|
كتاب لك تنحني الجبال من مراثي الأحبة الجزء الثالث
بلقيس الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 6587 - 2020 / 6 / 8 - 17:53
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
أبوظفر : موهبة كسر حلقات الاعتياد واخترق اللامألوف
البساطة
لم يعتد كثير من الرفاق الانصار البسطاء مصادقة طبيب في حياتهم وربما لم يتشرف الكثير منهم بصداقة طبيب في حياتهم البتة، اما اولئك الذين عاشوا ظروف قرية او منطقة نائية فكان يكفيهم طموح مصادقة مضمد القرية لزرق ابرة بطريقة رحيمة اوفرصة تسريب حبوب من نوع مرغوب . لكن ابا ظفر أوالطبيب محمد بشيشي الظوالم ، جاء من بيئة صحية متميزة خلقاً ومهنة. لم اكن عارفا بحياة ابو ظفر السابقة، ولم اتعرف عليه الا بعد ان وصل ومجموعته المميزة والتي ضمت ابا نهران وغيرهم من الذين احالوا الطريق الصعب الى نزهة ميسرة من المرح والنصب والتنكيت على كل الظروف القاهرة. كان مجرد مجئ طبيب وانضمامه الينا في ظروف الحياة الجبلية القاسية هو نصر صحي بكل المقاييس، وبمقاييس طبيب مثل ابي ظفر هو نصر لايحتمل فرحه في ظروف تلك الايام. وفي كل ما سأكتبه هنا وهو قليل حتما بحق الطبيب ابو ظفر ، مقاربة متواضعة للاجابة عن العنوان الذي يتصدر مقالتي هذه وسيفسرها بوضوح مستق من الحياة الحقيقية التي عاشها العزيز ابو ظفر دون تزويق او طلاء. كان أول ما طرحه الطبيب ابو ظفر هو الالتحاق بالمفرزة 47 التي كانت حينذاك تتحرك في منطقة الدوسكي وبرواري باله في قاطع دهوك ، وهكذا التقيناه هو و ابو نهران واخرين التحقوا لدعم المفرزة التي استبشرت كثيراً بقدوم هذاالصيد الدسم!. وسرعان مابدأ الرفاق يتحلقون حوله، وكل يحمل همه الصحي بيد واليد الاخرى لصداقة الجميع وكان ابو ظفر يحمل ملفات صداقة للجميع من نوع آخر احتاج الرفاق وقتا لكي يستوعبوه ، ومن هنا انعقدت معه صداقات ستدوم ولن تتوقف واخرى شعرت بضيق من فرط طروحات وسلوكيات هذا الطبيب الطيب المتواضع والجدي الطموح.
الموهبة والتواضع
لم يكن ابو ظفر مترفعاً، أو منتهجاً لسلوك الترفع، فنحن جميعاً بسطاء وانتمينا يوماً بارادتنا الى حزب البسطاء، ولكن شريحة كبيرة من هذا الحزب كانت تبحث عن رفعة مصطنعة ضمن هذا الواقع الصعب والمعقد، ولذلك انخلقت أو تخلقت شريحة بنمطية سلوكية وشللية تميزت بالاصغاء المطبق للاعلى ولتمثل حركات والفاظ وكلمات ذلك الاعلى، وكان من النادر ان تسمع لتلك الشريحة رأي في مسألة مطروحة ، ولذلك كانت تتسلق شجرة الحزب بطريقة هادئة مطيعة واليفة طالما هي تآلفت مع الاعلى. وبالمقابل كان هناك نهج آخر اسميه ولأول مرة ربما، نهج ابو ظفر، الذي زرع لدي شخصياً الكثير من الاثارة والحماس بالعمل ، سواء في تأسيس نشرة اخبارية يومية، او المشاركة في المجلة 47 ، او في كتابة دليل المنطقة، وغيرها من المشاركات الى الحد الذي فاجأني يوماً وكنت في قمة حماسي وادائي في المفرزة، بأن" رفيقا قياديا سيلتقيك لامر ما وسأكون معه! "، وحقيقة انتابني شعور غريب بماهية الموضوع وكأنني ارتكبت أمراً ما غير سار. كان ذلك الرفيق هو ابو عثمان وكان ابو ظفر معه كمسؤول مباشر ، وحين طرح ابو عثمان مقدمته وتقييمه لي كرفيق مثابر وعملي وجدي ،" وأن اخذت عليك بعض الملاحظات على جديتك ومجادلاتك على ضرورة مشاركة الجميع باعمال المفرزة الا اننا قررنا تقديمك !!"وشعرت انني سأقدم للمحاكمة! ولكن الرفيق ابو ظفر طمأنني وكأنه قرأ على قسماتي القلق من هذه المحاورة ، موضحاً "بان ذلك التقديم هو تقييم الحزب للرفيق الجيد ، وباختصار فانت راح تصعد بايه !" وفوجئت بان في الحزب بايات ، وحين انتهى الاجتماع وانفرد بي ابو ظفر قال : "ستجد كوارث امامك كلما صعدت بايه اخرى"، وبالفعل كانت البايات في صعودها تتقاطع مع سلم انحسار المبدأية والحماس الحزبي الهابط على الجهة الاخرى من سلم الصعود!!. وعندما جلست مع المجموعة الجديدة في تلك " الباية" شعرت حينها فقط، كم انا مغيّب ، وكم كان الصاعدون مؤدبين!! او متأدبين وما اكثرهم في تلك الباية . وللعلم لم ارتقي اكثر من تلك الباية في الحزب ومنها قفلت الى بوابة الحياة التي اعطتني بايات اكبر ولكن عبر جهاد شخصي وعناد ضد الاستسلام وضد الدجل.
كسر مألوف المسلمات من تلك الفترة ، ومن خلال تلك الباية عرفت جهاد ابو ظفر من اجل كسر المألوف في صعود " البايات" كان صعود ابو ظفر سريعاً، وكان عناده ومبدأيته تفرضان المسمار فرضاً على لوح التقليد الحزبي، وكان يتسلق السلم سريعاً وتزداد معه طموحاته في التغيير ولكن باقتحام القمة قسراً على التقليد المؤدب.، وعلمت من قراءة ماكتبه الصديق ابو نهران عنه انه كان ينوي الترشيح للّجنة المركزية التي كانت عصية على الحلم وليس على الواقع فحسب قبل المؤتمر الرابع كانت موهبة الطبيب ابو ظفر هي التي اهلته عبر خبرة مايقارب الثلاثة عشرة سنة الى ان يكون مديراً لمستشفيات عدة منها ما شغله في العراق قبل خروجه هاربا من النظام القمعي ومنها ماقضاه في مناطق نائية في اليمن بمحافظة شبوه واخرى في مستشفى الأطفال في عدن ، وفي العراق عمل طبيبا في السماوة والدغارة والطفل العربي في بغداد وتخصص في طب الأطفال، ولكنه كان طبيبا عاماً ليس للانصار بل في منطقة الدوسكي وبرواري باله ومن ثم في مقر بهدينان الى ان انتقل الى بشت آشان حيث انشأ مستشفى ميدانياً بمكونات محلية خالصة. الايمان بالواجب ورفض التميز "" وكان الرفيق المميز والمثابر الشهيد الطبيب ابو ظفر، فضلا عن ادائه لواجب عيادة المرضى خلال زياراتنا للقرى ، يصر على القيام بواجب الحراسة في القرية كأي نصير مقاتل، وكنا نلح عليه ان يبقى للاستمرار بعيادة مرضى القرية الذين هم بحاجة الى خدماته طالما لم تصلهم خدمات الحكومة العراقية، ولكنه كان يصر على القول (ان واجبي كنصير هو القيام بواجب عسكري والا سأنغمر في عملي الطبي وانسى واجبي العسكري) . وكان القرويون يعجبون لهذا السلوك ويعرضون عليه القيام بواجب الحراسة ولكنه يبتسم ويقول لايمكن ان يكون هذا صحيحاً ! ، ولم يكتف بعلاج مرضاه من القرويين والرفاق الانصار بل انه رتب ارسال وصفاته العلاجية الى عدد من الصيدليات في الموصل لدى صيادلة يعرفونه اوانه تعرف عليهم من بعض الرفاق، وكان ذلك للاطمئنان على المرضى من إحتمالات استخدام الادوية للتسميم او لمقاصد امنية اخرى ، وكان الصيادلة يدعون وصفته بوصفة الطبيب الشيوعي" . كان ذلك التواضع مع الفلاحين هو الذي أعطى للمفرزة دفعة اخرى من الاحترام والدعم القروي ، فتبادر الكثير من اهالي المنطقة لتلبية طلبيات غذائية ودوائية للمفرزة فضلا عن الدعم المعنوي الكبير واللوجستي للمفرزة طالما كانت حياتهم الصحية بايدي طبيب خبير حريص على صحتهم وامنهم ومستقبلهم السياسي. وكان ذلك كسراً آخر للمألوف من ترفع الطبيب عن الحياة المتواضعة للقرويين على بساطتها وظروفها الصعبة، وكان ايضا ايماناً منه بالواجب ورفضا مبدأياً للامتياز الذي يمتلكه هو حقاً علينا، فهو يعالجنا في وقت راحته، وفي وقت سمرته مع الفلاحين التي كنا ننتظرها بشغف، نجرب فيها لغتنا المبتدئة، ونحصل فيها ما يمكن من معلومات عن حركة العملاء والجيش . لم يرض لنفسه ان يرتاح على حساب واجبه، فيما رضي الاخرون ذلك من اعضاء " بايته" ولم يرض لنفسه رفعة او ترفعاً بل اختار طريق الناس. وكانت تعليقاته ونكاته واستحضارات احاديث القرويين هي الفصل المريح في يومه المتعب، ويبدو انه كان يخصص لذلك وقتاً،فحين يندفع في الحديث وفي استحضار تلك الطرائف ويعيدها، يستفز الاخرين الى استذكار مثيلاتها وهكذا تكون مدخلاً لساعة ترفيه يشترك فيها " اعلام " المفرزة من اكرم الفلايا الى ابو نهران الى ابو برافدا وعلاء وغيرهم. وكان بين الحين والاخر، يدفع بنصائحه الطبية، مابين الهزل والجد ، فكان ينبه الرفاق عن مضار الشراهة بالقول المتواضع ماتأكله ولايحتاجه جسمك سيلفظ خارجاً ، لم لاتدعه على الشجرة!! وكنا نضحك من التشبيه، وذلك حينما لاحظ الهجمة الشرسة على بساتين التين في احدى بساتين الدوسكي، لان الفلاحين اشتكوا شراهة القادمين للمنطقة. فكان يجمع بين النصيحة والطرفة والجد المفيد. ولابي ظفر الفضل في تجنيبي الاصابة بالسكري، انتبه لي يوماً وقال هل ان احد والديك مصاب بالسكر؟ قلت له نعم والدي كان لديه مرض السكري، فقال لاحظت اقبالك على اكل الحلوى ولذا ارى ان تنتبه لنفسك من اكل الحلوى منذ الآن فقد تصاب مستقبلاً بالسكري ، ومن ذلك الوقت تجنبت شراهة الاقبال على الحلوى وهانذا سليماً معافى من ذلك الدرس والتوعية المبكرة للشهيد ابو ظفر . وقد يحتفظ الرفاق الاخرين حتما بمثل تلك الموعظة والتنبيهات الصحية المتنوعة. لقد قرب ذلك التواضع، وتلك المعايشة اليومية من شخص ابي ظفر في نفوس الرفاق، وكان الجميع يشعر حقا بسقوط الكلفة والفوارق الاكاديمية بين رفاق بعضهم لم ينه دراسته المتوسطة او الثانوية وكان بعضهم عمالاً بسطاء واخرين مراهقين وكان هو صديقهم جميعاً، يسخر من انفعالاتهم وتعشقهم وصبواتهم ويرد عليها بغريزة العارف والطبيب فيضح الشاب من حوله عارفا ان الطبيب له عيون ترى ماتحت العيون وخلفها. اعتاد الرفاق ان يروا صمتاً من الرفيق الذي ارتقى السلًم..! كان ابو ظفر ومازال وسيبقى بتقديري حاضراً في نفوس الكثيرين من الرفاق الذين عاشوا فترات العمل الانصاري، لارتباط ذلك التعايش بتعلم انماط من النقد الجرئ والواضح والذي تربى عليه وبموازاته جيلٌ من الانصار من طراز النقد "طك بطك" واستثار ذلك بالطبع نمط آخر من الانصار والرفاق ممن آمنوا بالتقليد وعشقوه فكانوا أمناء لسنة الحزب! فيما اختار اخرون طريق التغيير، وحينما رحلت لبشت آشان طالباً الذهاب الى كرميان التي كنا نسمع بوقوع الكثير من العمليات العسكرية فيها، لم يتوقع لي ابو ظفر انني ساكون سعيداً بهذا الاختيار وتوقع الروتين نفسه ، وسرعان ماداخلني شعور بالنصر لفكرتي حينما وجدته في بشت آشان ذات يوم قادماً من بهدينان بعد ان ضجر من الوضع ، فجاء باحثاً عن التغيير، وسرعان ماانخرط بالبيئة الجديدة كاسراً مألوفها بانشاء مستشفى ميداني، ساعده فيها نجار ماهر ، اقتطع له اشجارا عمل منها سرير للمعاينة واسّرة لمنام المرضى وكراسي للطبيب والمريض ورفوف ، وكنا نعجب لهذا التحدي في كسر المألوف . لم نجلس في تلك الفترة كثيراً ، فقد كنت في مقر المكتب العسكري المركزي مشغولاً طوال الليل والنهار بتنظيم الحراسات الليلية والنهارية والخفارات والمرافقات للمسؤولين وللمهمات العسكرية الاخرى، وكنت اغطي حراسات بعض المتهاونين لمرضهم او لتعبهم من المهمات المتكررة، وفيما كان ابو ظفر منهمكا بمستشفاه وبامكانية توفير الادوية وغيرها بالمستلزمات الاخرى،كان الروتين وبلادة العمل يلف الانحاء في بشت آشان، وبالرغم من انشغال النظام العراقي في الحرب الايرانية ، وتفرغ كل قوى الكرد والقوى الوطنية الى مواجهة هذا الوحش الكبير، كان الحزب نائماً على خدر لذيذ، شعرت بان لاجدوى من العمل فقدمت طلباً للخروج الى اليمن وغادرت العمل الانصاري بارادتي ، ولم التقي بابي ظفر الا عندما جاء عام 1984 لزيارة زوجته باجازة ، كان لقاؤنا فاتراً ، فقد اصبحنا نحمل وجهتي نظر مختلفتين وان لم نتناقش بهما ، كان هو ينوي العودة الى العمل الانصاري وكنت لا ارى جدوى بهذه التضحية لمصلحة حزب لايريد ان يتحرك نحو الامام، وكان ابو ظفر يريد الامساك برأس الحزب ليجري التغيير، فكانت عودته في شهر ايلول، عودة تحمل التحدي والامل بصناعة فجر التغيير من موقع أعلى،وحتماً كان له مايعزز وجهة نظره، وهذا ماحصل لاحقاً،.. ولكن النهر كان فاغراً فاه لابي ظفر ورفاقه ممن عبروا تحت مرأى الكمين القاتل خلف الضفة الاخرى حيث يمتد العراق ، وكان هذا نموذجاً آخر لكسر المألوف، إذ لو طلب ابو ظفر من الحزب تذكرة تنقله الى محافظة تركية وجواز سفر لتمكن من الحصول عليهما، ولكنه ابدا لن يرضى باكثر من حقوق ابسط رفيق من رفاقه، كان هنا يريد اختراق المألوف في الترفع من قبل اصحاب القمة، لصالح اعتياد التواضع وصياغة قانونه الذي تطبع عليه وأحبه بدون تكلف وزرعه بثقة لدى نفوس كل من عايشه وعمل معه. من هنا ومثل عشرات بل ومئات من احبوه تطوعت للبحث عن أثرٍ لابي ظفر الذي وهب نفسه لشعبه وحزبه ولم يقف الحزب له على أثر، ولعل الامل في العثور على كامل القصة هو غاية مانبتغيه نحن محبيه إذ ليس من الانصاف ان ندع تلك المهمة لشقيقة روحه السيدة ام ظفر وحدها تبحث وتبحث الى مالانهاية له ، حاولت من جانبي ان احرك مالدي من اتصالات في دائرة الشهداء في بغداد واتحاد السجناء السياسيين ولم اجد جواباً، فكارثة الخراب حلت بالاوراق والمستندات ايضاً، ورغم ذلك اشعر اننا لو كثفنا جهودنا للبحث عنه وعن سواه من المفقودين فلربما توصلنا الى بعض النتائج. واعتقد ان من الوفاء أن نبدأ حملةً واسعة نلتقط فيها خيوط اختفائه منذ حادثة عبور دجلة هي ابسط ما يمكن ان نقدمه من عمل منظم ،يشترك فيه الاصدقاء والشرفاء من محبيه ومن رفاقه ، حملةٌ تتبع مسار رحلته بصدق وبعين باحث من زاخو حيث عبر هو ورفاقه عندما فاجأهم الكمين، والاحاديث المتوفرة تقول انه نقل جريحا الى معسكر في دهوك ( هنا يتوجب على منظمة الحزب في دهوك وزاخو تتبع ذلك الخيط ) ومن ثم نقل الى الموصل ، ثم اختفى الاثر ....! إن البحث عن مصير رفيق بمثل ابو ظفر هو ابسط ما يمكن ان نقدمه للاثر الطيب الذي تركه لدى الناس حيثما عمل ، ولكي يكون مسحة من وفاء نقدمها للسيدة الجليلة ام ظفر في ذكرى استشهاد حبيبها وحبيبنا ابو ظفر، إذ ان اصعب انواع المعاناة هي معاناة الفقد، أما الذي يستشهد او يموت بشكل طبيعي فتذوي مرارة فقده طالما تشعر .انه مسجى في بقعة ارض تستطيع ان تزورها متى شئت. الرفيق معروف . رفيق سابق في مفرزة 47
مواقف للشهيد البطل ابو ظفر
ثلاثة مواقف تتسم بالبطولة والشجاعة وقبلها بانسانية الشهيد وحبه لرفاقه, كنت شاهدا في هذه المواقف وأنه من الواجب علي ان ادون هذه السطور . الموقف الاول حين التقيته في10 تموز1981 حين وصل الينا ضمن مفرزة متوجهة الى الوطن. التقيتهم في الآراضي التركية وبقيينا سوية عشرة ايام حيث وصلنا الى مقر قاطع بهدينان في 20آب 1981. في هذه القترة تسنى لي معرفته عن قرب وفي ظروف غاية في الخطورة فكان هو المبادر للقيام بالعديد من الأعمال اثناء فترة التهيئة لانطلاق المفرزه صوب الاراضي العراقية أضافة للخدمات الطبية التي كان لأيبخل بها خصوصا مع رفاق هذه المفرزةبالتحديد حيث كان عددا منهم قد انهكهم الطريق وكانوا بحاجة الى رعاية خاصه. كنت حينها قلقاً ويبدو هذا واضحا في هذه السطور التي كنت قد كتبتها في ذلك الوقت (أن قلقاً كبيراً يجتاحني وانا اسير مع هذه المجموعه من الرفاق فان اغلبهم متعبين, ترى ماذا سيكون الموقف اذا ما تعرضت المفرزة لشي؟ سيكون من الصعب علينا الخروج دون خسائر. كم هو صعب ان تكون في مثل هذا الموقف وتواجه مثل هذه المشاكل؟ أنا أمني نفسي بان تنجز هذه المهمه بسلآم, فأني لم أذق طعم النوم منذ يومين ولآاعرف ان كنت سأنام وامامنا عدة ليال وطريق ملئ بالخطوره. الشي الذي يجب ان اذكره هنا بأن حماس الرفاق هو عامل مهم يجب الاعتماد عليه وهذا يقلل من قلقي. ) حدث ان اخبرتني مجموعة الأستطلأع بأنهم شاهدوا نيران مشتعله قرب نبع الماء التي اعتدنا ان نستريح بقربها أثناء مرورنا بقرية سناط الحدودية , وانهم يعتقدون بأنه كمين لجحوش السلطة وأنه مر للتو أثنين من المهربين وأكدوا بأنهم لم يجرأؤ المرور بقرب النبع وانهم سلكوا الطريق العلوي تلأفياً الصدأم مع الجحوش. أن هذه المعلومة دفعتني الى الدعوة لأستراحة المفرزة لتأكد من صحة المعلومة وايضاح وتأكيد الأجرأءات الواجب اتخاذها في حالة حدوث تصادم مع الكمائن. كان لأبد من شرح الموقف بكل مخاطره و المحاولة بشحذ همم الرفاق ورفع معنوياتهم وتهيأتهم للموقف القادم . أما أنا فلأبد لي من اتخاذ القرار الذي بخرجنا من هذا المأزق , ان نسير في الطريق العلوي معناه الدخول في حقول الألغام ونكون هدفاً سهلاً لقصف الربأيا المطله على القرية فالخسائر حينها ستكون جسيمه خصوصاً وان معنا عدد من الرفاق المتعبين وان هذا الطريق غير سالكة للبغال وأما السير في الطريق المعتاده يضعنا امام احتمالين لأثالث لهما اما هي نار مشتعله نتيجة القصف العشوائي لمزارع القريه فتخلف مثل هذه النيران وأما هو كمين فعلأ عندها سنتعامل معه بالطرق المعتاده وفي كلأ الحالتين أتفقنا ان نكون في غاية الحذر عند اقترابنا من النيران ونستطلع بدقة, هنا كان للشهيد دوراُ في الشد من عزيمة الرفاق وخاصة المتعبين منهم و رأيته متأحمساً ومتحفزاُ للاستجابه لماأقوله للمفرزة وكأنه قد أحس مافي داخلي من قلق فكانت ابتسامته وحماسه تطفىء من لهيب القلق وتزيد من فسحه الأمل بأن المفرزة ستتجاوز هذه العقبه وفعلاُ تحفز الجميع واستعدوا لما هو قادم بكل بسالة وجرأة ولم يكن هناك اي كمين. كان ذلك ليلة 17 تموز 1981.
الموقف الثاني كان في خريف 1983 حينها كان متوجهاُ الى سوريا مع مجموعة من الرفاق المرضى والمتعبين بعد احدأث بشتأشان وعدد من رفاق مفرزة الطريق , بقيينا سوية قرابة الأسبوع لحين تدبر امكانية مغادرة المفرزة الى سوريا كانت اياماُ قاسية بكل المقاييس الامنية حيث كانت المجموعة تنتشر على التلال المحيطة بموقعنا خوفا من الجندرمة الأتراك وتصارع سوء الآحوال الجوية حيث الأمطار الغزيرة ولم يكن لنا من سبيل سوى الاحتماء ببعض القطوع الصخرية والأشجار في هذا الظرف الصعب والخطير كان الشهيد البلسم الذي يرطب جروح التذمر والإستياء لدى البعض وكانت النكتة وسيلة لترطيب الأجواء المشحونه. غادرتنا المجموعة بعد ان هيئ طريق لعبورهم الى سوريا وفي الطريق التحقت بالمجموعة عائلة احد المتعاونين معنا من حزب بيشنك الكردي(زوجته وطفلين احدهم رضيع لأيتجاوز عمره عدة أشهر), وللظروف الجوية السيئة حال دون نجاح عبور المفرزة كما كان متفقاً علية مماجعل المجموعة تمضي الليل وكل النهار التالي مختبئيين بين احراش القصب قرب مصب نهر الخابور في نهر دجلة وعلى مبعدة امتار قريبة من مراكز الجندرمة التركية وربايا الجيش العراقي. بالأضافة لهذه المخاطر أخذ الجوع مأخذه ايضاً من الأجساد المتعبه فعادوا الينا بعد ان فقدوا اثر المهرب, كان التعب والتذمر واضحاً على الوجوه والكل يتسأل ماذا سنفعل؟ الجواب هو ان نحاول مرة اخرى ان كنتم قادرين على ذلك, واستمر الجو ماطراً وبشده. فعادت المفرزة لتسلك ذات الطريق وهو السير مسافة بموازاة الشريط الحدودي العراقي التركي اي بموازاة نهر الخابور والأنتقال تارة في الأراضي العراقية واخرى في الأراضي التركية وهذا معناها انه يتوجب الخوض في النهر ولمسافة غير قليلة للتخلص من الكمائن التركية والعراقية. علو منسوب النهر في الحالة الأعتيادية يصل منتصف الجسم ولكنه في ذلك الوقت وصل مستو اعلى من ذلك وسرعة جريان النهر كان على اشدة مماجعل الرفاق ان يمسك الواحد الأخر كي يقاوموا شدة التيار. تحت هذه الظروف وفي هذه الأجواء كانت زوجة زيهات تحمل رضيعها ملفوفا بغطاء وتسير مع المفرزة خلف زوجها الذي كان يحمل الطفل الثاني على اكتافه وخلفهم كان الشهيد ابو ظفر, كانت امواج النهر ترطم بالأجسام قوية والسكون والظلأم سيدا الموقف, وألأم تحسس وليدها بين الحين والأخر وفجأة ً صرخت الأم لتعلن فقدان الطفل وللتوقف المفرزة وتبدأ عملية البحث والتي كان للشهيد فيها دورا مشهوداً حيث غطس عدة مرات للبحث عنه وكان يحث الأخرين على البحث ولكن بأءت كل الجهود بالفشل فتيار النهر كان أقوى . أن القدرة على تحمل مثل هذه الظرف كانت صفة مميزة للشهيد.
الموقف الثالث كان ليلة 27 أيلول 1984حيث سرنا سوية الى الوطن مرة اخرى, اختير الشهيد ضمن قوام المفرزة كونه مقاتلأ مجرباً ولكونه طبيباً وقواعد الأنصار بحاجة الى كفائته. كانت حمولة حقيبته الظهرية ثقيلة وهي عبارة عن ادوية كان قد اختارها لمعرفته بإحتياجات ألانصار اضافة الى الاعتدة المحمل بها , ساهم مثل الأخرين بكل ماكان يقوم به اعضاء المفرزة من نفخ ألأطارأت(جوب) وتهيئة الكلك وحمله الى موقع العبور. أثناء عبور نهر دجلة حدد للشهيد موقعا فوق الكلك مع الرفاق الجذافين والدليل والشهيد ابوهديل والشهيد ابو سحر وبينما نحن في عجالة ترتيب حمولة الكلك وكبفية احاطتنا به, بادرني الشهيد بالسؤال فيما اذا كنت بحاجة الى مساعدة حيث لأحظ حيرتي في كيفية ان احمل سلأحي(رشاش العفاروف) في يد وبالأخرى امسك ب(الكلك) وفعلأ ساعدني بأخذ رشاش العفاروف ووضعها حظنه فيما مسكت أنا قبضة السلأح والكلك فسهل علي ألأمر. وهنا أيضاً اثبت الشهيد عمق انسانيته وحبه لرفاقه. وما هي الأبضع دقائق حتى أنهمر علينا وابل من الرصاص كثيف و أنفجرت فوق روؤسنا قنابل يدوية من كمين غادر كان يتربص بنا ويستغل فرصة تجمع الرفاق حول الكلك. كانت تلك الدقائق هي الأخيرة مع الكوكبة الرائعة من الشهداء الذين فقدناهم في تلك الليلة. فارقت ألشهيد دون ان اشكره على موقفه. بهذه المواقف اردت ان اذكر وأذكّر بالشهيد الباسل أبو ظفر. وقد تبدو بأنها مواقف بسيطة وعادية ولكن في تلك الظروف تكون ذات عمق و دلألة ستبقى ذكراك والشهداء في المفرزة المقدامه عطرة خالدة.
النصير : ابو وسن
الشهيد أبو ظفر سجايا في الذاكرة
لا تكمن قيمة أي سلوك في نتائجه فقط وإنما تتأثر قيمته،برأيي، كما في اي شيء آخر في الحياة بالطريقة التي ينجز بها. فالكثير من السلوكيات والممارسات الاجتماعية أو المهنية التي تنطوي على قدر كبير من نضج الإنجاز والأهمية العملية تبهت وتفقد الكثير من جدواها إذا مااديت بطريقة خالية من الحرارة والصدق الإنساني. وصفة الأداء الصادق والدافئ هي أهم وابرز صفة في شخصية الرفيق الشهيد أبو ظفر. كان الشهيد طبيبا يقدم خدماته للرفاق ببساطة وروح رفاقية عالية. اهتمامه في حالات المرضى لايقتصر على جانبها العضوي بل ينظر باهتمام إلى خلفياتها النفسية والمعنوية، وكثيرا ماتنبه إلى الأسباب الحقيقية وراء وعكة مرضاه ويتعاطف بتفهم مع حالتهم. كانت شخصية الرفيق والإنسان والطبيب حاضرة في مزاولته لمهنته. اذكر أول مرة التقيته عندما كنت ضيفا في مقر بشتاشان في صيف عام 1982 وكنت قد سمعت باسمه ولم أتعرف بشخصه بعد، كنت حينها أتحدث مع احد الرفاق الذي كان في جلسة عمل مع رفيق لم أكن اعرفه حينها ذاكرا له أني أريد الذهاب إلى الطبيب (متاعب في الجيوب الأنفية) ولم انتبه أو اعرف أن الشخص الآخر في تلك الجلسة كان هو الشهيد أبو ظفر فابتدرني بالقول : ـ اذهب إلى العيادة وانتظرني عشر دقاق وسآتي. كنت أتوجس بدافع غريزي من لقاء الأطباء، لطبيعتي الشخصية أو ربما لصور وانطباعات مترسبة في ذهني عنهم جعلتني قلقا بعض الشيء وأنا انتظر أبا ظفر، فالصورة التقليدية للطبيب في المشافي الحكومية في مخيلة العراقيين، لاسيما فقرائهم سلبية غالبا، فيها الكثير من التعالي والعجرفة ومن عدم احترام لإنسانية المريض. وأثر مثل هذا الانطباع لم تغادر مخيلتي بعد. وحين جلست ليفحصني الشهيد كنت مشدودا ومتوترا فطلب مني مع ابتسامة لطيفة بان استرخي
ـ استرخي رفيق! اخذ راحتك.
قالها بطريقة جعلت هواجسي تتبدد بسرعة، كانت جملة بسيطة لكنها تركت أثرا نفسيا طيبا وانطباعا وثقة في هذا الرجل. لم يكن الأطباء الآخرون في حركة الأنصار سيئين بطبيعة الحال ولكن بعضهم (أؤكد على بعضهم) بعض الأحيان يقدم خدماته الطبية بطريقة اقل ما توصف به هو أنها روتينية باهتة وبدون اهتمام حقيقي أحيانا. ولكن الشهيد جعل بسلوكه سقف التعامل في العلاقة بين الطبيب ومريضه عاليا وبهذا حظي هو ورفاق أطباء آخرون( كالشهيد الدكتور عادل) بمحبة الرفاق والقرويين الحقيقية. من المؤكد إن الشهيد أبو ظفر ترك أثرا طيبا وانطباعا ايجابيا لدى غالبية الرفاق الذين عايشوه أو الذين سمعوا به، ومن الممكن في غمرة الحياة أن تبهت في ذاكرتهم صورة الشهيد ولكنها في ذهني أبدا لن تغيب ولن تفقد القها. لأنه في يوم 3-4-1983 في الساعة الثامنة مساءا شعرت زوجتي الحامل بقرب الولادة فذهبت الى الرفيق الشهيد لأحضره معي. وهذا الوقت بالذات هو وقت نومه، فهو قد اعتاد على النوم المبكر جدا، وحين فحصها قرر أنها حالة ولادة فعلا فذهبنا معا لإحضار الأدوات الطبية من المشفى الأنصاري الصغير. وما لفت انتباهي لحظتها انه في عادة يكون في مثل هذا الوقت خاملا بسبب النعاس إلا انه وعلى العكس كان متحمسا وممتلئا حيوية مع إن المهمة مزعجة.
استمرت عملية الولادة، مع شيء من التعسر، من الساعة الثامنة الى الواحدة بعد منتصف الليل فأتى الى الدنيا (طارق) ولاانسى هنا الدور الطيب والاستثنائي في مساعدة الشهيد الذي قامت به الرفيقة العزيزة (عشتار) التي كانت ساعتئذ في زيارة لنا. ماقامت به هذه الرفيقة بتفاصيله الكثيرة والمتعبة يستحق الانحناء، فتحياتي لها. كان الرفيق الشهيد وطيلة وقت الولادة ورغم مارافقها من ضوضاء وتوتر، يحدثنا بأحاديث مرحة وجميلة ليرفع من معنوياتنا ويهدأ انفعالاتنا، فحكى لنا قصصا عن أيام دراسته في الجامعة وتطبيقه في المستشفيات وأول عملية ولادة قام بها وهو طالب مطبق. استمرت عملية الولادة الشاقة إلى بواكير الصباح وكان أداء الرفيق، المرن والدقيق، لهذه العملية ملفتا للانتباه وباعثا على الإعجاب علما أنها أول عملية ولادة في حركة الأنصار، وربما آخرها. ولم تنته عناية الرفيق بالطفل وأمه أبدا في المقرات المؤقتة في القرى الإيرانية، بعد أحداث بشت آشان، والى حين خروجهما من كردستان الذي تصادف مع خروجه هو بإجازة في خريف عام 1983. بعد بشتاشان وماحدث بها من اهتزازات معنوية وتشاؤم مازلت اذكر رأيه في الواقع الذي أدى الى الهزيمة فحينها قال كلمة بقية عالقة بذهني حينما عزا أسباب الهزيمة إلى أخطاء الأداء السياسي الذي جمع كل التناقضات ( الجبان والشجاع تحت سقف واحد) حسب تعبيره. ارتبط اسم وصورة الشهيد أبو ظفر بصفاته المميزة ( بالمناسبة، كان شخصا خجولا) بذهني طالما بقي ابني بذاكرتي وطبعا هذا لن يغادرها على الإطلاق حتى لو محيت كل مخزوناتها. ومن لا يتذكر أو يسمع بالعملية الجراحية التي أجراها لبتر قدم الرفيق (أبو حازم) التي أكلتها الغرغرينة والتي أجريت مراحلها الأخيرة بدون مخدر. ذات مرة وصف الشهيد أبو ظفر قوة احتمال أبو حازم بأنها كانت درسا كبيرا له بالحياة تعلم منها الصبر ومغالبة الألم.
( إن قدرة هذا الرفيق على الاحتمال كانت قدوة وملهم لي.)
أيضا لا ازال اذكر في شتاء عام 1983، وفي مقر بشت آشان حيث أصيب بعض الرفاق بإسهال مريب فاخذ الرفيق الشهيد على عاتقه متابعة الأمر فتقصى، رغم بساطة أدواته، في مجرى مياه(الروبار) ليبحث عن الجراثيم المتسببة بالمرض. وهنا أضيف صفة ايجابية أخرى وهي حرص الشهيد على التوعية الصحية من خلال محاضراته( المفيدة والممتعة) التي كان يقدمها للفصائل وإجاباته الذكية والتفصيلية عن أسئلة الانصار.
كان وجوده يشيع دائما الحيوية ويرفع درجة الحماس. ومرة ذكر احد الرفاق ممن كانوا يرقدون في المستشفى إن الشهيد كان مرحا للغاية ومنكتا ظريفا وكان يوقظهم في الصباح بالمزاح والنكت. واذكر بهذا الصدد انه زار مرة مقر مؤقت لنا وكانت الأجواء مكفهرة بعد بشتاشان، ولاسيما بين الرفيقات النصيرات اللاتي كن موجودات في هذا المقر وحين زارهن الشهيد في خيمتهن كنا نسمع ضجيج تردد ضحكاتهن المرحة لنكاته.
أشياء كثيرة ومتنوعة في سيرة الرفيق ربما لن يتسع المجال لها هنا وأكيد أن حياة واستشهاد الرفيق أبو ظفر ستكون كما كل الشهداء ملفات مفتوحة تستوجب العودة إليها لتسديد جزء بسيط من ديونهم الكبيرة لشعبهم ولرفاقهم.
كم نفتقدك وأمثالك اليوم ياابا ظفر.
النصير : خالد صبيح
(
ابو ظفر … تدوين مختلف جدا
( خذ هذا الكتاب ، أعطيك إسبوعاً وأنتظر منك رأياً ما ) كانت هذه كلمات الدكتور محمد بشيشي الظوالم ، ابو ظفر ، في بداية صيف جميل من سبعينيات القرن الماضي ، حين كنتُ وقتها اتلمس طريقي في قراءة الأدب وكان الكتاب رواية الأم لمكسيم غوركي ، التي انهيتها في ثلاثة ايام لم اتذوق النوم فيها . وبعدها بدأتُ في إستعارة كتب هذا الطبيب الرائع الذي نُقل توا الى مدينتنا الصغيرة والذي بدأ بعلاقة تنظيمية ــ عائلية مع ابي ، الذي خبر سجون الوطن واساليبه الوطنية في التعذيب وأخذ الإعترافات من مواطنيه العزل . من المفارقات التي لا يمكن نسيانها هو أن المكتبة العامة في المدينة لم تكن تبعد أكثر من مئة متر عن بيت ابي ظفر ، لكني ظللتُ الطريق اليها غير مرة بنية واضحة لحدسي بقيمة كتب ابي ظفر وقيمة التعليقات التي سأسمعها قبل القراءة وبعدها على حد سواء . لم تكن مكتبة شخص عادي ابداً ، بل كانت بوابة لنفق جميل لي ولكثيرين مثلي ، حاولوا الخروج من الكتب الأيديولوجية نحو عوالم أكثر إنسانية في كتب الأدب والفن ، لذا كانت مكتبة هذا الطبيب القادم من السماوة نوعا من الحل في مشهد ثقافي ــ إجتماعي أدرك الثمالة الأيديولوجية وصار يمارسها بلا قصد في كل الإتجاهات والمحاور اليومية . شهدتُ أبا ظفر يعلن غير مرة لأبي خجله من فتح عيادة خاصة وتقاضي اجور لقاء خدماته الطبية !! تعالوا نراجع تاريخ ممارسة ممهنة الطب في العراق كي نجد الرقم القليل جداً من الأطباء الذين ينتمون لقبيلة ابي ظفر الطاعنة في إنسانيتها الى درجة الإستغناء عن الترف المقترن بممارسة هكذا مهنة والقبول بشظف العيش كجزء من قدر الطبيب في مجتمع أثقلت كاهله امراض فيزيائية وسوسيلوجية لا علاج لها في اقرب صيدلية مع الأسف . كانت هناك نكهة غريبة في كتب هذا الطبيب الغريب في كل شيء حتى في علاقته بمرضاه في مدينة صغيرة مثل الدغارة . كان ، بلا شك ، يحمل حساً إنسانياُ إستثنائياً في تعامله مع المرضى الفقراء من ابناء المدينة والفقراء القادمين من القرى المنسية على ضفاف الفرات . تنوعت كتبه بين الواقعية الإشتراكية وبين رومانسيات الأدب الفرنسي والتي لم تخلو من تحريض مباشر على التغيير والثورة . دفعني فضولي البريء وقتها لطرح الكثير من الأسئلة التي كانت محظورة في شهر العسل الجبهوي بين اليسار العراقي وحكومة بدأت تكشر عن أنيابها الحقيقية وكان ابو ظفر يجيب بلا كلل ويعطيني الكتاب تلو الآخر علًني أجد اجوبة أكثر دقة في معرفة شيء عن رحلة النواب الطويلة نحو جحيم المنفى مثلا ، أو عن تفرد أرنستو تشي غيفارا في تحقيق حلمه في بناء دولة لا يموت فيها العمال الفقراء تحت المناجم المنهارة بلا نقابة . لم يكن الرجل يخفي سخطه على الأساليب المستهلكة التي كان يتبعها البعض في بغداد في التنظير الفارغ للطريق اللارأسمالي والدور المحتمل للعراق البعثي ضمن الفلك السوفياتي ولم يثق يوما كما لاحظتُ ، رغم صغر سني ، بجزاري الحرس القومي رغم تغيير الأسماء والوسائل المتبعة في تدجين الناس وعقولهم التي وصفها يوما امامي بسلاح لا يُستهان به ابداً في تاريخ البشرية . بعدها بفترة قصيرة ، خرجت غيلان الشر من أقبيتها السرية وبدأت حملة مسعورة ضد أبي ورفاقه ، فهاجر من هاجر وإختفى من إختفى ووجدتني في صباح يوم غائم في مديرية الأمن أجيب ( تحت الصرب والتعذيب ) على أسئلة المحقق الوطني الصنع عن معرفتي بمكان ابي المختفي في وكر ما أو علاقتي التنظيمية بأبي ظفر وهكذا غادر ابو ظفرمدينتنا نحو درب أبي علي وأحياء الفقراء التي لم تكن يوما مفروشة بالورد ، لكنها حتماً مفروشة بأكاليل المجد الذي تمناه من مارس السلطة بالأمس أو يمارسها اليوم بطرق فاقت وسائل السيد ميكيافيلي . أبو ظفر معلم أخذ بيدي نحو عالم الأدب وعوالم الكتب الساحرة وهو من علمني طرح الأسئلة قبل القراءة وبعدها ، لذا اجدني اليوم احمل الكثير من الإمتنان لهذا الطبيب الذي غادر الطب العراقي الرسمي مجبراً وغادر الثقافة العراقية كقاريء ذكي مجبراً الى العالم السلفي باحثاً عن أكسير الخلود كسلفه كلكامش وربما عن اجوبة لم يجدها على الأرض .
فارس عدنان
مشاهد مع الشهيد الدكتور محمد بشيشي ( ابو ظفر )
معرفتي بالشهيد ابو ظفر ليست بطويلة ، انها فترة قصيرة نسبياً ، زاملته في فترتين ، الأولى لبضعة أشهر والثانية لبضعة أسابيع ، كان في الحالتين متوجهاً الى كوردستان ، الأولى لأول مرة يتوجه اليها ، والثانية بعد امضائه عدة أشهر عندكم وعودته ثانيةً للتوجه الى كوردستان ، خلال هاتين الفترتين بالرغم من قصرهما ، الا انهما ولدتا عندي انطباعات رائعة عنه ،وحملتا في طياتهما مشاهد جميلة و ظريفة لهذا الانسان ، اسميه الرائع لا لأنه أستشهد ببطولة ، لكن هي الحقيقة ، انسان واضح وصافي لا تشوبه شائبة ، بعيد عن الف والدوران وصادق القول ، لذا لم الق أية الصعوبة في التعامل معه ومعرفة دواخله ونمط تفكيره ، بالرغم من ان علاقتي معه لم تتعد حدود العلاقات بين اثنين يجمعهما هدف مشترك في اطار دائرة واحدة من المهام ، ولم تتجاوز الى الحديث عن الأمور الشخصية والبوح بالمكامن الداخلية والمعاناة الوجدانية التي تجول في داخل الانسان ، علاقتي معه كانت لطيفة تسودها احترام وحرص متبادل ، أجزم من ان حتى الآخرين لم يجدوا الصعوبة في معرفة جوهر ومعدن هذا الانسان ، لذلك كانوا يكنون له كل الحب والاحترام ، صفاته كانت تبرز بشكل جلي لمن هو حوله من خلال طيبته وحميم علاقاته ، من خلال الخدمات والعون التي يقدمها لهم ، تواضعه وصدقه معهم ، بالنسبة ليّ كان قريباً الى قلبي لصفات آخرى يمتاز بها ايضاً ، وهي قلة الكلام والأختصار فيه وكثرة الأفعال والتوسع فيها ، هذه الصفة كنا آنذاك ، في تلك المرحلة من نضال حزبنا بحاجة مآسة اليها ، كان يوجز في الكلام ويركز على جوهر المواضيع التي تطرح عليه ، دون الاسراف والتشعب والدخول في المتاهات ، كان يعمل بجهادية عالية وبنكران الذات ودون كلل في انجاز كل المهام التي يقوم بها ، علماً انه كان ضيفاً في القامشلي وينتظر السفر الى كوردستان للالتحاق بالانصار ، عندما كنت أقول له أرتاح يا دكتور ، كان رده الزمن يحث الخطى علينا اللحاق به . خلال فترة قصيرة من تواجده ، ذاع صيته لدى الكثير من العوائل السورية في المدينة ،خاصة عوائل رفاق وأصدقاء الحزب الشيوعي السوري،و بحكم تفقده المستمر لأوضاع رفاقنا الصحية الذين في ضيافة تلك العوائل كان يعالج بطريقه مرضى تلك العوائل واقربائهم (وبالمناسبة سكان المدينة كلهم اقرباء بعضهم لبعض ، فتصوري سعة مهام ابو ظفر من هذه الناحية وما ستترتب عليها فيما بعد ) خلال فترة قصيرة استطاع الاستحواذ على اعجاب الكثير من السوريين وكان محط احترامهم ، حتى أخذ بعضهم يسميه ( جيفارا العراق ) تيمناً بذلك الطبيب الارجنتيني الثائر الذي قاتل في صفوف الثورة الكوبية . لقد مر وقت طويل على تلك الفترة ، في خضم احداث كبيرة واندفاعات مصيرية ، تمحى وتسوف الكثير منها من الذاكرة ، ربما الآن تسعفني ذاكرتي بمجموعة من المشاهد ، أجدها طريفة ومعبرة بالرغم من بساطتها ، تلقي الضوء على جانب بسيط من حياة الشهيد ابو ظفر في تلك الفترة وفي مدينة صغيرة و نائية في سورية هي مدينة القامشلي ، انها ليست مشاهد من المعارك الأنصار البطولية ودور ابو ظفر فيها ، انما حياته في هذه المدينة التي أصبحت جزءاً من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي استطاع خلال فترة أنتظاره فيها من تقديم خدمات جليلة سواء لرفاقنا أو للعوائل السورية الفقيرة و المعدمة .
المشهد الأول
في السنوات الأولى لتواجد رفاقنا في القامشلي والذين ينتظرون العبور الى كوردستان للالتحاق بقوات الأنصار يتوزعون على عوائل رفاق واصدقاء الحزب الشيوعي السوري وبشكل أقل على بيوت منتسبي الأحزاب الكوردية السورية الصديقة لنا ، كانت فترات بقاءهم قصيرة لأن الطرق كانت سالكة ، ثم بدءت فترات البقاء تطول وعدد الرفاق في الأزدياد ، في تلك الفترة وصل ابو ظفر الى هناك ، وأخذ على عاتقه طوعياً مهمة تفقد أحوال الرفاق الصحية ، كما أسلفتُ أخذ بطريقه معالجة مرضى العوائل السورية التي تستضيف رفاقنا رداً بسيطاً لعرفانهم بالجميل لا سيما اغلبهم من العوائل الكادحة على الأطلاق ، وذاع صيت أبو ظفر وامكانياته وأزداد مراجعيه من السوريين وهو يمارس المهمة بأعتزاز وجهادية عالية ، لكن دون ان ننتبه الى جانب آخر من العملية ، طبعاً كل هذا يجري بعلم الرفيق جلال الدباغ (ابو محمود ) مسؤولنا في القامشلي آنذاك وبموافقته . في أحد الأيام أرسل المرحوم عثمان ابراهيم (ابو شهاب ) سكرتير منظمة الجزيرة (الحسكة والقامشلي) للحزب الشيوعي السوري (بالمناسبة تعد هذه المنظمة من اكبر منظمات الحزب ) الرفيق السوري( ابو وحيد ) يطلبني على جناح السرعة الى بيته وفوراً ، سألت ابو وحيد مازحاً ، لازم الرفيق ابو شهاب اكتشف لنا طريق جديد نحو كوردستان بحيث يطلبني بهذه السرعة ، عندما وصلت الى هناك ودخلت غرفة مكتبه ، رأيتُ مجموعة من الأطباء جالسين في مكتبه ، أعرفهم جميعاً وليّ علاقات صداقة معهم ولهم عيادات ومستشفيات خاصة وهم الذين يساعدوننا في جمع الأدوية ومعالجات رفاقنا من أبسط الحالات المرضية الى أعقد العمليات الجراحية في المستشفيات الخاصة والعامة ، وعندما كنا نحتاجهم في حالات الطوارئ ليلاً كانوا دائمي الحضور ، سواء في عياداتهم أو في المستشفيات العامة ، وأغلبهم من خريجي الدول الأشتراكية ومن أعضاء وأصدقاء الحزب الشيوعي السوري ، دخلت المكتب سلمت وقلت مازحاً (خير إنشاء الله لازم رفاقنا الأطباء راح يطوعون في صفوف انصارنا في كوردستان ) أجابني ابو شهاب بظرافته وهو لطيف في مزحاته ، وسألني اين طبيبك ؟ تعال اجلس امام المحكمة يا قاطعي ارزاق الناس !! أخبرني بلطف وادب بأن لدى الرفاق الاطباء شكوى بان لديكم طبيب أسمه ابو ظفر، يعالج المرضى السوريين مجاناً ، وهذا يؤثر على وضع الاطباء وعياداتهم وأرزاقهم ...الخ ، خجلت من نفسي على ذلك،وشرحت لهم الموضوع بالتفصيل، اعتذرت منهم واعدتهم بأيقاف ذلك ، غادرت بيت ابو شهاب وبصحبتي الرفيق ابو وحيد وهو مفروز من الحزب الشقيق للعمل معنا ، طلبت منه التفتيش عن ابو ظفر في ظرف ساعة التقيت بالرفيق ابو ظفر في احدى البيوت وهو يعالج والدة ابو رشاد وهي أمرأة كبيرة السن ، كعادته بآن الاندهاش على وجهه ، وسألني خير أبو حسن ؟ أخبرته بكل ما جرى ، طلبتُ منه الكف عن هذه المهمة لأننا نرتكب خطئاً لا ندرك نتائجه وسنسيء العلاقة مع الاطباء السوريين الذين نحن بحاجتهم دائماً ، استجاب للطلب بتفهم وعلق والله من حقهم ان ينصبوا ليّ كميناً ويغتالوني لان هذه مسألة ارزاق ، القصد برد جميل الرفاق والعوائل السورية على ما قدموها لنا ايام المحن لا يبرر قطع ارزاق الاخرين ، لملم ابو ظفر حاجياته الطبية ورجع الى البيت الذي يسكنه ،وكان في داخله نوع من الألم والانزعاج ، من جهة تأثيره على ارزاق زملائه الاطباء السوريين ، ومن جهة اخرى حرمانه من تقديم الخدمات الطبية للعوائل السورية الفقيرة التي بكل طيبة وسخاء احتظنت رفاقنا وقاسمتهم لقمة العيش بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة ، بعد عودة الرفيق جلال الدباغ الى القامشلي سردت له الحكاية بالكامل ، اقترح ان نذهب لزيارة هؤلاء الاطباء للاعتذار منهم ، ذهبنا اولاً لزيارة عثمان ابراهيم وطرحنا عليه فكرة الاعتذار ، قال عثمان ابراهيم لا حاجة للاعتذار ، رفيقكم الطبيب قدم عملاً لفقراء مدينتي سيبقى سنيناً في ذاكرتهم .
المشهد الثاني
في احد الايام بعد عودته من اليمن وتهيئه للعودة الى كوردستان ذهبنا سوية الى مدينة المالكية (ديريك ، الاسم القديم للمدينة ) ، وهي تقع بالقرب من الحدود السورية ـ التركية ، وجل سكانها من الاكراد والمسيحيين ، وهي تبعد عن مدينة القامشلي حوالي 100كم ، ضمن زيارتنا في ذلك اليوم ، زرنا الدكتور اسماعيل وهو طبيب سوري تربطني به علاقة صداقة في عيادته ، رحب بنا وعرفته على الدكتور ابو ظفر ، رحب به بحرارة وكأنه يعرفه منذ زمن ، أستفسرتُ منه إذا كان يعرفه من قبل أجاب بأنه سمع بأسمه ، يظهر ان الطبيب المضيف سمع عن ابو ظفر قبل سنين ، أي أثناء تواجده في القامشلي في سفرته الأولى الى كوردستان ، أخذنا انا والطبيب بالحديث عن مواضيع عامة ... الوضع السياسي...الخ ، استغل الطبيب المضيف انشغال ابوظفر ببعض الاجهزة الطبية في العيادة همس في اذني مازحاً ابو ظفر جاي يسكن في المالكية ؟ أجبته بالنفي ، تنفس صعداء ممزوج بصوتِ عال وقال يعني ما راح نسكّر (نغلق ) العيادة ، يظهر وصل ما قاله الطبيب الى سمع ابوظفر ،وهو كان يريد ذلك ، فالتفت ابوظفر وقال شنو القصة قابل آني بعبع جاي اخوفكم !! ، أجابه الطبيب " لا خيو انت مانك بعبع ، بس لو رشحت حالك لمجلس بلدية القامشلي حتحصل على كل الأصوات وينصبوك رئيساً للمجلس ، يا خيو انت محبوب هون وكل الناس بيحبوك يعني شهرتك اكتر منا .." ، وأضاف مازحاً مادام الدكتور ابو ظفر ما راح يسكن هون راح اعزمكن على غدويه في المقصف (وهو مطعم مشهور في ديريك ) وفعلاً تغدينا سويةً ذلك اليوم ، أعتقد ذلك كان الغداء الاخير ، بعد ايام استشهد الرفيق ابو ظفر ، عندما أخبرتُ الدكتور بنبأ أستشهاده ، كان كالصدمةِ له ، تألم كثيراً ، قال والله كأني فقدتُ صديقاً اعرفه منذ سنين طويلة .
المشهد الثالث الاطباء في القامشلي يتعاطفون مع الحزب الشيوعي العراقي (لست بصدد اسبابها ) ، ويمدون لنا يد المساعدة ، من تلك المساعدات ، اضافة الى المعالجات المجانية هي جمع الأدوية لأرسالها الى الأنصار ، قبل مجيء ابو ظفر ، كنا نستلم الادوية و نرزمها ونرسلها مع رفاقنا الى هناك ، دون أن نميز بينها من حيث الأهمية ، بعد مجيء ابو ظفر أخذ على عاتقه اضافة الى المهام الآخرى مهمة فرز تلك الأدوية من حيث أهميتها ، كان يجلس في الغرفة التي أسكن فيها ، يفرش الأرض بالأدوية وحواليه باكوام كبيرة ، يرزم التي تفيد ارسالها الى كوردستان والباقي تتلف ، كان يجد اللذة في التعامل مع تلك الأدوية كلذة الأطفال هذه الايام مع (ليكَو) يقرأ الاسماء بعضها بصوت عال أحياناً ، هذه للالتهابات ،هذه لآلام الظهر ...الخ العائلة التي أسكن معها لديها مجموعة من الأطفال ، بينهم بنت عمرها سبع سنوات ، أسمها أمينة ، في احد الأيام تمرضت أمينة أرتفعت درجة حرارتها بشكل غير طبيعي مع إنتفاخ في بطنها وتوقفت عن النطق وأمور اخرى ، وصلتُ الى القناعة بأنها على وشك الموت لا محال ، أرسلت الأبن الأكبر في طلب ابو ظفر ، ولزيادة التأكيد على أن الحالة خطرة كتبتُ له ورقة رجوتُ منه الحضور فوراً ، في ظرف نصف ساعة كان ابو ظفر حاضرٌ بيننا ، وكالعادة عندما يتم أستدعائه في امورٍ عاجلة تظهر على وجهه علامات الدهشة ، كأنها سؤال صامت عن ما يجري ، خير ابو حسن ؟ قلتُ ، الطفلة أمينة على وشك الموت بعد فحص الطفلة والأسئلة والأجوبة مع الأهل ومحاولات أستنطاق الطفلة ، عرف ابو ظفر، بأن الطفلة بلعت كمية من الحبوب ضمن الأدوية غير المعدة للأرسال الى كوردستان، المهم أخذنا الطفلة الى المستشفى وتم الأجراء اللازم وانقذت الطفلة ، علق ابو ظفر قائلاً : ولج بنت البلابوش هي مصقول لو شنو والتفت الى سليمان والد الطفلة ومد له مبلغاً بالليرات السورية وقال " روح أشتري لها بعض الحلويات كي لا تبلع حصوات ظناً منها انها مصقول !‘‘ رحل عنا الشهيد الدكتور محمد بشيشي ( ابو ظفر ) لكنه خالد في ضمائرنا ، وفي ضمائر عوائل القامشلي الفقيرة ، وبصماته ستبقى على كل بابٍ طرقها و كل جسدٍ عالجه .
عادل امين ( ابو حسن قامشلي)
ذكرياتي مع الشهيد ابو ظفر
كان الشهيد ابو ظفريحظى بإحترام وتقدير ابناء الشعب اليمني ومسؤوليه على مختلف المستويات. لقد اسهم في تعزيز اواصر الصداقة و التضامن وتقديم كل العون والمساعدة الى الحزب الشيوعي ورفاقه الذين تعرضواالى ابشع حملة تنكيل واظطهاد من قبل النظام الدكتاتوري في العراق . كان الشهيد ابو ظفرالمثل الذي يُقتدى به في سلوكه وتواضعه وسعة معارفه وحبه للآخرين ، فهو الطبيب المتميز والمحبوب والمثقف المتواضع وذو المدارك الواسعة في الفن العسكري ورب العائلة الحنون وهو الذي نذر نفسه في سبيل تحقيق العدالة والمساواة ومقاومة الإضطهاد . لقد ارتبطتُ بعلاقة حميمة مع الشهيد ابو ظفرخلال تواجدنا في جمهورية اليمن الديمقراطية و مرة إاصطحبني معه لزيارة المحافظة الرابعة للقاء الرفاق العاملين في محافظة شبوة وكذلك المسؤولين فيها حيث كان ابوظفر يحضى باحترامهم وتقديرهم ومحبتهم . بحكم موقعه كطبيب في هذه المحافظة حصل على سكن مناسب له ولعائلته وكان يحصل على المواد الغذائية ، إلا ان الدكتور ابو ظفرصاحب النفس الكريمة جعل من هذا المسكن دار ضيافة دائمة لكل الرفاق العاملين في محافظة شبوة ويقتسم معهم المواد الغذائية التي يحصل عليها من المستشفى .. في مجال الاعداد العسكري كان ابو ظفر من المتفوقين في هذا المجال واختير لدورة متخصصة لمدة عام الا ان زيارة عضو المكتب السياسي كريم احمد لرفاق هذه الدورة ادى الى عدم مواصلة الدورة ، على الرغم من اعتراضي وبذريعة ان الذهاب الى كردستان اهم من تلقي هذا الفن العسكري ، واود الاشارة هنا ان ابو ظفر أصرً على قطع تذكرة سفره الى سوريا من مدخراته الشخصية ، واكثر من ذلك كان الشهيد حريص حتى على تقليص صرفيات كهرباء الدولة اليمنية من خلال الحد من استخدام اجهزة التبريد في السكن . لقد تناول العديد من الرفاق والاصدقاء في كتاباتهم عن الشهيد ابو ظفر والمزايا التي كان يتحلى بها . إن استشهادهه يُعد خسارة كبيرة لا تعوض ليس فقط الى شريكة حياته الرفيقة ام ظفر وابنائه وانما لكل محبيه واصدقائه ورفاقه وابناء شعبه والحركة الوطنية العراقية . المجد والخلود لهذه الشخصية المحبوبة والموت لقتلة الشهيد ابو ظفر .
عدنان عباس
يتبع
#بلقيس_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب لك تنحني الجبال من مراثي الأحبة الجزء الثاني
-
كتاب لك تنحني الجبال من مراثي الأحبة الجزء الأول
-
كتاب لك تنحني الجبال 9 مقتطفات من رسائل ابو ظفر
-
كتاب لك تنحني الجبال 8 ملاحظات عابر سبيل
-
كتاب لك تنحني الجبال من يوميات ابي ظفر
-
لك تنحني الجبال من خواطر ابي ظفر 6
-
لك تنحني الجبال ابو ظفر الانسان 5
-
لك تنحني الجبال تواضع الشجعان
-
لك تنحني الجبال البحث عن المعرفة
-
لك تنحني الجبال شذرات من حياته
-
لك تنحني الجبال
-
ابا ظفر .. في ذكرى ميلادك
-
الذكرى الخامسة والثلاثون لاستشهاد الدكتور ابو ظفر
-
أبا ظفر .. أنت قصيدة الحياة
-
حكاية حب
-
أبا ظفر .. تركت بصمتك في سجل المجد والخلود
-
مدينة الثقافة الثقافة في قلب المدينة
-
الهدف واحد
-
عالم جين اوستن
-
نموذج رائع
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|