محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 6487 - 2020 / 2 / 9 - 17:40
المحور:
الادب والفن
"عندما تشيخ الذئاب"، رواية ممتعة لجمال ناجي. والإمتاع في رأيي هو شرط أساس لكلّ كتابة سردية ناجحة. ولا يكتفي جمال ناجي بإمتاع قرّائه وحسب، بل إنّه يأخذهم إلى أكثر القضايا سخونة في مجتمعاتنا العربية: السياسة والجنس والدين، حيث تظلّ الكتابة في هذا الثالوث الإشكاليّ محاطة بتحفّظ المؤسّسات الرسميّة الحاكمة والهيئات غير الرسمية المتزمّتة في مجتمعاتنا، وكذلك حماة التقاليد الساهرين، إنْ صدقًا وإنْ كذبًا، على قيم المحافظة والجمود.
ولا ينصّبُ جمال ناجي من نفسه واعظًا أو مبشّرًا بضرورة التحرّر والتغيير، أي أنّه لا يطلّ على القارئ بشكل فجّ ليملي عليه نصوصًا فكرّيّة مكتوبة بشكل مباشر ممجوج. إنّه يترك الحرّيّة لشخوص روايته لكي يعبر كلّ منهم عن نفسه وفقًا لما تتطلّبه قناعاته ومعتقداته، وكذلك مصالحه وأهواؤه. كلّ واحد من هؤلاء الشخوص يتولّى السرد بضمير الأنا موضحًا كلّ ما يخطر بباله من قضايا، وما يلحّ على وجدانه من مشاعر.
ولا يقف جمال ناجي عند السطوح المنمّقة الزائفة، التي توحي بأنّ مجتمعاتنا غير مثقلة بالأخطاء والخطايا وبالسلب والنهب والاستغلال. فهو يترك هذه السطوح ويذهب إلى الأعماق الحقيقيّة للمجتمع وللناس. ويكشف بقدر كبير من النجاح كيف تنهار القيم في المجتمع! وكيف يتلوّن ذوو الامتيازات الطبقيَّة من الناس! وكيف يرتدون الأقنعة! ويتظاهرون بالتمسّك بالدين وهم يمارسون من الممارسات والنزوات ما يتعارض مع تعاليم الدين، ويبرز التحوّلات التي طرأت على قناعات الناس بفعل عوامل اقتصاديَّة واجتماعيَّة، فثمّة المشعوذ الذي يتستّر بالدين والذي تتطوّر مصالحه وامتيازاته إلى الحدّ الذي يجعله قادرًا على تقديم مشايعيه لكي يصبحوا وزراء، وثمّة اليساري الذي يسوّغ لنفسه تنكّره لقناعاته بمختلف الحجج والبراهين، لكي يبرّر مشاركته في الحكم بعد أن كان يناصب الحكم العداء، وثمّة من يستولون على أموال الصدقة والإحسان للإثراء ولتقديم جزء منها لجماعات التطرّف الديني. وثمّة نساء مسحوقات تحت وظأة القهر والتمييز والظلم الاجتماعي، ونساء أخريات ليس لديهنّ من اهتمام إلا بالموضة وبالتقليعات السطحيّة الناتجة عن التعلّق المظهري بنزعة الاستهلاك.
رواية جمال ناجي تعرّي مجتمعًا، أو على الأصحّ مجتمعات منخورة، هي في أمسّ الحاجة إلى التجديد وإلى التغيير والإصلاح. إنّها رواية تنويريَّة بامتياز، وفيها كثير من جماليات اللغة والسرد المتقن والمضمون الواقعي الخلاق، وهي جديرة بالقراءة على أوسع نطاق.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟