بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 6519 - 2020 / 3 / 20 - 15:48
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مباحث في الاستخبارات (212)
المعلومات الاعلامية
بشير الوندي
-----------
مدخل
-----------
المعلومات الاعلامية هي معلومات علنية يمكن لأي شخص ان يحصل عليها من خلال ماتنشره وسائل الاعلام والاخبار العامة (صحف , كتب , دراسات , بحوث , تلفزيون , راديو , موتمرات , مولفات , مجلات , وسائل تواصل بانواعها ) , وهي معلومات قد لاتبدو هامة بسبب علانيتها , الا ان التحصل عليها وجمعها وتحليلها استخبارياً يجعلها رافداً استخبارياً هاماً, وسنبين في هذا المبحث اهمية المعلومة الاعلامية .
-----------------------------------
بين الاعلام والاستخبارات
-----------------------------------
سبق ان ذكرنا في مبحث (انظر مبحث ٨٨ الاعلام والاستخبارات). الصراع الخفي بين وسائل الاعلام والاجهزة الاستخبارية , وان كليهما يستهدفان الرأي العام او الجمهور , سواء كان بشكل دولي عالمي او كان بشكل محلي , وسواء كان الاستهداف دفاعي او هجومي , ففي الاستهداف الهجومي يقوم الاثنان بالتسويق والدعاية وترسيخ مايؤمنان به من اتجاهات ومباديء , واعتماد اساليب التسقيط وحرب الشائعات والفضائح والتوريط وفي الاسلوب الدفاعي يقوم الاثنان بالحملات المضادة للذود عما يحتاجان الى الصد عنه وتدعيمه ومنع الاعداء من النيل منه , ولأهمية الاعلام لا تتركه اجهزة الاستخبارات للاعلاميين , الا اننا في هذا المبحث نتناول المعلومة الاعلامية كمعلومة استخبارية , وليس الصراع بين وسائل الاعلام والاجهزة الاستخبارية.
----------------------------------
اهمية المعلومة الاعلامية
----------------------------------
تشكل المعلومات الاعلامية 50% من المعلومات الاستخبارية , بل ان بعض المحللين يجعلها مصدراً ل90% من المعلومات الاستخبارية انظر (مبحث ٢٤ المصادر العلنية ) , فأضخم ذراع يستحصل معلومات استخبارية هو الذراع العلني , وهي تكمل انواع التصنيفات التسع التي سبق ان ذكرناها لأنواع المعلومات الاستخبارية وهي :
١ معلومات الاشارة
٢معلومات الاستكمال
٣ معلومات المعالجة
٤ المعلومات الهامة ( الاستراتيجية )
٥ المعلومات الوصفية
٦ المعلومات الكمية
٧ المعلومات الدورية
٨ المعلومات النقطوية
٩ المعلومات الاعتراضية
١٠ المعلومات الاعلامية
ولكي نكون دقيقين في التصنيف نقول ان علينا توخي الحذر اكاديمياً حين نجعل المعلومات الاعلامية ضمن انواع المعلومات الاستخبارية كنوع مستقل نظرياً , لسبب جوهري هو ان المعلومات الاعلامية قد توفر لنا اي من الانواع التسع التي ذكرناها ماعدا المعلومات الاستراتيجية , بمعنى ان المعلومة الاعلامية قد تكون ضمن اي من الانواع الثمان الاخرى او بمعنى اصح انها في احيان كثيرة تضخ معلومات لصالح ثمانية من انواع المعلومات الاستخبارية , كما سنبين .
--------------------
ملح المعلومات
--------------------
تبدو المعلومات الاعلامية كملح الطعام الذي يدخل في اغلب الوصفات , فقد تكون معلومة الاشارة معلومة اعلامية في ذات الوقت , ومثالها ان تقوم دولة ما بالاعلان في الاخبار انها اتمت تجربة صاروخية جديدة بنجاح .
وقد تكون معلومة استكمال , ومثالها ان تنشر مجلة عسكرية متخصصة معلومات اضافية عن التجربة الصاروخية تلك , او ان تنشر عن انتاج سلاح جديد يقوم به العدو .
وقد تكون المعلومة الاعلامية بمثابة معلومة معالجة , ومثالها ان تبحث الاجهزة الاستخبارية عن مشتبه به , وفجأة تنشر قناة تلفزيونية بثاً مباشراً عن مؤتمر في احد فنادق العاصمة يظهر فيه المشتبه به , فتسارع للقبض عليه.
وقد تكون المعلومة الاعلامية , معلومة وصفية , ومثالها أن يوفر موقع كوكل ايرث موقعاً استراتيجياً بالاحداثيات للعدو (في كتابنا الذي سيصدر قريباً بمجلدين بعنوان "الذئاب المنفردة" , تنبه الأف بي آي الى ان حاسوب أحد الارهابيين كان يحتوي على صور لمواقع مفاعلاتها النووية مأخوذ من تطبيق الكوكل ايرث , فقام بشطب المواقع الخطيرة من التطبيق ).
وقد تكون المعلومات الاعلامية في ذات الوقت معلومة كميّة , ومثالها الاحصائيات التي تصدرها الدراسات والدوريات عن بلد العدو , سواء كانت احصاءآت اقتصادية او اجتماعية وغيرها.
وقد تكون المعلومة الاعلامية معلومة نقطوية في ذات الوقت , ومثالها ان نحصل على صورة ارهابي خطير لانمتلك صورة له , لكن من خلال مادة فيلمية نشرها تنظيم داعش ضمن احدى اصداراته عرضاً نتحصل على صورته , كما حصل حين اكتشفت الاستخبارات الفرنسية هوية الذباح الفرنسي في صفوف داعش في الرقة , من خلال احدى الاصدارات التي اظهرته ملثماً وهو يذبح احد الصحفيين حيث استدلت من عينيه الجاحضتين ومن نبرة صوته على شخصيته .
وقد تكون المعلومة الاعلامية هي معلومات دورية في ذات الوقت , ومثالها ان تعرف الاجهزة الاستخبارية من خلال احد اصدارات التنظيم الارهابي ان أمير الجماعة الارهابية هو من يؤم جماعته في الصلاة في مسجد محدد دوماً , وهنا تعرف الاجهزة الاستخبارية مساره اليومي .
وقد تكون المعلومة الاعلامية اعتراضية , اي تدلنا عمّا يعرفه العدو عنا , وهو مايحصل حين يتبجح قائد من قوات العدو في لقاء اعلامي من ان صواريخه يصل مداها الى المدينة الفلانية تحديداً , فلو كانت تلك المدينة فيها مشروع عسكري سري لنا , فهذا يعني ان العدو يعرف عن هذا المشروع ويسعى وراءه.
ان تلك الامثلة تبرز لنا مدى قيمة المعلومات الاعلامية التي يمكن من متابعتها ان توفر الكثير من انواع المعلومات بإستثناء المعلومات الاستراتيجية التي يصعب الحصول عليها الا من خلال وثائق سرية للغاية وعن طريق عملاء قريبون من مصدر قرار العدو .
----------------------------------------------
فوضى المعلومات والعالم الافتراضي
----------------------------------------------
لاتقف المعلومات الاعلامية على ماتنشره الجهات الاعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية , فهي تشمل كل النشاطات المعلوماتية العلنية للافراد والجماعات سواءكانت موجهة او غير ذلك , وهنا تبرز المعلومات التي تُبث وتنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي بكافة اشكالها .
وقد ادى ذلك الى مضاعفة كم المعلومات العلنية الاعلامية منذ انتشار العالم السيبراني الى مديات واسعة , فتوسعت معها المعلومات الاعلامية بشكل كبير جداً , وهنا مكمن المشكلة .
فكما نعرف في علم الاستخبارات , فإن اغراق الجهاز الاستخباري بكمية المعلومات هو عمل مرهق جداً يجعل التحليل عملية شبه مستحيلة مالم يتم الامساك بقوة بطرف الخيط , ومالم يكون المحللون مسلحون بثقافة واسعة وقدرة على تجنب التشويش سواء كان مقصوداً ام لا , فالمعلومات العلنية قد تكون سهلة التحصيل لكنها صعبة التمحيص .
ان العالم الافتراضي عالم متخوم بالمعلومات , ولم تعد الدول تستطيع السيطرة عليه دفاعياً , فهو مجهد جداً ويتزايد وينتشر بحكم ان الجيل الجديد يفتح عينيه عليه ويتقنه , وهو امر يسهل اكتشافه من تردي خط اليد , لأن الجميع يكتب عن طريق لوحات المفاتيح .
فالرقابة على هذا العالم اصبحت شبه مستحيلة خاصة من قبل دول مثل الدول العربية , بل حتى من قبل القائمين على مواقع التواصل الاجتماعي , الامر الذي دعاها لإستخدام خوارزميات خاصة للرصد , كما في رصد التغريدات العنفية او المواقع الجنسية والدارك ويب وسواها.
ويبدو الامر في الدول العربية , ووسط الشعوب التي ينتشر فيها الفساد والتخلف والامية , وتلك التي رزحت , وترزح , تحت انظمة دكتاتورية او ديموقراطيات فاسدة تستمريء تجهيل شعوبها .
فترى في تلك الدول انتشار انواع الاخبار , والاشاعات الصادقة والكاذبة , والبيانات , والتحريض , واسرار الدولة , والعواجل , والتحذيرات , والتجمعات , ولايقف الامر لدى الجهلة (تعليمياً) , فهنالك كروبات تدعي انها الطبقة المثقفة في المجتمع تحمل عنوان دكتور , مهندس , جنرال , شيخ , استاذ , قاضي , فنان , سفير ..وغير ذلك , لكن حالها وتعليقاتها وألفاظها لا تختلف كثيرا عن سواها , لان الجميع ابن البيئة , فاذا كانت البيئة منتجة للتجهيل , فلا تنفع هنا العناوين .
ان المعلومات المنتشرة في العلن تكاد تجعل الاستخبارات في حالة تخمة , ورغم انها ثمينة للغاية , الا انها قد تكون اكثر بألف مرة عن حاجة الاستخبارات , لكنها برغم ذلك تبقى بحراً تستطيع الاستخبارات ان تنهل منه الكثير من الاسرار وتكشف الكثير من المؤامرات .
فالاستخبارات المحترفة هي التي تذهب الى الاصطياد بالسنارة وليس بالشبكة , اي انها تستخدم نوع خاص من الطعم , ومكان محدد لنوع معين من الاسماك , حتى تصطاد السمكة التي تريدها , لان الاصطياد بالشبكة يشل العقل التحليلي ويجعل الاستخبارات مصابة بالشلل والتخبط بسبب الحجم الهائل من التضارب.
فمثلاً , كانت داعش عراقية وبتأسيس وتنفيذ عراقي , وهي اخطر واعنف نوع من انواع التشدد الإسلامي , لكن كان الجميع يصرخ : داعش عربية ..داعش اجنبية ..الى غير ذلك , فضاع الصواب من الخطأ , فرجل الاستخبارات الناجح هو من يمتلك الرؤية الصحيحة الاساسية , ثم يبحث عن التمويل والتسليح وغير ذلك .
والآن نفس الشيء في العراق على مواقع التواصل ترى متاهات من الاصطلاحات : ذيل , جوكر , مندس , احزاب , حرق , مولوتوف , مكافحة الدوام , عصابات , تمويل ايران , تمويل الامارات , تمويل امريكا , السفارة , فعندما تكثر المعلومات تضيع الحقيقة , والحقيقة هي في الاجابة عن السؤال المهم : من هم هؤلاء ؟ والجواب , انهم ببساطة نتاج بيئة غير صالحة افرزت انسان مستهتر يغلق مدرسة ويهين معلم ويقتل طفل , دون انكار ان هنالك عوامل وتدخلات مساعدة , لكن المشكلة في هذا النوع من الاشخاص .
اما ان تغرق اجهزتنا الاستخبارية في البحث عن عوامل خارجية وتترك الحقيقة , وان السنن الالهية والاجتماعية تقول لا نغير شيء قبل ان تتغير النفس .
فكيف لا يحكمنا سارق والجميع يسرق : المعلم يسرق وقت الطالب ويطلب درس خصوصي ويترحم على زمن الطاغية ونسى كيف كان يعيش , والضابط ياخذ رشوة ويمتلك عجلة لكزز , وهو يحمل نجمه واحدة , اي لو كان برتبة رائد , وجمع كل رواتبه فلا تكفي لشراءها , وتراه يترحم على زمن صدام عندما كان يعدم الضابط لانه استمع نكتة ولم يبلغ , والطبيب يسرق , والصحفي وصاحب المولدة وسائق التكسي , فكيف لا يكون السياسي فاسد , وبالطبع لانتحدث عن استثناءآت.
فهذا العالم الافتراضي الذي اصبح مليء بالكراهية والعنف عراقياً , هو بحر معلومات استخبارية , وكذا المواقع الاخبارية والمرئيات والمقروءة والمسموعة كلها اصبحت متسارعة , لكن الجهاز الاستخباري الذكي هو الذي يعرف مايريد , والذي يقلب السحر على الساحر ويجمع المعلومات الدقيقة وسط الامواج المتلاطمة , وحينها سيكون الجهاز الاستخباري مسترخ وواعٍ في ذات الوقت ويعلم اين يبحث وعن ماذا يرصد , وماذا يترك , كي لايغرق في تفاصيل لاقيمة لها , فيعمل بفعل الجراح الذي يعرف دقة عمله وسط عشرات تفاصيل الاحشاء , ولايفقد تركيزه فيقتل المريض ولايعالجه.
-----------
خلاصة
-----------
المعلومة الاعلامية , هي كنز متاح لمن يعرف قيمته , فهو مادة متداولة ومتاحة للجميع , الا انها تشبه المادة الكيميائية المخففة التي تحتاج الى تركيزها لنستخرج منها الخلاصة , ولكي نفعل ذلك لابد من ان نعرف عن ماذا نبحث واين , دون ان تتشوش بوصلتنا , فالمعلومات الاعلامية في عصرنا الحاضر هائلة الكبر وضخمة , ومالم نعرف كيف واين نبحث سنتوه , فلا ينفع من يستجدي مالاً ان تصدمه بشاحنة محملة بأطنان من الدولارات , فحينها ستسحقه ويموت ولايتمتع بها , والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟