دور الطلبة في انتفاضات الشعب العراقي

فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 6469 - 2020 / 1 / 19 - 17:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

كان المحللون السياسيين والمراقبين في العالم يطلقون على انتفاضات الشعب العراقي بالانتفاضات الموسمية لأنها كانت تتفجر وتنطلق في شهري تشرين أول وتشرين الثاني وقت افتتاح المدارس والكليات وتواجد مجاميع الطلبة فيها وكان الطلبة وقودها وسعيرها ولهيبها وعنفوانها وكانت كالآتي :-
1) وثبة كانون عام/ 1948 :-
كان المد الثوري لجماهير الشعب العراقي يتصاعد منذ 7/ مايس/ 1947 حينما بدأت المفاوضات الرسمية مع الانكليز في قصر الرحاب تحت إشراف الوصي على عرش العراق عبد الإله فتسربت إلى جماهير الشعب والقوى الوطنية الخطوط العريضة للمعاهدة الجديدة فإذا هي أشد وطئة من سالفتها (معاهدة 1930) فقد اعتبرت قاعدتي (الحبانية والشعيبة) ملكاً للحكومة العراقية ولكن تحت إدارة (مجلس الدفاع المشترك) بين العراق وبريطانيا وإلزام العراق بأن يقف إلى جانب حليفته بريطانيا في أي نزاع تدخل فيه بريطانيا وبأن يصرف العراق من حسابه الخاص على القواعد والمنشآت العسكرية المشتركة فأدرك الوطنيون على اختلاف ميولهم السياسية خطر المؤامرة المدبرة ضد استقلال البلاد وسيادته الوطنية وعملت على تحشيد الشعب العراقي وتعبئته لرفض جميع المشاريع والمعاهدات المخلة بالسيادة والاستقلال الوطني فتشكلت لجنة طلاب الكليات والمعاهد والمدارس الثانوية لتنسيق نشاط الطلاب وكانت هذه اللجنة تمثل جميع الأحزاب الوطنية السرية والعلنية ... وقد اشتد العنفوان الثوري واستعر لهيبها في 5/ كانون الثاني/ 1948 حينما قررت لجنة طلاب الكليات والمعاهد والمدارس الثانوية التظاهر احتجاجاً على محاولة تكبيل العراق بقيد جديد فقابلت الحكومة العميلة المتظاهرين بعنف وقررت إغلاق وتعطيل الدراسة في كلية الحقوق وأضربت الكليات والمعاهد والمدارس الثانوية تضامناً مع كلية الحقوق واستمرت التظاهرات الصاخبة حتى يوم 27/ كانون الثاني/ 1948 واصطدمت الجماهير مع الشرطة وأطلقت الرصاص الحي من على المآذن في المسجدين الواقعين على جانبي الجسر الذي سقط فيه الشهداء وسمي بجسر الشهداء وقد سقط حوالي خمسة وعشرون شهيداً وبرصاص هؤلاء الأبطال سجل انتصارات شعبنا في هزيمة والقضاء على معاهدة بورتسموث في وثبة عام/ 1948.
2) انتفاضة تشرين عام / 1952 :-
في 2/ تشرين الثاني/ 1952 أرادت وزارة مصطفى العمري العميلة إجراء انتخابات برلمانية وأصدرت الأحزاب الوطنية بياناً بمقاطعة الانتخابات وعزت السبب للمقاطعة إلى انعدام الجو الديمقراطية وتفشي الإرهاب والسجون والمعتقلات إضافة إلى القوانين الرجعية للانتخابات مطالبين بإشاعة الحريات الديمقراطية والانتخابات المباشرة. وقاد اتحاد الطلبة العراقي العام الاضرابات الطلابية الواسعة التي اندلعت لتعزيز صمود الطلاب المضربين في كلية الصيدلة والكيمياء احتجاجاً على القانون الرجعي للكلية الذي حاولت العمادة فرضه على الطلبة في يوم 26/10/1952 ... وفي يوم 28/10/1952 عقد مؤتمر في البلاط الملكي حضره زعماء الأحزاب الوطنية إضافة إلى عدد من رؤساء الوزراء السابقين ليعلن الوصي عبد الإله رفضه للمذكرات التي تجرأوا على تقديمها ... فتصاعدت موجة من الغضب الشعبي الجارف في حين استمر إضراب كلية الصيدلة حتى يوم 19/11/1952 حيث اضطرت عمادة الكلية إلى التراجع وألغت القانون إلا أنها دبرت حادث اعتداء على قادة الإضراب الطلابي في نفس اليوم فأثار هذا الحادث سخطاً واسعاً بين الطلاب فاندلعت في اليوم التالي الخميس 20/11/1952 أقوى المظاهرات الطلابية بقيادة اتحاد الطلبة العراقي العام ومع تطور الأحداث السريع أسقطت الجموع الثائرة وزارة مصطفى العمري وأحبطت محاولة تشكيل وزارة مماثلة برئاسة أحد أقطاب الحكم الملكي العميل (جميل المدفعي) فأعلنت الجماهير الغاضبة المتظاهرة في الشارع أنها تريد تغييراً جذرياً في الوضع. تريد تشكيل وزارة ائتلافية وطنية برئاسة كامل الجادرجي وبمشاركة جميع الأحزاب الوطنية والمستقلة المعادية للاستعمار.
نظراً للمد الجماهيري الواسع في المظاهرة الغاضبة لم يكن بمستطاع المستعمرون والحكام الخونة قمع الانتفاضة بالوسائل التقليدية ووسائل الخداع والتضليل والمناورات إضافة إلى قوات الشرطة ... إذ خبرت الجماهير والقوى الوطنية هذه الأساليب كما خبرت أساليب مكافحتها وإحباطها فوجدوا أنفسهم مضطرين للجوء إلى آخر ورقة في أيديهم ولأول مرة يستخدم الجيش لحماية حكمهم المهزوز فدبروا شبه انقلاب عسكري واحتلوا الشوارع وساحات بغداد بالدبابات والمصفحات وأقاموا وزارة جديدة شبه عسكرية برئاسة رئيس أركان الجيش نور الدين محمود ... وبالرغم من منع التجول وإعلان الأحكام العرفية استمرت المظاهرة الجماهيرية الواسعة تهتف بحياة الجيش والأخوة بين الجيش والشعب وهتف المتظاهرون أمام الضباط والجنود وتشابكت أيدي المتظاهرين مع الجنود وصعد الخطباء على الدبابات مستثيرين نخوة الجيش الوطنية ... وبالرغم من إنزال الجيش لم يستطع الحكام الرجعيين من القضاء على الروح الوطنية للشعب حيث استطاعت القضاء على أحلام المستعمرين حيث أجهزت المظاهرة الباسلة على مشروع قيادة الشرق الأوسط الاستعماري البغيض.
3) مظاهرات وإضرابات عام/ 1954 – 1955 ضد حلف بغداد العدواني :-
كان التدخل الاستعماري يزداد في بلادنا يوماً بعد يوم بدعوى وجود حالة دولية تنذر بوقوع حرب عالمية ثالثة فكان الانكليز يتشبثون بنفوذهم في العراق فيوسعون قاعدتي الحبانية والشعيبة ويشدون قبضتهم على نفط العراق بعد الهزيمة التي تعرضت لها احتكاراتهم جراء التغلغل الأمريكي وتضعضع الاستعمار البريطاني والفرنسي فاتجهوا إلى إقامة تحالف رجعي لتثبيت أقدام السيطرة الاستعمارية في بلادنا وهذا التحالف الرجعي بين الاستعمار الأمريكي والبريطاني والنظام الملكي العميل هو الذي كان يوجه السياسة العراقية وكان تخطيط الحكومة العميلة ومحاولتها ربط العراق بمعاهدة الحلف التركي – الباكستاني الذي سمي بعد انضمام العراق له بحلف بغداد ورافق هذه المؤامرة الاستعمارية حملة وحشية من الإرهاب كان يقودها رئيس الوزراء نوري السعيد في طول البلاد وعرضها فعطلت الصحف واعتقل المواطنون بالمئات وتعرضوا للتعذيب الجسدي وأطلق العنان للتحقيقات الجنائية (مديرية الأمن العامة) في مهاجمة البيوت وابتزاز الرشاوي وحرمان المواطنين من أبسط حقوقهم وغير ذلك من الأساليب البوليسية وفي هذا الجو المشحون بأقسى ما ابتكرته الدكتاتورية من وسائل الاضطهاد وخنق الحريات أجرى نوري السعيد الانتخابات البرلمانية وقاطعتها القوى والأحزاب الوطنية وانتهت المهزلة الانتخابية التي لم يشهد تاريخ البرلمان العراقي نظيراً لها فقد فاز بالتزكية مائة وواحد وعشرون نائباً من أصل عدد أعضاء المجلس البالغ عددهم مائة وخمسة وثلاثون نائباً أما النواب الباقون فقد فازوا بالانتخابات الصورية وفي هذه الأجواء المشحونة بالإرهاب والتعسف زار رئيس وزراء تركيا عدنان مندرس العراق من أجل إتمام دخول العراق في الحلف التركي الباكستاني فاستقبلته جماهير بغداد بالبيض الفاسد ورمي القاذورات عليه ورغم الإرهاب وإطلاق الرصاص على المتظاهرين في بغداد الذي استشهد على أثره الطالب (كامل طه) وجرح العديد من المتظاهرين وسيق العشرات إلى المعتقلات ولم تقتصر المظاهرات والاضطرابات على مدينة بغداد فقط بل شملت مدن الحلة والنجف والكوت والحي والبصرة والموصل والسليمانية وغيرها من المدن العراقية.
4) انتفاضة تشرين عام/ 1956 :-
إن الانتفاضة الوطنية في تشرين عام/ 1956 التي نهض بها الشعب العراقي أيفاءً بواجباته إزاء القضايا العربية التحررية ومن أجل خليص بلادنا من كابوس الاستعمار وأحلافه وعملاءه ... وما أن بدأ في التاسع والعشرين من شهر تشرين الأول/ 1956 العدوان الاستعماري الصهيوني على مصر حتى غمر الشعب العراقي شعور طافح من الاستياء والتحفز لتأييد حق مصر في تأميم قناة السويس ولشجب موقف الحكومة العراقية الممالئ للقوات المعتدية وعلى رأسها الاستعمار البريطاني ورغم الصعوبات والجو الإرهابي الذي خلقه رئيس الوزراء نوري السعيد فقد قامت (200) مظاهرة في ثلاثين مدينة عراقية واضرابات في الكليات والمعاهد والمدارس الثانوية واغلاقها مرتين متتاليتين على نطاق القطر وقد دامت أكثر من شهرين اضطرت حكومة نوري السعيد إلى إعلان الأحكام العرفية في العراق وكانت جماهير الطلبة في طليعة حركات الإضرابات والاعتصامات والأعمال الاحتجاجية وسقط المناضل الشهيد (عواد رضا الصفار) في أحد احتجاجات ومظاهرات بغداد.

#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات