نداء: إلى شباب تونس، إلى نسائها وكادحيها ومثقّفيها ومبدعيها: انتصروا إلى أخواتكم وإخوتكم في أمريكا
حمه الهمامي
2020 / 6 / 6 - 11:35
في البدء:
قبل أن يفارق “جورج فلويد” الحياة قال لقاتله: “أرجوك…إنني لا أستطيع أن أتنفس…”
واصل المجرم القاتل الضغط على رقبة جورج حتى لفظ أنفاسه.
رحل جورج إلى الأبد…
لكنّ اليوم ثمّة من يختنق تحت أقدام ملايين أخوات جورج وإخوته… من مختلف الألوان والأعراق…
دونالد ترامب… شعب يحاصره ويشدّد عليه الخناق…وهو لا يعرف ما يفعل… ضرب… قمع… رشّ الناس بالغازات المسيلة للدموع… هدّد بتدخل الجيش…اختبأ تحت الأرض…
الخناق يضيق …يضيق…
“أمّاه…أمّاه… إنني عاجز عن الحركة” هكذا كان جورج فلويد يستغيث…
الأمة الأمريكية تتحرّك وتستجيب للنداء…
فهل تقطع أنفاس الوحش؟
في الجوهر:
تتعاظم، يوما بعد يوم، الاحتجاجات في الولايات المتّحدة الأمريكية لتشمل معظم الولايات والطبقات والفئات والأعراق والأجناس. ووصل الغضب حتى البيت الأبيض الذي أصبح محميّا بأعوان الحرس الوطني خوفا من اقتحامه من المحتجّين الذين يحاصرونه. لقد انطلقت الاحتجاجات منذ قتل المواطن “جورج فلويد” على يد البوليس بطريقة وحشية، عنصرية. كان المجني عليه يتوسّل إلى العون الذي يضغط على رقبته بركبته بأنه أصبح غير قادر على التنفس لكن العون واصل الضغط حتى لفظ الضحية أنفاسه. وقد فجّرت هذه الجريمة البشعة أوضاعا متدهورة أصلا، لم يزدها الرئيس اليميني، الشعبوي، المتطرف، دونالد ترامب، بسياساته ومواقفه المتهورة والعنصرية، سوى تعفينا على تعفين.
لقد تصرّف ترامب بنفس الأسلوب الذي يتصرّف به أيّ دكتاتور متخلّف في أيّ منطقة من مناطق العالم. لقد سارع بتجريم الاحتجاجات واتّهام “اليسار الراديكالي” بـ”الفوضى والتّخريب” وحتّى “ممارسة الإرهاب”. ودعا البوليس إلى قمع المحتجّين بلا هوادة. ولمّا عجز بوليسه عن احتواء الاحتجاجات أخرج “الحرس الوطني” للمساعدة. وفي الأخير هدّد باستعمال الجيش، وهي سابقة في أمريكا، مع العلم أنه كان قبل فترة قصيرة ينتقد غيره، في هذا البلد أو ذاك من بلدان العالم، ويتّهمه بعدم احترام “حرية الناس في الاحتجاج والتظاهر” متّخذا من ذلك ذريعة للتهديد بالتدخل العسكري. ولكنّ القمع الوحشي والتّهديدات المتزايدة لم تزد المحتجّين الأمريكيين إلاّ إصرارا على مواصلة النّضال من أجل حقّهم في الكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعيّة.
إنّ ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية يُبيّن فظاعة النّظام الرّأسمالي ووحشيّته في معقله الرئيسي. وهو ما يثبتُ أنّ ما تمارسه الإمبرياليّة الأمريكية في الخارج من اعتداءات وحشية ونهب وعنصرية ما هو إلاّ امتداد لواقع داخلي رهيب: عنصرية متأصّلة تجاه كلّ الأعراق من سود و”لاتينو” وآسيويّين وغيرهم، واستغلال فاحش وطبقية رهيبة (الواحد في المائة الأكثر غنى تفوق ثروتهم ثروة الطّبقات الوسطى والوسطى العليا الأمريكية مُجَمّعَة)، وبطالة مفزعة (40 مليون على 328,2 مليون ساكن)، وفقر مدقع (أكثر من 43 مليون نسمة) وغياب تغطية اجتماعية للجميع (حوالي 50 مليون نسمة دون ضمان اجتماعي) وجريمة متفشّية (1.2 مليون جريمة عنف، 132 ألف جريمة اغتصاب و16214 جريمة قتل في عام 2018 فقط)… بلد له دستور لا حديث فيه عن حقوق اجتماعية للمواطن/المواطنة الخ…
إنّ تحرّك الشعب الأمريكي اليوم يعطي فرصة غير مسبوقة للقوى التقدمية في العالم لكي تعبّر عن مساندتها له وتشدّ أزره في مواجهته الوحش الرأسمالي الامبريالي الأمريكي. إنّ الشعب الأمريكي يقدّم خدمة كبيرة لشعوب العالم لأنه يفضح هذا الوحش الذي آذاها ويؤذيها ويضعفه ممّا يوفّر فرصة لهذه الشعوب حتّى تتمرّد عليه وتتحرّر من أغلاله. وهذه المسألة تعني الشعب التونسي خاصة والشعوب العربية عامة. فالوحش الأمريكي ساند على الدوام الدكتاتورية في تونس ودعمها في مواجهة شعبها (الإدارات الأمريكية المختلفة وقفت إلى جانب النظام التونسي في قمع كل نضالات الشعب (الإضراب العام 1978، انتفاضة الخبز 1984، ثورة 17 ديسمبر 2010 ـ 14 جانفي 2011…). كما أنّ هذا الوحش هو السند الرئيسي للكيان الصهيوني الذي يغتصب فلسطين أرضا وشعبا. وقد مضى ترامب خطوات غير مسبوقة في هذه المساندة التي تلخّصها وثيقة ما يسمّى “صفقة القرن” التي تهدف إلى قبر القضية الفلسطينية نهائيا وفتح الباب أمام الكيان الصهيوني لوضع يده على كامل الأرض الفلسطينية بتواطؤ من الأنظمة الرجعية العربية. وهو أيضا الذي اغتصب أرض العراق ودمّرها وساهم في تخريب سوريا وليبيا واليمن الخ…
ولكن من المؤسف أن تهبّ شعوب أخرى، أوروبية خاصة، لمساندة الشعب الأمريكي، بينما الشعوب العربية ومنها الشعب التونسي لا تحرّك ساكنا. وهو أمر غريب حقا لا تبرّره الانشغالات والمشاكل الداخلية. ما من شك في أنّ الحكام خائفون من غضب ترامب، لكن الشعوب أو على الأقل القوى التقدمية لا شيء يخيفها ولا شيء ستخسره إذا ناصرت الشعب الأمريكي بل هي ستربح كرامتها وشرفها وإنسانيتها. إنني أتوجّه بشكل خاص إلى شباب تونس ونسائها ومثقّفيها ومبدعيها وقواها التقدمية لأقول لهم/لهنّ انتصروا لأخواتكم/كنّ وإخوتكم/كنّ في الولايات المتحدة. إنّ أمريكا التي تنتفض اليوم ليست أمريكا ترامب ولا هي أمريكا الطّغم المالية المجرمة، بل أمريكا العمّال والكادحين والفقراء والنساء المضطهدات والأعراق والأجناس التي تعاني الأمرّين. وهي أيضا أمريكا المبدعين العظام الذين عرفناهم وقرأنا لهم واستمتعنا بأدبهم وشعرهم وأفلامهم وموسيقاهم ولوحاتهم وفنّياتهم الرياضية… أمريكا عاملات النسيج اللواتي خلّد 8 مارس، اليوم العالمي للنساء، نضالهن الملحمي، وعمّال شيكاغو الذين خلّدت غرّة ماي، العيد العالمي للعمال، نضالهم وتضحياتهم (1886)، وجون ستاينبيك “عناقيد الغضب” وجاك لندن “القدم الحديدية” وهاريات بيشر ستور “منزل العام توم” وويليام فولكنير “الضجيج والرعب” و”ساكو” و”فانزتي” ومارتين لوتر كينغ “I have a dream”، و”جوان بيز” التي غنّت في قرطاج للمساجين السياسيّين التونسيّين (مساجين اليسار) أغنيتها الشهيرة (show me the prison, show me the jail…) ) دون خشية من بطش نظام بورقيبة (1974) وجيمي هندركس وأنجيلا ديفيس، القائدة الشيوعية الشهيرة، ومحمد علي كلاي الذي رفض التّجنيد حتى لا يحارب في فيتنام، وبيونسي وشين بين ومورقان فريمان وبان أفلاك الخ…
يا شبابَ تونس ويَا كادحيها ونساءها ومثقّفيها ومُبْدِعيها… انتصروا لأخواتِكُم/كُنّ وإخوتكُم/كُنّ في أمريكا… فأنتم/تُنّ بذلك تنتصرون/تنتصرن لأنفسكُم/كُنّ…