|
محمد رمضان يعيد المشاهد العربي إلى الشاشة المصرية ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6567 - 2020 / 5 / 18 - 14:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ بادئ ذي بدء ، بل هو إعتراف شخصي قبل أن نفتح قوساً واسعاً ، بصراحة متابعتي للمسلسلات بشكل عام تحمل طريقة المرور عليها لا أكثر ، لكن الذي جعلني أتوقف وقوفاً طويلاً عند مسلسل البرنس ، بطولة محمد رمضان وتأليف وإخراج محمد سامي ، الذي بدوره الأخير أعاد طباعة واقعة النبي يوسف من القرأن على جوهر حكاية مسلسله ، تلك الهجمة العشوائية التى ثارت عندما مزق ورمى بطل المسلسل جواز سفر بلاده ، على الفور عرفت بأن العمل يرتقي إلى درجة المتابعة ، وطالما جيش الفاشلين حشدوا حشدهم للشوشرة عليه ، إذن العمل ناجح والفاشل كما عوُد البشرية بالمفاجئات ، لا يستطيع أن يحقق النجاح ، إلا إذا أفشل الناجح ، ولأن أي عمل جيد يصنع بدوره عمقاً في ذهنية المتلقي ، وبالتالي هنا أعتقد ، الدروس القاسية وحدها كفيلة في تعليم الإنسان بصفة عامةً ، وهذا ما أحسست من خلال متابعتي لمسلسل البرنس ، بل في الواقع ، ما لفت انتباهي أكثر هو عدم إكتراث محمد رمضان لما قيل ، وبالتالي ، صنع الرجل كما يفعل كبار الشخصيات في الفن العالمي ، لأن عندما ينجز الممثل عملاً ، تكون بالتأكيد لديه أجوبة على كثير من التساؤلات المشروعة أو الكيدية ، لكن الأفضل إخفائها ، لأن وظيفة الممثل ليست الدفاع عن العمل ، بل ترك العمل للمشاهد أن يبحر بخياله الحر كما يشاء ، فالسكوت في هذه الزاوية له مقاصد ، ولأن أيضاً الممثل ، مجرد قبوله للإجابة عن الأسئلة ، يعيد من أول وجديد كتابة السيناريو ( النص ) ، وهنا يفتح ما كان مغلق وبالتالي تتبدد الفكرة الأصلية .
أهمية مسلسل البرنس ، أنه يحمل صفة المغناطيس التى تشد المشاهد على تتبع خيوط الحكاية لدرجة يصبح شريك حقيقي في مجريات الاحداث ، عكس المسلسلات الأخرى ، بل يوقع المشاهد في فخ الانتظار اليومي ، بالرغم من أن العربي في العقد أو العقدين السابقين ، لم يعد متمسكاً كثيراً بالشاشة العربية وبات يحلق في فضائيات أخرى ، يهبط تارةً في فضاء التركي أو بالأجنبي أطواراً ، وبالتالي ما أعّتقده شخصياً ، بأن محمد رمضان في هذا المسلسل أمتحن نفسه قبل كل شيء ، نعم تحديداً هذا العمل ، بل لا أظن ولا أرجح بقدر أنني أجزم بأنه في ( البرنس ) بات يتعرف على نفسه أكثر وبات المشاهد يعرف من يكون محمد رمضان ، وهذه الحكاية لها علاقة بحجم الثقة التى تظهر تدريجياً ، فهنا الثقة ظهرت بشكلها الجلي وأكثر من الماضي ، وأيضاً يعود ذلك لكاتب النص ، الذي لاحظ بأن جميع الأعمال السابقة كانت في كينونة الحذر ، وبالتالي كأن محمد رمضان كان يقول للمؤلف ، ليست كافياً ، أرغب أن أتعرف على نفسي وأُعرف الناس عليّ بالقدر الكافي ، وبالفعل لقد عرّف المشاهد العربي من يكون صاحب البشرة السمراء ، التى كادت تغيب عن الذاكرة العربية ، فالرجل أعاد استحضارها من الماضي إلى حاضر غابت عنه ، وبكل ما يحمل من صور جميلة ومتناقضة ، لعبد الناصر وعبدالحليم حافظ واحمد ذكي وجمال حمدان والابنودي والمسيري وشيخ المنابر ( كشك ) والشيخ إمام أبو الأغنية الوطنية ، بل بصراحة المشاهد في حيرة من أمره وعلى الأخص بعد ما ظن بأن الشاشة المصرية باتت خارج دوائر التمثيل النوعي ، تحديداً بعد ما فقدت رموزها الذين كانوا قد أضافوا إليها الكثير وغطوا عن من هم عبء عليها ، ليأتي رمضان من حيث لا يتوقع أحد ، ويعيد ثقة العربي بهذه الشاشة مرة أخرى .
وهنا أؤكد قبل كل شيء ، لستُ في مقام الملائم لأقدم قراءة نقدية للعمل بشكل عميق ، بالطبع هناك بعض الملاحظات كالتي حَبكت مسألة سجنه ، لم تكن مقنعة بالقدر الكافي وتحتاج إلى جهد أكثر في ترتيب الخطوات والأسباب ، ولأن إذ ما قارن المقارن بين الحبكة الإلهية لسجن النبي يوسف والحبكة التى أدت بسجن بطل مسلسل البرنس ، سيكتشف الفارق ، بل الفارق عميق بين رفاعة الحبكة هناك وتلبيس الطواقي هنا وبالتالي المسؤولية تقع على عاتق المؤلف والمخرج ، لكن بمسلسل البرنس وصل ( رمضان ) إلى رائعته التى وضعته في الصدارة بلا بمنازع على الإطلاق ، تماماً كما صنع من قبل محمود درويش في قصيدته ( أنا يوسف يا أبي ) ، هكذا يتوجب احياناً أن يجازف المرء استرايجياً بتحطيم الجدران لكي يصل إلى ما يريده ، فلمسلسل كان الانعطافة الوحيدة والمفاجئة بين سيناريوهات عديدة في هذا الشهر ، بل لقد فتح في كل حلقة ، قلوب الناس التى أغلقتها الظروف العصيبة منذ سقوط بغداد إلى جائحة فيروس كوفيد 19 التى تجتاح العالم ، وبالتالي هنا مع البرنس كان الاختلاف جذري ، لأن البوح ليس كما كان سابقاً ، لقد باح في معظم الآلام التى كانت مكتومةً وكشفت عن الحيثيات التكوينية للعائلة الواحدة والمفككة معاً وبالتالي في نهاية المطاف تعبر عن المجتمع الذي وصل إليه بفضل الحركة الإيقاعية ( المجنونة ) والزمن الأغبر ، وايضاً عن مسألة غاية من الأهمية ، لقد تفوقت مفاهيم المجتمع الفالت على أدبيات العائلة المنضبطة.
في إعتقادي مراجعة الأخطاء تعتبر أهم مدرسة تعليمية ، وتأتي في مرحلة متقدمة عن التجربة ، وبالتالي ، ممارسة نمط العودة إلى العمل بحد ذاته وعياً تراكمياً ، بالفعل تمنح المراجع فرصة التعلم من الأخطاء وتضع الفاعل في طور التفكير السليم الذي سيأخذه في العمل القادم ، إذن هنا ، المتأمل يخرج بنتيجة يصعب إنكارها ، أغلب خطوات مسلسل البرنس كانت مخطط لها ، بدرجة عالية وبشكل جيد ، لأن ميزة عمل البرنس ، هو أنه قائم على شهدات موثقة ، وبالتالي هذه الشخصيات دائماً تترك بدورها في الممثل نفوداً غير مسبوقاً وتعزز أدائه في التمثيل وتمنحه بساطة نقل الفكرة ، إذن في المحصلة ، ساعد المسلسل المشاهد بتعزيز قدرته على ممارسة علم التميز المريح بين عمل وآخر ، بل في أي خطوة يخطيها المتنقل بين جملة أعمال أخرى ، سيكتشف بأنها أقل عمقاً اولاً ، وسيصاب بالملل ثانياً ، بل صانعو وممثلو مسلسل البرنس ، تفاعلوا تفاعلاً متوازياً بين الصمت الذي يمتلئه الغناء والموسيقى ، لدرجة أثناء اللقطات العنيفة كادت العركات تلامس الميلودرامية التعظيمية ، والتى تعتمدها السينما العالمية في مبالغاتها ، تماماً ، مثلما الحوارات ، فاليوم المشاهد يتابع حوارات خالية من التكرار ، لكنها مترابطة في سلسلة أحداث شيقة وبعيدة على ملء الوقت ، وهذان وحدهما كفيلان في تحفيز المشاهد ليعيش حالة الترقب لما هو قادم في الليلة التالية .
تماماً ، كما هو المصطلح الشهير بين العقلاء ، أعقل وتعقل ، وبالتالي محمد رمضان في كل عمل جديد ، يطرح على نفسه سؤالاً ، هل ما أريده في العمل القادم شيء استثنائي يُضيف نجاحاً آخراً للأعمال السابقة ، أم سيكون على شاكلة ما هو في السوق من أعمال رخيصة وركيكة التى تعلن فشلها مسبقاً ، إذن ، من لزميات ما يلزم الاعتراف به ، بأن مسلسل البرنس صفع الشاشة المصرية كفاً ، أعادها إلى مكانتها الصحيحة وبالتالي لا يمكن للمراقب سوى تسجيل انحيازه لمحمد رمضان ، رغم لمثلي وحسب ما هو معروف عني ، لا أتحيز لشخص بسهولة ..والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية والرأسمالية ، عقد قابل لذوبان ...
-
الهندي الأحمر والفلسطيني الأبيض ، مشروع واحد ...
-
جدار أثيوبيا المائي ، تبادل لعبة السدود
-
جدار أثيوبيا المائي ...
-
علاقة الحريات بالحداثة ومعادلة المراحل في تاريخ البشري ...
-
العدالة لا يمكن أن تصنع من الظلم ...
-
من علامات الخالق أن يمرر للمخلوق بصائر إدراكية ...
-
لبنان بين حكومات الطبقة الفاسدة وحكومة التجويع ...
-
كيم يونغ فتى الظل الجديد في لعبة التراشق ...
-
عظمة الخيال جاء بكل هذه التكنولوجيا الافتراضية ...
-
محمد عمارة من صفوف البناء التحتي للمادة إلى صفوف المدافعين ع
...
-
كانط المتخبط والعرب المتخبطون بكانط ...
-
ابو محمود الصباح من غرفة عملية صيدا يرد على تصريح مردخاي غور
...
-
خلطة الحرية والفلسفة والتحوّل ، تمهد للانتحار ...
-
فقط أبن الحرة من يُدير الأزمات بنجاح ...
-
محاولة ركيكة مثل صاحبها ...
-
البحث عن الهوية ، شعاراً مازال قيد البحث لم يتحقق ...
-
إعادة النظر بالبيداغوجيا التقليدية ..
-
الأفكار العلمية والفلسفية ممكنة في زمن معين ومستحيلة في زمن
...
-
الرأسمالية الليبرالية والرأسمالية بلا ليبرالية ...
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|