|
عقدة الإستشهاد .. زكام الأمَّة
باسم السعيدي
الحوار المتمدن-العدد: 1582 - 2006 / 6 / 15 - 08:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كشفت عملية قتل أبي مصعب الزرقاوي عمق المأساة التي تحياها الأمة العربية وعمقها المتمثل بالأمة الإسلامية ، ففي تداعيات الحدث وجدنا مؤسسات سياسية تتعاطف مع مقتل هذا الرجل السايكوباثي كحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتصفه بأنه شهيد الأمة ، كما وجدنا نواباً في البرلمان الأردني يزورون مجلس (العرس) المقام لتقبل التهانئ بـ (شهادة) أحمد فضيل الخلايلة الملقب بأبي مصعب الزرقاوي ، وقرأنا لنخبة مثقفة (بحسب ميزان الثقافة العربية المعاصرة) مواقفاً تشيد بأبي مصعب وتعبِّر عن صدمتها بنبأ (شهادته) .. كما ظهر على الملأ بعض الشخصيات السياسية كالمرشد العام للإخوان المسلمين في مصر السيد محمد مهدي عاكف وهو يحاول أن يلبس أبي مصعب لبوس المقاومة للإحتلال الأمريكي متناسياً حتى السفير المصري الذي ذبحه الزرقاوي وهو يقول بلسان عربي فصيح لا يأتيه اللحن من بين يديه ولا من خلفه ( إذا مات الزرقاوي فسيخرج ألف زرقاوي من بعده) ولسان حاله يقول [ إن هذه الأمة ولود ولن يعقم رحمها عن إيلاد رجل كأبي مصعب ] .
الأرض العراقية يجب أن لايمر مرور الكرام على مآدب اللئام ، لا لأن الموضوع يستحق الإدانة والجدب فقط بل لأنه يؤشر الى وجود خلل فكري وسقم أخلاقي ينتاب (نخب) الأمة العربية والإسلامية ، ولو إقتصر الأمر على وصف الزرقاوي وأفعاله اللاإنسانية بالعمل الوطني أو القومي لهان الأمر .. إذ تختلف رؤى الأمة لأبنائها بحسب الظرف والحالة التي تمر بها الأمة العربية ، ولكن الأزمة هي أن تتم (أسلمة) القضية بما يشير الى شرخ مفاهيمي في ذلك الفكر (الإسلامي) . ولو صحَّ أن الإسلام السياسي ينهج هذا النهج (وهو ما حصل فعلاً) فإننا أمام حالة (زكام) عند الأمة الإسلامية بحيث أنها لم تعد لها القدرة على تمييز الروائح العفنة للقتلة والذباحين (بحسب إصطلاحات القاعدة) من عطور الزهور وشذى عمل الخير والعمل المقاومي الذي يتصدَّى للطغيان بروح الفرسان وكرامة نجائب الأمة على مدى العصور المنصرمة من حياة الأمة ، أقول لو صحَّ (كما نلاحظ في هذه الأيام) فإننا على مفترق طريق لا أقول إن هذا المفترق جديد فقد سبق للأمة أن إحتفلت (إسلامياً) بالنصر المؤزر الذي حققه أمير المؤمنين يزيد على الخارجي (الحسين) ولكني أقول إن الأمة لم تستطع حتى هذا اليوم من درك النكسات الأخلاقية التي عصفت بثوابتها وما زالت تصطنع (الضبابية) في المفاهيم لكي تخرج نفسها من المطبات التي من الممكن أن تحرج الأمة أمام نفسها وتعرِّيها أمام العالم الإنساني الذي يترقب فهم منهج هذه الأمة وهذا الدين لكي يتخذ منه موقفاً. حقيقة أن التأريخ يعيد نفسه لم يعد أحد يشكك فيها ، حتى من الجانب الآخر للرأي .. فقد ظهرت على ألسن البعض ومن مداد أقلامهم أن أبي مصعب حارب الإحتلال .. وحارب الشيعة لأنهم لم يحاربوا الإحتلال ، وفي هذا لا أقول كل التجنِّي ولكن أقول الكثير منه على أية حال .. فالجهات التي حملت السلاح بوجه الإحتلال من الشيعة (رغم إختلافي شخصياً معهم حول جدوى هذه النقطة ) ليس من الممكن تجاهلها أو غض الطرف عنها في معادلة (القوى المناهضة للإحتلال) ، وعلى هذه الحقيقة ما زالت تشهد الحفر التي تركتها العبوات الناسفة في نفوس أهلي مدينة الصدر والنجف قبل شهادة شوارع تلكم المدينتين . ومن المفارقة الغريبة أن يصدر تصريح من أحد أقطاب السياسة العراقية المؤيدة لمقاومة الإحتلال حول حادثة إسقاط المروحية البريطانية في مدينة البصرة في الشهر قبل المنصرم وهذا السياسي هو السيد طارق الهاشمي (ولم يكن نائباً لرئيس الجمهورية يومذاك) إذ وصف هذا العمل بأنه (تابع لأجندة دولة مجاورة) ، بينما يصف شبيه هذا الحدث إذا جرى في مدن المنطقة الغربية بأنه مقاومة للإحتلال . إن إنتهاج بعض الفصائل العراقية (الشيعية) للعمل المسلَّح بوجه الإحتلال لا يمكن إنكاره ، وتعرُّض مدن عراقية (شيعية) للتعسف في التعامل العسكري مع أهاليها بسبب تلك الأعمال المسلَّحة غير خافٍ على أحد ، ومع كل ذاك يظهر أبو مصعب وغيره من زعماء (الزكام الإسلامي) على شاشات الفضائيات والإنترنت ليبرروا العمل الإرهابي الذي ينال من المدنيين الأبرياء من الشيعة على أنه (موقف من القوى المؤيدة للإحتلال) . ليس من حق أحد مصادرة رأي الزرقاوي أو متشددي الأمة في وضع الصفة التي تليق بأحد سواء كان مناهضاً أو مخاتلاً للإحتلال أو حتى من لا يقر بوجود إحتلال فليس ذلك بالمتاح ولكن ليس من حق الزرقاوي ولا غيره مجابهة الرأي الآخر (خصوصاً مع تعدده) بالسلاح وبالسيارات المفخخة وبذبح المسافرين الأبرياء على الطرقات العامة أو زوار العتبات المقدسة والحقيقة التي يجب أن تقال هي أن عداء الزرقاوي والسلفية عموماً للشيعة عداء عقدي أو عقائدي ولا علاقة لقضية الإحتلال فيه من قريب أو بعيد ولكن المسوّقون للزرقاوي يتعمدون طرح هذه التعمية للسوق (على البسطاء) الذين لا يحتملون هذه السفسطة المقيتة عند التكفيريين ، وتكمن العقدة لدى النخبة في الحقيقة لا العامة لأن هؤلاء هم من يصنع أخلاقيات الأمة .. وعليهم المسؤولية الشرعية والتأريخ في الهوض بهذه المهمة العسيرة بل المتعذِّرة مع كل هذا التراكم التأريخي من التحيُّز الطائفي . في إعتقادي إن الخطيئة التأريخية تعود مكرورة ثانية في رسم أخلاقيات موطنها القرون الوسطى ولا تمت الى الدين بصلة من قريب أو بعيد اللهم الا في العقول المريضة المسكونة بالعداء الطائفي وتتعاظم المصيبة كوننا نحيى في القرن الواحد والعشرين حيث يفترض بالأمراض التعصبية للعقيدة والتي لا يمكنها أن تتفاعل مع الرأي الآخر الا بالسيف يفترض بها أن تكون قد إنقرضت وأكل عليها الدهر وشرب ومضت مع القرون المظلمة التي تحكي عن الفجائع التأريخية . ربما يكون فهمي للحتمية التأريخية في التطور لا يتفق مع هذه النخب الفكرية الإسلامية وأكون بذلك بعيداً كل البعد عن الواقع .. وبلك تتأكد ضرورة التصدي من النخب المخلصة للدين لتنقية الدين من هذه الأدران .. فعودة هذا الزكام بعد أن قذفته القرون بعيداً في الأوراق الصفراء للكتب يعد نذير شؤم في تصوير مستقبل الأمة وبداية إنهيار أخلاقياتها في زمن لم يعد بالإمكان إخفاء العري بسبب التكنولوجيا وعصر العولمة . إن هذا التردي الذي (تفرضه) عقدة الأمة في إمكانية إنجاب (عظماء) آخرين مرض خطير قد يتطور سريعاً الى مرض أكثر من (زكام) .. ولو قيض له أن يذهب بعيداً فسيخنق هذه الأمة وستنتهي الى الأبد . بغداد
#باسم_السعيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسامة الجدعان .. شهيد خطيئتين
-
زهرة اللوتس
-
الملابس الداخلية .. للدولة
-
الى فخامة زعيم عصابات منطقة الفضل المحترم .. عتب أخوي
-
وقفوهم إنهم .. عراقيون
-
ولاية الفقيه .. بين النفط واللفط
-
ديكتاتورية الريزيستانسيا
-
فياغرا السياسة
-
وطنٌ على الغارِب
-
من أجل وعي انتخابي -5، ملفة الفساد الاداري
-
من أجل وعي انتخابي – 4
-
من أجل وعي إنتخابي – 3
-
من أجل وعي انتخابي – 2
-
من اجل وعي انتخابي -1
-
فيدرالية الجنوب .. جدلية النفط والماء
-
قراءة في مسودة متردية للدستور
-
الاسلام في الدستور
-
الدعوى الجزائية لمدينة الزرقاء الأردنية ضد - الله
-
يا شيخ القتلة .. لا تستعجل رزقك !!
-
الى رجال المقاومة .. رحم الله إمرءاً ..أراح واستراح
المزيد.....
-
لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
-
“هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024
...
-
“شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال
...
-
قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
-
بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
-
السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
-
مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول
...
-
المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي
...
-
المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
-
بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|