في الذكر السنوية 17 لاحتلال العراق وسقوط النظام البعثي الفاشي الافقار والدمار والقمع، فما هو البديل؟
مؤيد احمد
2020 / 4 / 16 - 17:56
في الذكر السنوية 17 لاحتلال العراق وسقوط النظام البعثي الفاشي
الافقار والدمار والقمع، فما هو البديل؟
مؤيد احمد
9 نيسان 2020
قبل 17 عاما، وفي 9 نيسان 2003، تم اسقاط النظام البعثي الفاشي إثر حرب أمريكا على العراق واحتلالها للبلاد والتي شنها جورج دبليو بوش الابن. كانت هذه الحرب امتدادا، لحرب جورج بوش الاب سنة 1991، ولكن في ظروف عالمية جديدة، وحصاره الاقتصادي على العراق للفترة ما بين الحربين.
تاريخ جرائم البرجوازية الامبريالية الامريكية وحلفائها ضد الجماهير في العراق، من خلال الحربين التي شنتهما على البلاد وعلى الجنود العراقيين المرابطين في الكويت، وعبر فرض الحصار الاقتصادي على المواطنين، هو تاريخ الإبادة الجماعية والتجويع والدمار على مقايس قل نظيرها في التاريخ المعاصر.
أقدمت هذه الدولة الرأسمالية الامبريالية على تدمير العراق، الذي يبعد عنها آلاف الكيلومترات، مستخدمة آلتها العسكرية العملاقة وهيمنتها السياسية الامبريالية على العالم، وفرضت كارثة إنسانية كبيرة وتراجعا ماديا ومعنويا هائلا على المجتمع وامتدت آثارها لحد الان.
استخدمت البرجوازية الامريكية إرهاب الدولة هذه لتحقيق استراتيجيتها السياسية ومصالحها الجيو سياسية العالمية والإقليمية، وفي هذا السياق حولت العراق الى ميدان لارتكاب جرائم قتل مئات الالاف وتجويع عشرات الملايين من الأطفال والرجال والنساء ومن مختلف الاعمار ولسنوات طويلة.
كانت هذه الحروب البشعة والتجويع الجماعي تُمارس بحق جماهيرٍ منهكة بالأساس ومدمرة، بسبب الحرب العراقية –الإيرانية التي استغرقت 8 سنوات. هذه الجرائم تُرتكب بحق جماهير واقعة أصلا رهينة بأيدي النظام البعثي الفاشي، منتوج التيار القومي العربي، وبأيدي سفاح مجرم اسمه صدام حسين الذي تربى وترعرع في مدرسة نفس هذا التيار القومي وحزبه، حزب البعث العربي الاشتراكي، والذي كان نفسه يتلقى الدعم منذ البداية من أمريكا.
النظام السياسي الحالي في العراق
اليوم، ومنذ 17 عاما من اسقاط نظام البعث وتسلم الأحزاب الإسلامية والقومية الميليشية زمام أمور البلاد من أمريكا، تتفاقم معاناة الجماهير يوما بعد يوم وتشتد على جميع الاصعدة. تخلصت الجماهير من البعث ولكنها وقعت فريسة بأيدي مافيات ونهابين وقتلة جدد من صنف آخر، من الإسلام السياسي الشيعي الموالي لإيران والإسلام السياسي السني والقوميين الموالين بشكل او باخر لأمريكا والغرب ودول الخليج.
تم بناء النظام السياسي الحالي في العراق، عن طريق "العملية السياسية"، على اساس تقسيم المجتمع وفق الطائفة والمذهب والاثنية وما صاحب هذا التقسيم من المحاصصة والفساد والصراعات. وبالتالي، أصبحت مقدرات البلاد بأيدي أحزاب وقوى ميلشية قمعية مناهضة للعمال والكادحين والمفقرين ومعادية بشراسة للمرأة، وهي تسلب العمل وموارد العيش من عشرات الملايين من السكان بشكل متواصل وتفرض التخلف وتخنق الحرية وتسد أبواب المستقبل امام تطلعات أجيال من العراقيين.
تزامن مع كل هذه التحولات المأساوية والانعطافات السياسية والعسكرية في العراق منذ 2003، تنامي مسلسل المجازر والإبادة الجماعية بالتفجيرات الإرهابية التي كان يرتكبها ولا يزال الإسلاميون المجرمون من نمط القاعدة وداعش والارهابيون الاخرون، وعن طريق إرهاب هذه الدولة او تلك داخل العراق.
شكلت هذه المجازر الجماعية مرحلة كاملة من الدمار والفتك بأناس أبرياء لا لشيء سوى لكونهم يعيشون في العراق. ان هذا الفتك المتعمد بالإنسان، لكونه او كونها انسانا، وكون قتله او قتلها وسيلة لتحقيق استراتيجية الإسلاميين الإرهابيين المجرمين في التسلط على المجتمع، وجد له فرصة في ان يتجسد كواقع سياسي دموي في العراق مع احتلال أمريكا للبلاد وإرساء النظام الطائفي والقومي فيه. هذا الخطر المميت وهذه الفاشية الدينية المعاصرة للإسلام السياسي، بالرغم من هزيمتها عسكريا، لا زالت تشكل تهديدا على المجتمع ولم يتم قلع جذورها من هذا البلد.
تبنى النظام السياسي البرجوازي الحالي ومنذ البدء ايديولوجيا الإسلام والقومية، بوصفها ايديولوجيا الدولة الرسمية في العراق. وادخلوا هذه الايديولوجيا في دستور الدولة وعلم الدولة وبهذا سدوا الباب امام حدوث اية قطيعة جذرية مع فاشية النظام السابق، كما، وغلفوا ماهيتهم الطبقية البرجوازية بغطاء سميك من هذه الأيديولوجيا الإسلامية والقومية كي لا تخترقه الشغيلة والمضطهدون والمحرومون.
أصبحت هذه الدولة وهذا النظام السياسي الإسلامي والقومي، على ارض الواقع، أحد أشرس الأنظمة البرجوازية في العالم من حيث تطبيق سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين وبالضد من مصالح أكثرية الجماهير. فهي كملت بكل طيبة خاطر، ما فرض بريمر، الحاكم الأمريكي في العراق عام 2003، من السياسات الاقتصادية الرأسمالية النيو ليبرالية المدمرة.
وقد لعب هذا النظام السياسي دوره الطبقي البرجوازي، بوصفه حامي راس المال والرأسمالية المعاصرة في العراق، بشكل صارخ، ونفذ، ولا يزال ينفذ، السياسات الاقتصادية الرأسمالية النيو ليبرالية، بشكل كارثي حيث فُرض، ومن جرائها، الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي على عشرات الملايين من المواطنين، وبالأخص الشباب والشابات، وتم سد الطريق امام نيلهم لمستقبل مشرق. هذا، ودمر النظام الصحي العام في العراق والذي كان متهالكا اصلا اذ قام بخصخصة كل ما هو مربح، للرأسماليين الجدد النهابين وأصحاب النفوذ الفاسدين في السلطة، من المنشئات الصناعية والخدمية والزراعية. وبهذا أصبح النظام الصحي العام والتعليم العام المجاني وخدمات الكهرباء العامة اولى ضحايا هذا النظام الاجرامي.
استخدم هذا النظام البرجوازي ايديولوجيا الإسلام والقومية بكل قوته حيث صرف المليارات من الدولارات لنشر الخرافات ودعم العشائرية والمؤسسات الدينية وتأجيج النزعات القومية والطائفية طوال السنوات 17 الماضية. وكل ذلك بغية اخضاع جماهير العمال والكادحين وابعادهم عن ممارسة السياسة وعن القيام بالتغيير الثوري.
باء الاحتلال العسكري الأمريكي المباشر للعراق بالفشل واصبحت حربها واحتلالها للعراق فضيحة كبيرة من نواحي كثيرة لهذه الدولة الامبريالية المتغطرسة وهذا القطب الرجعي الحامي للنظام الرأسمالي العالمي. غير ان فشل أمريكا لم يبعدها عن العراق، ففي كل ما جرى خلال 30 السنة الماضية في العراق من مآسي وسفك الدماء والصراعات احتلت، ولا تزال، أمريكا دورا محوريا فيها.
كما، وان الجمهورية الإسلامية في إيران، وعن طريق اتباعها من أحزاب الإسلام السياسي الشيعي وميليشياتها داخل العراق، حولت البلاد الى دولة خاضعة لها وميدانا لإمرار مصالحها الجيو سياسية والاقتصادية وتحقيق اهدفها الاستراتيجية بمختلف الطرق، ومنها ممارسة الإرهاب والاعمال العسكرية داخل العراق. هذا، بالإضافة الى واقع تحول العراق، ومنذ مجيء ترامب الى الحكم، الى ميدان مباشر للصراع العسكري والاصطدامات المتكررة بين هاتين الدولتين.
انتفاضة أكتوبر ودورها التاريخي
ان انتفاضة أكتوبر كانت ردة فعل سياسية جماهيرية ثورية بوجه كل هذه الأوضاع. قدمت هذه الانتفاضة الحل للمعضلة التي تواجه العراق ولكن بخطوطه العريضة السياسية حيث رفعت شعار “اسقاط النظام" القائم بأكمله، و"لا أمريكا ولا لإيران" في العراق.
ان هذه الشعارات لم تتحقق على ارض الواقع لحد الان لأسباب عديدة وأهمها ما يرتبط بمدى الاستعداد السياسي والتنظيمي للمنتفضين والحركة العمالية والثورية في المجتمع. غير ان الجماهير المنتفضة استطاعت ولأول مرة منذ العام 2003 ان تدخل الميدان السياسي العملي المباشر بقوة وحزم كبيرين ووضوح رؤيا سياسية أكثر مستفيدة من تجارب حراكات عامي 2011 و2015.
ناضلت الجماهير المنتفضة بكل قواها وقدمت تضحيات كبيرة في سبيل تحقيق هذه الشعارات حيث راح ضحية هذا النضال الجماهيري المئات من الثوار المنتفضين والمنتفضات. وفيما يتعلق بنا، نحن في منظمة البديل الشيوعي في العراق، ناضلنا ولا نزال نناضل جنبا الى جنب مع المنتفضين والمنتفضات بكل قوانا لتحقيق الانتصار حيث رفعنا شعار "كل السلطة للجماهير المنتفضة" وناضلنا ولا نزال لتشكيل المجالس الجماهيرية الثورية في المجتمع وداخل ساحات الانتفاضة.
الأوضاع الحالية والبديل الاشتراكي
ما يعشيه العمال والكادحون والمفقرون من الماسي على ايدي السلطة الحالية واحزابها وقواها المتمثلة بشلة من النهابين الميليشيين، سيتضاعف مع اطالة الحجر الصحي والوقائي بسبب وباء كورونا. لذا، فان فرض مطالب اقتصادية فورية من تامين الضمان الاجتماعي لجميع العاطلين والعاطلات عن العمل وتقديم الدعم الحكومي المباشر لكل من فقد عمله ومورد عيشه اليومي بسبب إجراءات الوقاية من كورونا، هي من جملة الإجراءات العاجلة التي لا تقبل التأخير لدرء أخطار المجاعة والعوز المطلق للملايين من العمال والكادحين والمفقرين في العراق.
ان استخلاص البروليتاريا الاشتراكية والشيوعيون الثوريون الدروس من تجربة عقود من الدمار والتراجع في العراق وبالأخص تجربة 17 سنة الماضية، للنظام الإسلامي والقومي الميليشي و"ديمقراطيته" البرلمانية، هو ان ما تم فرضه، ولا يزال، من الماسي على المجتمع، نتيجة طبيعية لسياسات واستراتيجيات الطبقة البرجوازية العالمية والمحلية وتياراتها السياسية والفكرية واحزابها. وهي في التحليل الأخير سياسات واستراتيجيات اعدائنا الطبقيين من البرجوازية المحلية والعالمية وناجمة عن متطلبات حركة قوانين النظام الرأسمالي العالمي وتفاقم تناقضاته وصراعاته. فلا يمكن سد الطريق امام تكرار هذه الماسي بدون اسقاط راس المال والرأسمالية وقلع جذور المشكلة.
لذا، من المؤكد بالنسبة للبروليتاريا الاشتراكية ومنظماتها الشيوعية بان مسلسل الدمار والحروب والقمع لا تنتهي في العراق، ولا في أي مكان آخر في العالم، بالتمنيات وعن طريق الإصلاحات الشكلية. ان اقدام الطبقة العاملة في العراق على إرساء الاشتراكية عبر ثورتها الاجتماعية وذلك عن طريق تقوية نضالها الاشتراكي وتامين تضامن جميع فئات الشغيلة والكادحين والشرائح الاجتماعية المضطهدة، التي تتطابق مصالحها مع مصالح البروليتاريا، مع هذا الهدف، هو وحده الكفيل بتحقيق التغيير الثوري لصالح الجماهير والخلاص من هذه السيناريوهات الكارثية. ان تدخل جماهير العمال والكادحين وبقية المضطهدين في ميدان الحياة السياسية بشكل منظم ومستقل وثوري هو الشرط المسبق لتحقيق هذا التغيير الثوري.
كما، وان تجربة ثلاثة عقود من الدمار، اعطتنا دروسا بان تامين التضامن الاممي المتبادل مع الطبقة العاملة العالمية والإقليمية شرط لسد الطريق امام الدمار الذي تفرضه علينا سياسات البرجوازية الامبريالية العالمية والإقليمية والمحلية. كما، وان اية خطوة باتجاه تحقيق الأممية البروليتارية هي خطوة صوب الاشتراكية وبالعكس.
ان البروليتارية الاشتراكية في العراق ومنظماتها بحاجة الى اعداد نفسها للرد على التحديات والتغييرات الكبيرة التي ستواجه العالم والعراق فيما ما بعد وباء كورونا، وذلك انطلاقا من الدفاع عن مصالح جميع الشغيلة والمفقرين والمضطهدين ومصالح النضال الطبقي العمالي وتقدمه لإرساء الاشتراكية. ان مهمة التنظيم الماركسي هو لعب دوره التاريخي في هذا الصراع الطبقي الاشتراكي العظيم.
9 نيسان 2020