فيروس كورونا: الرأسمالية تقتل!
الرابطة الأممية للعمال
2020 / 4 / 2 - 09:42
العالم بات مهددا بوباء فيروس كورونا، الذي لديه إمكانية التسبب بملايين الوفيات التي تسببت بها الانفلونزا الاسبانية للعام 1918. إضافة إلى عدد الوفيات، يهدد الفيروس ببدء انكماش اقتصادي بالتوازي مع كساد كبير.
تصريح للرابطة الأممية للعمال_ الأممية الرابعة
هذه الكوارث ليست ظاهرة طبيعية. إنها نتاج الرأسمالية التي وجدت فقط من أجل توليد الأرباح للشركات الكبرى، بصرف النظر عن المشاكل التي يواجهها العمال.
الكارثة المقبلة ستكون عنيفة كالحرب، إحدى تلك الطوارئ التي تتطلب إعادة هيكلة هائلة للاقتصاد كاستجابة لها. ولكن حتى الآن، مع استمرار انتشار الوباء، لايزال من الممكن الحد من التداعيات السلبية.
الحكومات في كافة أنحاء العالم مهتمة أكثر بالاستمرار في إعطاء الأولوية لضمان أرباح الشركات الكبرى، عوضا عن إنقاذ حياة الملايين من العمال. إن الرأسمالية هي ما يقتل_ والآن بمساعدة فيروس كورونا.
فيروس كورونا تهديد رئيسي للعمال
الحكومات استهانت بتهديد فيروس كورونا، وقللت من شأنه. ترمب قارنه بنزلات البرد، وقال إنه سيختفي من تلقاء نفسه خلال بضعة أشهر. بولسونارو قال إن الوباء “أسطورة أكثر من كونه أي شيء آخر”.
مع الأسف كثير من العمال أيّدوا هذا التصور، وانصرفوا للتفكير بأن التقارير المتعلقة بالوباء هي “مبالغات”، أو صرف المخاوف عبر القول إن “أناس أكثر بكثير يموتون من الجوع… الخ”. في بعض الحالات، استنكر العمال ذعر الكورونا باعتباره “مؤامرة إمبريالية”.
من الضرورة قول الحقيقة، إن وباء فيروس كورونا تهديد حقيقي، خاصة للطبقة العاملة والفقراء حول العالم. رغم حقيقة أن الفيروس انتقل أساسا عبر أبناء الطبقة الوسطى، الذين لديهم القدرة على السفر دوليا، فإن للمرض القدرة على قتل آلاف وملايين الناس، خاصة كبار السن والفقراء، في حين يستطيع الأغنياء حماية أنفسهم بعناية صحية خاصة مكثفة عند الطلب.
صحيح أن معدل الوفيات بكوڤيد_19 هو نحو 3.4%. ولكن علينا أن نتذكر أن هناك إمكانية حقيقية لأن يصاب مئات الملايين من الناس بالعدوى، وبهذا يمكننا فهم حجم التهديد الذي نواجهه. الملايين يمكن أن يموتوا. أوضاع كتلك التي شهدناها في إيطاليا والصين (أو حتى أسوأ) يمكن أن تخيم على كثير من البلدان.
انتقام الطبيعة
الفيروس بحد ذاته شبيه بفيروس سارس، الذي تسبب بوباء عام 2000، ليصيب أكثر من 8000 شخص ويقتل نحو 800. عام 2012 تسبب فيروس تاجي آخر، نشأ في السعودية وسمّي “ميرس”، بوباء عالمي آخر، أسفر عن قتل 35% من المصابين.
كل هذه الفيروسات كانت متواجدة منذ قرون، تصيب بشكل أساسي الحياة البرية، كالخفافيش والجمال في آسيا وافريقيا. في مرحلة ما، تحورت واكتسبت القدرة على إصابة البشر أيضا. هذه الأمراض أصبحت أوبئة لأن حاجة الرأسمالية المتوحشة لأراض جديدة بغية استغلالها دفعت بالتطور البشري إلى مناطق احيائية غير مستقرة بعد، معطلة النظم البيئية الطبيعية، ومعرضة الناس لحيوانات تحمل هذه الأمراض الجديدة.
هذه ليست “ظاهرة طبيعية”، بل هي تداعيات محددة لحرب الرأسمالية الدائمة على الطبيعة، والتي تسببت بتغيير المناخ، وإزالة جمعية للغابات، والتلوث السام.
بصراحة، هذا يعني أنه حتى بعد انتهاء هذا الوباء، سيكون هناك غيره. كوڤيد_19 هو مجرد أحدث مرض يهدد البشرية، وقد سبقه سارس، وانفلونزا الخنازير، وميرس، وغيرها.
العالم ليس مستعدا للوباء
وباء فيروس الكورونا يضرب عالما يعاني أساسا استقطابا اجتماعيا واقتصاديا وحشيا. الشركات العملاقة تركز ثروة البرجوازية إلى درجة مثيرة للاشمئزاز. مجرد 2153 رأسماليا يمتلكون ثروة أكبر مما تمتلكه بقية سكان العالم بأسره. النصف الأفقر من سكان العالم يتحكمون بأقل من 1% من ثروة العالم.
تطبيق التقشف النيوليبرالي أدى إلى زيادة معاناة الناس الاقتصادية بشكل حاد: تخفيض الرواتب وإضعاف تنظيم العمل. شريحة متنامية من الطبقة العاملة لم تعد لديها وظائف ثابتة، وتحتاج لإيجاد عمل كل يوم، فقط من أجل وضع بعض الطعام على المائدة. الأحياء الفقيرة في المدن الكبرى مليئة بالبيوت الكئيبة، كثير منها دون شبكات صرف صحي تعمل أو مياه جارية.
خطط التقشف خفضت ميزانيات الصحة العامة وخصخصت نظم المستشفيات. في كافة أرجاء العالم، باتت النظم الصحية في حالة يرثى لها. بهذه الدفاعات الضئيلة فقط لوقف الأمر، فإن الوباء سيغرس الفوضى. تشيلي كانت نموذج البرجوازية المثالي للخصخصة الشاملة لنظام الرعاية الصحية. اليوم لا يستطيع التشيليون حتى الاعتماد على نظامهم الصحي لمساعدتهم بالرعاية الروتينية، وهم حتى أقل استعدادا لأية طوارئ. حتى الولايات المتحدة، القوة العظمى للعالم، غير مستعدة. ليس لديهم نظام رعاية صحية عامة، وشعبهم سيعاني العواقب.
الإنسانية جمعاء غير محمية وغير مستعدة على الإطلاق لمواجهة هذا الوباء، وهذا ذنب البرجوازية وحكوماتها كلّياً.
في نحو 80% من الحالات، تكون أعراض كوڤيد_19 مشابهة لأعراض البرد أو الانفلونزا العادية. نحو 20% من الحالات تكون أكثر حدة، بنسبة وفيات إجمالية تبلغ 3.4%. معدلات الوفيات أدنى بالنسبة للشباب (نحو 1%) وأعلى (نحو 15%) بالنسبة لمن تزيد أعمارهم عن الستين.
الحالات الأكثر حدة تتطور إلى التهاب رئوي، والحالات الأكثر خطورة تتطلب تدخل أجهزة المساعدة على التنفس ميكانيكيا، في وحدات العناية المركزة.
هذا يعني أنه على مدى الشهور الثلاثة أو الأربعة المقبلة، ستكون الخدمات الطبية في البلدان المتضررة غارقة تماما، وتدنو من الانهيار التام في عدة أماكن. طوابير المشافي الطويلة، وشح الموارد الضرورية كالمعقمات، والأقنعة الطبية، والاختبارات التشخيصية، ستكوّن واقعنا اليومي.
والأخطر من هذا هو نقص الأسرّة في وحدات العناية المركزة، خاصة عندما يرافق ذلك غياب المساواة بالرعاية في النظام الطبي الرأسمالي. الأغنياء سيكون لديهم القليل من المشاكل في تلقي العناية الطبية التي يحتاجونها بالمؤسسات الخاصة. الفقراء الذين تركوا دون مؤسسات ترعاهم سيموتون.
تدابير العزل الاجتماعي، وتوسيع مرافق العناية المركزة، يمكن أن توقف انتشار المرض. بدا أن هذا هو الحال بعد إخفاء المعلومات حول كوڤيد_19، حيث اتخذت الحكومة الصينية خطوات جذرية لمواجهة المرض، فارضة تدابير الحجر الصحي في مدينة ووهان، والتي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة. الحكومة الإيطالية اتخذت تدابير مشابهة عقب الانفجار الدراماتيكي للمرض في بلادها. في كلا الموقعين، كانت حصيلة المصابين بكوڤيد_19 هائلة.
علامات البربرية الرأسمالية
والآن، بما أنه يستحيل إخفاء الوباء، تحاول الحكومات تعليق اللوم على شماعة الطبيعة، أو أن تجعل من الأجانب “كبش فداء”. هذه المحاولات لإلقاء اللوم غالبا ما تجر وراءها أيديولوجيا عنصرية. الحكومات تفرض المزيد والمزيد من الإجراءات الاستبدادية لقمع ردة الفعل الشعبية.
في الحلقة المكتملة، تلوم هذه الحكومات كوڤيد_19 على الأزمة الاقتصادية التي تولدت حديثا. لكن هذا الوباء كان مجرد الشرارة التي أشعلت فتيل الذعر الاقتصادي، والذي أخذ بالتشكل ليكون بسوء ركود الأعوام 2007_ 2009، أو ربما أسوأ. يبدو من المحتمل أن كوڤيد_19 قد يلعب دورا مشابها في الأزمة المقبلة لما فعله انهيار بنك ليمان براذرز عام 2008، ليس كسبب للأزمة، ولكن كعلامة على وصولها.
في ساعة الأزمة هذه، دأبت الحكومات على تطبيق إجراءات بهدف حماية الشركات الكبرى، ولكن ليس الطبقة العاملة أو غير المستقرة.
ترمب وعد بالمزيد من الحوافز المالية للشركات، بما يتضمن الصناعات الدوائية. الحكومات في أوروبا وعبر أرجاء بقية العالم تفعل الشيء ذاته. في ذات الوقت فإن هذه الحكومات اتخذت تدابير محدودة فقط ضد الوباء نفسه، تقريبا بعد بضعة أسابيع من تمكنها من اتخاذ الإجراءات الحاسمة لتجنب الأزمة القادمة أو التخفيف من وطأتها.
من السهل إدراك أن تمازج الأزمات الاقتصادية والطبية لا يؤدي إلا لتفاقم المعاناة والبؤس حول العالم. يتحتم علينا التحديق في وجه هذه الكارثة ومحاربتها.
برنامج طوارئ للطبقة العاملة لمواجهة هذه الأزمة
نحن نؤمن بأن حياة العمال أكثر أهمية من أرباح الشركات. وبالتالي، فإننا نقترح برنامجا مناهضا للرأسمالية لمواجهة هذه الأزمة:
1- الطريقة الحقيقية الوحيدة المتاحة أمامنا للحد من انتشار الوباء هي العزل الاجتماعي_ ليبقى كل في منزله. ولكن كيف يمكننا تحقيق هذا؟
الناس لديهم الحق في البقاء بالمنزل ويستحقون الاستمرار تلقي على الأجور خلال هذه الفترة. إنها مهزلة أن تطالب الحكومات بالعزل الاجتماعي مع الإبقاء على تشغيل المصانع. الإضرابات الإيطالية دفاعا عن حقوق الناس في البقاء بمنازلهم بعيدا عن العمل، والتي كانت بمثابة ضربات شرسة ضد رغبات الارستقراطية العمالية، نموذج ينبغي على العالم بأسره الاقتداء به.
إننا نؤيد التوقف التام عن العمل، باستثناءات قليلة للشركات المخصصة لإنتاج وتوزيع الغذاء، والدواء، والموارد الأخرى الضرورية للتعامل مع الأزمة الراهنة. العمال المنخرطون في هذا العمل الضروري يحتاجون للحماية من الفيروس في العمل إلى أقصى حد ممكن.
2- ولكن كيف يمكن للعمال غير المستقرين التوقف عن العمل لشهرين، أو ثلاثة، أو أكثر، دون التضور جوعا؟ إننا نطالب بعلاوة عامة تكافئ متوسط راتب العمل، من أجل حماية مقدرة الجميع على الحجر الصحي الذاتي، بما يتضمن العاطلين عن العمل، أو العاملين لحسابهم الخاص.
3- البقاء في المنزل له أهمية حاسمة خلال هذه الجائحة. ولكن أية منازل هي التي سيبقى فيها الناس؟ جزء هام من الطبقة العاملة يعيش في ظروف غير صحية، مكتظة بالأطفال وكبار السن على حد سواء. إننا نطالب بمصادرة الشقق والمنازل غير المستخدمة حاليا، وكذلك الأمر بالنسبة للفنادق، من أجل نقل أولئك الذين ليس لديهم سكن لائق.
4-رعاية صحية مجانية وشاملة للجميع. إننا بحاجة إلى حشد كامل لكل البنية التحتية الطبية، وتخصيص المباني والمعدات وفقا للضرورة، من أجل تلبية احتياجات الناس الطبية.
5- توزيع مجاني لمعقم الأيدي، والأقنعة، والأدوية للجميع. من غير المعقول أن يكون غالبية السكان محرومين هذه التدابير الوقائية الأساسية.
6- اختبارات كوڤيد_19 مجانية ومتاحة لكافة المرضى. يعد هذا ضروريا حتى نتمكن من تشخيص الحالات التي تعاني من أعراض قليلة أو معدومة، ولكنها رغم ذلك قادرة على نشر العدوى. دون تدابير احترازية كافية يستحيل تحديد عدد المصابين، ناهيك بالسيطرة على انتشار المرض. حتى الدول الرأسمالية ككوريا الجنوبية امتلكت القدرة على اتخاذ مثل هذه التدابير، محققة نجاحا كبيرا.
7- تأميم الخدمات الطبية، ليشمل مصادرة المستشفيات الخاصة ومراكز العناية المركزة. ويجب استكمال هذا ببناء مستشفيات ووحدات عناية جديدة.
حيث تستوجب الضرورة، يجب تشييد مستشفيات ووحدات عناية مركزة بأسرع وقت ممكن. إننا بحاجة إلى وضع حد فوري للامساواة في العناية الصحية. من غير المعقول أن يكون عدد أسرة العناية المركزة محدودا، ما يقود إلى وفاة آلاف الفقراء.
8- مصادرة الصناعات الدوائية، لضمان إنتاج وتوزيع الأدوية المجانية.
9- الحكومات ستدعي عدم توفر المال لتمويل المطالب أعلاه. هذا غير صحيح، بالطبع، ولكن سيكون من الضروري التراجع عن الإصلاحات النيوليبرالية للعقود الماضية، لكي نتمكن من وضع اليد على هذه الموارد. إننا نطالب بإنهاء عملية إنقاذ الشركات العملاقة. آن الأوان لاستخدام هذه الأموال من أجل إنقاذ حياة الناس، عوضا عن تنجيد محافظ الرأسماليين.
يجب على الدول شبه المستعمرة وغيرها من البلدان التابعة أن ترفض تسديد الديون الدولية، وأن تستخدم هذه الأموال، عوضا عن ذلك، لتمويل وحماية اقتصاداتها المحلية، وأنظمة الرعاية الصحية الطارئة.
10- من الضروري إعادة هيكلة الاقتصاد بشكل أساسي، حتى نتمكن من معالجة الكارثة التي تهددنا. نحن بحاجة إلى تطبيق خطة طوارئ، بقيادة الطبقة العاملة، من أجل مواجهة الجائحة.
العالم سيكون مختلفا تماما في حال إعادة توجيه الاقتصاد استجابة لاحتياجات الطبقة العاملة، عوضا عن نزوات الأعمال الكبرى. لهذا السبب ندافع عن الاشتراكية، إلى جانب مصادرة الصناعة، والاقتصاد المخطط والديمقراطية العمالية.
إننا ندعو كافة الحراكات الجماهيرية للاتحاد من أجل جعل هذه المطالب واقعا. إننا ندعو العمال والفقراء في جميع أنحاء العالم إلى التمرد ضد حكوماتنا القاتلة.
ترجمة تامر خورما