|
كتاب لك تنحني الجبال 9 مقتطفات من رسائل ابو ظفر
بلقيس الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 6573 - 2020 / 5 / 25 - 20:04
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
9
مقتطفات من رسائل ابي ظفر
بعد مغادرته الوطن مرغماً عام 1978 الى بلغاريا ، ارسل كارت الى ظفر على عنوان روضتها رغم ان عمرها لايتجاوز الاربع سنوات . وتعمّد بإرسالها على عنوان الروضة ليقطع الطريق امام المخابرات في الدغارة من مضايقتي للإدلاء عن مكان وجوده.
رسالة 8 ـ 12 ـ 1978 صوفيا
تحية حب ووفاء للإنسانة التي لم تفعل الغربة إلا أن زادتني حباً وإخلاصاً لها . للحبيبة التي أصبحت هي والوطن والحياة والناس شيء واحد ، بل فيها يتركز ومنها يشع حبي لكل الأشياء الجميلة في هذا العالم . لا شيء أشكو منه في غربتي سوى شوقي الكبير اليكِ وللأطفال يحرقني من قلبي الى رأسي . الى الإنسانة ، البطلة ، الصامدة ، الحبيبة أهدي قبلاتي ودموعي . حبيبتي : وصلتُ الى صوفيا مساء 7 ـ 12 ـ 1978 بطريق الجو من دمشق ، وكان معي على نفس الطائرة الأخ عودة ناجي وبعد السؤال إستطعنا التعرف على بعض الطلبة العراقيين . اسكن الآن في غرفة في احد الفنادق في صوفيا ، يشاركني فيها الأخ عودة ناجي ونحن الآن نرًتب امورنا بشكل لابأس به من ناحية الصرف . قبلاً قرأتُ كثيراً وسمعتُ كثيراً عن الغربة وما تفعله في الإنسان ولكن الشيء الذي تأكدتُ منه الآن هو عمق حبي لكِ كحبيبة ولكم كعائلة . الغربة اصبحت لي الآن كمجهر أرى منه حياتي السابقة معكم ، تصوري إني بدأتُ اتذكر ادق تفاصيل حياتي معكم ولكم أسفتُ لأني لم أستغل فرصاً كثيرة للإستمتاع معكم.... أشياء كثيرة تبرز في مخيلتي تكشف بأن كم كانت حياتي جميلة جداً معكم وبينكم …
رسالة 19 ـ 12 ـ 1978 صوفيا
حبيبتي بلقيس ...
إن كلماتي عاجزة مهما عبًرتُ عن تفصح عما يجول في خاطري وبما يعتمل في قلبي من مشاعر وأحاسيس نحوكِ ونحوكم ايتها الحبيبة وايها الأحبة . كنتم جنتي الصغيرة وسط النار التي كانت تضطرم حولنا ، وها انتم حلمي واملي في هذا الوقت . لقد أصبحتِ يا بلقيس انتِ والعراق وجهان لميدالية واحدة هي حبي للإنسان والحياة والحرية ، هذا الحب الذي من اجله ضحيت وأضحي دوماً . أن إغترابي هذا الذي لم ارده ابداً ولم اسعى اليه بل فرضته الظروف والشر، أضاء لي أشياء كثيرة كانت خافية علي بفعل رتابة الحياة هناك ، كانت أجزاء من صورة لم ألحظها وقتذاك . إن هذا الإغتراب أكمل لي هذه الصورة فكانت أيما صورة للحب ، اروع حب وانقى حب … حبي لكِ أيتها البطلة . أنتِ بالنسبة لي هنا حديثي الدائم و " سولة سكتي " ، ادخل اسمكِ في كل حديث بشعور أو بدون شعور حتى عجب البعض مني . لكم تمنيت انكِ بقربي منا وانا اذرع شوارع صوفيا واتجول في حدائقها الجميلة ، يكاد الدمع يقفز من عيني وانا أرى العشاق يتأبطون أذرع بعضهم البعض ، وعندما ارى الأطفال يمرحون في الساحات العامة مع أهلهم … عندما ارى هذا احترق شوقا لكم والعن الشر ومن أتى به . حبيبتي ام ظفر ... الطقس هنا متقلب ما بين هطول الصقيع الى السماء الصافية والشمس الرائعة الى هطول المطر والبرد الشديد ، ولكنه لحد الآن طقس لابأس به بالنسبة لي . أن صوفيا جميلة جداً و خضراء وعلى الأخص اطرافها وهي نظيفة واهلها عمليون، ودودون وبشكل عام الإشتراكية هنا تضيء كل جوانب الحياة بشكل رائع . أهم مشكلة عملية بالنسبة لنا هنا هي اللغة ، فالإنكليزية تداولها محدود جداً واللغتان الشائعتان بالإضافة الى البلغارية ، هما الروسية والألمانية . أرجو أن تكون صحة " الحجية " * والدتي بخير قبلاتي وشوقي لظفر ويسار وارجو لهما صحة جيدة . حافظي على مواعيد نومهما واكلهما وراقبي توازن اكلهما . وفًري لهما وقتاً للعب، إبعديهما عن مصادر النار والنفط وغير ذلك كما كانا سابقاً لئلا يتعرضا الى حادث مكروه . راقبي صحتك ونومكِ وراحتكِ وأكلكِ فذلك شيء مهم بالنسبة لي ، فإبتسامتكِ المشرقة أغلى الأشياء عندي وليس كالصحة والنفس المشرقة من يمنح الإبتسامة المشرقة ، وتأكدي إني بخير وصحتي " عالِ " ومعنوياتي عالية جداً .
* يقصد الحزب
رسالة 4 ـ 2 ـ 1979 عدن
ما ستقرأينه ليست رسالة ، بل كلمات حبيبة للحبيبة ، إنها حزني عندما يرقص فرحاً . ما بيننا ليس كما بين الناس … ما بيننا تاريخ طويل … زمن تكتظ وتتناغم فيه ذكريات وصور رائعة الجمال عن حبنا الذي عمدته الحياة بأنفاسها الخالدة . إن جذوة هذا الحب لازالت وستبقى تتوهج في قلبي وفي ضميري ، ولن تستطيع المسافات مهما بعدت ولا الزمن مهما إمتد ان يفرق بيننا ، فأنتِ قد اصبحتِ تاريخي ، بل اجمل ما فيه رمزاً لكل شيء اعشقه وأعتز به . صورتكِ تتوسط كل ما يحيطني وطيفكِ الباسم الثغر أبدا كملاك يحرسني في ليلي والنهار يمازحني حينا ويرمقني بنظرات حانية حيناً آخر ، يُشرق وجهه لفرحي ويغتم لحزني كما كنتِ وتكونين دوماً حبيبة نقية ، عذبة وفية . لكم تمنيتُ أن أراكِ الى جنبي وانا اسير في شوارع صوفيا الجميلة ليلاً وهي مغطاة بالثلج ومنظر العشاق وهم يتعانقون أو يهمس بعضهم لبعض كلمات العشق تحمر لها الوجوه وتشرق . ولك تمنيتُ أن أراكِ وطفليً الحبيبين الى جنبي وانا أنظر الآباء والأمهات يخرجون أطفالهم حينما يكون الجو مشمساً . يجرفني شوق عظيم لظفر ويسار ولأمهم الغالية وأنا ارى الأطفال يتقاذفون كتل الثلج ، يتمازحون ، يحاولون التزحلق على الجليد بأقدامهم الصغيرة … واحس بحرقة في صدري من حنين كينبوع دافق وانا اسمع ضحكاتهم وارى إبتساماتهم البريئة … فأتذكر وأتذكر وأتذكر … كأن شلالاً من الذكريات عنكم قد إنهمر امام ناظري … فأشعر كأن قلبي قد قفز من عيني دموعاً حرى ، واترك المكان لا الوي على شيء ، ترن في رأسي اغنيتهم " عيون اثنين وانتو اثنين .. بابا وماما وكل واحد يستاهل عين ...‘‘
يقولون لي عجباً هذه نساء صوفيا الجميلات امامك ،فما بالك لا تتخذ منهن واحدة صديقة أو عشيقة . ضحكتُ منهم … ولا اشعر بأني صرختُ بهم كأن شيء ينتفض في داخلي … كيف ؟ كيف … إنكم لا تعرفون بأني تركتُ إمرأة في بلدي لايمكن لنساء الأرض قاطبة وإن إجتمعن أن يملأن فراغاً تركته أو يستملت قلباً عشقها وما عرف غيرها . قالوا عجباً … أهي جميلة الى هذا الحد ؟ قلتُ جمالها كجمال الله لا يُرى ولكنه سر فيه . وهل هي رقيقة الى هذا الحد ؟ … قلتُ رقتها كنسائم نيسان الطرية وهي تداعب الخدود . قالوا .. وقالوا .. "قلتُ لا تسألوني ما اسمه حبيبي .. اخشى عليكم لوعة الدروب .. والله لو بحتُ بأي حرف … تكدس الليلك بالدروب …" سألوني عنكِ … سألوني عن التي انا منها وهي مني … فما عساي أن اقول … حبيبتي .. دنياي .. جميلتي … حبيتي .. إنها أيام طيبة قضيتها في بلغاريا وقد كانت أياما مثقلة بالشوق لكم أحبائي وبالقلق عليكم . لقد إحتفلت بذكرى حبنا مع جمع من الأصدقاء. كانت حفلة صغيرة جميلة غنينا فيها وسهرنا وحكيت لهم عني وعنكِ وعن هذا الحب … وتذكرنا الأهل والأحباب . ليلتها عادت بي الذكرى الى الأيام الخوالي يوم كنا نحتفل سوية انا وانتِ ، وكنا وحبنا يتجدد شباباً عام بعد عام وكانت امنياتنا تكبر بكبر حبنا وتشرق بإشراقته . كنت سعيداُ وانا بينكم سعادة ليس لها حدود وانا الآن سعيد بهذا الشوق العظيم اليكم . أنا منذ مدة ليست ببعيدة في عدن … الجو هنا ربيعي ولكنه رطب "حتى القميص زايد‘‘ . عدن مدينة صغيرة قياساً ببغداد ولكنها بسيطة وجميلة نسبياً وتحيطها الجبال عدى منطقة الخليج . أهلها طيبون . ( الوزرة ) لباسهم الشعبي وانا افكر جدياً بلبسها ، فهي عملية. ”السفور “ ظاهرة عامة بين نسائهم وحتى المحجبات يتصرفن بحرية اكبر بالنسبة للمحجبات في بلدنا . وهي مدينة هادئة لقلة مرور السيارات في شوارعها . تكثر فيها الغربان الصغيرة بدل الحمام . اجمل ما في عدن لياليها الجميلة فنحن في اغلب الليالي نجلس الى شاطيء البحر . تشغلني القراءة وصحتي جيدة . ارجو أن تكوني والأطفال في صحة ممتازة ومعنويات عالية . لقد اقلقني خبر تدهور صحة " الحجية " والدتي اتمنى لها الشفاء وقولي لها وصيتي " تدير بالها على صحتها " ويفرحني جداً ان اسمع أخبار طيبة عن صحتها . أتمنى أن تكون ظفر مرتاحة للروضة كما كانت وتغسل اسنانها وتنام وتأكل بشكل منتظم وكذلك اتمنى ان يكون يسوري ملتزم بتعليمات امه. انا ابحث عن هدية مناسبة لإرسلها لهم عن قريب. رسالة 15 ـ 3 ـ 1979 عتق
اليوم وصلتني رسالتكِ … حدث وأي حدث هذا الذي تصافح فيه عيناي كلماتكِ الحنونة وصوركم الحبيبة .. لتنساب روحي نشيداً شجياً وهي تراكم صوراً وإبتسامات جميلة … بلقيس حبيبتي هل تحسين وجيب قلبي .. إنصتي قليلاً ، إن كلماتي اليكِ يا رائعة ، نبضات هذا القلب ودمع هذه العيون أسكبه على الورق … يا إلهي أي شوق هذا الذي يتلظى به فؤادي ؟ إنه كالسيل ، كالإعصار .. اية عاطفة هذه ؟ إني أكاد اموت شوقاً لكم .. يا الهي ما هذا الألم الذي يعتصرني … ما هذا العذاب ، لقد أصبحتم حلمي في اليقظة وفي المنام … لا اكاد المس أو انظر شيئاً أو اقوم بعمل أو افكر في امر ما إلا وكنتم مقدمته ومجراه .. على كل الصبر جميل و" الله" بعوني . أما بالنسبة" للحجية ام علوان" * وحالتها الصحية ، فارجو أن لا يصيبكِ اليأس بصددها . فالحجية إنسانة ذات تاريخ طويل في مقاومتها للأمراض . أتذكرين كيف قاومت مرض السرطان وإنتصرت عليه رغم يأس الكثير من الأطباء والناس ، وكيف إنتصرت ايضاً على تشمع الكبد وغيره من الأمراض . إنها إمرأة شجاعة حقاً وذات معنويات عالية جداً وإيماني مطلق بأنه لا السكر ولا الضغط يستطيع أن ينال منها ، وقد اخبرني د عزيز بأن هذه المرأة ذات بنية ومعنويات خارقة وانها بسرعة تستطيع التكيف والإنتصار على المرض ، وكأنها قُدت من جديد ود . عزيز رجل يفهم كل كلمة يقولها . فهو يشير بإعجاب الى ان شباب هذه المرأة يتجد كلما تقدمت في السن رغم انها قد جاوزت الأربعين عاماً . كما علمتُ من المجلات الطبية العالمية التي تردني ان العلماء في الخارج قد إكتشفوا ادوية شافية لمرضي السكر والضغط وهم بصدد تطبيقها عن قريب وسياعد ذلك على شفاء هذه الإنسانة الحبيبة , ولكني اقولها وثقتي مطلقة بأن الحجية ام علوان ستتجاوز هذه الأزمة وستعود الى من يحبوها بإبتسامتها المشرقة وحيويتها التي لا تنضب … ارجو أن تقرأي انتِ وباسمة عليها هذه الكلمات وبلغيها التحيات والأشواق والتمنيات الحارة وقولي لها “ نروح لج فدوة ام علوان “ ، كما إني بصدد كتابة رسالة لها عن قريب وقولي لها ايضاً ان المثل الذي يقول " اللحم يعود ماطول العظيم موجود" والقول الذي يقول " يا جبل ما يهز ريح " ينطبق عليها . ولا تبكي امامها ولا تحزني فهي تعجب بالشجاع الصبور وتمسكي بالآية الكريمة " ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون " صدق الله العظيم .
صحتي ممتازة ومرتاح في عملي فهو خفيف الى حدِ ما رغم اني الطبيب الوحيد في المنطقة . وانا احاول جهدي أن انفذ البرنامج الذي رسمته لحياتي في هذه المرحلة من حيث التثقيف سواء كإختصاص أو كثقافة عامة ، ولكن عدم وجود اماكن ترفيه جدية سوى السينما وهذا مما يسبب لي ضجراً في بعض الأحيان أحاول التغلب عليه بصبر .
* يقصد الحزب رسالة 27 ـ 4 ـ 1979
ام ظفر الحبيبة امس وصلتني رسالتكِ وكانت كلماتها كما انتِ شفافة .. حلوة … حبيبة … وفية ، وكنتُ اخالكِ بين حروفها باسمة مغازلة تغمزيني من وراء كلمة هنا وتقهقهين بضحكتكِ الرائعة وراء كلمة هناك تكفكفين دموعكِ الغالية عند سطر وتقفين صلبة واثقة من المستقبل خلف سطر آخر … واراكِ … أراكِ … قلوة … الحب الذي إ فتتن به قلبي ، كالإشعاع هي ذكرياتي عنكِ يغمرني ويحلًق بي في تلك الأجواء … وانتِ تقبليني قبلة الصباح … واحاديثنا وهمسنا ليلاً … ونحن نجلس الى المائدة … عندما تغضبين … ونحن نتمشى عصراً … آه كم هو قاسي الحنين اليكِ … ما اعظم الشوق الى تلك الأيام المليئة بكل ما هو جميل "… دانة على الدانة لأحطك في قلبي واقفله قفلين … " لم أحتفل بذكرى عقد قراننا في 5 ـ 4 رغم إلحاح إقبال وجوشن وبقية الأصدقاء ، لأني اردتُ الإختلاء الى النفس وإستعادة الذكريات الحلوة عن هذا اليوم دونما ضجة . وكنتِ معي وعدتُ الى ابو نؤاس وكازينو شاطيء دجلة وتلك الليلة التي قضيناها سوية . وفي الليل جاءني الأخ الفنان فؤاد سالم الى الغرفة في الفندق ( كنتُ في عدن من 30 ـ 3 الى 7 ـ 4 ) منزعجاً لأني لم احتفل بهذه الذكرى وأصرً على الإحتفال حتى وإن كان الوقت متأخرا بعد منتصف الليل ، فغنى عدداً من الأغاني العاطفية والمقامات التي أثارت مني دموعاً حرى واهدى لي كاسيتين من أغانيه الجميلة . فتحتُ مكتبة ثقافية في المستشفى للمنتسبين وكونتُ نادياً رياضياً وجلبتُ المعدات الرياضية لتشكيل فريق رياضي في المستشفى ووضعتُ نظاماً للمحفزات للعاملين هنا ( مادياً ومعنوياً ) مع قيامي بعقد ندوات ثقافية إسبوعياً للعاملين في المستشفى وغير ذلك بحيث بدأت جميع مرافق المحافظة تدرس هذه الإتجاهات الجديدة في العمل لتدخلها في برامج عملها . أما من ناحيتي ، فأنا أقوم بقرأءات متنوعة سياسية وثقافية بالإضافة الى قراءاتي الطبيبة . ولشد ما ادهشني هو إكتشافي لضعف ثقافتي العامة والسياسية والنقص الكبير الذي يعتري اسس معرفتي هذه . فعلى هذا الأساس ، فقد وضعتُ برنامج متكامل للثقافة السياسية والفلسفية والإقتصادية بشكل اساس وأظن سأخرج منه بنتائج لا بأس بها . كمل تعلمتُ وتربيتُ على التواضع ، فالناس هنا يعيشون في أكمل صور الديمقراطية ، لا فرق بين مسؤول وآخر كبير أو صغير إلا بالعمل . صحيح انهم متخلفون في نواحي الحياة المادية مع الصعوبة الشديدة لطبيعتهم ، ألا أنهم عمالقة في طموحاتهم وقد خلقوا شيئاً من لاشيء . أنا هنا أطبخ لنفسي ( وقد عملتُ امس مرق باذنجان لابأس به) كما اقوم بغسل البيت وترتيبه مرتين في الإسبوع . عندي راديو مسجل اسمع إذاعة صوت الجماهير من بغداد كل ليلة من السابعة حتى الحادية عشرة مساءً ، مع إستماعي لإشرطة أهداني إياها الأخ الفنان فؤاد سالم والأخت شوقية العطار ( التي تغني يا عشكنا ) والأخ حميد البصري والأخ كمال السيد وغيرهم . ….
رسالة 31 ـ 5 ـ 1979 عتق
" ما من إمرأة ثانية ، اية إمرأة ، يا حبيبتي سترقد مع أحلامي ستمضين ، سنمضي معاً على عباب الزمن ، وفي حلك الظلام لن تكون معي أية مسافرة اخرى سواكِ يا قمري ويا شمسي ، يا دائماً والى الأبد خالدتي . جائع الى شعركِ ، الى صوتكِ ، الى ثغركِ اهيم في الدروب دون طعام ، الزم الصمت دون أن يسندني الخبز ، ومنذ الفجر ابحث خارجاً عني في النهار عن الهدير المائي لخطاكِ ميت أنا جوعاً لضحكتكِ الشلالية اريد آكل الأنف سيد الوجه المئناف اريد آكل ظل هدبكِ الهارب جائع انا ، اذهب ، أجيء ، متشمماً الشفق وابحثُ عنكِ ، وابحث عن قلبكِ المحرق الحبيبان السعيدان لن تكون لهما نهاية ولا موت وسيولدان و يموتان قدر ما يعيشان لأنهما يملكان أبدية الطبيعة "
بهذه الأبيات للشاعر الشيلي الراحل نيرودا أبدأ رسالتي جواباً سريعاً على رسالتكِ في 20 ـ 5 ـ 1979 والتي وصلتني اليوم والتي لم اتوقف من إعادة تلاوتها حتى هذه الساعة … الحادية عشرة ليلاً واعيد كلماتها وكأنكِ امامي … “
وقبل أن يتوجه الى كردستان عام 1980 ترك لي هذه الرسالة الصوتية على شريط كاسيت :
ما اعرف اكول لك صباح الخير لو مساء الخير ، لأن ما اعرف بالضبط الوقت اللي راح تستمعين للحجايات اللي راح اكولها . أنا ما راح اكول شيء إلا اللي بقلبي ، وتعذريني يمكن ما اكدر اعبر تعبير دقيق عن المشاعر التي احملها إتجاهكِ من حب وإعتزاز وإحترام لأن لا أنا فنان ولا شاعر حتى اقدر اصوغ هذه المشاعر والكلمات أو صور رقيقة . ما اعرف أشو الحجي راح مني ، مع إنه وانا في السيارة كنت محضّر شكد حجي وقلت راح يصير شريطين ، ثلاثة ، اشو طار من عندي . أشوف فيها صعوبة ، وانت يمكن هاي ملاحظتها ، نكعد أنا وياك ونريد نكول حجي وتشوفيني ما اكول إلا جم حجاية . ما اعرف أنا غير قادر أو حبنا اكبر مما عندي من كلمات .
حبيبتي ام ظفر …
هذه اللحظات لحظات فراق ، يمكن نلتقي بعدها ، يمكن ما نلتقي لكن املي كبير انه نلتقي بعد ما نزيح هذه الكابوس الذي خيم على العراق . ترجع الإبتسامة والفرح لكل الطيبين ونعيش بسعادة . ومثلما حلمنا خلي الأحلام اللي حلمنا بيها ويحلمون بيها كل الناس ، احلام الفرح والسعادة والخير ، تتحقق .
حبيبتي ام ظفر …
كايل لك قبل فترة انه كل الناس تمارس لعبة ، يسموها لعبة الحياة والموت ، يوميا ، لكن الشيوعيين بس هم الناس الذين يقدرون يتحكمون بهذه اللعبة ويقدرون ان يحققوا الهدف ، لأنهم يعرفون قواعدها بشكل احسن . ومثلما احد الكتاب ، اسمه ليس على بالي الآن ، نقل عن لقمان حكمته التي يقول فيها : " للموت وقت وللحياة وقت " صحيح هذه الحكمة يمكن تعزل عزل حاد وقطعي ما بين الحياة والموت ، لكن نحن الشيوعيون ، وهذا إحساسي ، لما نكون احياء ما نموت ، ماكو موت في حياتنا ولما نموت ، الموت الطبيعي . نحيا . نحن نتواصل مع البشرية كلها بأفكارنا وأعمالنا . أنا راح اروح للعراق ، اروح لبلدي . أقاتل وأناضل تحت راية الحزب وتحت راية الأفكار والمباديء التي حملناها ونناضل من اجل تطبيقها . يكون الهدف على اساس هذه المباديء ، مضاف لذلك الحماس . يمكن انت احيانا تلاحظيني متحمس زيادة وانا ايضا الاحظ هذه المسالة في داخلي واقول قد تكون هي وراثة واخذها بجانب عشائري واقول احنا عشيرتنا وكذا ، او هي تركيب أو تربية تربيتُ بها ، يعني متحمس للذهاب ، ليس فقط من اجل المباديء التي احملها واريد تطبيقها ، و تخليص شعبي من هذا الإضطهاد ومن هذا القهر الذي يمارسه عليه البعثيون ، الذين قتلوا وذبحوا ، وإنما هناك احساس بالقهر ، إحساس انه البعثيون اهانونا ، الواحد يحس انه كرامته مجروحة . ولجؤنا الى البندقية هو اقصى الوسائل في محاربة العدو الطبقي . نحن نلجأ لها لأن القهر شديد علينا . عدونا مارس معنا كل اساليبه القذرة وحاول أن يهيننا في كل لحظة وفي كل يوم .
أنا متأكد راح توصلك اخبار طيبة عني مثلما أنا متوقع راح توصلني اخبار طيبة عنك ، ثقتي بك مطلقة . اعتقد هذه فرصة قد ما مصارحك بها سابقا أو كايلك أو يمكن عابرينها بشكل سريع . أنت تتصورين إستفاديتي مني وهذا واقع ، لكن اقول لك إني استفاديت ايضا منك بشكل اصبحت علاقتنا علاقة جدلية مو علاقة زواج أو علاقة ميكانيكية مثلما يقولون زوج وزوجته ، وحياة رتيبة وروتين ، وإنما علاقة جدلية تبادلنا فيها كثير من الأشياء. وعلى اساس هذه العلاقة الجدلية والأساس الصحيح الذي وضعناه من البداية الذي هو حبنا الصادق والشريف ، تطورنا ، ويمكن تفاصيل الحياة تغرقني وتغرقك وما تخلينا نلاحظ الأشياء اللي احنا استفادينا بها .ولو ناخذ نظرة الى الوراء نشوف اشياء كبيرة جدا في حياتنا ، إنقلاب نوعي حصل ، والذي ساعد على هذا والعامل الأساسي الذي وطد هذه العلاقة هو كوننا قبل أن نكون شيوعيين ، انه سلوكنا سلوك شيوعي ، ولما إرتبطنا بالحزب ترسخت وتوطدت القضايا السلوكية التي كانت بيننا .المعاشرة التي كانت بيننا ، حب ، صدق ، نقاء ، إحترام وثقة ، فكر الشيوعية وطدًها وعمقها اكثر . اقول عن الأشياء التي استفاديت بها منك، حرصك . قد تشوفيني احيانا انكّت على هذا الحرص ، لكن هذا الحرص علمني في حياتي . التنظيم ، مرتبة ، الصبر عندك . انا يمكن اقدر اقول انا صبور ، لكن لا استطيع أن ارتقي الى صبرك . صبرك عظيم . وبعدين الكتمان ، يعني اسرار حياتي ما شفتها تسربت . مو مثل اي إمرأة ، مو مثل اي إنسانة اخرى . الشيء الذي بيننا عاش بيننا ويموت احيانا بيننا والأشياء الصغيرة ترتفع وتصغر ، لكن لا احد يعرف شوفي احيانا ارجع بالذاكرة لأول لحظات شفتك بيها ، ما اعرف ليش ، يعني شفتك وتصارحت معاك ، للأيام الأولى من زواجنا والأيام الأولى من ميلاد ظفر واتذكر كثير اشياء .
أنا راح اروح لبلدي واروح للداخل ، يمكن قد يقول البعض : ” لو يحب زوجته ، مثلما يصرح ، كان لازم يبقى في احضانها.،، اعتقد احنا تحدثنا به في إحدى المرات ، واحنا متفقين وحتى انت ضحكتِ من هذا الرأي . لكن انا اقول قد البعض يتصور ويطرحه ، حتى من اهلنا يمكن طرحوه عليك لما طلعت من العراق . لكن انت تعرفين انه حبنا صار جزء من القضية الي احنا مؤمنين بها ونحارب من اجلها . لا يمكن ابدا عزل حبنا عن هذه القضية ، تخلينا عن القضية يعني تخلينا عن حبنا ، تراجع في حبنا . قضيتنا في بناء الشيوعية بالعراق ، بناء المجتمع العراقي السعيد ، خالي من الإضطهاد ، ترفرف عليه رايات الحرية والديمقراطية وعلامات الفرح ، يعني هذه القضية تحقيقها اساسي جدا وأقدر اقول مطلق بالنسبة لدوام حبنا وتعميقه . قد البعض راح يقول هذا راح يموت وهذا الكلام حول الحب مسألة اصبحت غير ذات معنى . لكن انا ذكرت من البداية انه علاقتنا علاقة جدلية تبادلنا فيها حتى المواقع انا وانت وارتقينا من اشياء بسيطة واساسية في سلوكنا هو الشرف والحب والصدق والنقاء ، لكن ارتقت هذه العلاقة الى ان اصبحت علاقة فكرية ، إضافة الى العاطفة، اصبحت علاقة فكرية ، علاقة ترتبط بافكار عظيمة نحن مع بعض. وإذا غبت عنك جسد، نتواصل انا وانت افكار واتواصل وياك من خلال ظفر ويسار . إذا غبت عنك جسد ، أنا موجود . موجود معك قصة ، صرنا تاريخ ما ينلغي . صرنا تاريخ انا وانت الحديث عنه يحتاج الى سنين وسنين ، انه انا اموت أو انتهي بشكل طبيعي أو انت تنتهين ، انت لك مستقبلك ، لكن هذه هي حياتنا . ارتبطنا بشكل مصيري ، ولو ما نقول ارتبطنا بشكل مصيري مسألة اخرى . مسألة ما تخضع لإعتبارات المنطق ، مثلما يكولون ، التجاري أو المنطق العادي يعني الروتين اللي بين الناس ، ميكانيكية الزواج . احنا علاقة مصيرية . ارتبطنا وعدة اواصر تربط بيني وبينك ، وآصرة الشيوعية وآصرة الأفكار التي نحملها وربانا عليها الحزب هي اقوى الأواصر ، توطيدها يعني توطيد لحبنا.
حبيبتي ام ظفر …
احياناً يمكن ازعلك مرات ، ادلغم مرات ، لكن صدقيني اعيش لحظات صعبة جدا لما احس اني زعلتك ، وانت تسامحيني بلحظتها . يمكن بعض الظروف وما اعتقد الظرف اللي امرُ بيه الآن وهو اني راغب ومتحمس للذهاب للوطن واحيانا التاخير ينعكس علي بشكل نفسي حتى في عملي واحيانا ينعكس ايضا على سلوكي معاك ، لكن صدقيني اني اعيش اقسى لحظات لما ازعلك ، وتشوفيني انا اجي لك والغي تلك اللحظة ، لأنه مو فقط حبي لك ، وانما احترم غربتك . انتِ مو فقط خرجت من اجل الحزب ، وانما ايضا من اجلي ومن اجل اطفالك ، من اجل علاقتنا ، وتحملتِ وتغربتي وتحملتي عذاب . تعذريني قد تطلع مني تصرفات صغيرة . على كل حال انا متأكد انتِ تعذريني . " أخاف عليك من نفسي ومني ومنك ومن زمانك والمكان ولو ضممتك في فؤادي الى يوم القيامة ما كفاني "
قبل ما استمر بحديثي ، نتطرق الى الصغار ظفر ويسار انت امهم والجزء الأكبر من سلوكهم وتربيتهم اللي هم ناشئين عليها هي منك . فهما طبعا اطفال لطيفين وهم الشيء اللي اوصيك بيهم بعد ما اوصيك بالحفاظ على نفسك وصحتك ، اوصيك بالأطفال لأني احبهم ، وحبي لهم هو جزء من حبي لك . ظفورة خاصة كبيرة والتأكيد على تربيتها يؤثر على اخوها بشكل غير مباشر ، وهي لطيفة وعندها إستعداد ، يعني بسهولة يمكن قيادتها وتنشأتها تنشئة صحيحة وهي متأثرة بك وتحبك جدا . كذلك يسوري هو صحيح مثلما يقولون اليمنيين شوية زنقل ، فهو لطيف ، وما اعرف ليش اول شيء اتذكره لما اكون مبتعد هو هذا الطفل ، فديري بالك عليه. هو شوية حرك ويمكن يتعبك ، لكن يحتاج صبر ومتابعة . يمكن تكونين وحيدة ، وانت قضيت اغلب وقتك وحيدة في تربيتهم ، بس انتِ كدها ، كدها واكبر .
كعدنا فد يوم بالحديقة وتحدثنا عن امور عديدة وتحدثنا عن علاقتنا. أنا جربت نفسي فيما يخص علاقتي بك . تغربتُ عنك وشفت نفسي في اتعس الظروف وفي اكثر الظروف ملائمة أن أخطأ ، لكني ما أخطأت ، لأن صار عندي حصانة ضد الخطأ . حبي لك اكبر مانع . ومع الوقت هذه المسألة تعمقت وإنتهت في صالح انه انا ما اخطأ فيما يخص علاقتي بك امامك أو خلفك ، اكون قربك او بعيد . تبقين انتِ الحبيبة الأولى والأخيرة ، وتبقين انت ام ظفر اللي فتحت عيوني على اول إمرأة هي انتِ .
مثلما قلتُ لك الحديث طويل ، والإنسان يشوف نفسه عاجز عن التعبير عن مشاعره مثلما يريد وبشكل دقيق . مرات اشوف الرسالة اسهل علي ، رغم بعض الصعوبات ، اسهل لي ان اكتب لك ويصير عندي إنسياب في مشاعري وافكاري ،لكن في الحديث المباشر تطير مني الأفكار .
الآن اجت في بالي اغنية لإم كلثوم كنا سابقا نرددها واشوف الآن عندي حماس أن اغنيها لك .
" زرعتُ في ظل ودادي غصن الأمل وانت رويته وكل شيء في الدنيا ده وافق هواك أنا حبيته ومهما شفت جمال وزار خيالي خيال انت اللي شاغل البال وانت اللي قلبي وروحي معاك إن مر يوم من غير رؤياك ما ينحسب شي من عمري "
عزيزتي وحبيبتي ام ظفر
تجيج ايام ويوصلك ذكري ، شيء واحد ما اريد أن اكلفك اكثر من طاقتك ، انه ان لاتبجين ، ولو اني احس الدموع الآن طفرت من عيني . اريدك تفرحين ، تعكسين فرحك على الأطفال وعلى الناس اللي تحيط بك .أنا احاول جهدي أن اشيل راسك ورأس الأطفال ميت ، حي . أنا احاول اشيل رؤسكم ، مثلما احاول جهدي أن اشيل رأس الحزب والناس اللي وثقوا بي وراح يدزوني . حبيبتي ام ظفر …
أنا هنا مو من موقع أن اعطيك مواعظ ، انا من موقع أن اتحدث معاك حديث بسيط . يمكن في يوم من الأيام نلتقي وهذه المسائل نرويها للناس اللي نشوفهم بالعراق ، لكن قد ما نلتقي وانت راح تصبحين امينة على تاريخ علاقتنا ، على حياتي معاك، بس اريد توصلين للناس اللي حبيتهم والناس اللي عشتُ وياهم ، اهلي واهلج والأصدقاء والرفاق هناك والناس الطيبة ، كل مكان زرناه وكل مكان اشتغلنا فيه ويصح لك تشوفيهم ، تبلغيهم حبي وإعتزازي بهم وتبلغيهم انه ما طلعنا وما قاتلنا إلا من اجلهم وما ناضلنا إلا من اجل حريتهم وسعادتهم . تبلغيهم إعتذاري عن كل شيء قد يكون بدرمن عندي اتجاههم . قد يكون ما قمنا بواجبات مثلما يقولون ، البنوة اتجاه اهلنا ، لكن هذا هو الصراع الطبقي ، مثلما احد الرفاق يعزيه حتى لو الواحد يصير عنده كرش ، يقول هذا نتيجة الصراع الطبقي . هذا هو صراعنا الطبقي ، والصراع الطبقي بشع في العراق. هم يعرفون، لكن على كل حال الأعتذار واجب . اريد ايضا تبلغين تحياتي للرفاق الذين عرفناهم هنا والذين عشنا معهم حياة حلوة ، رفاق ما اريد اذكر اسماؤهم انت تعرفيهم . راح اروح ، وراح افتقد إبتسامتك ، افتقد ضحكتك وافتقد حركتك في البيت ، افتقد نشاطك وحيويتك . راح اروح وذاكرتي راح تشتعل بكل التفاصيل اللي عشناها سوية ، تفاصيل حياتنا ، وهذا هو الواقع ، كلما افترق عنك ، اتذكرك بتفاصيلك . يمكن لما اكون جالس معاك ما الاحظ بعض الأشياء ، لكن لما اروح اشوف صورة مجسمة لحياتنا ، دقيقة جدا . اشوف ذاكرتي ملتهبة بصورتك، ملتهبة بكل الأشياء اللي كنا نتعاطاها ونمارسها ونتكلم بيها ، ملتهبة بنظرات الحب ...
حبيبتي ام ظفر …
الحياة مثلما قلت واقول حلوة وياك ، حلوة وجميلة جدا . حياتي معاك كانت حياة خضرة ، اقدر اقول عليها حياة خصبة ، احس روحي اغتنت بيها . حبيبتي ام ظفر .. قلوة .. يا حلوة … يارائعة . مرات وانا قلت لك اشوف نفسي محسود عليك ، إنسانة مثلك ضروري أن اكون محسود عليك .فيك كل المزايا ، مزايا ملاك ، مزايا إنسانة مثلما اقدر اقول ، مو مثل كل النساء ، وانا قلت لك في رسالة انه نساء الدنيا كلها ما تملي عيني … نساء الأرض كلها ما تملي عيني ، وهذه قلتها في وقت وقلتها قبل ذلك الوقت والآن اصبحت حقيقة مطلقة بالنسبة لي ، حقيقة مطلقة حبي لك ، ماكو نسبية فيها . هذه المسألة مطلقة.
حياتي ام ظفر…
مثل ما قلت انه انا هنا مو من موقع واعظ ، بس كلمة اخرى بسيطة ، ولو ثقتي بك ثقة مطلقة ما تقبل جدل . اقولها لها ضرورتها . الحزب .. حبك للحزب اريده يتعمق اكثر واكثر ، اريده يتوطد بعمل وممارسة تساعدين بها حزبنا العظيم بهذا الظرف الدقيق ، باللي تقدرين عليه وانتِ كفوءة بكثير من المجالات ، كفوءة في حياتك ، مالية حياتك. ما اريد غيابي عنك ينعكس بشكل سلبي عليك ابدا ولا اريده ينعكس بشكل سلبي على علاقاتك مع الناس ، ومع الرفاق وعلى الأخص الحزب . اريده ينعكس بشكل إيجابي ، أن تكونين فخورة انه انا قدرت ان اقدم للحزب شيء يمكن انت لظروف معينة ، مثلما يقولون ثقلت بالأطفال ما استطعت أن تمارسين هذا الدور ، لكن عندك قابليات أن تمارسيها انا ما اقدر أن امارسها وهذا واقع أنا ذاكر لك . يمكن تقدمين للحزب اشياء عظيمة جدا .
أنا دائما ، اعتقد رددت لك هذا بيت الشعر في العراق لما صارت الهجمة ، تتذكرينه : " يا عار اللي ما يطم عاره عمت عين الوشاغ اللي ما تشب ناره "
الوشاغ اللي يشتعل نار ما يسمى وشاغ إذا ما تطلع منه هذه النار وتلهب وتشوفها الناس . هذا احنا الشيوعيين ، لازم بهذا الشكل نكون ،والا يبقى عدونا مجلجل علينا ومثلما يكولون يدكدك بينا . بدون صراع عنيف معاه ، بدون قوة ، بدون إندفاع وزيادة بالنضال وبدن تكثيف جهودنا وبدون تضحيات كبيرة ،لا نقدر تحقيق الأهداف اللي احنا واضعيها كشعارات .بالنضال وتسريع وتيرة هذا النضال ، وبالتضحيات الكبيرة فقط نستطيع أن نزيح كابوس الدكتاتورية من بلدنا ، ونمنح شعبنا ومواطنينا السعادة وتعود البسمة والفرح على كل شفة ، ونكفكف دموع الأمهات والزوجات والأطفال الذين تيتموا نتيجة ممارسات المجرمين في النظام الديكتاتوري في العراق . يحضرني الآن ، يمكن استبق به الأحداث ، واتصورك لما يسقط هذا النظام ونعود للبلد ونلتقي انا وياك . يحضرني هذا الوصف للشاعر الشعبي مظفر النواب ، وكنت دائما اردده لك ،يوصف به لقاء الحبيبة لما تستقبل حبيبها ويدق الباب :
"دكيت بابي... عشّبت بابي فرح والخشب عطّب ذاب خدي إشتعل والروح شبّت ورد فلفل والتراجي ذابن بتيزاب واصهلت مرجحت الكصايب يا حبيبي .. يا حبيبي .. يا حبيبي ومتت مثل الباب "
دائما تحضرني هذه القصيدة ، فهي تعبر تعبير لطيف عن لقاء الأحبة وشلون الحبيبة تستقبل حبيبها ، وانا استبق واملي كبير انه نلتقي .. نلتقي . مرات اقول انه عندي بعض المسائل اتوقع بيها وتتحقق ، واقول عندي الحاسة السادسة زينة وهي تحدثني هذه الحاسة تقول لي نلتقي ونعيش احسن ما يكون بظل حزبنا وبظل النظام الجديد اللي راح نبنيه في بلدنا .
حبيبتي ام ظفر …
مثلما قلت ذاكرتي راح تلتهب بصورتك ، بالمواقف اللي عشناها سوية وانت تنامين على ذراعي ، بالقبل اللي كنا نتبادلها والنظرات والكلمات الحلوة . شنسى ، شكول ، شنسى من تلك الأيام اللي عشنا بيها … احلى حياة .. احلى حياة . صحيح مرات المغنين يذكرون انه الحياة مع الحبيب حلوة حتى لو كانت بكوخ ، واحنا عشنا باشياء شبيه بهذه ، لكن كنا سعداء ، اسعد ما يكون ، وهذا اقوله أساساً بفضلك ، بتفهمك وسعة صدرك، وحبك الحقيقي ، وثقتك المطلقة بي . هذه الثقة المطلقة ، لما اتذكرها اخجل من نفسي ، يمكن احيانا وانا امشي واشوف وحدة حلوة واقول " آه يابا حلوة " استحي من نفسي ، اخجل حتى بهذه. اتذكر هذه الثقة واتذكر هذا الأحترام . ثقتك المطلقة جدا اصبحت ، مثلما ذكرت لك ،اهم جزء بحصانتي إتجاه ان أخطأ او اخونك ، يعني اصبحت مسألة مستحيلة وغير ممكنة ، ومثلما ذكرت ، معك او بعيد عنك .
حبيبتي ام ظفر …
اوصيك إذا رجعت للعراق ، اوراقي ، خواطري اللي كتبتهن ، تحتفظين بها . قسم كتبتها هنا ، تحتفظين بها ، وخليها لأطفالنا . اوصيك بالكتب اللي ساعدتني على ان اضع قدمي على الطريق الصحيح ، ايضا خليها لك وللأطفال، تصير اساس للمستقبل ، تحافظين عليها . مرات احلم راجعين ولو انا قلتُ لك انه حاستي السادسة تقول نلتقي اكيد .. ويتحقق هذا الحلم … راجعين وكاعدين في بيتنا الجديد ، اللي ما ضقت كعدته ، وعايشين هناك حياة السعادة . يمكن البعض يقول عمركم ، صرتم كبار . لكن بالعكس انا اشوف كلما نتقدم بالعمر ، اشوف الأشياء اكثر حلاوة . صحيح البدايات جميلة ولطيفة والواحد لما يتذكرها ، يحترق ، لكن اشوف ايضا الحياة صورتها احلى لأنه بدأنا نطلع على تفاصيل الصورة . ويوم عن يوم نحن نكبر مو فقط عمر وإنما كبرنا من ناحية العمر يعني نضوج . أنا وانتِ نتطور وننضج اكثر ، وبهذا النضوج راح نشوف الصورة بتفاصيل اكثر والوان اكثر ونشوف التناسق يظهر على صورة حياتنا والحياة بشكل عام . نشوفها يوم عن يوم تزداد كمال ، واعتقد هذا يثير الفرح واعتقد هذا اكثر سعادة . أنا ضد القول للبعض " انتم راح تكبرون " . السعادة نسبية ومطلقة في نفس الوقت ، نسبية بالنسبة للظرف اللي يعيشه الأنسان وللإمكانيات التي تمنحه هذه السعادة ، بالنسبة للإهتمامات التي يعيشها حسب مرحلته ، مرحلة الطفولة مرحلة المراهقة ، له إهتمامات معينة وسعادته تتفق مع هذه الأهتمامات التي يعيشها وهذه النسبية تزداد وتكبر مع الوقت ، مع النضوج ، مع زيادة الأهتمامات، مع الإرتقاء في ممارسة اشياء جديدة . نحن الآن نرتقي نحو السعادة المطلقة . نحن سعداء اكثر من السابق . على كل حال هذه البداية صحيحة ومبنية على اساس متين ، ومثلما ذكرت ، كل شيء ينبني عليها بشكل صحيح . نرجع لبيتنا ونعيش به وظفر ويسار يكبرون وانت تسوين الحديقة وتخلين الورد اللي يعجبك ويعجبني ايضا .
اعتقد الحديث طويل ولو ابقى اتكلم ساعات ما يكفي ، وكل الحجايات اللي كلتها هي حجايات بسيطة. هذه هي مشاعري ، قد ما عبرت عنها بشكل دقيق ، لأنه ، مثلما ذكرت ، لا انا فنان ولا انا شاعر ، وهذا اللي اقدر عليه . تعذريني إذا لم استطع أن اعبر بشكل دقيق ، لكن شيء واحد تأكدي منه هو انه حبي لك حب كبير جدا ، حب مالي عليّ حياتي ، وانه انتِ في بالي وفي ذاكرتي الى يوم أن اموت . رسالة 7 ـ 1 ـ 1981 دمشق
تحية حب ووفاء … وصلنا مطار دمشق في الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة صباح امس بسلام ، وقد تأخر هبوط الطائرة وهي تحلق في أجوا دمشق لمدة ساعة تقريباً بسبب الضباب الكثيف الذي يلف المدينة لم انم ليلة مكوثنا في مطار الكويت ، انه مطار رائع حقاً . ومن جميل المصادفات إني حصلتُ على رقم تلفون عباس ديبس ( ابو رعد ) وبعد وصولنا الى مطار الكويت حوالي الساعة العاشرة إلا ربعاً ليلاً ،إتصلتُ به وبعد تبادل التحيات أصرً الرجل على المجيء الى المطار . وبالفعل وصلني في الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً ، وكان لقاءً حاراً لأكثر من من ساعة ونصف ، وسألته عن الأهل ، فقال انهم بخير. كما نقل لي صورة رائعة عن نضالات مدينتنا البطلة وكذلك صور عن وحشية النظام الفاشي في العراق في تعامله مع الناس وبالأخص مع زوجات واطفال الرفاق وممتلكاتهم حيث تمت مصادرة حوالي 60 بيتاً ، كما قاموا بإرهاب زوجات واطفال الرفاق . لقد افرحني الوضع العام للمدينة وأحزنني جداً وضع عوائل الرفاق . لقد كنتِ ذكية الى ابعد حد في تصرفكِ وانتِ تغادرين العراق وتفلتين من قبضة الجزارين . فلقد أنقذتِ نفسكِ وانقذتِ اطفالنا وانقذتيني لأنك لو بقيتِ وحلً بكم ما حلً بعوائل الرفاق الآن ، فما سيكون وضعي ؟ اكيد إنني سأصاب بقلق شديد وحزن مدمر وقد اموت ، ولكني في كل الأحوال مطمئن لوضعكِ انتِ والأطفال ، فأنتم في مكان امين . دمشق مدينة جميلة ونظيفة ومكتظة وتمتاز بالحركة الدائبة واهلها تبدو على وجوههم الصحة والعافية وهم يمتازون بشيء من الخشونة. الجو بارد هنا ودرجة الحرارة تصل الى الصفر والمطار تتساقط يومياً . كل شيء متوفر هنا . لقد بدأتُ أضع ورقة وقلم واقنن مصروفي اليومي الى ابعد الحدود وابحث عن ارخص اكل كما قررتُ ان اشرب الشاي صباحاً فقط ، كما ابحث عن السكن الرخيص. وقد ساعدني على ذلك إنني لا اشرب الخمرة ولا ادخن ولا عندي "سوالف منا منا " كما ساعدتني تجربتي في صوفيا في بداية غربتي على الإقتصاد في المصروف . كل ذلك تحسباً لأي طاريء أو تأخر في دمشق . لا تتصوري إنني متضايق لأني أقتر أو إني محروم من الملذات ، لا بالعكس فأنا أفعل ذلك بمعنوية عالية وبفرح لا اعرف سره ، قد يكون لقرب العودة ، أو لأني مع الصعوبات تنطلق من داخلي طاقة روحية كبيرة أفتقدها مع الحياة السهلة . حافظي على صحتكِ وصحة الأطفال وإقتصدي في مصروفكِ ، لكن مع مساعدة الرفاق إذا تطلب الأمر. لا تصدقي اية برقية أو رسالة تردكِ من العراق أو من الكويت حول اوضاع اهلي أو اهلكِ أو عني ، فالأمن الفاشي في العراق بدأ يجبر عوائل الرفاق بأن يحرروا رسائل الى الرفاق في الخارج يدعوهم فيها للعودة تحت مختلف الأعذار ومن قبيل التأثير على معنوياتهم . ولا تصدقي إلا الأخبار والمعلومات التي تصلك من خلال الرفيق ابو رافد . معنوياتي عالية . الأخبار هنا تنبأ بقرب زوال كابوس الفاشية عن العراق،وكلنا شوق وحماسة للمساهمة في إزالة هذا الكابوس اللعين. شكراً والف شكر لكِ لأنكِ اقتعتيني بأخذ ما يكفي من الملابس وهذا تأكيد جديد لرأيي بكِ بأنكِ تمتلكين حاسة سادسة وذكاء وإخلاص غير محدود لحبكِ لي . لا تنسي أن تحتفلي بذكرى حبنا في 13 ـ 1 ، فأنا سأحتفل به هنا لقد تقصدتُ بأن لا اقرب وقت الإحتفال به حتى اجعل من ذلك مصدراً آخر لحقدي على الفاشية في العراق التي حرمتنا حتى من ابسط الأشياء ، كما أردتُ أن يكون الإحتفال في وقته المحدد حتى يحتفظ بجماله وروعته بمعنى الإحتفال بهذه الذكرى تحت كل الظروف ، لأن الآصرة التي تربطنا معاً أقوى من كل المحن والمآسي . ارجو ان تكونوا جميعاً بخير ، ولا تقلقي من ناحيتي ، فأنا قادر على العيش والتكيف تحت كل الظروف وبسرعة ولا يشغلني سوى ذكراكم وموعد مغادرتي دمشق . أرجوكِ أن لا تعكسي اي حزن على الأطفال واود ان تكونوا جميعاً فرحين وسأنوب عنكم بالقيام بواجبي تجاه شعبي وحزبي خير قيام ، فلا تحزنوا بل افرحوا وابتسموا تحت كل الظروف والى القاء في رسالة قادمة .
رسالة 15 ـ 1 ـ 1981 دمشق
تحية حب وصلتني رسالتك في نفس اليوم العزيز على قلبينا وهو يوم 13 ـ 1 وكانت فرحتي بها لا توصف . لقد أعدتُ قراءتها مرات ومرات وفي كل مرة أجدها جديدة في كلماتها ، طافحة بصدق مشاعر عودتيني عليها . تصوري هذه الرسالة التي بين يديكِ بدأتُ كتابتها يوم 13 ـ 1 ولم انتهي منها إلا اليوم . فلقد كتبتُ المسودات العديدة ، ولكني لم افلح في التعبير بالشكل الأكمل عما اكنه لكِ من احاسيس وافكار وذكريات ، ولكني اضطررت أخيراً أن اكتب مباشرة بدون مسودات .
ليلة 13 ـ1 أقام لي الرفاق في الفندق حفلة صغيرة بالمناسبة ، ولقد حكيتُ لهم نبذاً من ذكريات حبنا ، كما حكيت لهم عنكِ ، وقد بعثوا لكِ ببطاقة تهنئة بهذه المناسبة لم يطلعوني على مضمونها ومنهم الرفيق ابو رياض .
تعود بي الذكرى الى الوراء ، فتبهرني مسيرة سبعة عشر عاماً قضيناها أوفياء لما تعاهدنا عليه من إخلاص لحب خالد تتأجج شعلته يوماً عن يوم . وتتركز ذاكرتي عليكِ أساساً . لقد صبرتِ على طباعي ومزاجي وإستطعتِ بنكرانكِ لذاتك وإخلاصكِ لحبنا أن تعلميني دون أن تدرين ، ولكني انا ادري ، الصبر وفن الحياة . لم تبخلي عليً وقدمتي لي كل شيء . فٌلإخلاصكِ ووفائكِ ولحبكِ ولصبركِ … أحني رأسي وعهداً مني ، عهداً مقدساً بأني سأبقى كما كنت وفياً لكِ ولحبنا ما حييت .
حبيبتي … إن ظروف الحياة هنا ليست سهلة ، وإذا فُرض علينا الأغتراب عن وطننا لوقت قصير أو طويل ، فلا وطن آخر لنا غير عدن حيث الأمان متوفر والرعاية لنا اكثر مما نتصور ولا يحس المرء بذلك إلا بعد أن يغادرها اي اليمن الحبيب .فلا تتأثري بدعاية بعض الرفيقات بالمغادرة غير المدروسة لأرض اليمن وابقي في ارض الخير والعطاء والتضامن الغير محدود ، ولا اوصيكِ إلا بالصمود الذي هو من طباعكِ وصفاتكِ النادرة وان النصر لقريب ولقائنا الدائم على ارض وطننا العراق قريب ، وليس علينا إلا بالصبر ومكافحة كل علامة أو ظاهرة لليأس والتشائم . وكما عاهدتُ الحزب وعاهدتكِ واطفالي … سندخل ارض العراق وسنقاتل الغول الفاشي الأسود الذي تسلط على رقاب شعبنا وشعارنا الحرية للعراق أو الموت . لقد افرحتني معنوياتكم انتِ والأطفال . حافظي عليهما فهما نتاج حبنا الخالد . فاني احبهما حتى العبادة ، وربيهما على ما تعاهدنا عليه من مباديء سامية . بودي أن استمر بالكتابة حتى الصباح ، ولكن مهما سطًرت من كلمات وبيضت من صفحات ، فلن أفي من الغرض إلا جزءه ولسان حالي يقول" يشنهي وأحبك … يشنهي وأحبك وشلون اوصفك وانت دفتر وانا جلمة ..‘‘ سبعة عشر عاما مضت من عمري وانا برفقتكِ ، كنتِ مثال الحبيبة والزوجة والأم والصديقة والرفيقة الوفية المخلصة . تعلمتُ منكِ اشياء كثيرة لا تُثمن … وإذا كنتُ أأسف لشيء في مجرى حياتنا الغنية بكل ما هو شريف وحي .. فإني أاسف لأني لم احدق لمدة اطول لأرتوي من شعاع عينيكِ يا حبيبتي .. أأسف لأني لم اقبًلكِ اكثر … إني آسف لأني لم اسجد لكِ يا قديستي … سألقاكِ في يوم ليس ببعيد ، هكذا يحدثني قلبي … لم يخني هذا القلب . أقول احياناً إني محظوظ … واعظم ما حظيتُ به هو انتِ … وحبنا الخالد هو ضمان اكيد لقولي بأني سألتقي بكِ … سألتقي بكم يا أحبائي قلوة … ظفر … يسار. هو انتم كل ما اريده من هذه الحياة … ومعكم اتمنى وبكل ما املك حب للحياة .. أن اعيش … إن خيالكِ … خيال إبتسامتكِ المشرقة … ضحكاتكِ … تقطيبة حاجبيكِ … وانتِ تضمين شفتيكِ … أو تتحركين في البيت أو أنتِ تغطين في إغفاءة بعد تعب النهار … خيالكِ الحبيب يطوف امامي في كل لحظة واراه مرتسماً في كل الوجوه … وكأنكِ يا ام ظفر الإنسانية مجسًدة في وجوه الناس . حافظوا على انفسكم احبائي … فأنتم الماء والهواء الذي بدونه لا قيمة لحياتي .
إني أتخيلكِ دائماً في صورة باسمة ، فارجو أن لا تفارق الإبتسامة شفاهكِ الوردية في كل الظروف ، فالإبتسامة والفرح يضيف طاقة روحية الى الإنسان وتقوي العزيمة … وشجاعة الأطفال وفرحهم الإنساني من شجاعتكِ وفرحكِ ، فمديهما بكل ما يعينهما على الحياة والتغلب على مصاعبها . أرجو أن تقرأي لهما هذه الكلمات :
عزيزتي ظفورة … عزيزي يسوري
كيف انتم ؟ إني احبكما كثيراً … واتمنى أن تعيشوا سعداء ، ولقد غادرتكم من اجل أن تكونوا سعداء ، صيروا حبابين ، وخلي يحب واحدكم الآخر … وأحبوا ماما واعتنوا بها ولا تتعبوها أو تزعلوها ، لأن إذا تعبتوها أو زعلتوها ، ازعل عليكم . ساعدوا ماما بالبيت ولا تنسون تغسلون اسنانكم قبل النوم وتكونون نظيفين . وانتِ يا ظفورة العاقلة الحلوة ، إعتني بيسوري لأن انتِ الكبيرة وهو الصغير . اريدكم ما تنسون وطنكم وتحبونه … تذكروا دائماً انه انا حبيتكم … وكنتم وامكم عيوني اللي اشوف بيها دربي … وراح يجي اليوم اللي ترجعون بيه للوطن ونلتقي كلنا ونعيش في بيتنا الجديد .
حبيبتي ام ظفر … الحديث اليكِ ذو شجون وكما قلتُ لو بقيتُ اياماً ابيض الصفحات ، فإني لن افي من الغرض إلا جزءه ، ولكني اقول لكِ قبل أن انهي رسالتي هذه … إني احبكِ … أحبكِ … أحبكِ وإخلاصي لحبكِ مطلق وخالد خلود هذا الحب . قبلاتي لكِ ولظفر ويسار .
رسالة 18 ـ 3 ـ 1981 القامشلي
حبيبتي الغالية بلقيس
تحية وإعتزاز
لقد كان لهذه الرسالة ان تُكتب قبل هذا التاريخ ،ولكن إعتبارات معينة حالت دون ذلك ، أجدها الآن إعتبارات غير جدية ، سيما وان بحر اشواقي لك قد فاض وطفح كيله وان أوتار حبي اصبحت من توترها تردد اغنيات الحنين والذكرى لحبيبة العمر … لرائعتي الجميلة في كل لحظة ووقت …وأصبحت كل الأشياء التي تحيطني ، وعلى فقرها ، مبعثاً لهذه الذكرى وهذا الحنين … ضوء القمر وهو يكتمل بدراً … المطر … الإسترخاء في الفراش … وانا ازاول خفارتي في غسل الصحون ، وضحكات الآخرين وهي تتردد في جنبات البيت... وانا منزوياً افكر … و... و... وحاضرة في كل شيء … فارسة لأحلامي في كل الليالي … مناغياً تارة... أو ضاحكين لمشاكسات الصغار تارة اخرى أو .. أو .. حنينك طيف... وطيفك ضيف أحب الضيوف … فلا تسأليني احبكِ كيف
المكان الذي انا فيه الآن محطة على الدرب الطويل … حيث إستقر القرار ووضح الهدف … وحيث أصبح لا يفصلنا عن العدو الفاشي العابث بوطننا سوى مسافة بسيطة … يصبح الواحد منا بحاجة الى طاقة روحية كبيرة جداً للتغلب على الأعداء المتخفين الذين ينبرون من دواخل نفوسنا كلما واجهتنا الصعوبات … السأم … الضجر … الإحساس بالعزلة … الخ . لقد خبرتُ مثل هولاء الأعداء في مراحل مختلفة من حياتي … لقد كان سلاحي في حربي معهم كل مرة هو إيماني الراسخ بعدالة قضيتي الشيوعية وحتمية إنتصارها ، مضافاً لذلك حبنا الخالد وثقتي باللقاء في كل مرة نفترق فيها . في هذه المرحلة من غربتي أجد نفسي اكثر قدرة من ذي قبل في القضاء على هولاء الأعداء الشرسين الذين يتخفون في دواخل ذراتنا . لقد كنتُ قبرً اتصور ان نسياني لكِ في حالة إفتراقنا ولو مؤقتاً سيقوي من عزيمتي في وحدتي ، ولكني تيقنتُ من أن هذا النسيان فضلاً عن أنه غير ممكن بل ومستحيل ، فهو إضعاف وليس قوة لعزيمتي ، لذا فذاكرتي ملتهبة بخيالكِ في كل لحظة . ام ظفر الحلوة …
إننا الآن في شهر آذار … وبعد أيام سيصادف عيد الربيع وآخره عيد الشيوعيين ، عيد كل الشرفاء .. عيد مولد حزبنا العظيم … إنه شهر الخير والعطاء . إن ذاكرتي الآن تعود الى ثمان سنوات الى الوراء … يوم … يوم كان القرار بأن نقترن ببعضنا …هل تذكرين كان يوم اربعاء … يوم نوروز .. يوم غادرتُ مدينتنا متوجهاً الى بغداد … ثم كان الجدال والقلق الذي ارقني وقتها … لقد كان قلقاً حلواً وانا اتذكر تلك الأيام المشحونة بأطيب الذكريات . إننا نقضي وقتاً طيباً كما في عتق . الحياة الجماعية منعكسة بشكل رائع على تصرفاتنا ، ولكن الصعوبات الحياتية اكبر مما كنا عليه في ذلك المكان الحبيب من الربع الخالي ، يؤطر حياتنا جميعاً شوق جارف لسحق عدونا الطبقي … فاشست العراق اللئام . حبيبتي إني أقضي الوقت هنا بشكل لابأس به ، أمارس مهنتي ضمن حدود معينة ، ولكنه يرضيني على كل حال ، قراءاتي جيدة ولكن اقل مما يجب . ومن الكتب الجيدة التي قرأتها لأول مرة : دفاتر فلسطينية للشاعر معين بسيسو ، " داغستان بلدي " لرسول حمزاتوف ، " ديوان الشاعر سعدي يوسف " ، " الأراضي البكر " بريجنيف ، روايات عن حرب المقاومة السوفيتية في الحرب العالمية الثانية ، مع دواوين شعرية وغير ذلك . لقد أصبحتُ اكثر ميلاً لقراءة الأدب والشعر بشكل خاص قراءاتي الطبية دون المستوى المطلوب . أسفت لأني لم اجلب بقية كتبي حيث توجد إمكانية نقلها . قرأتُ قبل قليل العدد 127 من الثقافة الجديدة ، لقد كان عدداً دسماً ، غنياً بمواده واشد ما أثًر بي لدى قراءتي المجلة هو الريبورتاج الموجود في حقل ادب وفن والذي يروي نتفاً من الأوضاع المأساوية التي مرت بها العوائل العراقية التي قام بتهجيرها الى إيران نظام القتلة في بغداد . ورغم أن بعضاً من هذه الروايات المذكورة في المجلة كنتُ قد سمعتها أو قرأت عنها في مناسبات اخرى ، إلا أن اسلوب العرض في مجلة الثقافة الجديدة ودقة المعلومات قد أثًرت بي حتى إني بكيتُ بحرقة وأنا اقرأ مآسي أطفال بلدي بشكل خاص على أيدي كلاب النظام التكريتي … أحسستُ بأن الحقد على هولاء المجرمين يأكل قلبي ويؤرق جفني .. وأقسمتُ أن لا يهدأ لي بال إلا الإنتقام لكل الذين ادماهم واثكلهم النظام الديكتاتوري القذر .
لقد تسنى لنا أن نشاهد البث التلفزيوني من بغداد وفي كل مرة نقول " الله يساعد العراقيين على صدام وزمرته" . تصوري منذ أن تفتتح المحطة الى أن تُغلق ، تردد الأغاني الرخيصة التي تشيد بالديكتاتور . لقد حشد لذلك كل فنان سقط في وحل نجاستهم راضياً أو مكرهاً . وانتِ تنصتين للأغنية ، فلا تسمعين سوى كلمات رخيصة تشيد وتمجد بالطاغية ، أما ما بين الأغاني فليس إلا تغطية لزيارات “ الرئيس القائد “ لبيوت الموطنين وللمدارس في محاولة مكشوفة لإيهام الرأي العام في الداخل والخارج بأن الأوضاع طبيعية داخل العراق رغم ظروف الحرب القذرة التي شنها النظام الحاكم على الشعب الإيراني الصديق .إنهم يحاولون أن يفرضوا الفرح والبسمة على الشفاه الجريحة للأطفال والنساء الذين فقدوا ازواجهم وآبائهم وأقاربهم نتيجة هذه الحرب المدمرة ولكنه إفتعال للفرح لا ينطلي على الذين يعرفون الأمور جيداً . الديكتاتور الصغير يسوق سيارته متنقلاً من بيت لآخر أو من منطقة لأخرى ولكننا نلاحظ من خلال المشاهدة ان المنطقة التي يتحرك فيها محتلة وأن الأمن والقوات الخاصة تنتشر في كل مكان . لقد عقدوا قبل أيام مهرجان للشعر الشعبي بمناسبة مرور ستة أشهر على بدء الحرب ؟؟؟!!! وكل القصائد بدون إستثناء تمجد “ القائد “ . لقد صعدت الى منصة الخطابة أسماء نكرة لم نسمع لها وقالت كلاماً ليس من الشعر في شيء ، بل كلمات تبعث على الغثيان وصدق من قال :"الفاشية لا تقول شعراً " سأنقل لكِ نموذجاً من حوارات الطاغية مع المواطنين لكي تعرفي الى اي درك وصل هذا النظام في تعامله مع ابناء الشعب.
في زيارة " للقائد الملهم " صدام حسين الى إحدى قرى الفلاحين في محافظة ديالى والتي عرضها تلفزيون بغداد يوم 14 ـ 3 ـ 1981 ، دار الحديث بينه وبين احد الفلاحين .
الفلاح : سيدي … مولاي … نريد نبني بيوت ونسكن فيها . السيد ( صدام ) : إبنوا الفلاح : الملاج ما يرض . السيد : الكاع مال الملاج ؟ الفلاح : لا سيدي الفلاحين ساكنين بهذه الكاع كبل الملاج . السيد : ماكو بعد فلاح يعتدي على الملاج ، والملاج فلاح عراقي … وإبن الملاج ضابط بالجيش ، وممنوع يعتدي أحد على الملاج . الفلاح : سيدي … السيد : ماكو بعد هيجي حجي… الفلاحين إيريدون الكاع الزينة وينطي للملاج الكاع الغير صالحة … هذا الوكت راح ، من حق الملاج أن يأخذ الكاع اللي إيريدها .
وإستمر دفاع "القائد"عن الملاكين والإقطاعية .. وسكت الفلاحون … كُتمت الأصوات . وفي زيارة له لإحدى القرى جنوب بغداد ، إنبرت له إحدى العجائز قائلة : العجوز : سيدي إبني بالسجن . السيد : ما عرفتي لويش مسجون ؟ العجوز : ما كدر يروح للجبهة … عاجز السيد ( وهو يرفع يد العجوز بيده ) : شوفوا هذي إبنها خاين للوطن وجبان … آني أكلج أحسن لا تنطينه خبز... وإضربيه بالمحراث … إبنج جبان . ثم دفعها عنه بيده اما الجميع والمشاهدين وبشكل غير مؤدب .
إن الأخبار التي تردنا عن اوضاع الناس هناك سواء المعاشية أو النفسية رهيبة جداً . فالحرب اصبحت كجهنم إبتلعت آلآلاف من الموطنين قتلى وجرحى ومشردين وازمات في كل شيء .لقد أصبح العراقي في وضع مريع ، فهو محصور بين نارين ، نار الحرب ونار الطغمة الحاكمة والتي تسير على خطى سياسة “ سحق المعارضة حتى العظام “ . إنهم يقتلون أو يدمرون حياة اي إنسان لمجرد الشبهة ، حتى عناصرهم . لقد أصبح العراق سجناً كبيراً وبشعاً ، لكن الناس رغم وطأة الإرهاب بدأت ترفع أصوات التذمر والسخط على الجلادين والأمل لدى الجميع يقوى بإنتظام نهوض الحركة الوطنية من جديد حيث إتسعت عمليات الأنصار في كردستان وكُبد النظام خسائر كبيرة ، كما إتسعت أشكال المعارضة الأخرى في الجنوب والوسط . إن لحزبنا اليد الطولى في كل ذلك . لقد أصبحنا نحس نبض ذلك والمسافة تقصر بيننا وبين العدو ، إن الآمال معقودة عليه والطغاة يؤرقهم نهوض الحزب وقيادته للحركة الوطنية من جديد ، فيصبون نار غضبهم عليه يائسين .
حبيبتي ام ظفر … إن الكتابة اليكِ اجمل الأشياء عندي ، ولكن أصعبها ولو حضرتني الكلمات المناسبة ، لبيضت عشرات الصفحات ، ولكن ليس كل ما يجول في خاطري استطيع التعبير عنه وبذات الوضوح الذي اشعر به وهو في دماغي .
كنتُ اليوم في حديث مع رفيق حول زوجاتنا ووفائهن وإخلاصهن وكان رأيي انه لم يكن هناك من إنسان له أثر بالغ في حياتي أو إني مدين له ما حييت كما أنا مدين لكِ ، لهذا ينتابني احياناً شعور بالذنب لأني لم اقدًم لكِ شيئاً يعادل ولو جزء بسيط مما قدمتيه انتِ لي ولحبنا ولأطفالنا ، وكل ذلك أساسه إخلاصكِ وحبكِ الصادق ووفائكِ الغير محدود . أقولها دائماً إني تعلمتُ على يديكِ اموراً كثيرة أعتز وأفتخر بها ، لكن الشيء الأكيد عندي هو حبي لكِ ووفائي للعهد الذي بيننا … احبكِ يا ام ظفر واتمنى من كل قلبي أن ألقاكِ لقاء دائم وبعد أن تزول قيود الذل عن وطننا الحبيب ، وأن اعيش بين احضانكِ ومعكِ بقية عمري وأن نعيد كل ما هو جميل من حياتنا .
قرأتُ قبل فترة في جريدة السفير اللبنانية قصيدة للشاعر احمد دحبور وهو يخاطب اشياءه الحبيبة في ابين وعدن وفي القصيدة مقطع يخاطب صغيره وإسمه يسار وبشيء من تأنيب الضمير ما اتذكر قوله :
يسار يا صغيري يسار يا ضميري لقد فعلتُ بك هذا فإفعل ما شئت قد تكون في لهجة الشاعر شيء من تأنيب الضمر لأمر إرتكبه خطأ بحق صغيره … لقد أثرًتني القصيدة الى حد كبير ورحتُ اخاطب صغيريً :
يسار يا صغيري .. ظفر يا ضميري … قد أكون حرمتكم من تقولوا كلمة بابا في أحضان ابيكم ، لأني غبت عنكم دونما اذن منكم .. ولكني لم افعل ما فعلت إلا لإجلكم ولإجل كل الأطفال في وطننا حتى تعود البسمة الى كل الشفاه التي يتمتها الأيادي الآثمة . املي فيكِ يا ام ظفر أن توضحي ذلك لهم ، فهذا مهم بالنسبة لي … مهم أن يدرك أطفالي من الآن إني من اجلهم غادرت الى كردستان الحبيبة من اجل أن لا يكسو وجوههم الذل عليكِ تقع مسؤولية ذلك … حافظي عليهما … رسًخي في قلوبهم حب وطنهم وشعبهم … غذيهم الحقد على عدوهم وعدو شعبهم . اتمنى أن يكونا سائرين على نفس روتين حياتهما … النوم المبكر ، غسل اسنانهما قبل النوم … نظافتهما بشكل عام .. تغذيتهما . كمااتمنى أن توفري لهما القصص واللُعب حتى ولو توصين عليها من الكويت . راقبي عن كثب نوع اصدقائهما ، فهذا مهم بالنسبة لإخلاقهما .. تابعي كما كنتِ اوضاعهما في المدرسة والروضة وضعي لهما حوافز للعلامات التي يحصلون عليها في المدرسة .
حبيبتي ام ظفر ارجو ان تقرأي لهما هذه الرسالة :
أحبائي ظفورة ويسوري ..
شلونكم … اتمنى أن تكونوا بصحة جيدة وتتمتعون بالتلفزيون … لا اعرف هل التلفزيون لايزال يعرض إفتح يا سمسم والسندباد ؟ ظفورة حبيبتي اكيد انتِ تكونين الأولى أو الثانية على الصف هذه السنة … شدًي حيلك... اللي يتعب ينجح ويلعب … ساعدي ماما في البيت ولا تزعجيها وأخذي باللي تنصحكم بيه ..ديري بالك على اخوكِ ! شلون صارت فرقة الطلائع اللي انتِ ، وهل ستقدمون فعاليات لهذه السنة بالمناسبة ؟ ذكرى تأسيس الحزب .. تصوري انا دائما اردد اغنية “ ليلم ليلم لاد... ما احلى اعياد الميلاد .. ” إذا عندك اغنية جديدة هذه السنة عن الطفولة وحافظتها ، ابعثيها لي برسالة واتمنى ان تبعثي لي الرسومات اللي ترسميها
حبيبي يسار ..
شلونك بالروضة ؟ روضتكم الجديدة احسن من القديمة مثل ما انت كلت … شلونك مع اللعب ؟ ماما ذكرت لي برسالة سابقة انك ترسم زين وإنك رسمتني ، اتمنى أن تبعث لي رسوماتك وارجو ان تقضي وقت طيب مع التلفزيون ومع اختك وامك واصدقائك . اكل زين حتى صحتك تصير احسن واكل لحم وبيض اكثر حتى تصير لك عضلات وتقاتل بيها البعثية المجرمين . دير بالك على اختك لأنها تحبك هواية هواية وإحترم ماما واخذ بكلامها . ليس عندي لكم الآن سوى حبي ووفائي لذكراكم وامنيتي أن القاكم ثانية وأعيش بينكم كما كنا كأسعد ما نكون .
رسالة 5 ـ 5 ـ 1981
حبيبتي الغالية ... بلقيس … يا احلى الأسماء
سيدة ستظلين وناصعة ستظلين وساخنة بين ذراعيً تظلين … أحبًكِ .. يا حبيبة وحدي مع الأوراق … والليل والشباك وهدأة الأعماق ما أطول ايام البعد … حبيبتي
وجهكِ الحلو … وودته بين يديً الآن … مسترسلاً نائماً …
احب أن المسه .. في يقظتي مرة .. يافضة مشمسة … احلم وكم احلم … سأظل اغمض مقلتي بلا إنتهاء
لأقول اغنية هناك
لأقول اغنية تراك
يا واحة بين البراري
قبلة الصباح ودفء شفاهكِ .. ” صباح الخير “ ينغرز في
وجهي أزهاراً . مائدتنا الصغيرة ، تتحلق حولها أسعد عائلة . . هل تحبها الى هذا الحد ؟
يحمرُ مني الوجه
اضحك … ابكي … ارقص … اضحك أضحك
لقد عشقتُ الحياة … احببتها .. لأني احببتها فتاتي التي اسمها
اجمل الأسماء .. فقد عشقتُ الحياة …
ما اطول ايام البعد يا بلقيس … ما اطولها
ردًي عليً .. عيناي جائعتان لكِ ، لكلماتكِ … لا تبخلي...
ردي .. ردي فالقلب اضناه البعاد … إننا نسمع إذاعة حزبنا ( صوت الشعب العراقي ) في اغلب الأوقات وكذلك إذاعة الحزب الديمقراطي الكردستاني ( صوت العراق الحر ). آخر مهازل السلطة الصدامية في العراق هو حل الجمعيات الفلاحية المشتركة وحل الجمعيات التعاونية والإجهاز على الإصلاح الزراعي وتصفيته لصالح الملاكين وبرجوازية الريف وهذا ايضاً ما افرزته الحرب حيث يقول لينين “ إن الحرب التي يحاول نظام ديكتاتوري تصدير ازمته بها الى الخارج تؤزم التناقضات الداخلية وتبلورها وهذا واقع الإصلاح الزراعي ، كما يشيع السافاك العراقي الآن إشاعة بأن الإيرانيين يرومون نقل مرقد الإمام علي بن ابي طالب الى قُم وتطبًل أجهزة الإعلام الصدامية بهذا الخبر ترمي محاولة إستثارة مشاعر السذج من الناس ضد النظام الإيراني ، ولكنها كذبة سخيفة لن تنطلي على احد رغم ما جنًدوه من عملاء من رجال دين وغيرهم لهذا الغرض وآخر اخبار القتال ، فإن معارك طاحنة تدور بين مرتزقة النظام والجيش الإيراني يروح ضحيتها المئات من الأبرياء فداء “ لعيون “ الديكتاتور الصغير. إن النظام العراقي متورط بشكل لا يوصف في هذه الحرب . المعارضة في الداخل تشتد وكذلك الأعمال المسلحة بما فيها كردستان ، والنظام من جانبه مستمر في إرهابه وبطشه ، ولكن مهما طال الزمن ، فالسقوط نهايته حتماً وان غداً لناظره قريب . وصلنا العدد الأخير من طريق الشعب وفيه قائمة كبيرة بالمعتقلين والشهداء كما فيه ما يُفرح بيان الحزب الذي يؤكدعملية التقارب مع الأطراف الدينية المعارضة والتي يمثلها حزب الدعوة وقد أكدً ذلك الشيخ مهدي الحكيم لرفاقنا في دمشق ورحبً بالتعاون مع حزبنا والأحزاب الأخرى لإسقاط النظام ، وهذا ما يبشر بخير .
اليمن الديمقراطي ، بلاد الطيبة والعطاء، ارض الخير والوفاء، الى حد ترسخت صور هذا البلد وشعبها الكريم في ذاكرتنا ولم اكن اغالي وقتها عندما كنتُ اقول أنها “ مضيف الأممية “ ، ففيها ينسى الإنسان انه غريب عن وطنه وهذا احسسناه بعد مغادرتنا لها ، ولم يكن لدينا من سلوى في ذلك سوى إنا متوجهون الى وطننا الأم . اغلب الرفاق معي في هذا المكان هم من الذين عشنا معهم في اليمن ، وفي كل جلساتنا وأحاديثنا … اليمن وعدن وعتق الحبيبة ، تتصدر أعز الذكريات يشوبها حنين وشوق حتى الى “ مرارة “ تلك الأيام وكل واحد هنا يرسم صوراً لكيف يلتقي بتلك الأرض مستقبلاً . فلا تبخلي عليهم بالعطاء ، وإمنحي هذا الشعب عصارة فكركِ وجهدكِ وأنقلي منا للذين أحبونا وإحتضننونا في محنتنا التحية والسلام والحب وأخصهم" اهل الرابعة " حياتي ام ظفر .
" إن حياتنا لاتزال تتسع لأغنية حب "
لقد كانت حياتنا وحبنا سمفونية رائعة تجسد فيها الخير والوفاء ، الإخلاص والعطاء . لم نقل كل شيء في حبنا الكبير ولم نفعل كل شيء لسعادتنا . " فأجمل ايام العمر لم تشرق بعد … وأنا لم أهمس في أذنيكِ اجمل ما اتمنى أن أهمس به " لايزال أمامنا العمر كله .. المهم اننا على الطريق الصحيح ، وان هذا الحب الذي يتجدد ويغتني ، دائم ابداً . فراقنا لم يكن بُعداً بمعنى الزمان والمكان ، وإنما كان شوقاً ملتهباً يذيب ما تبقى من روحينا ، لتُخلق روح واحدة . إنه تجربة جديدة ، إختبار جديد للعهد ، لصدقه .. سنلتقي حتما ونحنُ اروع ما نكون ، حبيبين الى الأبد... فلنغني اغنية جديدة لحبنا ، لمثلنا … لربيع حياتنا الجديد ..
لقد كانت رغبتي أن اسًجل لكِ بعضاً من خواطري وأفكاري التي تشغلني بين فترة واخرى في مختلف المجالات لتحتفظي بها للمستقبل وإن لم انفذ ذلك في هذه الرسالة ، فسأحاول ذلك في في رسائل قادمة . حبيبكِ ابداً ابو ظفر رسالة 25 ـ 6 ـ 1981
تحية حب وإعتزاز
ما دامت الكلمة المكتوبة هي الوسيلة الوحيدة في التحدث اليكِ وعنكِ ، فإني لن ابلغ امنيتي ابداً ، في أن تكون رسالتي المتواضعة ، صورة معبرة عن حبي لكِ ، فأنتِ إمرأة إستثنائية ، بحاجة الى كتب يُكتب عنها . ولشد ما يضايقني وانا معكِ أن حواسي بقيت خمسة ، لقد كنتُ بحاجة الى اكثر من ذلك ، حتى استوعبكِ ، حتى " أحفظكِ " حتى انفذ الى سر روعتكِ ، اي سر فيكِ … إني لستُ ادري .. كل ما فيكِ من الأسرار يغري أحبكِ … لاادري حدود محبتي . يقولون " وبعض الهوى كالغيث إن فاض خربا" أقول : "إن حبي كالنور إن فاض يأتلق "
أحس بفيض الهوى في نفسي ، يلغي المسافات بيننا ، ليجعل من خيالكِ طيفاً لا يبارحني كأنتِ … بكل ما فيكِ … الصمت ولغة العيون … دقات قلبكِ أستشرفها غمزات وإبتسامات مشرقة في وجهكِ ، حديثكِ المنساب كحفيف اوراق الشجر لهواء نيسان الربيع ، وفمكِ الوردي يفتر وانتِ تضحكين كقمر ، كم كنتُ مولعاً وعاشقاً لضحكة تكتميها أو تغرقين في إنشراح كحديقة مزدانة بالورد وبالزهور .
ما دامت الرسالة هي وسيلتي الوحيدة للإتصال بكِ في الوقت الحاضر ، فلن أعدم هذه الوسيلة ، وسأستمر ورغم جميع الظروف أن اكتب اليكِ ، فالمواصلة معكِ ( ورغم عدم كفاية هذه الوسيلة للوفاء بالتعبير كفاية عن مشاعري ) ، هي حبلي السري الذي يصلني بالحياة التي عشتها ، والتي انشد أن استعيدها واصبو اليها كأجمل ما تكون الحياة . لقد ضمًنتُ رسائلي تلك وصفاً لحالتي ، اشواقي اليكم ، مع بعض الأفكار والتصورات التي وجدتُ انه من المناسب ، أن تطلعي عليها على سبيل تبادل الخبرات بيننا . أن مسألة تبادل الرسائل بيننا مسألة حيوية لكلينا وذلك لعدة إعتبارات ومن الضروري أن تحرص على مواصلتها . ولكن بالنسبة لظروفي الخاصة والتي تدركيها جيداً ، قد لا ينتظم إرسالي للرسائل، فد تتباعد أو تتقارب المدة بين رسالة واخرى، أوقد تكون موجزة بشكل شديد وغير وافية بالغرض أو عكس ذلك ، المهم عندي ، إني سأستمر في متابعة إرسالها ، ليس من قبيل الواجب ، بل إني اجد القيام بذلك ضرورة داخلية تفرضها مشاعري وأحاسيسي . فأنا عند إنتهائي من كتابة رسالة اليكِ اشعر بسعادة غامرة ، لأني اكون قد إستطعت بشكل ما أن اجد الكلمات المناسبة للتعبير عن مشاعري وافكاري نحوكِ بشكل يريحني ويزيح عني توتراً نفسياً يسبق دائماً الكتابة اليكِ ، كما إني اجده قد أقترب وبشكل طيب للتعبير عن هذه الأفكار والمشاعر . أما بالنسبة لكِ، فظروفكِ افضل من ظروفي ، فواصلي ارسالها بغض النظر عن كثافة رسائلي، فشيء مهم وحيوي لي نفسياً وفكرياً أن أطًلع على اخباركم واتابع سيرورة حياتكم ، فهذا يجعل من معايشتي لكم اكثر واقعية ويبدد شيء من القلق الذي احسه نحوكم ، رغم ثقتي انكِ قادرة ، وكأحسن ما يكون ، أن ترتبي حياتكِ وحياة الأطفال ، ولكنه قلق مشروع لحبيب وزوج ورفيق واب ، وارجو أن تعذريني لذلك . وجواباً على سؤالكِ حول إمكانية لقائنا في الشهر الثامن في دمشق ، اقول لكِ وبأسف شديد ان ظروف عملي لا تسمح بذلك في الوقت الحاضر . أتمنى أن يكون لقائنا على ارض الوطن الحبيب ، بعد أن نطًهره من دنس الأشرار وبعد إنتصارنا الناجز على الفاشست الذين ساموا شعبنا العذاب والخراب … فإصبري صبراً شيوعياً وان غداً لناظره قريب . " إنتظريني سأعود … إنتظريني ، عندما الأمطار الصفراء تشيعُ الحزن ، إنتظريني عند عصف الثلج ، إنتظريني ، في القيظ ، إنتظريني ، عندما لا ينتظر الآخرون أحداً ، إنتظريني حين لا ترد الرسائل ، من الأصقاع النائية إنتظريني عندما يمل كل من ينتظر سوية ، معكِ ! *********
إنتظريني سأعود ، لا تتمي الخير لكل من يردد عن ظهر قلب ،انه قد آن الآوان للنسيان ! دعي الأبن والأم يثقان ، إنني لم اعد موجوداً ، ودعي الأصدقاء يكللون إنتظاراً ويتحلقوا، حول النار ، ليحتسوا الخمرة المريرة … في ذكراي … لكنكِ انتِ إنتظريني … ولا تستعجلي إحتساء الخمرة معهم . إنتظريني ، سأعود ، برغم كل الميتات دعي كل من لم ينتظرني يقول محظوظ " أتمنى أن يكون جدول قراءاتك حافلاً بالمواضيع المفيدة ، مع تقديري لظروفكِ وإنشغالك الدائم ، ولكن الإهتمام بهذا الجانب ، لا يفترضه كون المرء حزبياً فقط ، وإن كان ذلك سبباً أساسياً، بل أن طبيعة الحياة وسرعة تطور الأحداث يفرض الإرتقاء دائماً فكرة وخبرة حتى لا تسبقك التطورات ولكي تكون إستنتاجاتك وطروحاتك في مستوى الحدث دائماً ، هذا من جانب والجانب الآخر ، ان المجتمع ، أفراداً وعلاقات في تغير مستمر وبحاجة الى فهم جديد ، إسلوب متجدد في الحديث والتامل ، ولا ينهض بكل ذلك سوى إطلاع دائم وخبرات حياتية جديدة . ويمكنني أن اوضح ما قلته بمثل شائع من الحياة : إن النقود المتداولة ، لكي تكون ذات قيمة حقيقية ، لابد أن يكون لها "غطاء “ يتمثل بما لدى حكومة البلد المعني من إحتياطي من ذهب وعملات نادرة ، هذا المثل الشائع والبديهي من الأقتصاد ومع إختلاف مجال الإستعمال ، يمكن الأستدلال بمضمونه لتوضيح مسألة الفكر وإنتاج الأفكار . فالفكرة التي تخرج من رأس إنسان لكي تكون ذات قيمة حقيقية فعالة ، فلابد أن يكون لها غطاء ، غطاء ثقافي مناسب ، يمثل قاعدة لبناء هذه الفكرة أو الأفكار ، وبالعكس ، فإذا كان إنتاج الأفكار اكبر من الخلفية الثقافية الداعمة لها ( المتمثلة بإطلاع جيد على الواقع الملموس مع حصيلة ثقافية من خلال المطالعات المختلفة ) وأسرع من عملية بناء هذه الخلفية ، تظهر جملة من الأفكار التي يمكن أن نقول عنها قولاً فارغاً … نقود بلا غطاء .
بمناسبة عيد ميلاد ظفورة ، أقام لي الرفاق هنا حفلة صغيرة لكنها رائعة ، أشعلتُ فيها الشموع ووزعتُ الحلوى وغنينا جميعاً الأغنية الحبيبة الى قلبي “: " ليلم ليلم ليم لاد ما أحلى أعياد الميلاد كلما يولد طفل جديد تطلع شميسة ببغداد " غنينا والدموع في مآقينا ، فرحاً وأملاً وطيداً بأطفالنا زهور الحياة ، شباب المستقبل . ولقد كتب الرفاق بطاقة بهذه المناسبة ارفقها مع رسالتي هذه ، وهي هدية لظفورة الحلوة . إنقلي لها تحياتي الحارة وأمنياتي لها بعمر زاهر مديد ، مع شوق جارف لتقبيل خديها ، لضحكاتها ، لحركاتها البارعة ، وهي تشد من شريط ظفائرها وترتب شعرها ، لها وهي تعدً حقيبتها للمدرسة ، لتقطيبتها … ولتعذرني ، لأني لم احظر إحتفالها بعيد ميلادها، أظنها كبيرة لتفهم ، إني احبها وارجو لها السعادة . مع تحياتي و أشواقي الحارة ليسار الحبيب ، والذي ارجو ان تنقلي له تهنئتي وامنياتي بمناسبة عيد ميلاده ، ولا تبخلي عليً بنشاطاتهم وسوالفهم ، كما ارجو أن تبعثي لي شيئاً من رسوماتهم . حبيبتي ... فرحي بلا حدود وانتِ تخبريني في رسائلكِ انكم تقضون وقتاً طيباً ، وهذا مرتبط بمعنوياتكِ العالية ، وطريقتكِ الديناميكية في التعامل مع الحياة وشجاعتكِ ، وبأنكِ لم تعرفي اليأس في حياتكِ ابداً ، وقد إستطعتِ أن تذللي جميع الصعوبات التي إعترضت طريقكِ من الحب الى الحزب بصبر عظيم . وأن معنويات الأطفال عالية وانهم يذكروني بفرح ، فالسبب انتِ ، وانتِ دائماً وهذا ما يجعلني اعيد ما اقوله دائماً إنني محظوظ بكِ يا ام ظفر . ليس أطفالنا فقط من هم بحاجة الى معنوياتكِ العالية ، بل الآخرين من الرفاق والرفيقات هم ايضاً بحاجة لكِ ، لأن تبددي اليأس والتشائم الذي يخيم على نفوسهم احياناً ، هذا اليأس والتشائم الذي نحن بحاجة الى طرده من نفوسنا في الوقت الحاضر ، والذي قد تخلقه ظروف الغربة … وليفهموا انه ينتظرنا مستقبل زاهر ، وعملنا عظيم ومتصاعد في إتجاه تحرير الوطن من كابوس الديكتاتورية . وصلتني رسالة من ابو انجيلا انقل اليكِ المقطع الذي كتبه بحقكِ: " .. لقد رأيت العزيزة ام ظفر ،عبر كل عبارة ، انها تلك الأم التي تضم طفليها ، تاريخاً للزمن الآتي وبشجاعة إمرأة الشيوعي تعي المدى الذي تجمع فيه كل آيات الحنين والذكريات والأيام الأولى وأزقة المدينة وعباءات نسائها … وحقائب التلميذات وأحداقهن … ومسؤولية المناضلة التي تحلم بالسخاء ولا تبخل وتعطي للوفاء قرنفلاته …. وفاءً للزوج ، وللأحبة وللدرب . أهنئك رفيقي من جديد .. وجديد على مسافة التقاطع واعني بها على وجه الخصوص هذا الترابط الرائع الذي لمسته عن وعي عند الرفيقة ام ظفر ، أشدً على أيديكم بلهفة ومحبة ."
قبل فترة كتبتُ شيئاً ، خاطرة ، ليست شعراً ، وإن كانت بداية لمحاولات ، ولكنها ليست نثراً انقلها اليكِ :
جاوزتُ الثلاثين إختط الشيب شعري لكن قلبي لم يفارقه فرح السنين أنذرها … هذه السنين من عمري وهذا القلب وما تبقى يصبح واحد ، أنهض من نومي أراكِ ، وجهكِ المستدير ، حلواً رائقاً ، كأيامي التي مضت أتأملك ، وأجفانكِ تحتلج كفراشات ، تطردين النوم كالشمس ، في إشراقها تحيطني البهجة حبيبتي … صباح الخير... وأنتَ … في كل مرة … قبلة على الشفاه تنير الصباح تمنح صباحي معنى تكاثر الشيب في لحيتي ولكني وإن جاوزت الثلاثين أحس بأني قوي لا اصدق أن تاريخي له كل هذه السنين أ لأن حياتي حلوة ؟ أ لأنني احبكِ ؟
******* من أجل إغفاءة منكِ على ذراعي … احب الحياة وأتنظر … إنتظريني يا حبيبتي لقد كنتُ محظوظاً بكِ دوماً عطشُ للقياكِ محظوظ ، إني سأراكِ إنتظريني … لا .. لم نفترق .
رسالة 29 ـ 7 ـ 1981 كردستان حبيبتي ام ظفر …
" أين مني مجلس انت به فتنة تمًت سناء وسنى وأنا حب وقلب ودم وفراش حائر منك دنا " لم بيقى على العيد إلا أيام وانا بعيد عنكِ ، كلي شوق لتقبيل عيونكِ ، التي نام فيها النور ، لضحكاتكِ وإشراقة الحياة على ثغركِ الجميل ، للحنان الملائكي ، للعشق الذي يتفتح ورداً ويتفجر انوثة ، للذكريات التي تعيش في داخلي بلا قرار ، لكِ كلية الوجود ، بلا جدال . من ارض وطننا الحبيب ، أهديكِ اجمل تحية ، مطرزة بالأمنيات الوردية لكِ ولإحبائي الصغار ظفر ويسار ، ونحن على ابواب عيد رمضان ، آمل ان تكونوا جميعا بصحة جيدة ، سعداء في حياتكم ، التي هي حياتي . صحتي ممتازة ، ولكن آه من البرغوث ، الذي تغزوني منه ليلاً أعداد لا تُحصى . أشتاق لرؤية عدن كما اشتاق لمدينتي ، مدينة البطولة والعطاء . كان بودي أن اكتب ليسار في بطاقة التهنئة هذا المقطع من قصيدة لناظم حكمت والتي عنوانها "رسالتي الأخيرة الى إبني محمد “ : إبني ! لا تعش في دنياك مستأجراً كمن جاءها ليصطاف … عش دنياك ، كأنها بيت ابيك ثق بحبة القمح ثق بالأرض ثق بالبحر ولكن ، ثق اكثر من ذلك ـ بالإنسان حب الغيوم ، الإله ، الكتاب ، ولكن اكثر من ذلك حُب الإنسان أحسس بحزن الغصن الذي يجف ، بحزن النجمة التي تنطفيء بحزن الحيوان العليل ولكن، أحسس قبل ذلك بحزن الإنسان كل نعمة في الأرض تعطيك السرور النور والظلمة ، يعطيانك السرور ، الفصول الأربعة تعطيك السرور ولكن الإنسان … أعظم ينبوع لمسراتك .
رسالة 15 ـ 5 ـ 1983 (بعد احداث بشت آشان المأساوية )
تحية حب وإعتزاز وشوق جارف للقاء بكم .
أكتب لكِ هذه الرسالة مع الإعتذار مقدماً على الإيجاز ، لأنها كُتبت على عجالة ، وللأسباب آنية . لقد رغبتُ أن ازيل القلق عنكِ ، والذي قد ينتابكِ بسبب الأحداث المأساوية التي وقعت على قاعدتنا بسبب الهجوم ــ المؤامرة المدبرة من قبل السلطة البعثية الفاشية وزمرة الإتحاد الوطني الكردستاني في أيام 2 ـ 3 أيار 1983 ، والتي راح ضحيتها عشرات من الرفيقات والرفاق شهداء وأسرى وجرحى ومفقودين من حزبنا واحزاب جود الأخرى ، بعد مقاومة بطولية من قبل الرفيقات والرفاق عن القاعدة ، وبالتأكيد ستتعرفين على تفاصيل الحادث من الحزب لاحقاً خرجتُ قبل أيام الى إيران بسبب هذه الأحداث ، ولم امكث هناك لإكثر من عشرة ايام ، إنشغلتُ خلالها ولم استطع الكتابة اليكِ من هناك .إن رسالتي هذه اكتبها اليكِ من أرض الوطن، وبعزيمة اكبر على مواصلة النضال لإلحاق الهزيمة بعدونا الطبقي وحلفاءه الأوغاد ، وأخذ الثأر من الذين سفكوا دماء رفيقاتنا ورفاقنا . وبهذه المناسبة أنعي اليكِ الرفيقة عميدة ، حيث استشهدت ببطولة تثير الإعتزاز ، وكذلك الشهيد الرفيق ابو يحيى ، من الذين تعرفيهم وغيرهم من الشهداء . بعثتُ لكِ رسالة قبل حوالي اكثر من شهر ، اتمنى وصولها اليكِ ، بضمنها صورتين لي ، كما بعثتُ في نفس الوقت رسالة للأطفال عن طريق عنوانكِ . تصلني رسائلكِ بإنتظام مع الصور التي ترسليها ، وآخرها رسالتكِ في 17 ـ 3 ـ 1983 وبداخلها كارتات المعايدة وصورتكِ الرائعة وانتِ تمسكين الأوراد في عيد ميلاد حبنا ، وكأن الورود تمسك بكِ ، وردة لا اجمل ولا أحلى ! واصلي إرسال رسائلكِ لي على نفس العنوان، فأنا بحاجة الى كلماتكِ وأخباركِ . سأوافيكِ برسالة اخرى قريباً حال إستقراري في موقع عملي الجديد . تحياتي الحارة لجميع الرفيقات والرفاق. مع الأكيد إني بصحة جيدة جداً وإنني في المواقع حيث يتواجد المناضلون والثوار . قبلاتي الحارة لكِ حبيبكِ ابو ظفر
رسالة 25 ـ 5 ـ1983
الحبيبة الغالية ام ظفر .. الف سلام واشواق حارة ابعثها لكِ من ارض الوطن الحبيب ، اتمنى ان تكوني في احسن حال ! بعثتُ لك رسالة قبل ايام ، اتمنى وصولها اليكِ . صحتي جيدة جداً ، وامورنا لابأس ، المعنويات عالية جداً ، رغم الخسائر الكبيرة التي منيت بها قاعدتنا ، كما سمعتِ ، وتصميمنا على أخذ الثأر من المجرمين الذين تحالفوا مع الفاشست في بغداد وسببوا لنا هذه الكارثة ، كبير جداً وراسخ . أود أن أخبركِ بأن تؤجلي سفركِ الى ناحيتنا في كردستان وحتى إشعار آخر ، ويا حبذا ان تحصلي على عمل في دمشق أو اليمن بلإتفاق مع الرفاق هناك ، وان تستقري هناك ، ولا تقلقي من ناحيتي ، فأنا لا استطيع اللقاء بكِ حالياً خارج كردستان بسبب ظروف نضالنا ، الذي سيكون طويلاً ومريراً، ولكن نهايته النصر الكبير ،حبث التفائل به رغم الهزيمة المؤقتة التي منينا بها ، يملأ جوانحنا ، ويدفع بنا للعمل بجدية اكبر .
سأوافيكِ برسائل اخرى لاحقاً ، إستمري في مراسلتكِ لي ، اتمنى أن احصل على رسائل وصور من الأطفال وكذلك صور لكِ . لاتصدقي الأكاذيب والإشاعات التي تبثها العناصر الخائنة والجبانة التي تركت ساحة النضال والتي تقطن دمشق حالياً ، حول الحزب ونضاله ، فكل شيء لايزال بخير ، وعزيمة الرفاق والرفيقات فولاذية . وأخيرأ تحياتي للرفيقة ام رائد ، التي تسكنين معها ،فقد اخبرني زوجها انكم منسجمون جداً ، مع تحياتي للأحبة ابو أنجيلا وعائلته وام محمود .يخصكم من هنا بالتحية الرفيقات والرفاق وعلى الأخص ابو ربيع وابو جواد .
والى لقاء في رسالة اخرى .
حبيبكِ المخلص ابو ظفر رسالة 29 ـ 6 ـ 1983
رفيقة الدرب ، حبيبة القلب … ام ظفر
أخط اليكِ رسالتي هذه على عجالة .. وأحملها أشواقي وحبي السرمدي ، وقبلاتي لعينيكِ الجميلة … من وسط الأحداث وتعقيداتها ، ومن قرية إيرانية ، لا اعتقد أن بإمكانكِ أن تجدي لها مكان في الخارطة ، .. اكتب هذه الرسالة مشحونة بالدموع والإبتسامات والضحك المجنون … مذيلة بالمآسي ، والآمال والحلم بغد سعيد . لقريتنا هذه اسم ، ونحن نسميها إسماً آخر … نسميها " سرجيناوة " نسبة الى كثرة ما موجود فيها من"سرجين" أي "مُطًال" حيث اهلها مشغولون طيلة اليوم بصنع " المُطال " للشتاء … على إعتبار أننا نعيش الآن صيفاً ، ولا يمكننا النوم إلا في الغرف أو الخيم وبإستعمال " بطانيتين"…
وبالتأكيد وصلتكِ أخبار مأساة الهجوم البربري الذي قامت به قوات الإتحاد الوطني الكردستاني بالتعاون مع السلطة الفاشية على قاعدتنا ، الهجوم الذي راح ضحيته اكثر من 60 شهيدة وشهيد من خيرة الرفاق … كانت كارثة حقيقية اصابت الحزب … ولكن إرادة الرفاق أقوى من إرادة الأعداء … والجميع يعمل على رد الصاع صاعين ، وإن لناظره قريب … كنا قد أفلتنا من التطويق والإبادة بإعجوبة ، وإستطاعت بقية القوات الإفلات والنجاة لمواصلة النضال . بعثتُ لكِ عدة رسائل و اوكد لكِ في رسالتي هذه ، ضرورة بقائكِ خارج العراق نظراً لتعقد الظروف حالياً ، وحبذا لو حصلتِ على عمل في دمشق أو عدن ، وبإمكانكِ أن تستبقي اطفالكِ معكِ … إلتقيتُ بعدد من الرفاق الذين كانوا في دمشق ، وأخبروني بأنكِ تعيشين في احسن حال ، والجميع معجبين بشخصيتكِ … وقد افرحني ذلك .. أتمنى أن تكوني بصحة جيدة ، وأن تستمتعي بوقتكِ . لا يمكنني اللقاء بكِ في الوقت الحاضر لإسباب معينة ، وسأحاول ذلك مستقبلاً حالما تسنح الفرصة … ارجو أن تكون معنوياتكِ وخاصة في هذا الجانب بمستوى الأحداث .. وسيحدثكِ الرفيق حامل الرسالة عن الظروف التي أعيشها . نذكركِ دائماً في أحاديثنا مع ابو جواد وابو ربيع وابو علي وام علي وغيرهم وهم يحملوني اجمل التحيات اليكِ .
الشيء الذي اعزه في نفسي ، إني ورغم صعوبة الظروف ، لم افقد مرحي وبأن ثقتي بكِ وبحبكِ لي خالد ، وبأنه دافع كبير لي في مواجهة هذه الظروف للتغلب عليها .
وسيخبركِ حامل الرسالة تفصيلياً عن كل شيء يخصني . أتمنى لكِ السعادة
ومع حبي وقبلاتي الى اللقاء في رسالة قادمة
حبيبكِ ابو ظفر رسالة 12 ـ 9 ـ 1983
الحبيبة الرائعة ام ظفر … تحية الحب الخالد والإعتزاز الذي لا يعرف الحدود . من شوقي الأخضرللعيون الضاحكة ، للشباب المتجدد ابداً
امس وصلتني رسالتكِ المؤرخة في 27 ت 7 ـ 1983 وبضمنها صوركم ن وكان وصولها فرحة العيد ، الجميع يعلم لحظتها إني اعيش الفرحة الكبرى. كنتُ اتخيلكم جميعاً كيف تعيشون في اجواء موسكو الجميلة ، إنشرح قلبي لأنكم تعيشون حياتكم بروعة وانكم بهذه المعنويات العالية . ارجو أن يصلني المزيد منكِ حول هذه الرحلة الجميلة وكما وعدتيني .
حبيبتي ، ارسلتُ لك قبل هذه الرسالة عدد من الرسائل ، أكدتُ لكِ فيها ضرورة بقائكِ خارج القطر وضرورة عدم مجيئكِ الى كردستان ، وذلك لأننا نمر حالياً بظروف مستجدة وصعبة جداً ، ولكن من المهم أن يكون لديكِ العلم أن الجميع هنا يتمتعون بمعنويات عالية وإن الإصرار على مواصلة المسير رائع وعنيد رغم الخسارة الكبيرة التي قدمها الحزب ، من كوكبة الشهداء الإحدى عشر في معركتنا الثانية مع الإتحاد الوطني الكردستاني المجرم واعوانه،وإنسحابنا الثاني من مواقعنا الى الأراضي الإيرانية. من هولاء الشهداء من تعرفينهم سابقاً وهم ملازم حسان ( ابو اماني ) ، ابو خلود ( صامد الزنبوري ) ، وضاح (صباح إبن عم ابو ريما ) وآخرين قد سمعتِ بهم منهم الدكتور عادل، الرفيق ابو ليلى ( نزار ناجي ) ، ملازم جواد وغيرهم آخرين . لقد استشهدوا بعد أن قاتلوا ببطولة نادرة ، أحنى لها الأعداء قبل الأصدقاء رؤوسهم ، وكانوا مثار فخر وإعتزاز من الجميع . حبيبتي .. بالنسبة للقائنا ، فكل ما ارجوه هو أن تدركِ إني في إشتياق لا يوصف لهذا اللقاء ، ولكنكِ أقرب الناس الى فهمي ومعرفة اسلوبي في التعامل مع قضايا الحزب . إننا نمر بمرحلة حرجة جداً وهذا يتطلب جهود مخلصة تماماً لتلافي اية مخاطر ، وبالتأكيد فإن ذلك يتطلب بقاء من يهمهم الأمر في مواقعهم النضالية . ولكن كوني على ثقة بأني سألتقي بكم عند وضوح اية فرصة ممكنة ، ودونما تعارض مع أدائي لواجباتي أو الإخلال بشرف الأداء . إن ثقتي عالية جداً بصبركِ وإن جزء من واجبكِ إتجاه الحزب والشعب في إعتقادي ، هو الصبر ، الذي انتِ كفوءة في التحلي به ، بل وبتربية الآخرين من الذين مسهم ضعف أو تردد في هذا المجال . أحاول جاهداً أن اعيد صياغة أفكاري وتلخيصاتي في دفتر صغير احتفظ به ، عاودتُ كتابة يومياتي ولكن بإختصار . حبيبتي : ارجو ان تطلعيني على الوضع الدراسي للأطفال وعن تقديرات مدرساتهم لهم إن كانت بحوزتكِ لن هذا يمتلك عندي اهمية خاصة حول ذكائهم وقدرتهم على التكيف .
كما اتمنى أن تلتقي باهلكِ في دمشق ، وارجو أن احصل منكِ على اخبار تفصيلية عن حياتهم وكذلك عن حياة اهلي . اعتقد ان عدداً من الرفاق قد وصلوا ناحيتكم في دمشق خارجين من كردستان ، ومن رفاق أعزاء ، ابلغيهم تحياتي الحارة ويمكنكِ أن تستحصلي منهم اخبار وصور عني . ارجو ان تواصلي القراءة واتطلع الى ان نتبادل الأفكار حول ابرز ما قرأتيه ، كما اتمنى ان تحافظي على صحتكِ ،لأن هذا شيء أساسي لكي تواصلي عطائكِ لمن تحبيهم ومن احبوكِ . تقبلي من هنا تحيات الرفيق ابو ربيع ، اما الرفيق ابو جواد فإنه الآن في موقع نضالي آخر ولكنه بصحة جيدة تحياتي الرفاقية للرفيق ابو انجيلا وعائلته وكذلك للرفيقة ام محمود وام رائد .
حبي لكِ أشواقي اليكِ والى لقاء جديد في رسالة جديدة
حبيبكِ ابداً ابو ظفر رسالة 28ـ 8ـ 1984
الحبيبة ام ظفر... تحية الحب والإخلاص ابعثها لكِ وأتمنى أن تكوني والأطفال بأحسن حال . أولاً اعتذر لقصر الرسالة ، فقد كتبتها على عجل ، وثانياً حاولتُ الإتصال بكِ تلفونياً لإكثر من ساعتين ، فلم افلح ، وقد اسفتُ لذلك . أعيش ذكرياتكم في كل لحظة ، يختلج قلبي بلإمتنان لكِ لكل ما عملتيه إتجاهي ، فقد كنتِ مثال الحبيبة والزوجة الوفية ، لم تدخري جهداً ، وأطرتِ أيامنا بصدقكِ وإخلاصكِ .
يقتحم الرتابة ، سؤال .. اية آصرة عظيمة تؤطر هذه العائلة الصغيرة … عائلتنا التي تتوزع الكرة الأرضية ، نتقاسم الإضطهاد ألوانا من الغربة والفراق والألم ، وترد على الظالم كيده بنكران ذات وبالصبر وبعشق لا ابهى للوطن والشعب والحزب... تتبخر الرتابة امام الجواب … إنها آصرة الحب العميق والحقيقي للحياة … نتقاسم الغربة والفراق والألم ، لكننا نلتحم بالحب ، بالمباديء السامية …
أعيش حياتي بهدوء ، امارس رياضة عنيفة كل صباح لمدة ساعة ونصف ، قراءاتي قليلة ، أحاول التكيف من جديد لحياتي الحالية ، تواجهني بعض الصعوبات الذاتية كالضجر والملل والرتابة ، احاول التغلب عليها بصبر ، وأشعر إنني اقوى يوماً بعد يوم ، وإن قناعاتي أكثر وضوحاً ورسوخاً وإن حبي لكِ .. لكم اعظم ، تشدني رغبة عارمة لدخول الوطن للمساهمة في النضال بقسط اكبر من ذي قبل مملوء بالأمل ، راسخ الثقة بالإنتصار مستقبلاً ، احلم بلقاء دائم معكم … سأوافيكِ برسالة اخرى قريباً ، اتمنى أن لانتأخر طويلاً في مكاننا الحالي . مذهول لوداع ظفر لي ، لقد كبرت ونضجت لديها بنوًة رائعة . تحياتي للجميع وأمنياتي لكِ الوصول بسلامة الى عدن الحبيبة .
حبيبكِ ابداً ابو ظفر رسالة 3 ـ 9 ـ 1984
حبيبتي الرائعة ام ظفر... تحية الحب والشوق … مرة اخرى يا حبيبتي ، ومن اجل القضية والمباديء التي أطًرت حبنا الخالد ، يعود الفراق الذي فصل بين جسدينا ، يؤكد من جديد إن روحينا أكثر إلتحاما وإنسجاما ، وإن الشوق للقاء بكِ هو حلم دائم وأمنية لسني عمري المقبلة . إن الرائع والأصيل في حبنا ، يا حبيبتي ، هو أننا إستطعنا نحن الإثنين ، أنتِ وأنا ، أن تحافظ في زمن الفراق أو اللقاء ، على معادلة حياتنا بين ما هو خاص بشخصينا ، حبنا ، وبين ما هو عام بمبادئنا السامية التي نؤمن بها وننضال في سبيلها … فأن أكون حبيبا وزوجا وأبا ، وفي نفس الوقت عضوا في حزب شيوعي يناضل في أصعب الظروف ، وأن أؤدي مهماتي بكفاءة وبنجاح في كلا المجالين … فذلك ليس بالأمر السهل ، في مثل هذا الزمان الرديء ، فهو يتطلب قدرا كبيرا ، بل رسوخا في القناعة والصدق والإخلاص والوفاء والتضحية ، وإذا كنت أعترف بذلك ، فإني أعترف ايضا بأن القسط الأكبر في ذلك يعود لكِ ، لشخصيتكِ … فأنا احسد نفسي على إني إلتقيتكِ واحببتكِ وتزوجتكِ وأنجبتُ منكِ، وبأني سأعيش معكِ لإلف الف عام قادم … مائتان واربعون يوما هي عمر لقائنا الأخير ، مرًت كلحظة خاطفة من عمرنا، ولكنها لحظة مشحونة بأريج الحياة لتصبح جنة وارفة الظلال من الذكريات الجميلة ، تنتزعني في كل حين من عالمي الصعب لتلقيني في أحضانها ، فأشعر بطمأنينة وتفاؤل بمستقبلي ، فإليكِ يا حبيتي أحني رأسي ، إكبارا لوفائكِ وصبركِ وإخلاصكِ لحبنا ولمبادئنا السامية . حبيبتي ام ظفر .. أحاول برغم حالة الضجر التي تنتابني بسبب إفتراقي عنكم ولحالة الرتابة التي أعيشها ، أن أضع برنامجا لحياتي ، أواجه صعوبة في تطبيقه . أمارس الرياضة لمدة ساعة الى ساعة ونصف يوميا ، وكالعادة أوى الى النوم ما بين التاسعة والعاشرة مساءً . قمتُ بجرد وترتيب كميات كبيرة من الأدوية والمعدات وإعدادها للنقل ، قراءاتي قليلة نسبيا ، أحاول جاهدا الإكثار منها وتنويعها ، أركز حاليا على القراءات الفلسفية والإقتصادية بالإضافة الى قرائاتي الطبية . تغذيتنا جيدة قياسا لما كانت عليه عام 1981 ، نعيش بإنسجام مشدودين الى اللقاء بأرض الوطن . نستمع بشكل يومي الى إذاعة حزبنا وإذاعات الأحزاب الكردية ، وقد نقلت إذاعة الحزب الديمقراطي الكردستاني ومنذ أيام متتالية أخبار عن هجوم واسع تشنه السلطة الغاشمة من جيش وجحوش على قوات الأنصار في قاطع باهدينان وحسب ما تنقله الإذاعة ، فإن الهجوم كان قد بدأ منذ 28 ـ 8 ـ1984 ولايزال مستمرا حتى تارخ كتابة هذه الرسالة . وتقول إذاعة الديمقراطي ( رغم عدم تعليق إذاعتنا على هذه الأخبار ) أن الهجوم قد فشل في تحقيق مآربه رغم إستمراره ، وإن الجيش والجحوش تكبدوا 85 قتيلآ وحوالي 181 جريحا وكانت الخسائر في صفوف قوات جود قليلة جدا . نحن قلقون من هذه الأخبار بالرغم من عدم تأكيد الحزب لها ، سيما وأنها أعقبت تصريح المجرم نعيم حداد ،والذي نشرته جريد العراق ، والذي يهدد فيه حزبنا ويتوعد بأعمال إنتقامية . وبرغم قلقنا من هذه الأخبار ، إلا أن جميع الرفاق هنا متحمسون للعبور والمساهمة في القتال ضد الفاشية . حبيبتي ام ظفر .. أنا بإنتظار أخباركِ واتمنى أن تسعدي في ظروف حياتك الجديدة وأن توفي بالوعد الذي قطعتيه على نفسكِ من تواصلي الترجمة وأن تنجزي كتاب جيورجي ديمتروف وحلمي أن أحصل على نسخة من هذه الكتاب . كما ارجو أن تضعي لكِ برنامجا للقراءة وإعتني بصحتكِ ليس لنفسكِ بل وايضا لنا نحن الذين لا نقدر على العيش بدونكِ . تحياتي الحارة للرفاق والرفيقات جميعا وخاصة الرفيق ابو شهاب وبشرى وام نهران وام نورس ومعروف وابو عهد وعائلته والرفبيق هادي احمد ناصر وعائلته والرفيق حسن السلامي وعائلته والعزيز ابو اشرف وعائلته والرفيق بكير وكل الطيبين . والى لقاء قادم في رسالة جديدة المخلص حبيبكِ ابدا ابو ظفر
وفي ليلة العبور في 27 ـ 9 ـ 1984 ارسل لي هذه الرسالة الموجزة والتي وصلتني بعد إستشهاده :
كما وصلتني بعد اكثر من ربع قرن على إستشهاد ابو ظفر ، رسالة كان ابو ظفر قد ارسلها الى ظفر ويسار عام 1983 مع النصير ابو امير ليرسلها لهما من طهران .أرسل ابو امير الرسالة لكنها عادت اليه بسبب خطأ في العنوان . لم يرمٍ ابو امير الرسالة ، بل إحتفظ بها وطافت معه في المنافي . وفي الذكرى الخامسة والعشرين لإستشهاد ابي ظفر ،عرف ابو امير عنواني ، فسارع بإرسالها اليً .أرسلها ذاتها بنفس التأريخ ونفس الورق الذي كتب فيه ابو ظفر رسالة لي … وصلتني لكن حبيبي أبا ظفر لم يصل حتى لو كان في نعش لأطبع على جبينه ملايين القبلات التي إدخرتها له ولإخبره أن “ بلقيسه “ ستبقى كعهده بها : سادنة محرابه وحارسة طيور أمانيه وأحلامه وأنها ستبقى الأب والأم لظفر ويسار: تزق لهما مكارم اخلاق ابيهما وخبز مروءته وعبير شهامته .وهذه رسالته التي ارسلها الى ظفر ويسار عام 1983 .
وصلتني آخر رسائل ابي ظفر : الحبيب ، الزوج ، الصديق ، الرفيق ، الأخ ، الأب والتعويذة التي حملتها ـ سأبقى أحملها ـ في معركتي العادلة ضد القهر والظلم والزيف والقبح والتعسف والإستبداد إنتصارا للحق والإنسان والوطن والشرف ولكل ما هو إنساني مشرق …
لم يمت ابو ظفر رغم اعداء الحب والجمال والحياة قد ضرجوه بدمه الزكي وأخفوا قبره في مكان ما من الوطن الذي ارخص ابو ظفر حياته من اجله … هو حي في ضمير النضال وفي لوح الخلود … لم يمت حبيبي … ها هو ينبض داخل قلبي .
#بلقيس_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب لك تنحني الجبال 8 ملاحظات عابر سبيل
-
كتاب لك تنحني الجبال من يوميات ابي ظفر
-
لك تنحني الجبال من خواطر ابي ظفر 6
-
لك تنحني الجبال ابو ظفر الانسان 5
-
لك تنحني الجبال تواضع الشجعان
-
لك تنحني الجبال البحث عن المعرفة
-
لك تنحني الجبال شذرات من حياته
-
لك تنحني الجبال
-
ابا ظفر .. في ذكرى ميلادك
-
الذكرى الخامسة والثلاثون لاستشهاد الدكتور ابو ظفر
-
أبا ظفر .. أنت قصيدة الحياة
-
حكاية حب
-
أبا ظفر .. تركت بصمتك في سجل المجد والخلود
-
مدينة الثقافة الثقافة في قلب المدينة
-
الهدف واحد
-
عالم جين اوستن
-
نموذج رائع
-
سجينة الماضي
-
أقوال أعجبتني
-
ثلاثة وثلاثون عاما على اغتيال انديرا غاندي
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|