|
حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور (7 )
خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب
(Khalid Goshan)
الحوار المتمدن-العدد: 6521 - 2020 / 3 / 23 - 00:06
المحور:
الادب والفن
هناك اسلوبين فى التعامل مع التراث الادبى وهما مع اختلاف النسب نفس الاسلوبين الذين نصطنعهما فى النظر الى تاريخنا وحضارتنا العربية فى مجملها
الاسلوب الاول هو اعتبارها غاية الغايات فى الاستواء والكمال باعتبارها تخطيط السماء لأهل الارض، واننا لو عدنا اليها لكفتنا مؤنة التسكع وراء مزيد من التامل والتفكير
وانعكاس هذه النظرية فى مجال الادب يعنى تجسيم عظمة الادب العربى والاستغناء به عن كل ادب سواه ، وهكذا يغلق اصحاب هذا الاسلوب عقولهم اذاء كل ما لم يألفوه، ويعيشون فى ظلال باهته من ماض قديم ، ويخبط بعضهم فى بعض ، ويلعنون الزمان والايام
اما الاسلوب الثانى فهو محاكمة هذه الحضارة بمنطق العصر الحديث ،ثم محاكمة ادبها بمنطق الادب المعاصر ، وعندئذ لايبقى منه صالحا للحياة الا اقل القليل
وكلا الاسلوبين قاصر الرؤية وربما يكون الاول ناجما عن استيلاء الغرب على عالمنا فترة ليست بالقصيرة ، وانتهاكه لوجودنا وكرامتنا ، فكان الهدف تكوين قشرة تحمينا ، كما يفعل الفقير المفلس فى العودة الى ذكريات ثراء ابائه واجداده محاولا ان يجد فى عالمهم الوهمى عوضا عن تواضع حاضره
اما الاسلوب الثانى فهو استخذاء مستسلم ومحاولة من الضعيف للتشبه بالقوى فى اخص خصائصه
وقصور الرؤية فى الاثنين يعود للخلط اولا بين التاريخ العربى والادب العربى، وهذا خطأ فالادب العربى ليس مجرد تسجيل للتاريخ وانعكاس لاحداثه ، بل هو كيان مستقل
اما الخلط الثانى فهو الخلط بين الثقافة المعاصرة والسياسة المعاصر ، فليس لشكسبير جريرة فى احتلال انجلترا لمصر فى عام 1882، بل قد يكون لقراءته هو وامثاله دورا فى تنبيه الوعى المصرى فى ضرورة رحيل الانجليز
ولو خلصنا من هذا الخلط المزدوج لادركنا ان الثقافة يجب ان تعامل ككيان مستقل، وانها لا تنتمى الا لنفسها ، فمما لاشك فيه ان ابن خلدون اقرب الى دوركهايم وتوينبى منه الى ملايين العرب ممن لم يسمعوا باسمه
كما ان دانتى اقرب الى اليوت منه الى النادل الايطالى فى مقهى بهذا الفهم حاولت ان انظر الى الموروث الادبى ، وفى ظنى ان الادب العربى ينتمى الى مجموعة الاداب القديمة ، اليونانية واللاتينية بل والمصرية القديمة والصينية والهندية
والادب العربى هنا هو هذا التراث الذى حفطه لنا الرواة والمؤلفون وابدعه اللسان العربى بين القرنين الخامس والثالث عشر الميلادى
وعلى الذين يشجبون الفية ابن مالك ان يذكروا ان اليونان كانوا ينظمون معظم معارفهم شعرا حتى الجغرافيا والفلك ، لان النثر لم يكن قد استقل بعد بعالمه وملامحة الفنية
وعلى الذين ينعون على الادب العربى افتقاده فن الراوية الحديثة ان يذكروا انها لم تنشأ الا فى القرن الثامن عشر
ان الادب العربى اذن هو احد الاداب الكلاسيكية الكبرى فيه طابعها وله عالمها، وهو يقف بينها معتزا باصالته ووجوده واسهامه الحى فى تطوير التجربة الادبية فى العالم
وهنا لا نظلمه ولا نحابيه حين ندافع عن سماته متوهمين انها عيوب وما هى الا سمات كل ادب عرفته الدنيا قبل عصر النهضة لقد تغير العالم كثيرا منذ عصر النهضة فتميز الشعر عن النثر ، واستقل النثر بعالمه ووجد نقاد جدد غير ارسطو الذى عاشت عليه الحضارات اليونانية والرومانية والعربية
واعيد النظر فى التراث الادبى كله ، وامتد التغيير الى كل الفنون ونشأت فنون جديد مثل السينما
ومن الحق ان هذه الحضارة الحديثة كان موطن نشوئها غرب اوربا ولكنها الان تمتد على مدى العالم كله، انها حضارة العالم الحديث
ان هذه الحضارة الحديثة تريد ان توفق بين الفرد والمجتمع، وبين الدين والعلم ، وبين العقل والخيال ، وبين الحرية والتخطيط ، من خلال مخاض شاق عسير وانواع مختلفة ومروعة من الفشل والاحباط
اما الادب والفن فهما يطمحان من خلال مخاضهما ، وماسيهما وانتصاراتهم ، الى انارة الطريق للانسانية الجديدة ولهذا الانسان الجديد
وكما ان الحضارة الحديثة ملك للانسان ، فى اى مكان يستطيع ان ينهل منها ، فكذلك شان الادب والفن الثقافة اذن تراث حى متصل بين الماضى والحاضر ، متجهة نحو المستقبل ، وليست دراسة موطن نشأتها الا لونا من القاء الاضواء عليها بغية مزيد من الفهم والاستنارة
وقد درجت فى السنوات الاخيرة على ان اوطن نفسى بقرابتى الى الشعراء فى كل اصقاع العالم، وفى كل فترة من تاريخه، بحيث انتظم موروثى الادبى ابا العلاء وشكسبير ، وابا نواس وبودلير ، وابن الرومى واليوت ، والشعر الجاهلى ولوركا
ولما كنت قارئا محترفا ، ومتاملا محترفا ايضا ، فقد حاولت ان المس بعض الامور عن قرب ، فرغم انكارى الكامل حين افتح ديوان لااحد الاعلام مثل البحترى ، فلا اجد فيه الا عشرات الابيات التى تنتسب الى الشعر الا انه احيانا يلقى بى الحظ ، عند بضعة ابيات صغيرة لاحد مغمورى الشعراء فاجد فيها نبضا رائعا من الشعر ووثبة محلقة فى الفكر والخيال ، وعندئذ ينتابنى سرور غامر كأنى لقيت صديقا قديما
لابد من الرؤية الشاملة لتراثنا الادبى وقراءته قراءة صحيحة مرتبة قرات كثيرا من الشعر العربى ربما معظمه ، ووجدت ان تراث الجاهلية تراث عظيم فى صدقه وفى احساسه بالطبيعة ، وذكرنى تراث الجاهلية ببعض اشعار لوركا وجون كيتس فى حيويتهما ، وادركت ان الشعر الجاهلى كان يفكر بجسمه
احببت من شعراء الجاهلية الاعشى وامرىء القيس ورغبت عن زهير ابن ابى سلمى ، وعشقت معلقة طرفة
وانصرفت متقززا عن المجموعة التى يتزعمها ثلاثة من الفرسان جرير والفرزدق والاخطل، واكتشفت شاعرين من عصر بنى امية هما حميد بن ثور الهلالى ووضاح اليمن
واحببت عمر بن ابى ربيعة ذكرنى ببول جيرالدى ، ومثلما كان بول جيرالدى شاعرا للضاربات على الالة الكاتبة وعاملات المتاجر ، كان عمر بن ابى ربيعة شاعر نساء للبرجوزية فى مكة والمدينة
وقرات الجزأين المطبوعين من ديوان بشار ، الشيىء الجميل فيه هو احساسة بالطعم والرائحة اما تجديده فسخيف اما ابو نواس فهو الشاعر المتمرد ، لقد وقع ضحية سوء فهمه لنفسه ، او خبث الطوية بتعبير سارتر ، فلقد ادانه المجتمع بمجرد ولادته من ام سيئة السمعة وارومة فارسية ، وفرض عليه ان يكسب عيشه بالملق ، فاثر الخلاعة سلوكا وشعرا ، كان يريد ان يفزع الطبقى الوسطى البغدادية بالحاده وتبدله وحدته فكان له ذلك لم تعط الدنيا ابا العلاء كثيرا وحرمته من نعمة البصر وخيبت سعيه فى كثير من مقاصده ، ولكنه علا عليها وعلى نفسه ليتحدث عن الحالة البشرية وهذا هو سر عظمته
ان ابا العلاء عندى هو ثلاثة ارباع الشعر العربى ، والربع الباقى يتقاسمه ابو نواس وابن الرومى وغيرهم
ولقد استرحت فى امر الشعر العربى الى نوع من اليقين حين قرأته ، فاحببت ما احببت وكرهت ما كرهت ، وتخيرت تراثى الخاص منه ، واختلط تراثى الخاص منه من كل شعر قراته بدءا من كتاب الموتى والالياذة ونهاية اخر ما قرات
ولم يكن دليلى الى تخير تراثى الخاص هو قيمة هذا الشعر فى لغته ، او تعبيره عن عصره ، ولكن قيمته فى اى لغة وتعبيره عن الانسان
ليس التراث تركة جامدة، ولكن حياة متجددة ، والماضى لا يحيا الا فى الحاضر ، وكل قصيدة لاتستطيع ان تمد عمرها الى المستقبل لاتستحق ان تكون تراثا والى مقال قادم والخاتمة
#خالد_محمد_جوشن (هاشتاغ)
Khalid_Goshan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كورونا فضحت الكل
-
حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور6
-
حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور 5
-
الصبى الوطواط
-
الرعب
-
حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور4
-
وطة
-
حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور (3 )
-
حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور (2 )
-
موت سندريلا اخرى
-
حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور
-
متى يخرج الدين ؟
-
ثورة يوليو خير وشر
-
الدكتور زكى مبارك امير البيان
-
يوميات عادية جدا 5
-
معونة الشتاء
-
وكأنه شخص أخر
-
اعلام الفلسفة السياسية المعاصره جون رولز (2) نظرية فى العدل
...
-
الكتابة ذلك العذاب
-
اعلام الفلسفة السياسية المعاصرة جون رولز (1) نظرية فى العدل
...
المزيد.....
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|