رحيل ملاك الزبيدي وحوار والدتها


مؤيد احمد
2020 / 4 / 20 - 15:06     

رحيل ملاك الزبيدي
وحوار والدتها

فارقت الشابة ملاك الزبيدي حياتها، في مستشفى في النجف -العراق، متأثرة بجروح حروقها يوم أمس 18 نيسان 2020.
في سياق اول لقاء مع والدتها، بعد رحيل ملاك الزبيدي، على قناة الشرقية نيوز، صرحت الوالدة بان ابنتها كانت ضحية "الإرهاب العائلي". هذا، ولخصت بكلمات واضحة وموفقة المبدأ الأساس في قضية تحرر المراة المتمثل بكون "الانسان يجب ان يكون حرا" وطرحت نوعا من استراتيجية المقاومة النسوية ناجمة عن وعيها وتجربتها في مقاومة الظلم على المرأة.
اكتب هذه الكلمات وكلي أسى وتعاطف تجاه هذه الوالدة الموقرة المجروحة وأقدم مواساتي القلبية والمخلصة لها ولجميع اعزاء ابنتها ملاك. ان "الإرهاب العائلي" والقتل والترهيب والتعذيب النفسي ضد المراة يشكل واقعا مأسويا تعيشها الجنس النسوي البشري كل يوم ليس في العراق وحده، بل في بقاع كثيرة من العالم.
لنتأمل فيما قالته والدة ملاك؟، لقد اكدت بان ابنتها كانت ضحية "الإرهاب العائلي"، ولم تستخدم مفهوم "العنف الاسري" بل استخدمت التعبير الادق الذي يتطابق مع وقع كارثة فقدان ابنتها. بهذه العبارة عبرت عن واقع ما حدث بكل دقة وعما في داخلها من الغضب والتصدي بوجه هذا العمل الذي اسمه "الإرهاب العائلي" والذي أودى بحياة ملاك. وهي تعرف المعنى الاجرامي البشع لمفهوم الارهاب وصداه في اذهان الجماهير في العراق التي عانت اشد الماسي من جرائه.
ان الإسلاميين الإرهابيين من نمط القاعدة وداعش كانوا يقتلون، ولا زالوا، الانسان لكونه انسان، حيث ان قتله يجني لهم ثمار سياسية وهي السيطرة على المجتمع. والإرهاب العائلي بدوره يؤدي بحياة انسان لكونه امرأة، فاستمرار هذا النوع من الإرهاب ضريبة يجب ان تدفعها المراة لإدامة البنيان الاجتماعي الذي يقف عليه الإسلاميون والقوميون لبسط سيطرتهم على كل المجتمع.
والنقطة المهمة الأخرى في الحوار المختصر مع الوالدة هي انها طرحت استراتيجية مقاومة المراة بوجه "الإرهاب العائلي" بشكل رائع اما بسيط في ردها على سؤال مقدمة البرنامج شيرين عقلة حول رسالتها "الى كل إمراه عراقية معنفة" واجابت والدة ملاك: "لا تخافين نهائيا، ابد، المرأة إذا خافت هي التي تخلي العنف يسيطر عليها. المرأة (يجب)ان تكون قوية ...ولا تسكتوا بوجه الظلم، لا، خلي هي تقول إذا انظلمت سواء من كائن من يكون، لا تخافين انت أطلقي صرختك وصوتك...... وموجود من ينصرك"
من المعلوم ان تقوية مقاومة المراة وتمكينها للوقوف بوجه العنف والتهميش والإساءة الجسدية والنفسية بحيث تتحول الى وعي اجتماعي وممارسة يومية داخل المجتمع يشكل، باعتقادي، احدى اهم المسائل الاستراتيجية في الحركة النسوية التحررية. لقد أعطت هذه الوالدة، وهي متألمة، البنية الأساسية للاستراتيجية التي يجب ان تتبناها المراة المضطهدة اي المقاومة والتصدي بوجه كل أنواع الظلم ضدها.
ان التصدي بوجه الظلم هو الخطوة الأولى في رحلة ألف ميل لإشعال ثورة العبيد ضد مستعبديها. في هذه الاستراتيجية تكمن تحرر المراة اذ لا مكان فيها لمراعاة نظام قامعي المرأة سواء كان ديني او قومي او عائلي او عشائري او اجتماعي تقليدي مورث من العهود الغابرة، لان هذه المقاومة هي القطب المضاد والثائر بوجه هذه الوحدة القسرية لحياة المراة والقمع المنظم.
والفكرة الأخرى والأخيرة من مشاهدتي لحوار الوالدة كانت فكرة او مفهوم "الحرية". فهي قالت بان "الانسان حر ويبقى حر... والمرأة خلقت حرة وتبقى حرة، ما خلقت عبد حتى كل من يجي يتحكم بها".
ان حرية المرأة جزء من مفهوم حرية الانسان الاشمل. ان غاية التاريخ البشري كما تصفها الفلاسفة هي تحقيق الحرية. وفي الرؤية الماركسية هي تحقيق مجتمع يكون فيه تحقيق حرية الفرد شرط تحقيق حرية الجميع وبالعكس. في وسط الطريق في تاريخ البشري نحن ظللينا مكبلين في إطار نظام عبودية العمل المأجور أي النظام الرأسمالي، وفي سياق الدفاع لإبقاء القسري لهذا النظام الطبقي، فرض علينا الإسلاميون والقوميون ومن خلال استغلال البنية الاجتماعية الموروثة استمرار بشاعات سلب حرية المراة لا بل استعبادها في العراق.
الانسان يجب ان يكون حرا، المراة يجب ان تكون حرة لا ان تكون عبدة. ان هذه الحقيقة البسيطة والواضحة وضوح الشمس ليست موجودة في دستور البلاد، ولا يقبلها من يتحكمون بمقدرات المجتمع في العراق. وحتى كل ما هو موجود في قوانين ودساتير البلدان البرجوازية هي اما قطع اوصال حرية الانسان هذه او احاطتها بمشتقات ومشتقات من الضوابط والقرارات.