|
«مسافة أمان» مساحة من الفرح والعذاب
حوا بطواش
كاتبة
(Hawa Batwash)
الحوار المتمدن-العدد: 6537 - 2020 / 4 / 14 - 23:37
المحور:
الادب والفن
القرار لمشاهدة حلقات مسلسل «مسافة أمان» (كتابة إيمان سعيد وإخراج الليث حجو) تطلّب مني الكثير من الشجاعة والإصرار لعلمي بأنه يحتاج إلى قلبٍ من حجر لتحمّل مشاهد العنف والتعذيب التي فاجأتني في المرة الأولى التي أردتُ مشاهدته، بعد شهر رمضان الماضي مباشرة فتوقّفتُ حالا قبل انتهاء الحلقة الأولى ولم أكمل. إلا أنني فوجئتُ هذه المرة، إذ قرّرتُ مشاهدة المسلسل قبيل شهر رمضان هذا العام، وفرحتُ أن تلك المشاهد التي لم أقدر على تحمّلها في الحلقة الأولى اختفت بعد ذلك وتحوّل المسلسل إلى عمل دراميّ، رومانسي، إجتماعي سار بطيئا جدا في حلقاته الأولى ثم تحوّل بعد ذلك إلى أحداثٍ مشوّقة جدا. يضمّ المسلسل شخصيات كثيرة، وبرأيي أكثر من اللازم، يتنقل بينها لتصوير معاناة السوريين الباقين في سوريا من آثار الحرب والدمار ماديّا ونفسيّا، يصوّر آمالهم وخيباتهم، رغباتهم ومخاوفهم، انعدام الثقة وتلك المسافة من الأمان التي تفرض نفسها بينهم وبين كل ما حولهم. شخصية سراب، التي تقوم بدورها كاريس بشار، تمثّل شخصية المرأة السورية الصّامدة، العنيدة، المتسلّطة، القويّة أمام الناس لكنها ضعيفة بداخلها، ملولة، وحيدة في ذلك الزمن الصعب إثر سفر زوجها إلى ألمانيا، تعيش على أمل لمّ الشمل عن قريب. («صار لي سنتين ونص بقول هاد الحكي. انو ليش ما عم ترجعي تشتغلي؟ مو محرزة، قرّبوا الوراق يخلصوا. ما بعمل شي غير إنو بس عم بستنى. هاي شغلتي. يعني شلون العالم بفيقوا الصبح بروحوا على شغلهن برجعوا بناموا؟ أنا بشتغل بستنى! بفيق... بستنى. برجع بنام. برجع بفيق... بستنى. برجع بنام... وبس»). حتى تقول لها ابنتها التي تعرف عن أبيها ما يخبّئه عن سراب: «روحي، ماما، روحي شوفي حياتك. حرام كل ها الوقت اللي عم بتضيّعيه مشان حدا يمكن ما يكون بستاهلك.» ثم تتحوّل سراب إلى إمرأة عاملة، تعتمد على نفسها ماديّا، ولا تنتظر زوجها البعيد كي يبعث لها المال، تستيقظ باكرا في الصّباح لتمارس الرياضة، تهتمّ بملابسها ومظهرها، وتفاجأ بمحاولات حسام (عبد المنعم عمايري)، زوج صديقتها، للتقرّب إليها في وقت كانت هي بأمسّ الحاجة فيه إلى رجل يعينها ويساندها ويغمرها بالحب والدفء والحنان. شخصية يوسف التي لعب دورها قيس الشيخ نجيب من أكثر الشخصيات المحبّبة في المسلسل، لرقّته وطيبته، وتثير التعاطف معه لفقدانه الثقة بالحب وبالحياة إثر فقدانه حبيبته التي أحبّها حبًّا كبيرًا، ويتمكّن المسلسل من جذب اهتمام المشاهد بقصة حبّه الجديدة والجميلة مع نور (حلا رجب) والتي أعادت إلى قلبه شيئا من الفرح وأنعشت بالحبّ نفسه المحطّمة. لكن الفرح لا يدوم على أرض الحروب والدموع، وكم كرهتُ المخرج الليث حجو الذي قرّر بعد ذلك إيذاء عيني وقلبي بمشاهد العنف والتعذيب مرة أخرى. مشكلتي مع المسلسل ليست في مشاهد العنف البشعة التي لا تطيقها النفوس الرهيفة فحسب، ولا في ترميزه السياسي لخدمة النظام السوري بإلقاء اللوم على المعارضين السوريين فيما آلت إليه حال البلاد، فأنا أتوق إلى أن أرى سوريا بلدا مزدهرا، مستتبّ الأمن والسلم والأمان، خاليًا من الحروب وسفك الدماء، لكن، مشكلتي الأكبر تكمن في كم البؤس والنكد والحقد والغضب التي يعجّ بها المسلسل، متمثّلا بشخصيتي سلام ونهاد. سلام (التي تقوم بدورها سلافة معمار)، الدكتورة التي اختُطف زوجها وتعيش في بيتها الكبير الجميل مع ابنها الوحيد، تقع طوال المسلسل تحت ثقل الضغوط وتعاني من آثار حادث زوجها وتبعاته على نفسيّتها وجسدها، تكابد من أجل حماية ابنها ومستقبله ومن أجل العودة إلى حياتها الطبيعية قدر الإمكان، وتحاول كشف الأسرار الغامضة وراء اختطاف زوجها وما يحدث من أمور غريبة في المستشفى الذي تعمل فيه، وتستعين بمروان (إيهاب شعبان) الشاب الذي تشغّله سائقا لها فيحميها وتحميه ويشاركان بعضهما البعض في الهموم وحلّ لغز حادث الاختطاف. أما نهاد (التي تقوم بدورها ندين تحسين بك)، صديقة سراب، فتتعرّض لصدمة عاطفية تتحوّل من بعدها إلى إمرأة الخبث والنكد، بدل أن تثير التعاطف معها باتت تثير الكراهية والنفور بسبب اتّباعها اللؤم الذي لا يُطاق، رغم اعتذار ظالميها في لحظة ضعف وإبداء الندم والأسف لها، والساديّة التي اتّصفت بها لمعاقبتهم. وأخيرا يمكنني القول بأن مسلسل «مسافة أمان» ينجح في شدّ الاهتمام وإثارة التشويق ويترك في النفس مساحة من الفرح والعذاب.
كفر كما 14.4.2020
#حوا_بطواش (هاشتاغ)
Hawa_Batwash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسائل ليست كالرسائل
-
ثمن الاختيار
-
أحبّك اليوم
-
التغيير واللغة
-
أحيانا أريد أن تذهب
-
كيف أحببتُ اللغة العربية - الحلقة 2
-
كيف أحببتُ اللغة العربية - الحلقة 1
-
الصّراحة جارحة
-
ليلة الرّحيل الأخير
-
فن الإغراء الفاشي
-
إمرأة تحب نفسها
-
الهاربة 2
-
الهاربة 1
-
انتظار
-
فيسبوك، خواطر وتأخير
-
ابتسامة جدي
-
الدفتر
-
قلب في مهب العاصفة
-
عازفة البيانو
-
نظرة إلى الوراء
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|