|
هكذا تكلمت ثورة اكتوبر!!!
طلال الحريري
سياسي عراقي
(Tallal Alhariri)
الحوار المتمدن-العدد: 6476 - 2020 / 1 / 29 - 23:08
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
ها انا هنا واقفةٌ اشعر بإنني جبل، نعم جبل بُنيَ من احلام الصامدين، وطموحات الثائرين، وشجاعة المضحين، وبكل صيحةٍ للحرية اشعر بأن قمتي تعالت في ارتفاعاتها حتى اخترقت اوزون الإرض! انا يا ابنائي اطلب منكم ولأول مرة ان اتحدث قليلا فمنذ مئة وعشرين يوما وانا صامتة! تتحدثون عني، ووتتغنون بمجدي، وتموتون بإسمي، وحاربكم الظلام بسببي، واخترتم طريق اللاعودة بإسمي، وتنامون تحت ظلي، وتتحملون البؤس والظلم والارهاب من أجلي افلا يحق لي ان اتحدث ولو قليلا؟ واقولها لكم بصراحة انا لم انطق منذ الأزل! لكن هذا لا يهم وانا اردد مع نفسي ايها الجيل المتنور كم قسيت على نفسك، وكم تحملت المتاعب، ووهبت ارواحا طامحة تلقيت بسببها مسبة من الأرض وكرها شديدا من السماء بينما لم اكن راغبة بذلك وكنت وما زلت عند كل سقوط لتلك الإرواح تدفعني الرغبة بدفن هذه الخطيئة لكنكم تتمسكون بي بقوة خاصة في تلك الحوادث الوحشية المتكررة! نعم في تلك المواقف تحديدا جعلتموني اشعر بأن المواساة قد تغيرت في هذا العالم البغيض الذي اصبح المجني عليه يواسي الجاني! فكيف يحدث هذا في الطبيعة وانتم اشد الناس تمسكا بقوانين الطبيعة؟ لكن هذا يحدث بالفعل عندما يتصارع انسان مع وحش من اجل الحياة! يحدث هذا عندما تُختطف الشعوب على ايدِ الكهنة، ويصبح الإرهابي بطلا ومحررا في ذلك الزمن التعيس!!! تعالوا نتحدث قليلا فأنا متعطشة للحديث عن جيل جديد من العراقيين الذين اعادوا الى العراق قيمة الإنسان السومري البناء تلك القيمة التي جعلت جيلا كاملا يصنع مفهوما جديدا للحرية، جيلٌ فكر قبل ان يفعل وفعل وهو يفكر، جيلٌ تمسك بالتنوير ولم يكتفِ بالنصوص القديمة والتجارب الماضية بل ذهب بعيدا بطرح الرؤى والافكار لتحويل ادراك الواقع المشبع بظلام الأرهاب الى مشروع دولة انسانية فاضلة تحددها ضمائر حية، وعقول مبنية، وسواعد اتعبها الوهم فحطمت اغلال الصنمية. منذ ذلك اليوم الأول اشبعتموني برؤى حضارية وفكرا عميقا كعمق الإرض لن تصدقوا إن قلت لكم بأنه منهج جديد لتمدين المدنية وتحرير الحرية! وهذا لا يعقل لكنه حقيقية يا ابنائي. ولأنكم جيل فكر قبل ان يفعل استطاع ان يضع حلا لمعايير السياسية الصلبة التي تقرر مصير الثورات ونجاحها من عدمهِ بمقاييس علمية موضوعية وتجريدية لا تهتم بآمال الانسان وشرعية حقوقه الطبيعية! لقد فعلتم وانتم تفكرون واستطعتم تحويل الثورة الى مشروع للبناء الثقافي قبل انتصارها السياسي! و بهذا الوعي لم تقدموا حلا لهذه العقدة الساسية المجردة التي اسقطت الكثير من الثورات في العالم حتى التي نجحت سياسيا بل جعلتم الحل استباقيا ليس له مثيل في تاريخ الثورات الحديثة وكأنكم تقولون لأنفسكم: اذا كان كتاب العقد الاجتماعي انجيل الثورة الفرنسية العظيمة فأن الوعي الفردي الذي نمتلكه يعادل ذلك المفهوم المختزل بتنوير القرن الثامن عشر! نعم هكذا فعلتم وهنا لم يتحول الوعي المتنامي الى حالة من العنف لمواجهة الإرهاب، بل حدث ما هو اعظم من هذا المفهوم وهو استثماركم لهذا الوعي والعمق الثقافي وافكاركم الرائدة التي بنيتم بها تجربة جديدة انا سميتها ( صراع اللاعنف من اجل الحياة والحرية ضد حرب العنف والعبودية) نعم انه صراع جمع مفاهيم وقيم الوعي والفكر وحولها الى وسائل سلمية ترفضون بها العنف وتتمسكون بمدنية الوسائل لتحقيق اهدافكم الإنسانية! ولكن أيُ وسائل مؤلمة تلك التي تعتنقوها؟ هذه الوسائل لم تستخدم الإعلام وتراجيديا الفن والتمثيل الجامد لنقل قضيتها للعالم بل كانت اول تراجيديا واقعية، واول مسرحا واقعيا في التاريخ يتعانق فيه الموت مع الحياة، ويختلط به الدم بالمعاناة، وتتصارع به الحرية مع الإستبداد، وفي كل صوت مدوي للحرية يتهشم جزءً من صنم العبودية، وتتحطم اغلال الإرهاب، وتتحول افكار التبعية إلى رماد تذروه تلك الرياح التي تشق نفق التحرير ويتنفسها الثوار في كل صباح ومساء خاصة في اوقات نشوة الوجود المتلازمة مع الوعي والادراك. انا الثورة الوحيدة التي رموزها اموات، وانا الثورة الوحيدة التي تُجبر في كل يوم على البكاء، وانا الثورة الوحيدة في هذا العالم التي تكبر بالموت، وتتسع بالقمع! وانا الأم الوحيدة التي لا تستطيع احتضان ابنائها وحمايتهم من تلك الوحوش المتدينة التي تحركها عمائم الكهنة القبيحة. نعم الكنهة يا ابنائي مجموعة من الوحوش ذات العقول المخمرة بالفساد التي تحتمي بأفواج من الضباع والذئاب المشبعة بدم الانسان وتزعجها اصوات الحرية والوطن الذي حولته الى وادٍ مظلم ليس فيه الا رائحة الموت وركام الدمار. كانت اعظم ايام سعادتي عندما كنت انظر لتلك الفتاة التي ترسم فراشة زرقاء، وذلك الشاب الذي يرسم جدارية بفرشاة الأمل، اما اشد حالات حزني حدثت في ذلك اليوم الذي كنت افتقد فيه صفاء وبينما كنت ابحث عنه بينكم، ومنشغلة بتتبع اماكن وجوده التي اعتدت عليها فجأة لم اتمالك نفسي وسقطت ارضا عندما رأيت ذلك الرسام يرسمه ودموعه تجري عندها ادركت بأن صفاء لم يعد موجودا بينكم!!! لقد رحل بلا عودة وترك وراءه احلام وافكار كان يتمنى ان يراها تتحقق لقد ترك وصية اثقلتني كثيرا، وشكيتها لكم كثيرا حتى اصبحت ميثاق لم يكتب بالقلم بل اصبح ادراكاً منغمسا في مبادئكم... وفي تلك اللحظات بينما كان الرسامون منشغلون، والقراء يقرؤون، والمسعفون يهرعون، والمنشدون صامتون، والعشاق اصابهم سكون رهيب تحولت السماء زرقاء واختفى ذلك اللون الرمادي التعيس فجأة وكأنها اشارة من الطبيعة على ان تلك الارواح الصافية ستُخلد بهذه الساحة العظيمة والمؤلمة في نفس الوقت، وكأن كل التفاصيل المادية في هذه الساحة وضعت لهذا اليوم! ولا اخفيكم سراً احيانا اتمنى لو أنني كنت رسمة جدارية لأضمن بقائي في ساحة التحرير وعندما افكر قليلا ارفض ذلك بفطرتي الطبيعية واتمنى ان لا يحدث هذا اتعلمون لماذا؟ لأن الثورة ام تضحي بأبنائها من اجل خلودها وهذا ما فعتله منذ الأزل! لكن صدقوني عندما عشت بينكم، وفهمت ما تطلبون، ورأيت كيف تواجهون الارهاب بالحب والثبات والتضحية، وتدفعون ثمن الحرية ارواحا نقية، وعندما هزني ما اصابكم منذ قرون قررت ان اتنازل عن انانيتي التاريخية، والآن انا اتمنى وبكل شغف أن اكون الشهيد القادم الذي قَبل ان يسقط ارضا ستتصاعد اصواتكم المدوية وتتحول الى زلزال يحطم ما تبقى من الاصنام الدينية، ويبيد السلطة الاستبداية، ويسحق الارهاب والعبودية.. نعم، صدقوني اتمنى ذلك لأنني ارى بأنه الحل الوحيد الذي سيحرر ضميري ويريحهُ، ويمحو خطيئتي ويجعلني ارقد مع من رقدوا هناك حيث الأبدية والخلود في عالم بعيد ليس فيه اصنام ولا عبودية ولا نرى فيه الكهنة وتلك الوحوش الدموية. لكن كل ذلك مشروط بإنتصار اهدافكم فحتى ذلك العالم البعيد سعادتهُ متوقفة على ما تفعلوه هنا! فهل ادركتم حجم تكل المعاناة؟ صدقوني اشعر بأن كل مقاييس الزمن قد توقفت في ساحة التحرير، واشعر بأن العالم سيعاد تكوينه من جديد ، والحياة ستبعث من جديد، وكل شيء سيتغير وكأن ما نراه حلما سيتحقق، وانا هنا لا اثرثر او احاول ان ارفع من معنوياتكم العالية بطبيعة الحال بل هي تجربة طويلة يا ابنائي نعم تجربة رافقتني منذ عصور جعلتني افهم مشاعركم وأُقيم شجاعتكم واخلاصكم للحرية ولهذا السبب اطلب منكم ونا اتألم لهذا الطلب الذي سيزيد خطيئتي ويجعلني اشعر مرة اخرى بالأنانية مع ادراك مختلف هذه المرة يفرض علي ان اقول استمروا نعم استمروا فما تبحثون عنه وتطلبوه لا يساوي شيء امام وعيكم وشجاعتكم وثباتكم. ولكي ازيح عن ظهري بعض الألم الثقيل فلا بد من قول شيء اخشى ان اقوله لكنني مجبرة على ذلك نعم مجبرة ولا اريد ان اخسركم واخسر وجودي معكم على هذه الأرض التي اعادتني الى سبعة الاف عام الى الوراء، سبعة الاف عام من الذكريات كان معظمها جميلا، نعم كانت كل تجارب اجدادكم جميلة وعظيمة حتى مر بها الصالحين وافسدوها! لقد افسدوها ودمروها وتنكروا لفضلها وطيبة شعبها واقولها بصراحة مطلقة ان من يسمون انفسهم بالصالحين المتدينين هم اشد الناس عداوة للإنسان، واشدهم بغضا وكرها للحرية والعدالة، واحقرهم تحقيرا للمساواة والإنسانية. وفي النهاية اعود لإقول لا اخشى عليكم من تبعات الإيام، ولا من همجية الجلادين وبنادق الإرهابيين، بل جل ما اخشاه ان يُفرض عليكم وسطا جمعيا يتغلغل في ساحاتكم الآن يريد تسليم قضيتكم و إرادتكم الى صنمية الكهنة في الوقت الذي تحاط بكم افواجا من الجهلة الذين يعشقون العبودية كما تعشقون الحرية! ربما لا استطيع الحديث مرة اخرى ولعلي لا اكون قادرة على الحديث في ظل هذا الألم و وصيتي الإخيرة لكم كجيل ان تتمسكوا بالعقل والحرية وتحافظوا على الوعي والإنسانية. واعلموا ايها الابناء المخلصين بأن الحرية لم تكن ولن تكن هدية او مكافئة يقدمها الإستبداد للشعوب، واعلموا بأن اشد انواع الاستبداد هو استبداد الدين، وتذكروا بأن الإنسان ولد حرا ولم يولد للعبودية والانقياد، وما تمسك شعب بالحرية إلا وانتصر ولا تسألوني كيف وانا المسؤولة عن كل هذا. #هكذا_تكلمت_ثورة_اكتوبر.
#طلال_الحريري (هاشتاغ)
Tallal_Alhariri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يرفضون صفقة القرن؟
-
ألرّد الإيراني ومخرجاته الجيوستراتيجية
-
لماذا جمدت اسرائيل ضرباتها الجوية في العراق وأيُ حرب تتحدث ع
...
-
سقوط الإسلام السياسي في ظل المتغيرات الجيوسياسية
-
احذروا ثلاث! ( كيف نحافظ على ثورة اكتوبر)
-
الصدريون في ثورة اكتوبر_تفكيك الجدل
-
العلمانية التي نُريد
-
الصراع القادم_ الجزء الأول
-
إستراتيجية التدمير الذاتي في رؤية احتواء ايران وبرنامجها الن
...
-
الخليج الجديد. أيُ سلام مع إسرائيل؟
-
إستهداف كركوك
-
قبل عقد قمة مكة لردع إيران ينبغي أن تحموا مكة من صواريخ إيرا
...
-
سِفْر التكوين/ لماذا سقوط النظام الإيران يُعد ضرورة حتمية، و
...
-
الخطاب المعكوس. اهم اسرار السياسية الخارجية الأمريكية
-
هل ستُضرب إيران وتشن امريكا حرباً لإسقاط نظامها؟
-
ماذا بعد ظهور البغدادي
-
سقوط النظام الايراني
-
الاصلاح السياسي في العراق خدعة العصر !
-
#داعش_الشر_المقيم! نهاية نظام #الاسد
-
الانتخابات العراقية2014(صوت الناخب والتوجه السياسي)
المزيد.....
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|