|
الطريق الرابع و مغربة اليسار الجديد
إسماعيل علال
الحوار المتمدن-العدد: 6583 - 2020 / 6 / 4 - 02:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
الطريق الرابع و مغربة اليسار الجديد: الجزء الرابع من مقال: ماذا يريد المصطفى المريزق؟ إسماعيل علالي* استهلال: " إن ما تبقى من اليسار وقف عاجزا أمام التحولات الكبرى التي شهدها العالم، و لم يتمكن من تقديم و لو قراءة استشرافية للمستقبل و متابعة تغيرات العصر و مستجداته، مما جعله، يسقط في شراك الجمود الفكري و العقائدي، الذي انتبه إليه الطريق الرابع، الذي ستكون مهمته شاقة، إنْ من حيث العمل على تجاوزها و سد نقائصها، أو من حيث الاجتهاد في تقديم الرؤى التي ولد من أجلها، و في طليعتها إنتاج رؤية اقتصادية واضحة و معمقة" المصطفى المريزق، كتاب الطريق الرابع، الجزء الثالث، باب المعارف و الرؤى: الرؤية الاقتصادية ، فاتحة الكلام: حرص المصطفى المريزق في الجزء الثالث من كتاب الطريق الرابع، بكل جرأة نقدية، على رفع الوصاية عن الفكر اليساري الجدير بالتسمية، بعدما عرّى واقع ما تبقى من اليسار بالمغرب، و عمل على سد الثغرات المنهجية و التصورية و العملية التي وقع فيها يسار المغرب الكلاسيكي، من أجل بلورة سمات اليسار الآخر المعاصر الذي يسعى إلى توطينه جماهيريا في راهن المشهد السياسي المغربي. و لأجل هذا الغرض تبنى الدكتور المصطفى المريزق مفهوم المغربة باعتباره مفهوما إجرائيا، لإعادة بناء يسار آخر مواطن، يقطع مع المفاهيم المنقولة التي تسربل بها اليسار الكلاسيكي لعقود، و التي بموجبها سقط في ما اصطلح عليه عرّاب الطريق الرابع بـــ) السلفية اليسارية( التي قيدت تيارات اليسار بالمغرب، و زادت من هوة الشقاق و التفرقة بينهم، بعد جمود كل تيار على نموذج مُستعار من نماذج اليسار العالمي، و العربي و اعتباره النموذج الأمثل دون أي نقد أو مراجعة فكرية أو توسيع. حيث نصَّ على أن آفة اليسار السلفي التقليداني بالمغرب تكمن في سقوطه في آفة التقليد المزدوج، و المتمثلة من جهة، في تقليد نسخ مشوهة من تيارات اليسار العالمي المتصارعة بالغرب ، و من جهة أخرى في تقليد اليسار العربي في نسخته القومية التي ضيقت الفكر اليساري و اختزلت قيمه الكونية. إذ بموجب هذا السلوك التقليداني البرّاني فشل اليسار بالمغرب، حسب مصطفى المريزق بأن يكون مغربيا بامتياز، و متماهيا مع الشخصية المغربية بفيوضها الحضارية و مميزاتها التاريخية و تعدديتها الهوياتية و تنوعاتها المجالية و الجغرافية . و في هذا الصدد اعتبر المريزق أن اكتفاء اليساريين المغاربة بالنقل و التقليد المزدوج، الذي وصل حد حمل يساريي المغرب للمظلات متى أمطرت السماء بموسكو، قد ضيع عليهم فرصة مغربة اليسار، بما يوافق خصوصية المجال التداولي المغربي، و تطلعات المغاربة الذين وجدوا في قيم اليسار المثلى، و تنظيرات المؤسسين جزءا من هويتهم التي لم يلحظوها على أرض الواقع في ممارسات و قراءات ما تبقى من اليسار، الذي اختار أن يكون سلفيا تابعا و متعصبا يدين بالولاء حد القداسة لنماذج يسارية راديكالية دون نقد أو اعتراض ، أو تهذيب لرؤاها ، أو تصويب لمنهجها في تدبير الدولة كما هو الشأن في النموذج الستاليني الدموي، الذي وجد في جغرافية العرب من يبرر أخطاءه، و يتعصب له، و يدعو للإقتداء به في ضرب سافر لروح الفكر اليساري الحق القائم على خدمة الإنسانية، و تحريرها لا استعبادها، أو الاعتداء على حقوقها، أو إعاقة نضالها التقدمي المشروع، و تقييده بأغلال الإيديولوجية المنغلقة على نفسها، و الفتك بالأبرياء. و في هذا الصدد أيضا، انتقد المصطفى المريزق، صنيع تيارات اليسار بالمغرب مع المفكرين المغاربة الذين قوبلت أعمالهم بالإهمال، حين حاولوا تنظيريا توطين مفهوم اليسار المواطن بالمغرب و تبيئة قيمه في جغرافية المغرب فكرا و ممارسة، أمثال محمد عابد الجابري، حيث عاب عرّاب الطريق الرابع الإغفال الذي واجه به يساريو المغرب، المفكرين المغاربة التقدميين المجددين، و عدم احتفالهم بجديدهم النظري، و اختبار كفايته التفسيرية و الإجرائية، مما جعل هؤلاء المفكرين يعتزلون المشهد السياسي، و ينفقون ما تبقى من أعمارهم في الكتابة للأجيال القادمة، حين تأكدوا أن يساريي المغرب المقلدين أبعد عن التحرر من مقولات اللينينيين و الماويين و الستالينيين و التروتسكيين،التي تعصبوا لها، و لأصحابها حد التقديس، ظنا منهم أن العقل المغربي عاجز عن تجاوز مسلمات اليسار العالمي، و تفكيكها، و نقدها، و توسيعها بما يلائم الواقع السياسي المغربي، و خصوصيته التاريخية و الحضارية و الهوياتية. من هنا، دعا المصطفى المريزق في باب الرؤى و المعارف، إلى أن مغربة اليسار مشروطة بإعادة الاعتبار لمفكري المغرب التقدميين، و الوفاء لروحهم، و إعادة قراءة التراث الفكري الذي تركوه قراءة معاصرة، و تطوير فتوحاتهم المعرفية، و توسيعها بما يلائم الراهن المغربي، حالا و مآلا لبناء يسار مغربي قح، له القدرة على خلق البدائل، و إبداع المشاريع، و نقد الْمُعَطِّلَةِ الذين اختاروا تعطيل العقل المغربي، و حرمانه من حقه في الاختلاف الفلسفي، و تفكيك القراءات اليسارية العالمية، و سد نقائصها، و تجاوزها، و القطيعة مع نظرة التقديس التي تسربل بها ما تبقى من اليسار الذي أضحى جراء جموده على القراءات المنقولة، عاطلا عن التفكير و الإنتاج، منذ صدمة سقوط جدار برلين، و أفول نجم التجارب التي قدّسها، مما جعله شبيها بالتيارات الدينية، و محافظي الإسلام السياسوي الذين ولوا وجوههم شطر الماضي، و انتسبوا لتنظيمات إخوانية مشرقية، و حاولوا نقل فكرها و منهجها و ممارساتها و آفاتها، للمغرب، في ضرب سافر لخصوصية التدين المغربي، و نظامه الملكي القائم على إمارة المؤمنين، و دستوره التوافقي، و تاريخه الحضاري المشرف، و الإسهامات الفكرية لرجالات النبوغ المغربي الذين طارت شهرتهم في الناس كل مطار. و حري بالذكر ، أن اليسار الآخر المعاصر الذي ينشده المصطفى المريزق يقوم على خاصيتين: 1- خاصية الوصل : التي بموجبها تغدو قيم اليسار المثلى موصولة بخصوصية المغرب الحضارية و التاريخية، و الهوياتية، و اللغوية، و العرقية ، و عبرها يغدو الفكر اليساري المعاصر مغربيا بامتياز ، موصولا و مرتبطا عضويا بواقع المغاربة، يناضل من أجلهم، و يحقق آمالهم، و تطلعاتهم، نحو مغرب المستقبل. 2- خاصية الفصل: التي بموجبها ينتصر الطريق الرابع لليسار المغربي المواطن ، و ينفصل عن كل ما لا يمت للمغرب و المغاربة بصلة، من ممارسات و سلوكات، من قبيل الوصاية الفكرية الأجنبية، و الولاءات الإيديولوجية الخارجية التي جعلت المغرب مِزَقًا، يتنازعه تياران، يسار كلاسيكي متعصب للقراءة الغربية، و متأثر بتنزيلها الخاطئ لقيم اليسار، و يمين إسلاموي، تنكر لخصوصية التدين المغربي، و استعار تدينا مشرقيا، يتسم بالخلاف، و التعصب، و النظرة الدونية للمرأة، و معاداة المواثيق الوضعية، و الأبعاد الكونية لحقوق الإنسان، فضلا عن ضبابية موقفه من الدولة المدنية، و العلمانية، و الحداثة، و الفنون ، و كثير من قضايا الساعة. إن اليسار الذي يؤسس له الطريق الرابع من منظور المصطفى المريزق، يسار آخر، يرتكز على فعل المحو ، أي محو تقليدانية اليسار المغربي الكلاسيكي، و فعل البعث، أي بعث قيم اليسار الكونية المثلى بعثا مغربيا، و توطين الفكر اليساري، من خلال مغربته، و تبيئته في المجال التداولي المغربي، و فعل الوفاء، من خلال إعادة الاعتبار للمفكرين المغاربة المجددين الذين تمَّ إهمال تراثهم، و فعل الإبدال، من خلال استبدال جمود و عجز ما تبقى من اليسار ، بفعل التجديد، عن طريق إبداع براديغمات وطنية جديدة، و خلق مشاريع تنموية بانية، و دعم نخب مواطنة جديدة، و فعل القطيعة، أي القطيعة مع كل ما هو ماضوي فكرا و ممارسة، و سلوكا، و فعل التصحيح، أي تصحيح مسار التنمية بالمغرب، من خلال الانتصار للدولة الاجتماعية، و المؤسسات المواطنة، و العدالة المجالية، و البنيات الأساسية، و فعل الدمج، أي دمج كل القوى الحية التقدمية، في هيئة وطنية للترافع عن حق المغاربة في الثروة الوطنية، و المساواة بين سكان الجبال و الواحات و السهول و السهوب بسكان المراكز، و ربط المسؤولية بالمحاسبة، فضلا عن التحرر من قيود الإديولوجيات المنغلقة على نفسها باسم الشرعية التاريخية، أو اللغوية، أو العرقية، أو العقدية، و تعويضها بميثاق تعاقدي عملي تكاملي رهانه خدمة المغاربة، و ضمان حقوقهم كاملة بغض النظر عن الانتمائهم الديني أو العرقي أو الطبقي، أو الجنسي. و على الإجمال، فإن اليسار المغربي المعاصر الذي أبدعه الطريق الرابع، كما تجلى من خلال كتاب المصطفى المريزق، قد تخلص من الأسباب الخارجية، التي ساهمت في تشرذم اليسار الكلاسيكي بالمغرب، و فشله، في التجذر الجماهيري، و عجزه عن تصفير مشاكل المغاربة، و طرح بدائل لبناء مغرب المستقبل. إن المصطفى المريزق، من خلال وقوفه على نقائص اليسار الكلاسيكي، و وصل قيم اليسار الكونية بكل ما هو مغربي، و إعادة قراءة الفكر المغربي، و العناية بمساهمات المفكرين المغاربة التقدميين في مختلف القطاعات، و الانتصار لحق المغاربة الجدد في بناء يسار جديد يشبههم، يكون قد مهَّدَ لِطَيِّ صفحة التقليد و الجمود التي تسربل بها ما تبقى من اليسار لعقود، و افتتح صفحة يسار آخر معاصر و مواطن، قريب من المغاربة و متصالح معهم، و قادر على المساهمة المدنية و السياسية من داخل المؤسسات على بلورة حلول لأزماتهم الحالية، و توفير شروط ميلاد و بناء مغرب المستقبل الذي ينشده المغاربة قاطبة، مغرب العدالة المجالية، و البنيات الأساسية، و الحقوق الكاملة لكل المواطنين.
#إسماعيل_علال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار الآخر المعاصر، أو ماذا يريد مصطفى المريزق؟ الجزء الثا
...
-
اليسار الآخر..أو ماذا يريد مصطفى المريزق؟ج:2
-
اليسار الآخر، أو ماذا يريد مصطفى المريزق؟
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|