللهب
كيف تنضج الحكمة في رؤوس المجانين .
انا قيصر العشب ،
والمحطات التي الفت رجفة الأكف اللهفى .
اعترف الآن امام شعبي
الدائخ في اصطياد النجوم
ورعي الحروف الشارده ،
ان الشياطين التي ترطن في رأسي
علمتني المشي على الثلج
والرقص على النار
لكن لا ادري
كيف تعثرت بعينيك ؟"
هذا نموذج للغة الشعرية عند ثامر سعيد فهي بيد ثامر طيعة سلسه ، يشكلها كيفما يشاء بيديه الحريفتين كما يشكل الخزاف الطين ليقد منه مايمتع الأبصار من تحف وآنيات ، اللغة الشعريه تغتني بالأبتكار وجودة الأنتقاء والموائمه وحشد مايغنيها من محسنات ، الأشياء والجمادات عند ثامر سعيد تتحول الى كائنات ومخلوقات تتنفس وتكتسب صفات جديده ، انه يصنع معجمه الخاص من خلال ملاقحة التضادات ببعضها وحشد البؤر التعبيريه وأكسابها طبيعة مختلفة عما استعملت من اجله ، انه يخرج الكلمة عن سياقها الجامد ليطلقها في فضاء جديد تحلق فيه بعيدا في وجدان المتلقي ، لغة ثريه منسابه بنعومه . الشاعر في (مشغله) اللغوي يطوع المفردات أفعالا وصفاتا وأسماءا ويصنع لها قوالب تعبيريه ويلبسها لبوسا مختلفا لكنه جديد ومبتكر ، جميل المذاق ومسترسل وهادئ ،والشاعر يوظف الموروث الشعبي والميثولوجيا والحكاية والخرافة ليعطي لموضوعاته عمقا دلاليا ووضوحا فيغمر لغته بالمشاهد والتشبيهات والصور images والتخيلات والأوهام illusions ليضع القارئ امام لوحه بانوراميه تختلط فيها الأصوات والحركة ليصعدا المشهد ويعمقا التأثير ويعززا اتجاه القصيدة .
لغة ثامر سعيد ليست صاخبة ، انت لاتشعر وأنت تقرأ شعره جعجعة وضجيجا ونشازا ، بل لغة منتقاة بمنتهى الحذر والحرفية والدقة ، تخرج اليك من معجمه مستساغة ، ناعمة ولكنها بنكهة جديدة ، نكهة غير مطروقة ولكنها غير رتيبةاو مضجرة، فيها الجدة والطرافة تمتزج فيها الصنعة مع الذوق ورهافة الحس فأذا كان الفنان يصنع الجمال بفرشاته ، فثامر سعيد يلون اللغة بألوان قوس قزح ليخرجها عن الأسود والأبيض فيمنحها الروح فتطير كفراشات ملونة الى ضمير المتلقي ووجدانه فتمتعه فيستقبلها ويتقبلها ويستسيغها ويحبها ويرددها .
تتمدد القصائد لتمس موضوعات شتى وسأحاول انتقاء البعض منها لأداعب مفرداتها وأستقصي ماارادت ان تخرج الينا به من دفقات ورؤى وخيالات .
ان الحرية التي تمنحها قصيدة النثر تمنح الشاعر القدرة على الحركة وانتقاء المفردة ففي قصيدة (خطوط) تنفتح امام الشاعر قنوات الخطوط على مصاريعها ليحدد وعلى طريقته اي الخطوط تتشابك وايها تلتقي فالخطوط متشابكة ومتشابهة فكلها خطوط ولكنها :
"خطوط للظلمة على شهقة ضوء
خطوط للضوء على صهوة قبر
خطوط حمر
خطوط صفر
خطوط خضر
خطوط سود
وللموت خطوط زرق"
الشاعر يعيد اكتشاف الأشياء والظواهر في حياتنا وفي اقدارنا ، في داخلنا وفي خارجنا ، مايسكننا وما نسكنه ، خطوط رسمت ، رسمناها فقطعت اوصالنا ورسموها فمازادوا حياتنا الا تعاسة ويأساً وأسىً . فكرة الخطوط فكرة جميلة يتناولها الشاعر بتوصيفات يطلقها ، فالخطوط موجودة ، هي من يقرر مصائرنا ووجودنا ، سعادتنا وتعاستنا في الكون وفي الحياة فكل شيء – كما يرى الشاعر – مرسوم بخطوط لم ترسم بعفوية او بالصدفة ، خطوط رسمت بأرادتنا وخطوط رسمت بغيرها ولكننا اسرى هذه الخطوط التي تحدد اقدارنا ومصائرنا . القصيدة مكتوبة برشاقة ظاهرة وعذوبة بالغه تفنن الشاعر في انتقاء مفرداتها وخلق لها موسيقاها ورنين اصواتها ويختم الشاعر قصيدته بـ:
"اجمع هذه الخطوط
ثم ارسم قفصا ،
وقل : هذه حياتي !"
* تتجلى الرومانسيه وعشق الطبيعه في قصائد ثامر سعيد وتترك الأسفار بصمتها على وجدانه فيفيض شاعرية وينطلق في الوصف ولكنه وصف من نوع آخر ، انه وصف لأنعكاس الجمال على النفس العاشقه له فأنت تقرأ قصيدته التي بعنوان (رامسر ) وهي مدينة صغيره تقع على الطريق بين مدينة رشت الأيرانية القريبة من بحر قزوين ومنطقة جالوس حيث تبهره الطبيعة بجملها الأخاذ وهو البدوي القادم من الجنوب العراقي المتصحر لكن هذا البدوي الآن وهو يخاطب نفسه مأخوذا بماحوله :
"وأنت تمنحه الى الغابة
في الصعود الى الرفيف
حاذر ...
ان يتعثر قلبك بالأنداء "، و ..
"وحاذر
وانت تطلق عينيك
صوب غموض العشب
العاصفة التي يؤججها
عصفور في قلبك "
وهكذا ترتقي اللغة بالموضوع ويرتقي بها الموضوع ليوصلا القارئ الى المتعة الكامله : الأستمتاع بلغة عالية السبك والصياغه وصورا شعريه تضج جمالا وروعه وموضوعات تمس الحياة والوجود وثيمات ترتبط وتنحاز للأنسان في سعيه نحو التحرر من عبودية المفاهيم الباليه ومن سطوة الأنظمة وتمجد الحب والجمال والطبيعة وهذه هي رسالة الأبداع في الفن والأدب .



#أحمد_السعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديوان (سدرة الغروب) للشاعر مجبل المالكي وأشكالية القصيدة الق ...
- قراءة لديوان (نثار الياقوت) للشاعر الدكتور مجبل المالكي
- الولد البلوري- قراءه متأنيه في مجموعة الشاعر احمد جاسم محمد
- الضياع بين دجلة والدانوب - قراءة فى قصائد مجموعة ( أطياف حال ...
- لماذا يهولون حجم حزب البعث ؟
- الشعارات والهتافات التى رددتها الجماهير يوم عاشوراء
- دور المثقف فى عملية التغيير
- خمس قصص قصيره جدا
- الحراك السياسى العراقى والولادات الجديده
- رسالة مفتوحه أسرة وكتاب وقراء الحوار المتمدن
- هل انتهى شهر عسل حكومة المالكى والأدارة الأمريكيه
- غرامة 400 الف دولار لصحفية سودانيه بسبب مقال حول لبنى الحسين
- هل تستبعد الأيادى الأمريكيه عن أنقلاب هندوراس ؟
- عن(أشرف) مرة أخرى
- يا ترانه الجميله ....أمك ما زالت تبحث عنك
- دفاعا عن حركة الجماهير الشعبيه من أجل الحقوق الديمقراطيه وال ...
- عن اشرف مرة أخرى
- بيان استغاثه
- حزب توده يفتح النار علىمرشد الثورة على الخامنئى
- من هم قراء الحوار المتمدن ؟


المزيد.....




- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد السعد - شاعرية اللغة في مجموعة ( غصن يزقزق في رماد ) للشاعر ثامر سعيد