|
صندوق النقد الدولي وفيروس ترامب
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 11:30
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
إعداد: جورج حداد*
تأسس صندوق النقد الدولي، الى جانب البنك الدولي، في نهاية الحرب العالمية الثانية، كمؤسستين تابعتين لهيئة الامم المتحدة. والاهداف المعلنة لانشاء الصندوق هي مراقبة حسن سير الدورة المالية العالمية، وعدم حدوث الخلل والاضطراب في اسواق صرف وتبادل العملات، ومساعدة البلدان الضعيفة والمتضررة من الحرب في تحقيق نهضتها المالية والاقتصادية. وساهمت في تأسيس الصندوق 44 دولة منها روسيا والصين. ويجري اتخاذ القرارات بالتصويت في مجلس ادارة الصندوق بموجب حصة مساهمة كل دولة في الرأسمال التأسيسي. وتملك اميركا اكبر حصة مساهمة بنسبة تبلغ حوالى 18%. ويقع مركز الصندوق في واشنطن بأميركا. ولكن التجربة الملموسة اثبتت ان الاهداف المعلنة هي شيء، والواقع هو شيء اخر تماما. فطوال الـ70 سنة المنصرمة استخدمت الولايات المتحدة الاميركية الصندوق من اجل فرض هيمنتها على الدورة المالية العالمية، وتأمين مصالحها على حساب مصالح جميع الدول الاخرى، وتخريب اقتصادات شتى الدول وتحويلها الى مستعمرات مالية لها. ولتحقيق غاياتها كانت الولايات المتحدة تمتلك من وراء الستار وامامه، ليس فقط السيطرة على الدولار وحركته، بل وعلى آليات عمل مرتبطة بصندوق النقد الدولي. كيف تقوم المؤسسات الدولية بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى؟ بأية طرق تقوم المؤسسات المالية بالتلاعب بمقدرات اي دولة اجنبية؟ ما هو الدور الفعلي لصندوق النقد الدولي في الجيوسياسة الدولية؟ مثل هذه الاسئلة ينبغي على كل مراقب ومحلل موضوعي ان يجيب عليها. وليكون من الواضح عن اي مصالح يدافع صندوق النقد الدولي، ينبغي الاعتراف انه يدافع عن المصالح الاميركية كليا. والبنية الداخلية للصندوق هي مغطاة بستار دمقراطي في الشكل. ولكنها مبنية بطريقة لتؤمن السيطرة الكاملة لاميركا على قرارات وخطة عمل مجلس ادارة الصندوق. ويمكن تشبيه آليية عمل الصندوق بـ"الفيروس المالي القاتل". ونشير بالاخص الى ما يمكن تسميته "القتلة الاقتصاديين". وهؤلاء هم مجموعة من الخبراء التابعين لصندوق النقد الدولي. وبالشكل هم يمثلون الصندوق كمؤسسة. ولكن في الواقع هم خاضعون تماما للمصالح المالية لاميركا، وتقوم مهمتهم على مراقبة كيف تنفذ شروط المقرضين في كل دولة تتلقى قرضا. ويقوم هؤلاء "القتلة" برشوة الحكام والمسؤولين في الدولة المرشحة للحصول على قرض، ويطالبونهم بالمقابل بتنفيذ بعض الشروط، كخصخصة قطاعات حيوية معينة، والحصول على تراخيص زراعية كبيرة، وتراخيص انشاء سلسلة مطاعم كبرى ومخازن كبرى او ما يسمى "مولات". وبموجب هذه التراخيص تتغلغل الشركات الاحتكارية الاميركية في اقتصاد البلد المعين، وتقوم بزراعة الانواع المعدلة وراثيا، الضارة بالصحة ولكن الادنى تكلفة وتكتسح السوق المحلية بالاسعار الرخيصة وتقضي على الانتاج الزراعي الوطني الطبيعي. اما المطاعم والمخازن الكبرى الجديدة فإنها تعتمد سياسة تقديم الخدمات وبيع السلع باسعار رخيصة حتى تقضي على المنتوجات الوطنية، ومن ثم تعمد الى التحكم بالاسعار كما تشاء. كما يقترح هؤلاء الخبراء ـ القتلة فتح فرع لبنك اميركي محدد (JPMorgan مثلا) ومن ثم ستكون مسألة القرض محلولة. ومعلوم انه يعمل في بنك JPMorgan اكثر من 250 الف موظف في كافة ارجاء العالم، ويبلغ رأسماله مئات مليارات الدولارات. وبمجيئه الى البلد المعين يعمل البنك الاميركي JPMorgan (او غيره) على تخفيض قيمة خدماته البنكية، عاملا حتى بخسارة، مما يؤدي الى زعزعة وافلاس البنوك الوطنية لذلك البلد، واضطرارها للخضوع للبنك الاميركي و"التنسيق" معه، ومن ثم السيطرة الاميركية التامة على الدورة المالية في البلد الحاصل على القرض. وبكلمات مختصرة فإن صندوق النقد الدولي، وطبعا الى جانبه البنك الدولي، يعملان بطريقة تهدف الى ابقاء 1% من سكان العالم يحوزون موارد تعادل وتفوق ملكية الـ99% من سكان الكرة الارضية. وبالطبع ان الدول والبلدان التي تتحدى هذا النظام الغربي العالمي الظالم، والتي ترفض الخضوع للقواعد المعمول بها بموجب هذا النظام، يتم شيطنتها والاعلان عنها بأنها اعداء للاستقرار والسلم والدمقراطية. وهذا هو في المرحلة الراهنة وضع روسيا وايران والصين وفينزويلا وكوبا وكوريا الشمالية. وتجدر الاشارة الى انه في تسعينات القرن الماضي، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وقعت الفيديرالية الروسية في براثن نظام القروض الاجنبية، وسيطر الاوليغارشيون الفاسدون واليهود المرتبطون بالغرب على قطاع البنوك والاعلام وشبكة التجارة، وتغلغلوا في قطاع النفط والغاز والصناعة المنجمية، ونشأ خطر القضاء التام على الزراعة الوطنية والصناعة ولا سيما المجمع الصناعي الحربي، ومن ثم القضاء على الجيش الروسي بطريقة "القتل الاقتصادي"، والقي حينذاك ملايين المزارعين والحرفيين والعمال في الشوارع، ولاحت في الافق مخاطر مجاعة حقيقية. ولكن مع صعود النهضة القومية ـ الاورثوذوكسية الروسية الجديدة، ومجيء بوتين الى السلطة، بدأت روسيا في الصراع القاسي للخروج من هذه الازمة المصيرية، فتم ضرب الاوليغارشية واليهود الروس الموالين للغرب، ووضعت روسيا الجديدة نصب عينيها هدف التخلص من القروض الاجنبية، واحتاجت لحوالى 10 ـ 15 سنة لتحقيق هذا الهدف. وكان المقرضون الاجانب يتحايلون ويتلكأون في الحصول على قروضهم. وقد نشأ في تلك الفترة ـ وخاصة ابان الازمة مع جورجيا والازمة الاولى مع اوكرانيا في 2008 ـ نشأ خطر تدخل عسكري اميركي ـ ناتوي ضد روسيا. ولكن روسيا نفضت الغبار عن الصواريخ والاسلحة النووية الموروثة من العهد السوفياتي وهددت بشن هجوم نووي معاكس وشامل، ضد اي اعتداء على الاراضي الروسية. ومع استتباب الامر للسلطة القومية الروسية الجديدة بقيادة بوتين، بدأت روسيا ـ بالتعاون الوثيق مع الصين الشعبية والجمهورية الاسلامية الايرانية ـ المعركة الطويلة لنزع الدولرة عن الاقتصاد العالمي، وقد بدأت تتحقق نتائج كبرى على هذا الصعيد. والان يشهد العالم معركتين كبريين: الاولى ـ المعركة ضد فيروس كورونا. والثانية ـ المعركة الاقتصادية الكبرى لتحرير قطاع النفط العالمي من سيطرة الاحتكارات الاميركية، خصوصا بواسطة تابعها الذليل: المملكة السعودية البن سلمانية، التي عمدت الى تخفيض اسعار النفط لاجبار روسيا على خفض انتاجها. ولكن روسيا رفضت بشدة تخفيض انتاجها. ويقول الخبراء ان روسيا اكثر قدرة من السعودية وزعانفها الخليجية على تخفيض اسعار النفط لان الاقتصاد الروسي لا يرتبط بالنفط والغاز فقط بل هو اقتصاد متكامل صناعي ـ زراعي ـ خاماتي. وفي هذه المعركة تتعاون روسيا تعاونا وثيقا مع الجمهورية الاسلامية الايرانية ومع الصين الشعبية: اكبر مستورد للنفط والغاز في العالم. وعلى هذه الخلفية يمكن القول ان العالم يخوض الان معركتين: معركة التخلص من فيروس كورونا؛ ومعركة التخلص من فيروس ترامب، الذي يمثل تماما النزعة التسلطية ونظام الهيمنة المالية والاقتصادية لاميركا. ــــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطر العدوان على الابواب والخاصرة الرخوة للمقاومة في لبنان
-
انهيار اسعار النفط والبورصات وانقلاب السحر على الساحر
-
لبنان بيضة القبان وتركيا ستخسر معركة النفط والغاز
-
النزاع التركي اليوناني والنفط والغاز في شرقي المتوسط
-
فينزويلا شوكة في حلق الامبريالية الاميركية
-
البحر الاسود والبلقان في المواجهة الستراتيحية بين الناتو ورو
...
-
سقوط النظام العالمي -الليبيرالي- لاميركا
-
تغييرات مهمة في تركيبة النظام السياسي الروسي
-
ترامب يقود اميركا من هزيمة الى هزيمة
-
تدهور العلاقات بين اميركا والاتحاد الاوروبي
-
رغم العقوبات الاميركية الغاز الروسي يشق طريقه الى اوروبا
-
ميلاد السيد المسيح وبعض ما رافقه من احداث كبرى
-
حلف الناتو يحشرج قبل الموت
-
كوريا الشمالية تستأنف تسلحها واميركا تبتز كوريا الجنوبية
-
سقوط المشاعية البدائية بتدمير قرطاجة، وظهور المسيحية
-
ضرورة تأسيس الجبهة الشعبية اللبنانية للانقاذ الوطني
-
-ربيع الأميركان- في لبنان
-
فتور كبير في العلاقات الاميركية ـ الالمانية
-
الهندسة المالية تأخذ النظام الرأسمالي العالمي الى الاحتضار
-
ترامب يصعّد الحرب التجارية ضد الاتحاد الاوروبي
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|