لبنان: الانتقال من الطور الأدنى للطور الأعلى للثورة
محمد حسام
2020 / 1 / 30 - 11:16
انقضى أكثر من مئة يوم على اندلاع الانتفاضة اللبنانية، مئة يوم من البطولة والنضال، اثبتت خلالها الجماهير اللبنانية أنها عازمة على مواصلة النضال والكفاح من أجل تغيير واقعها وحياتها وإسقاط هيمنة الطبقة الحاكمة، مئة يوم أثبتت فيها الجماهير أنها ثابتة على موقفها الذى أبرزته من خلال شعارها “كلهم يعني كلهم” من اليوم الأول للانتفاضة وإلى اليوم.
بتعيين حكومة جديدة ينقضي الطور الأول من الانتفاضة، وما يجب التحضير له هو الهجوم النهائي والاجهاز الكامل، ليس فقط على حسان دياب رئيس حكومة سارقي الشعب من أصحاب المصارف والسياسيين، ولكن الهجوم النهائي والاجهاز الكامل على مجمل البنيان السياسي الاستبدادي والاقتصادي الريعي القائم.
لقد اتخذت الطبقة الحاكمة، ممثلة في حكومتها برئاسة حسان دياب، قراراً وهي عازمة أن تمضي به إلى النهاية مهما كلفها ذلك، لقد قررت حكومة حسان دياب المضي قدماً في نفس مسار الحكومات السابقة، وأقرت موازنة حكومة المستقيل سعد الحريري وكأن انتفاضةً لم تقم، لكن الفارق في هذه المرة أن الحكومة تتبع نفس السياسات الاقتصادية لكن مع جرعة مكثفة وأكثر وحشية من القمع المفرط من قبل القوات النظامية. شاهدنا كيف أن هذه القوات استخدمت العنف المفرط لصد هجوم الجماهير مما تسبب في عشرات الإصابات، ومن المناضلين من فقد عينه في تلك الاشتباكات. كل هذا يشي بأن الطبقة الحاكمة اتخذت قرار تصفية الانتفاضة بالقوة وعلى الأقل إجهادها وتشتيت قواها وارهاب الجماهير اللبنانية عن طريق إيصال رسالة مفادها أن تكلفة التغيير والثورة وتعدى الخطوط الحمراء ستكون باهظة.
اليوم الوضع أصبح في غاية الوضوح، الطبقة الحاكمة تستعد لتنظيم هجومها المضاد على الانتفاضة سواء عن طريق قواها النظامية، أو باستخدام مخزونها من شبيحة حزب الله وحركة أمل الذين يقومون باستعراض عضلاتهم وإجرامهم من حين لآخر، وعلى قوى الانتفاضة والثوريين أن يسارعوا بتنظيم أنفسهم لإفشال خطة الطبقة الحاكمة.
التكتيكات الحالية للانتفاضة:
رفعت الجماهير منذ البداية العديد من الشعارات التي تنم بعضها عن وعي وحزم على تحقيق الانتصار الكامل وقه لطبيعة الطبقة الحاكمة وتشابه أعضائها ووقوفهم جميعاً ضد مصالح أغلبية الجماهير، وبعض تلك الشعارت تنم للأسف عن تشوش لدى قطاع من جماهير الانتفاضة وعدم فهم لإمكانات اللحظة الثورية الحالية، منها الشعار المطالب بحكومة تكنوقراط، أو الشعارات التي تطالب السلطة المكونة من أحزاب طائفية أن تقرّ قانون انتخابات خارج القيد الطائفي، مثلما تطالب قيادة الحزب الشيوعي اللبناني، أيُّ مثالية وسذاجة تلك؟؟!!
التكتيك المتبع منذ عدة أسابيع من قبل المناضلين -منهم شباب وكوادر الحزب الشيوعي- المتمثل في مهاجمة المصارف وحصارها هو تكتيك يفصح عن وجود وعي طبقي وثورى حقيقي، لكن قبل أن نحكم بصحة هذا التكتيك كتكتيك أساسي للانتفاضة دعونا في البداية نحلل طبيعة المصارف وموقعها في عجلة الانتاج. إن المصارف بحق هي معابد النظام الرأسمالي -خصوصاً في طوره المالي الحالي- وواجهته الفجة، خصوصاً إذا اتبعت سياسات كتلك التي تتبعها المصارف في لبنان من انحياز للأثرياء وكبار المودعين على حساب الأكثر فقراً وصغار المودعين والموظفين، لكن برغم هذا، المصارف لا تمثل قلب النظام الرأسمالي بل هي نتيجة له، المصارف هي أداة من أدوات توزيع وإعادة توزيع الرأسمال وليس توليده في حد ذاته، لذلك إذا كنا نريد هدم النظام الرأسمالي علينا ضربه في الصميم أى إلغاء سيطرة رجال الأعمال والأثرياء على الوسائل التي تنتج رأس المال، أما محاولة الضغط على المصارف لتعديل سياساتها لتفرج عن أموال صغار المودعين والموظفين فما تلك إلا إصلاحات ترقيعية مرهون تطبيقها بنية الطبقة الحاكمة وسرعة تعافيها من أزمتها الاقتصادية الطاحنة.
إن شعار “يسقط حكم المصرف” لن يتحقق بالخطب وإنما بقطع المدد الداخلي عن تلك المصارف، ذلك المدد الذي يأتيهم من عرق ومجهود عمل الجماهير اللبنانية، قطع ذلك المدد يكون عن طريق إلغاء سيطرة الأثرياء على وسائل الإنتاج، ثم تأميم المصارف. أنا لا أنكر أهمية فضح طبيعة المصارف ودورها ومهاجمتها، لكن من رأيي تجميع يحدث من تجميع لكل قوة الانتفاضة لمهاجمة المصارف ليس التكتيك الأفيد، ولكن تجميع كل القوة المناضلة لتنظيم الجماهير في أماكن العمل والأحياء والجامعات لإلغاء سيطرة العصابة الحاكمة على المجتمع هو التكتيك الأنجح والأكثر فاعلية، ربما يكون الأصعب لكونه يستلزم شهور من التحضير والعمل الدؤوب لكنه بكل تأكيد هو الطريق الوحيد للانتصار.
إن الأيام الماضية كانت حافلة بالأحداث، اشتباكات دموية يومية بين المتظاهرين خارج مبنى الحكومة والقوات النظامية التي تحميه، أكدت خلالها تلك القوات مجدداً على إجرامها ووقوفها إلى جانب الطبقة الحاكمة في وجه الجماهير وتطلعاتها وانتصار ثورتها، وأثبتت الجماهير مجدداً نضاليتها وكفاحيتها. هؤلاء المناضلين الذين يراهنون بحياتهم في مواجهة القوات النظامية هم الكتلة الصلبة للانتفاضة، هؤلاء من يجب البدأ فوراً في تنظيمهم، هؤلاء أثبتوا أنهم عازمون على المضي بالثورة إلى النهاية حتى اسقاط النظام الرأسمالي الطائفي، وأنهم مستعدين ليس فقط لخسارة أعينهم في سبيل الانتصار مثلما فعل بعضهم فعلاً بل مستعدين لخسارة أرواحهم إن اقتضت الضرورة ذلك. يجب أن ننظم صفوفنا ليبرز جسم ويتم انتخاب قيادة تضطلع بمهمة إدارة المعارك اليومية، لكي لا تتبدد قوى الانتفاضة. إن النضال والكفاح والتضحيات والأمل والحلم بغد أفضل ومجتمع بديل والمحاربة لأجله بدون وسيلة وأداة، أي بدون تنظيم هي كما قال الثوري الروسي ليون تروتسكي “كالسكين بدون حد”، يمكن أن يحدث هذا السكين بعض الجروح حتي العميقة منها لكنه لن يستطيع أن يقوم بمهام القطع والبتر اللازمة في أوقات الثورة.
ما العمل؟
كما أسلفنا في مواضع مختلفة من المقال، إن الحل يبدأ دائماً من التنظيم.
يجب البدأ في تنظيم المناضلين المشتبكين مع القوات النظامية، هؤلاء هم قاطرة وبداية الحل. تلك الكتلة الصلبة يجب أن تفرز قيادة تكون بمثابة متحدث رسمي للانتفاضة، قيادة منتخبة تخضع للمحاسبة والعزل في أي وقت، لتحدد تلك القيادة مع قواعدها أولويات النضال وأهمية المعارك، لتنتقل الجماهير اللبنانية من خانة رد الفعل لخانة الفعل.
ثم يجب أن تتجه تلك القيادة للطبقة العاملة، بوصفها الطبقة الأكثر قوة والأكثر قدرة على إحداث تغيير نتيجة موقعها في قلب عجلة الإنتاج. يجب التوجه للعمال لدفعهم لإنتاج أجسادهم التنظيمية البعيدة أن النقابات الرسمية التي استولت عليها الطبقة الحاكمة من عقود. التوجه للعمال لإفهامهم حقيقية أن مطالبهم الاقتصادية مرهون تحقيقها فقط بانتصار الثورة وإلغاء سيطرة الرأسمالية ورجال الأعمال على المجتمع.
كل هذا يتطلب وجود برنامج سياسي راديكالي وطبقي ثوري يوضح أن الأمل الوحيد لتغيير واقع البؤس والفقر الذي تعيشه الجماهير اللبنانية هو أن تمسك الجماهير بناصية واقعها، لا مجرد أن تضغط على حكومة رجال الأعمال والمصرفيين لتنفيذ مطالبها.
عن طريق تلك الخطة يمكن أن تكون الانتفاضة قادرة على تشكيل بنية تنظيمية وسياسية تستطيع أن تقارع أقطاب الطبقة الحاكمة وإجرامهم، فقط عن طريق تنظيم الصفوف وانتاج برنامج ثوري يعبر عن تطلعات الجماهير المضطهدة المنتفضة يمكن تحقيق النصر.
كل هذه الخطوات تتطلب منظمة ماركسية ثورية تضطلع بمهام دفع المناضلين الفاقدين للبوصلة والجماهير المنتفضة لتنظيم أنفسهم، منظمة تدرك أهمية اللحظة الثورية الحالية وإمكاناتها وتهدف بشكل فعلى لإسقاط النظام الرأسمالي ليس بالقول فقط مثلما هو حال الحزب الشيوعي اللبناني، الذي لم يأخذ من الشيوعية إلا أسمها، والذي بالتأكيد يحظى بمخزون هائل ورائع من المناضلين والكوادر الشابة ولكن للأسف هي خاضعة لقيادة إصلاحية تهدف لإقامة دولة مدنية وليس لإسقاط الرأسمالية.