ويسكونسين ستنجح لو عاش السمك في البحر الميت
اسماء اغبارية زحالقة
2006 / 5 / 31 - 10:27
قضايا عمالية
ويسكونسين ستنجح لو عاش السمك في البحر الميت
التسهيلات الشكلية التي تنوي الحكومة منحها لجمهور محدد من المشاركين في خطة ويسكونسين، تأتي عمليا للتغطية على نية الحكومة الخطيرة في تعميم الخطة الى مراكز اخرى من البلاد، رغم فشلها في ايجاد اماكن عمل كريمة للمشاركين المتضررين؛ فيما يلي نماذج للحالات التي تتردد على هذه الخطة، وتتعذب يوميا.
اسماء اغبارية
أعلنت وزارة الصناعة والتجارة والتشغيل نيتها تقليص ساعات تواجد العجزة في مراكز خطة ويسكونسين، على النحو التالي: البالغ من العمر 65 عاما فما فوق، سيضطر للتواجد خمس ساعات اسبوعيا بدل 40 ساعة اسبوعيا. كما سيتم تقليص الساعات من 40 ساعة الى 15 ساعة اسبوعيا ل200 شخص فقط من اصحاب الاعاقات في كل موقع، هذا مع ان عدد المعاقين يصل الى الآلاف. من حلم بالاعفاء التام يمكنه ان ينسى الموضوع.
الهدف الحقيقي للتسهيلات الشكلية هو التغطية على المخطط الاخطر وهو النية المبيتة لتوسيع المخطط الى مراكز اخرى من البلاد. فقد كشفت "يديعوت احرونوت" (14/5)، ان مكتب المدير العام للوزارة وضع على طاولة الوزير الجديد، ايلي يشاي (شاس)، اقتراحا بتعميم الخطة، دون اعتبار للنقد الكبير ضدها.
تدعي الشركات انها وجدت اعمالا ل3000 شخص، ولكن معظمها اعمال مؤقتة، جزئية، باجر الحد الادنى واقل منه. كما تم حرمان 3000 شخص آخر من المخصصات، دون ان يتم توجيههم الى اماكن عمل.
الجمهور غير المناسب في المكان غير المناسب
تُرى، تساءلت، ماذا ستقول سليمة عن القرارات؟ التقينا بها وبزملائها ضمن برنامج جمعية معًا لمراقبة تطبيق خطة ويسكونسين في الخضيرة ووادي عارة، في الناصرة والقدس (انظر فيما يلي). الكاميرا التي حملناها كانت بالنسبة للكثيرين كالقشة للغريق. الكل تراكض نحونا يريد سرد قصته، كما لو ان من ذكر قصته سيحظى بالنجاة.
هي ايضا تقدمت. تتمايل ذات اليمين وذات اليسار. ليس اغراءً. ثقل وزنها وسنواتها الواحدة والستون، لم تساعد جسدها على الحركة. نظرت الي بعيون حائرة وقالت خمس كلمات: "مش فاهمة شو بدهم مني". انها سليمة، من كفر قرع. لا تعرف القراءة ولا الكتابة. ومع هذا عليها ان تمضي اربع ساعات يوميا في دورات بالكلية التكنولوجية بباقة الغربية. هكذا قررت شركة "اجنس" التي تطبق خطة ويسكونسين بالخضيرة ووادي عارة.
نعيمة، خلافا لسليمة، كانت تبدو اكثر تفاؤلا. "ماذا تعلمت اليوم؟" سألتها. "علم نفس"، اجابت وضحكة كبيرة ترتسم على وجهها. نعيمة هي في الثامنة والخمسين. أُميّة. في نفس الصف يجلس حسين. في الثامنة والخمسين هو الآخر، يعاني تخلفا عقليا. أُميّ مثل زميلتيه. حتى رقم هاتفه لم يذكره.
في القدس كانت سميرة. في الثالثة والخمسين. شركة "امين" التي تطبق ويسكونسين بالقدس، قررت انه قد آن الاوان ان تبدأ سميرة بالانتاج، ثماني ساعات يوميا، كغيرها من البشر. بعد الاستئناف الذي قدمته بمساعدة جمعية معًا، قرر طبيب الشركة ما يلي: "بامكان المشتركة العمل لمدة اربع ساعات في ظروف لا تتطلب الوقوف، ولا الجلوس ولا السير المتواصل، وايضا لا تتطلب السمع والرؤية الحادين". اتساءل، اين هي الاعمال المتوفرة بهذه الشروط الخيالية في سوق العمل باسرائيل اليوم؟
البطالة تُفشل ويسكونسين
المشكلة الحقيقية الثانية التي تهدد بإفشال خطة ويسكونسين هو وضع البطالة في اسرائيل. فحتى الاصحاء والشباب لا يجدون مكان عمل ثابت، وما يقلص الاحتمالات هو نية الحكومة استيراد المزيد من العمال الاجانب.
واذا كان الوزير السابق، تومي لبيد، قد نادى بالغاء المخصصات وانه "بدل اعطاء الناس السمك (اي المخصصات) فليعطوهم شباكا للصيد (اي اماكن عمل)"؛ فان ما حدث في ويسكونسين، انهم اخذوا السمك من الناس وبعثوهم للصيد في البحر الميت!
الى "البحر الميت" بُعث الشاب معمر بصول (33 عاما) من الناصرة. وجهته الى هناك شركة "اجام مهاليف" التي تطبق ويسكونسين في منطقته، وكان عليه ان يلتقي نائب مدير شركة القوى البشرية "مانباور". ولكن المدير اعلمه انه ليس بحاجة لعمال. شركة "اجام" نفت الخبر.
لايناس (28 عاما) من القدس كان حظ اوفر. فقد وجدت "سمكة" في البحر الميت، ولو انها كانت سمكة فاسدة. فقد وُجّهت من قبل شركة "امين" للعمل في مكتب محاماة مقابل 9.5 شيكل للساعة. توجهنا لشركة امين للحصول على رد فعلها، ولكنها لم ترد على اسئلتنا حتى نشر هذا العدد.
اما عبير (24 عاما) من عرعرة فقد وجدت "دجاجا في البحر الميت"! شركة "اجنس" وجّهتها للعمل لدى مقاول في مصنع للدجاج في بيت شآن، في كانون اول (ديسمبر) 2005. يوم العمل استمر 12 ساعة، والمقابل كان 130 شيكل فقط! اي 10 شيكل للساعة (الحد الادنى 18.58 شيكل للساعة). عملت عبير خمسة ايام ثم فصلت، ولم تتقاض معاشها عن اليوم الاول "عقابا" من المقاول العربي المحترم، لانها انهت العمل قبل الموعد بساعة واحدة. كما انه لم يعطها قسيمة الاجر، وبذلك لم تحصل على "تكملة المعاش" من مؤسسة التأمين الوطني.
عبير لم تعرف حينها ان هذه الظروف غير قانونية، فلم تستأنف عليها. بل استأنفت على ان العمل زاد المرض الذي تعانيه في ظهرها، بسبب الوقوف المتواصل 12 ساعة يوميا ما عدا استراحة نصف ساعة ثم ربع ساعة. شركة "اجنس" هي الاخرى لم ترد على اسئلتنا بهذا الخصوص.
حكم القوي على الضعيف
وصلت عبير الى مكتب معًا في كفر قرع لاول مرة في شهر ايار، وفي يدها قرار لجنة الاستئنافات التي رفضت اعتراضها في 9/4. قرار اللجنة يشير انه لم يكن لها احتمال للفوز. موازين القوى لم تكن في صالحها.
كانت هي في معسكر واحد، دون ان تعرف اللغة العبرية، ومعها والدها عامل البناء ليترجم اقوالها. وفي المعسكر المضاد، وقفت اربع شخصيات من شركة "اجنس"، ولكلٍّ منها لقب يمتد على يسار اسمها: المحامية التي تدير طاقم مندوبي شكاوى الجمهور في الشركة، مندوب شكاوى الجمهور، مستشارة التشغيل ومركّز التجنيد والتشغيل. وقد اتى هؤلاء مدجَّجين بكافة المستندات والتسجيلات لكل كلمة قالتها عبير يوما، لتستخدم ضدها من حيث لا تدري.
هكذا تعمل "قوى السوق" في عالم الخصخصة، القوي ينتصر والضعيف يسقط. وتحت رحمة هذه "القوى" وُضع مصير اكثر من 18 الف عاطل عن العمل من العرب واليهود. نسبة كبيرة منهم غير مؤهلين للعمل: عاجزون، كبار في السن، اميون ونساء عربيات متقدمات في السن لم يعملن ابدا. واليوم حُشروا جميعا على "مقاعد الدراسة" حتى "تطلع روحهم"، او يذهبوا الى الجحيم برضاهم، لانهم الى العمل لن يذهبوا. اما الحكومة فلا تعبأ بحالهم، والمهم ان يوفروا عليها دفع مخصصات ضمان الدخل.
ومع ان مؤسسة التأمين الوطني نفسها (في جلسة الكنيست من 13/12) واطباء شركات ويسكونسين بانفسهم يعترفون ان هناك المئات غير المؤهلين للعمل بسبب اوضاعهم، الا ان الحكومة لا تصغي، بل اكتفت بنشر تسهيلات شكلية دون ان تعفي احدا من الخطة.
اما القادرون على العمل، فلا يجدون فرصة حقيقية للعمل المحترم. ذلك ان سوق العمل يشهد بطالة مرتفعة، واصحاب العمل يفضّلون الايادي العاملة الاجنبية الرخيصة، او عمال المقاولين وشركات القوى البشرية، الذين اما انهم يدفعون الحد الادنى للاجور او يشغلون العمال دون حقوق واحيانا لا يدفعون الاجور.
واذا كان الهدف المعلن للحكومة من خطة ويسكونسين هو حل مشكلة البطالة واخراج الناس من دائرة الفقر، فانها ستفشل لا محالة، اولا بسبب البطالة وثانيا لانها اختارت الجمهور غير الملائم للخطة غير الملائمة. على هذه الخلفية، تبرز خطورة نية الحكومة تعميم الخطة، وتؤكد ان الحكومة التي تعهدت بمحاربة الفقر، انما تعمل بشكل منهجي لتعميقه وزيادة عذاب الشرائح الاكثر ضعفا في المجتمع.
"ويسكونسين ووتش" ضد ويسكونسين
الافادات التي نقلناها لكم اعلاه هي نماذج حية لمئات الحالات التي نلتقي بها اسبوعيا في اطار برنامج مراقبة ويسكونسين "ويسكونسين ووتش". المشروع هو مبادرة من جمعية معًا النقابية تتم فيه مراقبة خطة ويسكونسين اسبوعيا، في ثلاثة مراكز هي الناصرة، القدس والخضيرة-وادي عارة.
توجَز الافادات في تقرير اسبوعي، ويُطلب من الشركات الرد عليه ومعالجة القضايا الواردة فيه. ثم يتم تعميم التقرير بين وسائل الاعلام، الدوائر الحكومية، الكنيست، السلطات المحلية، مراقب الدولة والمؤسسات الفاعلة ضد الخطة.
بفعل التقارير الاسبوعية توجه محرر موقع "نعنع" الى كاتبة هذه الاسطر، لنشر مقال مطوّل حول مخاطر الخطة بصفتها مركّزة برنامج "ويسكونسين ووتش" ورئيسة قائمة العمال "دعم".
ويأتي هذا النشاط الجماهيري بالاضافة للدعم القانوني الذي تقدمه للعاطلين عن العمل، والتعاون مع جمعيات اخرى في الوسط اليهودي، ضمن المحاولات لبناء رأي عام ضد الخطة، سعيا لوقف تطبيقها، ومنع تعميمها، والاعفاء الفوري لجمهور غير المؤهلين للعمل من عجزة ومعاقين